يروي الشّيخان في صحيحيهما من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يكره النّوم قبل العشاء، والحديث بعدها.
قال الإمام النّووي رحمه الله: ”وسبب كراهة النّوم قبلها أنّه يعرّضها لفوات وقتها باستغراق النّوم، أو لفوات وقتها المختار والأفضل، ولئلّا يتساهل النّاس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة، وسبب كراهة الحديث بعدها أنّه يؤدّي إلى السّهر، ويخاف منه غلبة النّوم عن قيام اللّيل، أو الذِّكر فيه، أو عن صلاة الصّبح في وقتها الجائز، أو في وقتها المختار أو الأفضل، ولأنّ السّهر في اللّيل سبب للكسل في النّهار عمّا يتوجّه من حقوق الدّين والطّاعات ومصالح الدّنيا، والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور الّتي لا مصلحة فيها، أمّا ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه، وذلك كمُدارسة العلم، وحكايات الصّالحين، ومحادثة الضيف والعروس للتّأنيس، ومحادثة الرّجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم، والحديث في الإصلاح بين النّاس والشّفاعة إليهم في خير، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك، فكلّ هذا لا كراهة فيه”. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب النّاس على ذلك ويقول: أسمرا أوّل اللّيل ونوما آخره!.
فمن مفاسد السّهر أنّه يؤدّي إلى إضاعة صلاة الفجر غالبًا، فيحرم المسلم نفسه من الأجر والثّواب، ويعرّضها لعقوبة الله، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}، وقال سبحانه: {وَقُرْآَنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}، وفي الصّحيح عنه صلّى الله عليه وسلّم: ”مَن صلّى صلاة الصّبح فهو في ذمّة الله، فلا يطلبنّكم الله من ذمّته بشيء، فإنّه من يطلبه من ذمّته بشيء يدركه ثمّ يكبّه على وجهه في نار جهنّم”، وورد في الصّحيح أيضًا أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لن يلج النّار أحد صلّى قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها” يعني: الفجر والعصر.
ومن آفات السّهر أنّه يؤدّي إلى النّوم عن قيام اللّيل، قال تعالى مبيّنًا صفات عباده المؤمنين المتّقين: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، وقال أيضًا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}. ورد في مستدرك الحاكم من حديث سهل بن سعد السّاعدي رضي الله عنه قال: جاء جبريل عليه السّلام إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”يا محمّد، عِش ما شئتَ فإنّك ميّت، وأحْبِب مَن أحببتَ فإنّك مُفارِقُه، واعمل ما شِئْت فإنّك مجزيّ به، يا محمّد إنّ شرف المؤمن قيام اللّيل وعِزّه استغناؤه عن النّاس”.
ومن مفاسده أيضًا إضاعة الوقت فيما لا فائدة فيه، وهذا الوقت سيُسأل عنه العبد يوم القيامة، فعند الترمذي من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا تزول قدمَا عبد يوم القيامة حتّى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه”، وهذا لمَن كان سهره في المباح، أمّا إذا كان سهره على المحرّمات متنقّلًا بين موقع وآخر، أو التحدّث في أعراض المسلمين، أو إيذاء الجوار برفع صوت تلفازه، أو غير ذلك من المنكرات، فقد جمع إلى هذه القبائح إضاعة وقته فيما يغضب ربّه، ومن هنا فلا يجوز للمسلم أن يسهر سهرًا يترتّب عليه إضاعته لصلاة الفجر في الجماعة أو في وقتها، ولو كان ذلك في قراءة القرآن أو طلبه العلم، فكيف إذا كان سهره على التلفاز أو لعب الورق أو الدومين كما هو ملاحظ خاصة في اللّيالي الصيفية، فمَن كان على هذه الشّاكلة فهو آثم، ومستحق لعقوبة الله.
ومن الآفات المترتّبة على السّهر، الأضرار الصحية الّتي تنتج عنه، فإنّ الله تعالى جعل اللّيل سكنًا للنّاس، قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ}، ويقول سبحانه: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا}، أي: وجعلنا بمقتضى حكمتنا ورحمتنا نومكم سُبَاتًا، أي: قطعًا للحركة، لتحصل لكم للرّاحة الّتي لا تستطيعون مواصلة العمل إلّا بعدها. ويقول الحقّ سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ}. فاللّيل والنّهار قد فصل الله فيهما الأحوال والأحكام، فجعل اللّيل سكنًا والنّهار معاشًا، جعل اللّيل راحة وطمأنينة، وجعل النّهار مرتعًا خصبًا للأعمال، وبذل الأسباب في طلب الرّزق، وإنّ من اعتاد سهر اللّيل بدون عبادة أو دون حاجة، فقد خالف الفطرة الّتي فطر الله النّاس عليها.
والنّوم في السّاعات الأولى من اللّيل لا يعوَّض، وقد استثنى العلماء السّهر إذا كان في طاعة الله، وفيه مصلحة شرعية، كقيام اللّيل أو الدّعوة إلى الله أو الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، أو طلب علم، أو السّهر مع الضّيف أو الزّوجة. ففي المسند من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا سمر بعد الصّلاة يعني العشاء الآخرة إلّا لأحد رجلين مصلّ أو مسافر”. لذا ينبغي على المؤمن أن يحرص على التّبكير في نومه، حرصًا على تطبيق السنّة، وتخلّصًا من آفة السّهر ومفاسده، وعليه أن يحرص على آداب النّوم؛ كالنّوم على طهارة والمداومة على الأذكار الشّرعية قبل النّوم، وغير ذلك من الآداب الّتي ذكرها أهل العلم.
منقول
قال الإمام النّووي رحمه الله: ”وسبب كراهة النّوم قبلها أنّه يعرّضها لفوات وقتها باستغراق النّوم، أو لفوات وقتها المختار والأفضل، ولئلّا يتساهل النّاس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة، وسبب كراهة الحديث بعدها أنّه يؤدّي إلى السّهر، ويخاف منه غلبة النّوم عن قيام اللّيل، أو الذِّكر فيه، أو عن صلاة الصّبح في وقتها الجائز، أو في وقتها المختار أو الأفضل، ولأنّ السّهر في اللّيل سبب للكسل في النّهار عمّا يتوجّه من حقوق الدّين والطّاعات ومصالح الدّنيا، والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور الّتي لا مصلحة فيها، أمّا ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه، وذلك كمُدارسة العلم، وحكايات الصّالحين، ومحادثة الضيف والعروس للتّأنيس، ومحادثة الرّجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم، والحديث في الإصلاح بين النّاس والشّفاعة إليهم في خير، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك، فكلّ هذا لا كراهة فيه”. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب النّاس على ذلك ويقول: أسمرا أوّل اللّيل ونوما آخره!.
فمن مفاسد السّهر أنّه يؤدّي إلى إضاعة صلاة الفجر غالبًا، فيحرم المسلم نفسه من الأجر والثّواب، ويعرّضها لعقوبة الله، قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}، وقال سبحانه: {وَقُرْآَنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}، وفي الصّحيح عنه صلّى الله عليه وسلّم: ”مَن صلّى صلاة الصّبح فهو في ذمّة الله، فلا يطلبنّكم الله من ذمّته بشيء، فإنّه من يطلبه من ذمّته بشيء يدركه ثمّ يكبّه على وجهه في نار جهنّم”، وورد في الصّحيح أيضًا أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لن يلج النّار أحد صلّى قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها” يعني: الفجر والعصر.
ومن آفات السّهر أنّه يؤدّي إلى النّوم عن قيام اللّيل، قال تعالى مبيّنًا صفات عباده المؤمنين المتّقين: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، وقال أيضًا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}. ورد في مستدرك الحاكم من حديث سهل بن سعد السّاعدي رضي الله عنه قال: جاء جبريل عليه السّلام إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”يا محمّد، عِش ما شئتَ فإنّك ميّت، وأحْبِب مَن أحببتَ فإنّك مُفارِقُه، واعمل ما شِئْت فإنّك مجزيّ به، يا محمّد إنّ شرف المؤمن قيام اللّيل وعِزّه استغناؤه عن النّاس”.
ومن مفاسده أيضًا إضاعة الوقت فيما لا فائدة فيه، وهذا الوقت سيُسأل عنه العبد يوم القيامة، فعند الترمذي من حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا تزول قدمَا عبد يوم القيامة حتّى يُسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه”، وهذا لمَن كان سهره في المباح، أمّا إذا كان سهره على المحرّمات متنقّلًا بين موقع وآخر، أو التحدّث في أعراض المسلمين، أو إيذاء الجوار برفع صوت تلفازه، أو غير ذلك من المنكرات، فقد جمع إلى هذه القبائح إضاعة وقته فيما يغضب ربّه، ومن هنا فلا يجوز للمسلم أن يسهر سهرًا يترتّب عليه إضاعته لصلاة الفجر في الجماعة أو في وقتها، ولو كان ذلك في قراءة القرآن أو طلبه العلم، فكيف إذا كان سهره على التلفاز أو لعب الورق أو الدومين كما هو ملاحظ خاصة في اللّيالي الصيفية، فمَن كان على هذه الشّاكلة فهو آثم، ومستحق لعقوبة الله.
ومن الآفات المترتّبة على السّهر، الأضرار الصحية الّتي تنتج عنه، فإنّ الله تعالى جعل اللّيل سكنًا للنّاس، قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ}، ويقول سبحانه: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا}، أي: وجعلنا بمقتضى حكمتنا ورحمتنا نومكم سُبَاتًا، أي: قطعًا للحركة، لتحصل لكم للرّاحة الّتي لا تستطيعون مواصلة العمل إلّا بعدها. ويقول الحقّ سبحانه: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ الله عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ}. فاللّيل والنّهار قد فصل الله فيهما الأحوال والأحكام، فجعل اللّيل سكنًا والنّهار معاشًا، جعل اللّيل راحة وطمأنينة، وجعل النّهار مرتعًا خصبًا للأعمال، وبذل الأسباب في طلب الرّزق، وإنّ من اعتاد سهر اللّيل بدون عبادة أو دون حاجة، فقد خالف الفطرة الّتي فطر الله النّاس عليها.
والنّوم في السّاعات الأولى من اللّيل لا يعوَّض، وقد استثنى العلماء السّهر إذا كان في طاعة الله، وفيه مصلحة شرعية، كقيام اللّيل أو الدّعوة إلى الله أو الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، أو طلب علم، أو السّهر مع الضّيف أو الزّوجة. ففي المسند من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”لا سمر بعد الصّلاة يعني العشاء الآخرة إلّا لأحد رجلين مصلّ أو مسافر”. لذا ينبغي على المؤمن أن يحرص على التّبكير في نومه، حرصًا على تطبيق السنّة، وتخلّصًا من آفة السّهر ومفاسده، وعليه أن يحرص على آداب النّوم؛ كالنّوم على طهارة والمداومة على الأذكار الشّرعية قبل النّوم، وغير ذلك من الآداب الّتي ذكرها أهل العلم.
منقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق