أخي المؤمن اعلم وفقني الله وإياك لكل خير أن الله العليم الحكيم الرؤوف الرحيم الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير فتح لعباده أبواب التوبة ودلهم على الاستغفار وجعل لهم من أعمالهم الصالحة كفارات وفي ابتلائهم مكفرات بل إنه بفضله وكرمه يبدل سيئاتهم حسنات
وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَـٰنُ ضَعِيفاً [النساء:27-28]
فيا من وقعت في الذنوب صغيرها وكبيرها عظيمها وحقيرها نداء الله لك
قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ [الزمر:53]
هل تأملت قوله تعالى: يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إنه تعميم لجميع الذنوب بلا استثناء، ولو كانت تلك الذنوب كلها كبائر من حيث النوع ولو ملأت عنان السماء وبلغت عدد رمال الدنيا هذا معنى جَمِيعاً
فكيف يتسلل اليأس بعد هذه الآية إلى نفس مؤمن قد أسرف على نفسه في المعاصي يتلو هذه الآية ويسمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوبة.
التوبة الصادقة تمحو الخطايا مهما كانت حتى الكفر والشرك يقول تعالى:
قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ[الأنفال:38]
وتأمل إلى قتلة الأنبياء ممن قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، وقالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
ناداهم الله جل وعلا بقوله: أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة:74]
وإلى أصحاب الأخدود الذين قتلوا عباد الله المؤمنين بغير ذنب إلا أنهم آمنوا بالله ربهم، ينبههم الله عز وجل إلى أنهم لو تابوا لتاب عليهم وقبلهم
قال تعالى: إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ [البروج:10]
قال الحسن البصري في هذه الآية: (قتلوا أولياءه وهو يعرض عليهم التوبة).
إخوة الإيمان: فتح ربنا أبوابه لكل التائبين، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل
وقال في الحديث القدسي:يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم[رواه مسلم]
هذا من تمام نعمة الله على العبد ، إنه ـ جل وعلا ـ يعرض عليه أن يستغفر إلى الله ويتوب إليه، مع أنه يقول: إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً
أي جميع الذنوب ، من الشرك بالله ، والكفر ، والكبائر ، والصغائر ، كلها يغفرها الله ، ولكن بعد أن يستغفر الإنسان ربه ، ولهذا قال : فاستغفروني أغفر لكم.
أي اطلبوا منى المغفرة حتى أغفر لكم ولكن طلب المغفرة ليس مجرد أن يقول الإنسان :اللهم اغفر لي بل لابد من توبة صادقة يتوب بها الإنسان إلى الله ..
وقال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً [النساء:110]
ومن ظن أن ذنباً لا يتسع له عفو الله فقد ظن بربه ظن السوء
كم من عبد كان من إخوان الشياطين فمنَّ الله عليه بتوبة محت عنه ما سلف فصار صواماً قواماً قانتاًَ لله ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.
قال تعالى : أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:9]
أيها المؤمنون: من تدنس بشيء من قذر المعاصي ـ وكلنا ذاك الرجل ـ فليبادر بغسله بماء التوبة والاستغفار فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين
أيها العاصي: ماذا تراك فعلت ؟ سرقت زنيت قتلت أم أكلت الربا .. والرشوة أم فعلت وفعلت ، كل ذلك يصغر في جنب رحمة الله
أليس الله قد قال: وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء[الأعراف:165]
أوليست ذنوبك شيئاً ؟ بلى والله.. إذاً فأبشر فرحمة الله تسعها.
إن الشيطان ليفرح ويحس بالنصر على من يئس من نفسه أن يتوب وترك التوبة، إنه خطأ عظيم يرتكبه العبد عندما يترك التوبة يأساً من نفسه وقنوطاً من رحمة الله.
إنه الشيطان الذي يجعل المذنب يشعر بأنه رجل غير صالح وأنه صاحب معاصي، وهذا خطأ، لأننا جميعاً أصحاب معاصي
قال صلى الله عليه وسلم:كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون[رواه الترمذي وابن ماجه]
فهل يخرج من هذا العموم أحد؟؟ كلا.. فكلنا ذوو خطأ، وعلينا جميعاً أن نتوب.
إخوة الإيمان: إن من أسباب قنوط بعض الناس من رحمة الله - هداهم الله - أنهم يتوبون ثم يقعون ثم يتوبون ثم يقعون مرة أخرى، ويتكرر ذلك عليهم حتى يرى الواحد منهم أنه غير صادق في توبته، وأن توبته غير مقبولة عند الله. والحق أن هذه الخواطر إنما يلقيها الشيطان في روح العبد حتى إذا وقع في ذنب لا يتوب منه وهذا ما يريده عدو الله. لأن توبة العاصي بعد ذنبه تذهب تعب الشيطان هباء منثوراً، فهو لا يريدك أن تتوب، ولذلك يبث اليأس في نفس ذلك العبد. فإياك إذاً أن تيأس من رحمة الله وتقع في ما هو أكبر من ذنبك.
فاليأس من رحمة الله والقنوط من رحمته كفر لا يجوز لمؤمن الوقوع فيه.
فالمستفيد الوحيد من هذا اليأس هو الشيطان الرجيم حيث يكسب إلى صفه فرداً جديداً يريحه من عناء إغوائه ودفعه إلى الوقوع في المنكرات، فإن اليائس لا يحتاج إلى كبير جهد ليقع فيما حرم الله حيث أنه يرى أنه لا خلاص له من النار، ولذلك فعليه أن يتمتع كما يظن في هذه الدنيا بكل أنواع الملذات ولو كانت حراماً.
وهو لا يدري أنه لا يزداد بذلك إلا شقاء في الدنيا قبل الآخرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق