السبت، 3 نوفمبر 2018

*** الجمال ***

الجمال
»إن الله جميل يحب الجمال» حديث نبوي جاء إجابة عن إشكال خطر في ذهن أحد الصحابة، حيث توهم أن اهتمام الرجل بحسن مظهره في ثوبه ونعله .. قد يكون من الكبر الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ», فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذا التوهم وأبان أن ربنا جل جلاله جميل: جميل في ذاته المقدسة، جميل في صفاته، جميل في أسمائه، جميل في أفعاله، ويكفي في جماله أن كل جمال ظاهر وباطن في الدنيا والآخرة فمن آثار صنعته، فما الظن بمن صدر عنه هذا الجمال؟ ثم هو جل وعلا يحب الجمال في الأقوال والأفعال والثياب والهيأة. ولهذا فإن اهتمام المرء بمظهره ليس من الكبر في شيء إلا إن اقترن به غرور وخيلاء فإن المذموم نفس الغرور والخيلاء.
وتطبيقاً لهذا الحب الإلهي للجمال جاء الإسلام بالتنظف والاغتسال، وحث على إزالة الأوساخ من الجسم بقص الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة وجعل هذا من خصال الفطرة، وأمر بتنظيف الأسنان بالسواك ونحوه، ورغب في استعمال الطيب، حتى كان المسلمون أكثر الناس استعمالاً للطيب في أبدانهم وملابسهم ومساجدهم وأماكن جلوسهم، ومن أبرز ما يذكر هنا فعل ابن الزبير حيث كان يطيب الكعبة حتى يوجد ريحها من طرف الحرم. وكان يضع في رأسه من المسك ما لو كان لرجل لكان رأس مال تجارة.
هذا هو دين الإسلام: أمر بالتجمل والتنظف، أمر باستعمال الروائح الزكية، ليظهر على المسلم أثر نعمة الله تعالى عليه {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} ولهذا لما جاء مالك بن نضلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثياب دون قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألكَ مالٌ» قال: نعم قد أتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا آتاكَ اللهُ مالاً فليُرَ أثرُ نِعْمَةِ اللهِ عليكَ وكرامتِهِ». رواه أبو دواد.
وقد أنكر الخوارج على ابن عباس لبسه قميصاً رقيقاً وحلة فقال ابن عباس: أول ما أخاصمكم به قال الله عز وجل {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} و {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَلبسُ في العيدين بردي حبرة. وفي لفظ لأبي داود في «سُننه»: ما تعيبُون عليَّ؟ لقد رأيتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أحسَنَ ما يكونُ مِن الحُلَلِ .
كما عالج ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مشكلة أخرى في هذا الباب، وهو تزّين الرجل لأمراته، فجاء في «مصنف ابن أبي شيبة» (5/273) عن ابن عباس أنه قال: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لِلْمَرْأَةِ، كَمَا أُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِي الْمَرْأَةُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ }.
وما أجمل ما قاله الحكماء: من نظف ثوبه قلّ همه، ومن طاب ريحه زاد عقله.
ـــــــ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق