بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
منقووووووووووووووووول
السلام عليكم
منقووووووووووووووووول
هؤلاء هم الغرباء
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد و على آله، و صحبه أجمعين .
أما بعد :
على المسلم أيها الأحبة أن يعيش في هذه الدنيا الفانية غريبا بين أهلها ، لأنه لم يُخلق من أجلها ولن يستقر فيها بل هي جسره للآخرة ، وما زرع فيها سيحصده يوم القيامة بإذن الله تعالى .
فعن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبِي فقال:" كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أو عَابِرُ سَبِيلٍ" . رواه البخاري ( 6053)
قال الحافظ المناوي–رحمه الله-:"(كن في الدنيا كأنك غريب)أي:عش بباطنك عيش الغريب عن وطنه بخروجك عن أوطان عاداتها ومألوفاتها،بالزهد في الدنيا، والتزود منها للآخرة فإنها الوطن،أي:أن الآخرة هي دار القرار،كما أن الغريب حيث حل نازع لوطنه ومهما نال من الطرف أعدَّها لوطنه،وكلما قرب مرحلة سرَّه،وإن تعوق ساعة ساءه،فلا يتخذ في سفره المساكن والأصدقاء،بل يجتزئ بالقليل قدر ما يقطع به مسافة عبوره".فيض القدير (5/51)
و المؤمن المتمسك بدينه ،المتبع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الدنيا أشد غربة ، وأكثر وحشةً ، فهو غريب بين المتمسكين بالبدع و الشبهات ! وحيد بين الساعين للملذات و الشهوات .
ومصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا ، فطوبى للغرباء " . رواه مسلم ( 145) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- .
قال التوربشتي -رحمه الله- : "يريد أن الإسلام لما بدأ في أول الوهلة نهض بإقامته والذب عنه ناس قليلون من الصحابة فشردوهم عن البلاد فأصبحوا غرباء ، أو فيصبح أحدهم معتزلاً مهجوراً كالغرباء ثم يعود آخراً إلى ما كان عليه لا يكاد يوجد من القائلين به إلا الإفراد ".مرقاة المفاتيح (1/361)
لكن بتوفيق الله للمؤمن ،ثم بعقيدته الراسخة ومنهجه القويم لا يتأثر بهؤلاء! ، بل يقينه قوي و همته عالية لإصلاح ما أفسد هؤلاء من أمور الدين و الدنيا .
قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-:"فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون،المغبوطون،ولقلتهم في الناس جدا سموا غرباء فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات فأهل الإسلام في الناس غرباء،والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء،وأهل العلم في المؤمنين غرباء،وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فهم غرباء،والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة،ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا فلا غربة عليهم".مدارج السالكين(3/ 195)
أيها الأفاضل لقد أدرك سلفنا الصالح -رحمهم الله- معنى غربة أهل الحق وقلتهم، فأوصوا المتمسكين به سؤال الله الثبات عليه وبذل الأسباب لتحقيق ذلك، و نصرة بعضهم بعضا و التعاون فيما بينهم.
يقول الإمام سفيان الثوري (161هـ) –رحمه الله- :" استوصوا بأهل السنة خيرا فإنهم غرباء ". شرح اعتقاد أهل السنة للالكائي ( 49)
وقال الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي (285هـ) -رحمه الله- لأصحابه : من تعدون الغريب عندكم، وفي زمانكم ؟ فقال رجل : الغريب من نأى عن وطنه ، وقال آخر : الغريب من فارق أحبابه . فقال إبراهيم : "الغريب في زماننا رجل صالح عاش بين قوم صالحين إن أمر بالمعروف آزروه وإن نهى عن المنكر أعانوه وإن احتاج إلى سبب من الدنيا أعطوه ثم ماتوا وتركوه في غربته يعاني مع الهمج الرعاة" . تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ( 6/36)
أيها الأحبة إن غربة المؤمن وقلة معاونيه أمر قد كتبه الله قبل خلق السماوات و الأرض بخمسين ألف سنة ، ابتلاءا لعباده المؤمنين ، وليميز بذلك الخبيث من الطيب ، قال تعالى( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم) [آل عمران : 179 ]
قال الشيخ السعدي–رحمه الله-:" أي:ما كان في حكمة الله أن يترك المؤمنين على ما أنتم عليه من الاختلاط وعدم التميز حتى يميز الخبيث من الطيب، والمؤمن من المنافق والصادق من الكاذب،ولم يكن في حكمته أيضا أن يطلع عباده على الغيب الذي يعلمه من عباده،فاقتضت حكمته الباهرة أن يبتلي عباده، ويفتنهم بما به يتميز الخبيث من الطيب من أنواع الابتلاء والامتحان،فأرسل الله رسله وأمر بطاعتهم،والانقياد لهم والإيمان بهم،ووعدهم على الإيمان والتقوى الأجر العظيم، فانقسم الناس بحسب اتباعهم للرسل قسمين:مطيعين وعاصين ومؤمنين ومنافقين ومسلمين وكافرين، ليرتب على ذلك الثواب والعقاب،وليظهر عدله وفضله وحكمته لخلقه".تفسير السعدي(ص 158)
فعلى المؤمن المتمسك بعقيدته السليمة و منهجه القويم أيها الكرام أن لا يَحزَن من قلة السالكين على طريقه،و لا يغتر بكثرة مخالفيه و يَتذكر دائما أن الحق لا يعرف بالكثرة.
قال الإمام الفضيل بن عياض –رحمه الله- :"اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين ". الاعتصام للشاطبي ( 1/83)
ويقول الإمام ابن القيم–رحمه الله-:"وإياك أن تغتر بما يغتر به الجاهلون،فإنهم يقولون لو كان هؤلاء على حق لم يكونوا أقل الناس عددا،والناس على خلافهم فاعلم أن هؤلاء هم الناس ومن خالفهم فمشبهون بالناس وليسوا بناس، فما الناس إلا أهل الحق وإن كانوا أقلهم عددا ". مفتاح دار السعادة ( 1 /147)
فعليك يا من وفقك الله لاتباع الحق، و يسر لك معرفة الصراط المستقيم، و السير عليه، وجنبك مضلات الفتن و الأهواء أن تحمد الله على هذه النعمة العظيمة ، وتعلم أنك سلكت طريقا ليس مفروشا بالورود بل لابد من أنك ستؤذى كما أوذي من كان قبلك من الأنبياء و الصالحين ، لكن أبشر بعاقبة صبرك وتحملك للأذى بإذن الله .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:"فإنه لابد من أذى لكل من كان في الدنيا فإن لم يصبر على الأذى في طاعة الله بل اختار المعصية كان ما يحصل له من الشر أعظم مما فر منه بكثير ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا )[ التوبة :49]،ومن احتمل الهوان والأذى في طاعة الله على الكرامة والعز في معصية الله كما فعل يوسف عليه السلام وغيره من الأنبياء والصالحين، كانت العاقبة له في الدنيا والآخرة وكان ما حصل له من الأذى قد انقلب نعيما وسرورا كما أن ما يحصل لأرباب الذنوب من التنعم بالذنوب ينقلب حزنا وثبورا ". مجموع الفتاوى ( 15/ 132)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى و صفاته العليا أن ينصر الحق و أهله في كل مكان ، ويثبت من سار عليه ، ويرفع قدرهم في الدارين ، ويجزيهم خير الجزاء على ثباتهم وعدم اغترارهم بالباطل،فهو سبحانه ولي ذلك و القادر عليه .
وصلَّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أبو عبد الله حمزة النايلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق