بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته إخواني الكرام و أخواتي العزيزات
بإذن الله سوف أجمع هنا كل المواضيع المتعلقة بالسور التي شاركتها معكم في المنتدي
✍ لماذا سميت سورتي الفلق وَالنَّاسِ بالمعوذتين؟📔
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) )
سبب نزول السورة الفلق و الناس
حادثة سحر الرسول الكريم روت السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّ الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- قد تعرّض للسحر، وكان ذلك على يد يهوديّ يُقال له "لبيد بن الأعصم"، لكنّ السحر لم يكن يؤثر على كلامه وتعاليمه الدينية التي ينقلها للمسلمين، بل كان السحر بأنّ النبي الكريم يُخيّل إليه أنّه فعل الأمر وهو لم يفعله، أو أنّه ينسى أنّه قد فعله، وقد ورد ذكر هذه القصة في نصّ الحديث الشريف عن عائشة -رضي الله عنها- فقد قالت: "سُحِرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى كانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّه يَفْعَلُ الشَّيْءَ وما يَفْعَلُهُ، حتَّى كانَ ذَاتَ يَومٍ دَعَا ودَعَا، ثُمَّ قالَ: أشَعَرْتِ أنَّ اللَّهَ أفْتَانِي فِيما فيه شِفَائِي، أتَانِي رَجُلَانِ: فَقَعَدَ أحَدُهُما عِنْدَ رَأْسِي والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقالَ أحَدُهُما لِلْآخَرِ ما وجَعُ الرَّجُلِ؟ قالَ: مَطْبُوبٌ، قالَ: ومَن طَبَّهُ؟ قالَ لَبِيدُ بنُ الأعْصَمِ، قالَ: فِيما ذَا، قالَ: في مُشُطٍ ومُشَاقَةٍ وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قالَ فأيْنَ هُوَ؟ قالَ: في بئْرِ ذَرْوَانَ فَخَرَجَ إلَيْهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَقُلتُ اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقالَ: لَا، أمَّا أنَا فقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وخَشِيتُ أنْ يُثِيرَ ذلكَ علَى النَّاسِ شَرًّا ثُمَّ دُفِنَتِ البِئْرُ"،وهو من الأحاديث الصحيحة.
سورة الفلق فيما يقع على الإنسان من المكاره وليس من عمل يده لأن كل ما ذكره ليس من عمل الإنسان ولا يحاسَب عليها وقد تدخل في صحيفة حسناته لأنها مما يقع عليه (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)) لا يملك منها شيئاً.
أما في الناس فهي من عمل الإنسان ومحاسب عليها في الدنيا والآخرة فسورة الناس أخطر لأنه يستعيذ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس من شر المعايب التي يفعلها الإنسان وما في سورة الناس يحاسب عليها في الدنيا والآخرة.
فالأولى في شر المصائب والثانية في شر المعايب، الأولى من شر ما يقع عليه من الآخرين والثانية من شر ما يفعله ويقع على الآخرين فإذن الثانية تحتاج إلى استعاذة كبيرة أكبر من الأولى.
نبدأ ب سورة الفلق
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ )
تبدأ الصورة بقول (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وهو أمر للرسول بأن يعلن هذا الأمر فقال له (قُلْ) ولم يقل (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) الله سبحانه تعالى يريد من الإنسان أن يعلن صراحة عن ضعفه بلسانه وعن حاجته لربه أن يُعلِن ويقول ولا يكتفي بحاجته في قلبه. الخطاب موجه للرسول ثم إلى سائر البشر.
أعوذ بالله: لغة هي بمعنى ألتجأ وأعتصم بالله.
(بِرَبِّ الْفَلَقِ)
جاء في (تفسير الكشاف ) لزمخشري : استعاذ برب الفلق والفلق هو بداية الفجر، إنفلاق الضوء، من ماذا؟ من شر ما خلق بصورة عامة، من شر غاسق، من شر النفاثات في العقد، من شر حاسد إذا حسد، هذه الشرور جميعاً تمس الإنسان في ظاهره، في جسمه، ولا تمس إيمانه أو اعتقاده فكانت الإستعاذة بلفظ واحد من هذه الشرور المتعددة التي هي تتعلق بالشيء الظاهري، بظاهر الإنسان وليس بعقيدته أو بباطنه أو بإيمانه.
-أقسم تعالى بالفلق مقابل أربعة أشياء (من شر ما خلق، من شر غاسق إذا وقب، من شر النفاثات في العقد، من شر حاسد إذا حسد) ولكن رتبها ترتيباً وانتقل من العام إلى الخاص :
(مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) هذا عام،
جاء في (روح المعاني ) لأبي الثناء الألوسي : كل ما خلق، يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها، من الشر الذي فيها،
(وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) هذا أخص لأنه من جملة ما خلق،
جاء في (تفسير الكشاف ) لزمخشري : الغاسق هو الليل، ووقب يعني دخل أي إذا دخل الليل المظلم البهيم، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية،
(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)
جاء في (روح المعاني ) لأبي الثناء الألوسي : ومن شر الجماعات أو النساء السواحر، اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر، هذا أخص وأقل لأن كل يوم يدخل الليل لكن كم عدد النفاثات؟
(وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) أخص وأقل، النفاثات جمع وحاسد مفرد
جاء في (تفسير الكشاف ) لزمخشري : والحاسد، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده،
وبهذا إنتقل من العام إلى الخاص ورتبها ترتيباً بيانياً وهذه قمة البلاغة وهي مقصودة أن ترتب ترتيباً بيانياً فنياً بدقة متناهية.
إذن في هذه السورة إستعاذة بالله من الشرور الواقعة على الإنسان من الخارج ولا يمكنه دفعها كشر المخلوقات، دخول الليل المبهم والحسد والسحر، وهي استعاذة من شرور المصائب.
ننتهي ب سورة الناس
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)﴾.
هنا استعاذ بالربّ، المربي (رب الناس) إذا وقعت للإنسان مشكلة لا يعرف أن يحلها يستعين أولاً بأهل الخبرة وهم الرب والرب هو المرشد والموجّه والمعلم والمربي (رب)، فإذا لم تحل المشكلة يلجأ للسلطة والقضاء (ملك) فإذا لم تحل بالقضاء، تلجأ لله تعالى.
ولم يأت بالواو ما قال رب الناس وملك الناس وإله الناس حتى يدل على أنها ذات واحدة لا تحتمل ذوات متعددة، و عندما حذف الواو أفاد أنها لذاتٍ واحدة.
إذا استعذت بالرب فهو الله وإذا استعذت بالملك فهو الله وإذا استعذت بالإله فهو الله، ذات واحدة. لذا قال (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)).
إذًا كلمة الناس المتكررة كل منها تدل على معنى مختلف لتتناسب مع كلمة رب وملك وإله. فالناس الأولى أقل من الناس التي بعدها والأخيرة فقد تدرج معنى كلمة الناس من القلة إلى الكثرة وأخيرًا
جاء في الآيات السابقة ذكر ثلاثة صفات لربنا تبارك وتعالى.
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)
قل: أمر الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول (قل) والأمر بالقول له أهمية كبيرة هنا ولو حذف الفعل لاختل المعنى المقصود. (قل) للإفصاح عن ضعفه والتجائه إلى ربه، فكلمة (قل) هي من باب الإفصاح والإعلان عن حاجة الإنسان إلى ربه جلّ وعلا،وهو يفصح عن حاجته هذه بنفسه وينطقها بلسانه. ولا يكتفي الإنسان بالشعور بالحاجة إلى ربه لكن ينبغي أن يُعلن حاجته لربه سواء أكان الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره من الناس.
أعوذ بالله: لغة هي بمعنى ألتجأ وأعتصم بالله.
(مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ ) من شر أشد الأعداء ابليس وأعوانه من شياطين الإنس والجن.
جاء في (تفسير الكشاف ) لزمخشري : الوسواس كلمة وسواس على صيغة فعلال وهي صيغة تفيد التكرار لأنه لا ينفك عن الوسوسةويسمى في اللغة (تكرار المقطع لتكرار الحَدَث)* وفيها تكرار المقطع (وس) كما في كلمة كبكب (تكرار كب) وحصحص (تكرار حص) للدلالة على تكرار الحدث. وصيغة فعلال تفيد المبالغة أيضاً إذن كلمة وسواس تفيد المبالغة والتكرار.
(الْخَنَّاسِ)
جاء في (تفسير الكشاف ) لزمخشري : الخنّاس صفة من (الخنوس) وهو الاختفاء، وهي أيضا صيغة مبالغة، وقد أخبرنا الله تعالى عن عدونا أن قصارى ما يستطيع الإنسان فعله هو أن نخنس وسوسته لأن الشيطان باق إلى يوم الدين ولا يمكننا قتله أو فعل أي شيء آخر به وإنما نستعيذ بالله فيخنس الشيطان أو أن نغفل وننسى فنقع في الوسوسة كما جاء في الحديث: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم إن ذكر الله خنس، وإن نسي وسوس)
(الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)
جاء في (تفسير الكشاف ) لزمخشري : ذُكر في الآية مكان الوسوسة وهو الصدور ولم ترد القلوب لأن الصدور أوسع ، وهي كالمداخل للقلب،فمنها تدخل الواردات إلى القلب، والشيطان يملأ الصدر بالوسوسة ومنه تدخل إلى القلب دون أن تترك خلفها ممرا نظيفا يمكن أن تدخله نفحات الإيمان، بل يملأ الساحة بالوساوس قدر استطاعته مغلقا الطريق إلى القلب.
(مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)
الوسواس قسمان فقد يكون من الجِنّة وقد يكون من الناس والناس هم المعتدى عليهم ولذا جاء الآية رب الناس ولم يقل رب الجِنّة والناس لأن الناس لما وقع عليهم الأذى استعاذوا أو أمروا أن يستعيذوا بربهم ليخلّصهم من شر الوسواس والجِنّة هم الأصل في الوسوسة.وقدم الجنة على الناس لأنهم هم الأصل في الوسوسة، والناس تَبَع، وهم المعتدون على الناس، ووسوسة الإنسي قد تكون من وسوسة الجني. والجِنّة هم الأصل في الوسوسة، ولا تقع الوسوسة في صدورهم بل في صدور الإنس.
عندنا الجِنّ يقابله الإنس وهما الثقلان، الجانّ يقابله الإنسان، والجِنّة تقابلها الناس
الجِنّة : معناه المجموعة من الجِانّ ليس كل الجن وإنما أفراد من الجن.
الناس : هم أفراد من الإنس.
فالمستعاذ به مذكور بثلاثة أوصاف وهي الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة واحدة وهي الوسوسة
و الخاتمة في السورة المتقدمة (الفلق) هي سلامة البدن من الآفات المذكورة وفي هذه السورة (الناس) سلامة الدين من الوسوسة الشيطان.
و الله أعلى و أعلم
المصدر كتاب على طريق التفسير البياني
للمؤلف فاضل صالح السامرائي
سورة الفلق ص 25-43
سورة الناس ص 45-57
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته إخواني الكرام و أخواتي العزيزات
بإذن الله سوف أجمع هنا كل المواضيع المتعلقة بالسور التي شاركتها معكم في المنتدي
✍ لماذا سميت سورتي الفلق وَالنَّاسِ بالمعوذتين؟📔
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) )
سبب نزول السورة الفلق و الناس
حادثة سحر الرسول الكريم روت السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّ الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- قد تعرّض للسحر، وكان ذلك على يد يهوديّ يُقال له "لبيد بن الأعصم"، لكنّ السحر لم يكن يؤثر على كلامه وتعاليمه الدينية التي ينقلها للمسلمين، بل كان السحر بأنّ النبي الكريم يُخيّل إليه أنّه فعل الأمر وهو لم يفعله، أو أنّه ينسى أنّه قد فعله، وقد ورد ذكر هذه القصة في نصّ الحديث الشريف عن عائشة -رضي الله عنها- فقد قالت: "سُحِرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حتَّى كانَ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّه يَفْعَلُ الشَّيْءَ وما يَفْعَلُهُ، حتَّى كانَ ذَاتَ يَومٍ دَعَا ودَعَا، ثُمَّ قالَ: أشَعَرْتِ أنَّ اللَّهَ أفْتَانِي فِيما فيه شِفَائِي، أتَانِي رَجُلَانِ: فَقَعَدَ أحَدُهُما عِنْدَ رَأْسِي والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقالَ أحَدُهُما لِلْآخَرِ ما وجَعُ الرَّجُلِ؟ قالَ: مَطْبُوبٌ، قالَ: ومَن طَبَّهُ؟ قالَ لَبِيدُ بنُ الأعْصَمِ، قالَ: فِيما ذَا، قالَ: في مُشُطٍ ومُشَاقَةٍ وجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قالَ فأيْنَ هُوَ؟ قالَ: في بئْرِ ذَرْوَانَ فَخَرَجَ إلَيْهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَقُلتُ اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقالَ: لَا، أمَّا أنَا فقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وخَشِيتُ أنْ يُثِيرَ ذلكَ علَى النَّاسِ شَرًّا ثُمَّ دُفِنَتِ البِئْرُ"،وهو من الأحاديث الصحيحة.
سورة الفلق فيما يقع على الإنسان من المكاره وليس من عمل يده لأن كل ما ذكره ليس من عمل الإنسان ولا يحاسَب عليها وقد تدخل في صحيفة حسناته لأنها مما يقع عليه (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)) لا يملك منها شيئاً.
أما في الناس فهي من عمل الإنسان ومحاسب عليها في الدنيا والآخرة فسورة الناس أخطر لأنه يستعيذ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس من شر المعايب التي يفعلها الإنسان وما في سورة الناس يحاسب عليها في الدنيا والآخرة.
فالأولى في شر المصائب والثانية في شر المعايب، الأولى من شر ما يقع عليه من الآخرين والثانية من شر ما يفعله ويقع على الآخرين فإذن الثانية تحتاج إلى استعاذة كبيرة أكبر من الأولى.
نبدأ ب سورة الفلق
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ )
تبدأ الصورة بقول (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وهو أمر للرسول بأن يعلن هذا الأمر فقال له (قُلْ) ولم يقل (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) الله سبحانه تعالى يريد من الإنسان أن يعلن صراحة عن ضعفه بلسانه وعن حاجته لربه أن يُعلِن ويقول ولا يكتفي بحاجته في قلبه. الخطاب موجه للرسول ثم إلى سائر البشر.
أعوذ بالله: لغة هي بمعنى ألتجأ وأعتصم بالله.
(بِرَبِّ الْفَلَقِ)
جاء في (تفسير الكشاف ) لزمخشري : استعاذ برب الفلق والفلق هو بداية الفجر، إنفلاق الضوء، من ماذا؟ من شر ما خلق بصورة عامة، من شر غاسق، من شر النفاثات في العقد، من شر حاسد إذا حسد، هذه الشرور جميعاً تمس الإنسان في ظاهره، في جسمه، ولا تمس إيمانه أو اعتقاده فكانت الإستعاذة بلفظ واحد من هذه الشرور المتعددة التي هي تتعلق بالشيء الظاهري، بظاهر الإنسان وليس بعقيدته أو بباطنه أو بإيمانه.
-أقسم تعالى بالفلق مقابل أربعة أشياء (من شر ما خلق، من شر غاسق إذا وقب، من شر النفاثات في العقد، من شر حاسد إذا حسد) ولكن رتبها ترتيباً وانتقل من العام إلى الخاص :
(مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) هذا عام،
جاء في (روح المعاني ) لأبي الثناء الألوسي : كل ما خلق، يشمل جميع ما خلق الله، من إنس، وجن، وحيوانات، فيستعاذ بخالقها، من الشر الذي فيها،
(وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) هذا أخص لأنه من جملة ما خلق،
جاء في (تفسير الكشاف ) لزمخشري : الغاسق هو الليل، ووقب يعني دخل أي إذا دخل الليل المظلم البهيم، وتنتشر فيه كثير من الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية،
(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)
جاء في (روح المعاني ) لأبي الثناء الألوسي : ومن شر الجماعات أو النساء السواحر، اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر، هذا أخص وأقل لأن كل يوم يدخل الليل لكن كم عدد النفاثات؟
(وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) أخص وأقل، النفاثات جمع وحاسد مفرد
جاء في (تفسير الكشاف ) لزمخشري : والحاسد، هو الذي يحب زوال النعمة عن المحسود فيسعى في زوالها بما يقدر عليه من الأسباب، فاحتيج إلى الاستعاذة بالله من شره، وإبطال كيده،
وبهذا إنتقل من العام إلى الخاص ورتبها ترتيباً بيانياً وهذه قمة البلاغة وهي مقصودة أن ترتب ترتيباً بيانياً فنياً بدقة متناهية.
إذن في هذه السورة إستعاذة بالله من الشرور الواقعة على الإنسان من الخارج ولا يمكنه دفعها كشر المخلوقات، دخول الليل المبهم والحسد والسحر، وهي استعاذة من شرور المصائب.
ننتهي ب سورة الناس
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ(6)﴾.
هنا استعاذ بالربّ، المربي (رب الناس) إذا وقعت للإنسان مشكلة لا يعرف أن يحلها يستعين أولاً بأهل الخبرة وهم الرب والرب هو المرشد والموجّه والمعلم والمربي (رب)، فإذا لم تحل المشكلة يلجأ للسلطة والقضاء (ملك) فإذا لم تحل بالقضاء، تلجأ لله تعالى.
ولم يأت بالواو ما قال رب الناس وملك الناس وإله الناس حتى يدل على أنها ذات واحدة لا تحتمل ذوات متعددة، و عندما حذف الواو أفاد أنها لذاتٍ واحدة.
إذا استعذت بالرب فهو الله وإذا استعذت بالملك فهو الله وإذا استعذت بالإله فهو الله، ذات واحدة. لذا قال (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3)).
إذًا كلمة الناس المتكررة كل منها تدل على معنى مختلف لتتناسب مع كلمة رب وملك وإله. فالناس الأولى أقل من الناس التي بعدها والأخيرة فقد تدرج معنى كلمة الناس من القلة إلى الكثرة وأخيرًا
جاء في الآيات السابقة ذكر ثلاثة صفات لربنا تبارك وتعالى.
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)
قل: أمر الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يقول (قل) والأمر بالقول له أهمية كبيرة هنا ولو حذف الفعل لاختل المعنى المقصود. (قل) للإفصاح عن ضعفه والتجائه إلى ربه، فكلمة (قل) هي من باب الإفصاح والإعلان عن حاجة الإنسان إلى ربه جلّ وعلا،وهو يفصح عن حاجته هذه بنفسه وينطقها بلسانه. ولا يكتفي الإنسان بالشعور بالحاجة إلى ربه لكن ينبغي أن يُعلن حاجته لربه سواء أكان الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره من الناس.
أعوذ بالله: لغة هي بمعنى ألتجأ وأعتصم بالله.
(مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ ) من شر أشد الأعداء ابليس وأعوانه من شياطين الإنس والجن.
جاء في (تفسير الكشاف ) لزمخشري : الوسواس كلمة وسواس على صيغة فعلال وهي صيغة تفيد التكرار لأنه لا ينفك عن الوسوسةويسمى في اللغة (تكرار المقطع لتكرار الحَدَث)* وفيها تكرار المقطع (وس) كما في كلمة كبكب (تكرار كب) وحصحص (تكرار حص) للدلالة على تكرار الحدث. وصيغة فعلال تفيد المبالغة أيضاً إذن كلمة وسواس تفيد المبالغة والتكرار.
(الْخَنَّاسِ)
جاء في (تفسير الكشاف ) لزمخشري : الخنّاس صفة من (الخنوس) وهو الاختفاء، وهي أيضا صيغة مبالغة، وقد أخبرنا الله تعالى عن عدونا أن قصارى ما يستطيع الإنسان فعله هو أن نخنس وسوسته لأن الشيطان باق إلى يوم الدين ولا يمكننا قتله أو فعل أي شيء آخر به وإنما نستعيذ بالله فيخنس الشيطان أو أن نغفل وننسى فنقع في الوسوسة كما جاء في الحديث: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم إن ذكر الله خنس، وإن نسي وسوس)
(الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)
جاء في (تفسير الكشاف ) لزمخشري : ذُكر في الآية مكان الوسوسة وهو الصدور ولم ترد القلوب لأن الصدور أوسع ، وهي كالمداخل للقلب،فمنها تدخل الواردات إلى القلب، والشيطان يملأ الصدر بالوسوسة ومنه تدخل إلى القلب دون أن تترك خلفها ممرا نظيفا يمكن أن تدخله نفحات الإيمان، بل يملأ الساحة بالوساوس قدر استطاعته مغلقا الطريق إلى القلب.
(مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)
الوسواس قسمان فقد يكون من الجِنّة وقد يكون من الناس والناس هم المعتدى عليهم ولذا جاء الآية رب الناس ولم يقل رب الجِنّة والناس لأن الناس لما وقع عليهم الأذى استعاذوا أو أمروا أن يستعيذوا بربهم ليخلّصهم من شر الوسواس والجِنّة هم الأصل في الوسوسة.وقدم الجنة على الناس لأنهم هم الأصل في الوسوسة، والناس تَبَع، وهم المعتدون على الناس، ووسوسة الإنسي قد تكون من وسوسة الجني. والجِنّة هم الأصل في الوسوسة، ولا تقع الوسوسة في صدورهم بل في صدور الإنس.
عندنا الجِنّ يقابله الإنس وهما الثقلان، الجانّ يقابله الإنسان، والجِنّة تقابلها الناس
الجِنّة : معناه المجموعة من الجِانّ ليس كل الجن وإنما أفراد من الجن.
الناس : هم أفراد من الإنس.
فالمستعاذ به مذكور بثلاثة أوصاف وهي الرب والملك والإله والمستعاذ منه آفة واحدة وهي الوسوسة
و الخاتمة في السورة المتقدمة (الفلق) هي سلامة البدن من الآفات المذكورة وفي هذه السورة (الناس) سلامة الدين من الوسوسة الشيطان.
و الله أعلى و أعلم
المصدر كتاب على طريق التفسير البياني
للمؤلف فاضل صالح السامرائي
سورة الفلق ص 25-43
سورة الناس ص 45-57
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق