ارحموا السلفية .. فإنَّ منكم منفرين!
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن من عظيم نعم الله على العبدِ المسلم أن يوفقه الله تعالى إلى سبيلِ التوحيد والسنة، ويجنبه مسالك أهل الأهواء، ثم يستقيم على ذلك ولا يحيد عنه يميناً أو شمالاً، لأن من الناشئة من يوفَّق للسنة مدة من الزمن، ثم تزل به القدم إلى مقالة سوء وهو يحسب أنه من الذين يحسنون صنعاً! ويظنها من الإسلام والسنة وما هي من الإسلام والسنة! ويحسبها أنها من السلفية وهي عن السلفية بعيد!
فمن أكرمه الله تعالى بالسلفية ومنهج أهل السنة فعليه أن يجتهد في (الثبات والاستقامة) على منهج السلف الصالح في جميع أقواله وأفعاله وأحواله التي يَتعبد بها إلى الله تعالى، وهذا من الاستقامة التي هي قرينة الإيمان والإقرار كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت: 30] وكما روى مسلمٌ في "صحيحه" عن سفيان بن عبدالله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً، لا أسألُ عنه أحداً بعدك، قال: قل آمنت بالله ثم استقم». فمجرد إشهار الإيمان لا يكفي إلا مع الاستقامة على معالمه وشرائعه، وكذلك مجرد إشهار الانتساب للسلفية لا يكفي إلا مع الاستقامة على نهج السلف الصالح في كل معالمه الفارقة عن أهل البدع والأهواء.
وإنني في هذا المقال أبادل النفس ببوحٍ أجزم بأنه يجول ويصول في صدور الكثير من إخواني السلفيين، مما يرونه من كثير من المنتسبين إلى السلفية –اليوم- وهم يسيئون لها بقبيح أفعالهم، ومشين أقوالهم، حتى طُعِنَ في السلفية النقية بأسبابهم، وصرفت وجوهٌ عنها بفظاظة تصرفاتهم وشتائمهم وسِبَابهم!
نعم؛ إن من السلفيين اليوم من هم ينفرون ويفتنون الناس في دينهم، ويُسيئون إلى منهج السلف بقبائح الأقوال، وعجائب الأفعال، والظلم والجهل، بل: والحزبية المقيتة للأشخاص، وذمِّ أقوامٍ بما هو فيمن يحبون فلا يُذم! وتنصيب آخرين للولاء والبراء، والحُبِّ والبغضِ، حتى يُعطى بالقُربى لهم صكُّ السلفية من عدمه! وهم ليسوا من عُمد أئمة الإسلام، ولا من كبار الأئمة الأعلام، حتى أوشك أن يقال إنها (حزبية مقيتة تحت لباس السلفية).
نعم؛ لا مجاملة في الدين، ولا مداهنة في تبيين سبيل المؤمنين، وإن لم نسعَ جميعاً إلى تصحيح السلفية، والعودة بأمثال هؤلاء الأغمار إلى رياض العلم والأدب، وتربيتهم على (محبة الخير للناس) و(لين الخطاب) و(احترام العلماء) و(فقه الأولويات) و(الاهتمام بأوضاع الأمة) و(الرباط في مجالس العلماء) و(العناية بكتب الأئمة الأعلام) و(مقالاتهم وعقائدهم) وإلا فعلى السلفية الصادقة السلام!
ارحموا السلفية:
فليست السلفية مجرد (الجرح والتعديل) و(التماس العثرات) و(تتبع الزلات) وتنصيب الأغمار الصغار لتلك المهام! وإشغالهم عن العلم والعمل، والدعوة إلى الله تعالى، ومحبة الخير للناس، فالسلف لا يُحصي عددهم إلا الله، والجرح والتعديل وبيان أحوال الرجال مهمة من يكفي ويفي من أهل العلم والتقوى والمراقبة والنصح للمسلمين، وهم الذين يعرفون موجبات الجرح، ودلائل التعديل، ويقدّرون العقوبات من الزجر والهجر، والقطيعة والتأديب بقدرها الشرعي.
واليوم! شان هؤلاء القومُ السلفيةَ؛ وصار الكلُّ جرَّاحين ومعدِّلين! ونقاداً للرجال، وركبوا في هذا الميدان الصعبَ والذَّلول، وتكلم لُكع الصغير، والجاهل الحقير، بل وحديث العهد بالإسلام، الذي ما عرف مبادئ الشريعة، ولا أصول الملة، ولا أحكام الطهارة والصلاة، فيدخل الإسلام على وجوب الولاء لفلان، والعداء لفلان، ويركض في المنتديات والمحافل بقيل وقال!
ومن أكثر من شيء عُرف به! فمجّت الأسماع مقالاتهم، وكرهت الأنظار أطروحاتهم، وسئمت النفوس التقية من مجالسهم! بل وحساباتهم في (تويتر) ومواقعهم في الانترنت!
هذه ليست سلفية ....
ارحموا السلفية:
نعم للتحذير من البدع وأهل البدع بأعيانِهم، وبيان أحوالِهم، وكشف عوارِهم، في كل وسيلة مرئية ومسموعة ومطبوعة.
ولكن: بالعلم والعدل والعقل لا بالجهل والظلم والطيش.
أسلافنا قالوا لنا: (حذروا منهم واسألوا بكم العافية).
أي: استقيموا على العلم والعمل، ويكفي من التحذير ما تقوم به الكفاية، ويُستوفى به الغرض، وتظهر به الحجة، ثم يتجه السلفي الحق إلى (العلم) و(العمل) ويرفع عن نفسه (الجهل) و(الكسل).
أما أن يُشغل الناشئة ... والأحداث ... بالرد والردود، ونقد الرجال والطوائف، فإن هذا من قبيح الأدواء، وضياع العلم والعمل، حتى صار بعضهم يحفظ من كلام (سيد قطب) و(سلمان العودة) و(السويدان) وغيرِهم من أهل الضلال ما يوازي مهمات المتون! ولو صرفوا هممهم إلى تلك المتون لكان خيراً لو كانوا يعلمون.
ارحموا السلفية:
علموا الناشئة ما يبقى معهم ويستفيدون منه، ولا تلقنونهم ما يذهب مع الزمان، فالرجال يموتون، والمقالات تظهر وتختفي، ولكن التوحيد والسنة والصلاة والطهارة وشعائر الدين تبقى معهم حتى اليقين! فهذه أولى لهم لو كنتم تعقلون.
ارحموا السلفية:
ولا تفسدوها بِجَرَبِ التصنيف المعدي! والتسابق إلى ذلك، فأعظم الداء اليوم أُراه في موطنين:
أولهما: الجهل في تمييز الطوائف، فما إن يخالف شخص بمقالة لا يهوونها إلا وألقموا حلق التاريخ بطائفةٍ تنسب إليه يغص بها في هذا الزمان! حتى تجاوزت هذه الآفة الخطافة إلى السلفية نفسها! فخلال عشرين عاماً فقط! ولّدوا لنا (الحدادية والمغرواية والعرورية والمأربية والعبّادية والحجورية والفالحية والمدخلية ..).
إلى متى يا عباد الله؟
ارحموا السلفية:
ومن أخطأ قولوا أخطأ فلان .. أو فلان ومن معه ... ولا حاجة إلى تلك التصنيفات المحدثة.
والثاني: تصنيف الناس بالظِنَّة والشكوك! وجهلهم بموجبات إلحاق الأشخاص بالطوائف، فليس كل من تكلم في السياسة ولبس العقال وتحلّى بالكبك!!! إخوانياً، ولا كل من مال إلى الزهد والدعوة يكون تبليغياً، ولا من كفّر الطواغيت والزنادقة يصبح خارجياً، ولا من أثنى على صاحب بدعة خفي عليه أمره يلحق بحزبه كما يقولون ويظنون!
ارحموا السلفية:
واعرفوا موجبات النقد والذم، ومتى يُلحق الشخص بطائفة اتفق العلماء على ضلالها وخروجها عن السنة، ومتى لا يُلحق، ولا تظلموا الناس.
نعم؛ ارحموا السلفية:
واعرفوا فضل العلماء وإن زلّوا وأخطأوا، واتركوا نقد العلماء للعلماء، ولا تفتحوا الباب للجهال، وتعودوهم على الجرأة على العلماء، فوالله لن يرحموكم ولن يرحموا علماءكم لو خالفوكم، وقد وقع هذا! حتى تجرأ الأقماع الهمج الرعاع اليوم على الشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني والمدخلي وغيرهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قولوا للجاهل: اسكت؛ ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
قولوا للجاهل: اسكت؛ فهذا عالمٌ نسأل الله له الغفران، وهو خيرٌ منك يعلم الناس الخير، وانتفع به خلق كثير.
قولوا للجاهل: اسكت؛ وابدأ بنفسك، وارفع الجهل عنها، وخذ من حيث أخذ العلماء، ولك العبرة في وقوع العلماء في الزلل، فما ظنك بأهل الغي والجهل؟!
أدبوهم ... لقنوهم حب الناس ... ورحمة الخلق ... والحرص على هدايتهم.
ارحموا السلفية:
واعرفوا ماذا يريد الناس منكم؛ وخاصة في خارج هذه البلاد، ولا تُصدِّروا نزاعاتِكم إلى بلدانٍ هي بحاجة إلى ما عند أجهلنا وأفسقنا! من (العلم والإيمان).
يتصارع أهل السنة في بلاد القوقاز بما يصدر إليهم من (احذروا من فلان) ولا (تسمعوا لفلان) وهم ما عرفوا والله قواعد الشريعة ولا أصول الملة.
تقاتلوا والله بالسِّلاح في بعض البلدان الأوربية بسبب أنك مع الشيخ فلان وأنا مع الشيخ فلان!
يسعى المسلم السَّلفي بالمسلم السَّلفي عند الحكومة الكافرة لكي يسجنوه ويفتنوه في دينه لأنه يخالفه في تعظيم شيخه، والثناء على منهجه!
بل يرتد حديث العهد في الإسلام عن دينه! لما يدخل يريد الإيمان والراحة والطمأنينة وسكون القلب! إلا وهو يصبح بجدال ... ويمسي في تضليل!
هم غرباء ... قلة ... في بلدانٍ لا تحكم بشرع الله، ولا تؤمن بجنة ولا نار، ثم تُصدَّر لهم من دولة التوحيد والسنة: النزاعات الوضيعة الهزيلة التي فخَّمها هؤلاء الحمقى بالجهل والهوى والحزبية المقيتة، حتى يتهاجر المسلمون هناك، وتضعف شوكتهم؟
ارحموا السلفية:
والله ما طعن غالب خصومكم اليوم في (كتاب التوحيد) و(ثلاثة الأصول) ولا (العقيدة الواسطية) فهم أحقر من النيل من تلك الجبال الراسيات! ولكن نفّروا الناس عنكم بأفعالكم وأقوالكم، وخروجكم عن سبيل العلماء الراسخين.
عاش شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى سبعين سنة! منذ عام 1350هـ وهو يقرر الدعوة السلفية وينشرها، وينافح من دونها، والله ما وجدوا عليه ما نخجل من ذِكْرِهِ، ونَفْحَمُ في الجواب عنه! فعادوا خاسئين.
وهكذا هم المتبعون الصادقون، والسلفيون المخلصون، قيامهم لله، وقولهم في طاعته، وأفعالهم على السنة، ويرحمون الناس، ويبنون الحق بدليله وتعليله.
ارحموا السلفية:
وإياكم والظَّن، فإن الظَّن أكذبُ الحديث، وعليكم بالبينات والإثبات، وعرضه على ميزان العلم والعدل، وبحُكْمِ الحزم والرحمة، ولا تجعلوا السلفية (بيت الشيخ فلان) فمن دخله كان سلفياً.
السلفية دين النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهج الصحابة والتابعين وأئمة الدين، ولا يخرج عنها إلا بحجة ويقين لا بالهوى والنفس والشيطان.
ارحموا السلفية:
فأسلافنا وإن تكلموا في أهل البدع وزبروهم وهجروهم هم أئمة في الفقه، أئمة في السنة، أئمة في الزهد، أئمة في الورع، أئمة في حسن الخلق، أئمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أئمة في الجهاد في سبيل الله، أئمة في كل خصال الخير، فكونوا سلفيين حقاً مثلهم، ولا تحصروا السلفية في باب دون باب! ولا تميلوا فيها إلى جنابٍ دون جناب.
اقرءوا في تراجم أئمة الجرح والتعديل! كشعبة وسفيان وعبدالرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد ويحيى بن معين وأحمد وإسحاق وغيرهم...
انظروا للعز والمجد، تأملوا في العلم والعمل، قفوا على الفقه والحكمة، انتهلوا من الزهد والورع، هنا تكونون سلفيين حقاً وصدقا.
ارحموا السلفية:
واعرفوا أحكام الزمان والمكان، وما يقال وما لا يقال، وما يُبدأ به وما لا يُبدأ به، وكل ذلك لن تصلوا إلى معرفة صفاته الكاشفة الفارقة إلا:
[1] بسلطان العلم.
[2] ورجحان العقل.
ثم دافعوا عن الإسلام والسنة كافة! ولا تتكلموا في منكر خفيٍّ والظاهرُ أفحش، ولا في بدعة صغرى والجارف أكبر! ولا في رجلٍ مغمور وتتركون من خطره أعظم!
ارحموا السلفية:
فالله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة: 208] فخذوا الدين من كل جوانبه، ورابطوا في الثغور.
فنريد فقيهاً سلفياً يبين للناس أحكام دينها بفقه وسنةٍ سلفية.
ونريد واعظاً سلفياً يقرع القلوب بالخوف من الله والتشويق للجنة بعلمٍ وسنة.
ونريد محتسباً سلفياً يدافع عن الدين، وينفي عنه انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وتحريف الغالين، بعلمٍ وسنة.
ونريد تربوياً سلفياً يعتني بقضايا الأسرة والمرأة والشباب، ويوجههم توجيهاً سليماً بعلمٍ وسنة.
نريد في كل مجالٍ رجالٍ على علم وسنة.
هذه السلفية التي نريد...
ارحموا السلفية:
وكفانا فرقة وشتاتاً، وتهاجراً وتدابراً، وقد جعلكم الله -عباد الله- إخوانا، كونوا رحمةً على بعضكم البعض، بشِّروا ولا تُنفِّروا، ويسِّروا ولا تعسِّروا، وتطاوعوا ولا تختلفوا، هذه وصية نبيكم محمد صلى الله عليهم وسلم لكل سلفيٍّ صادق.
وختاماً:
لا يهمني حين يفرح بكلامي هذا (إخوانيٌّ مفتون متربص) أو(سُروريٌّ متغطرس) أو(خارجي مارد) أو(تبليغيٍ غبي) أو حتى (أشعري ضال) أو (رافضي بغيض) أو (ليبرالي لعين).
فلسنا في حزبٍ تُمرَّرُ فيه الوصايا والقرارات من تحت الطاولات! وتُملى فيه اللوائح في دهاليز الخلوات!
أنا ديني السلفية، وعنها أذب، ومن حولها أدافع، وبإخواني السلفيين حريص، وكلامي عن (زلات) الأفراد (للتصحيح والتصفية والتربية) وصيانة لـ(منهج السلفية) ممّا ينسب إليه وليس هو منه.
فما كتبته طبٌّ إن شاء الله، ومن الطبِّ الكَيْ! فلعلَّها كَيّة يعقُبها الشِّفاء، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه
بدر بن علي بن طامي العتيبي
سحر ليلة الاثنين 27 رجب 1435هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق