الخميس، 1 أغسطس 2019

بين تحكيم الدمقراطية والخروج على الحاكم أول فتنة للمسلمين

بإسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :

إن أول فتنة حدثث في الأمة الإسلامية كانت في زمن خلافة عثمان رضي الله عنه عندما تمرد عليه الثوار

وخرجوا عليه و قتلوه ، ولم تنته الفتنة عند موت عثمان رضي الله عنه بل مازال هذا النهج قائما إلى يومنا هذا

بعد مرور 14 قرن وفي كل عهد تبتلى أمة بقوم لا يفقهون ولا يعقلون فيدمرون أمتهم بأيديهم ويحاربون أنفسهم بأنفسهم .

ولما كان دين الإسلام دينا منزلا من عند خبير عليم حكيم فإن الله سبحانه أرسل رسوله بالهدى ليدلهم على الصراط المستقيم ولم يترك خيرا إلا وأمرهم به ولم يترك شرا إلا ونهاهم عنه فأصلح لهم دينهم ودنياهم ، ومن أطاع الرسول فقد فاز في الدنيا والآخرة .

وبما أن الله سبحانه هو خالق الإنسان وهو منزل القرآن فكان لابد من توافق بين الفطرة والتشريع إذ أن الذي خلق هو نفسه الذي شرّع .

ولأن العقل والفطرة والشرع يتفقون على أنه لا حياة للإنسان بدون نظام ولا نظام بدون حاكم يجتمع عليه الناس و ويصبر كل شخص على الأذى في سبيل تحقيق المصلحة العامة ، أمرنا الله سبحانه بطاعة ولي الأمر وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الخروج عليه أو منازعته في أحاديث كثيرة جدا حتى أصبح الصبر على ظلم الحاكم أصلا من أصول أهل السنة والجماعة .

وقد حكى الإجماع على ذلك الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى فقال:"وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأنّ طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء".
(الفتح (13/ 7))
ونقل الامام النووى -رحمه الله - الإجماع على ذلك فقال في واما الخروج عليهم وقتالهم فحرام باجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين وقد تظاهرت الاحاديث على ماذكرته واجمع اهل السنه انه لاينعزل السلطان بالفسق
(شرح النووى 12/229)

وكما قيل : فإِنَّ النَّارَ بالعُودَيْنِ تُذْكَى ... وإِنَّ الحَرْبَ أَوَّلُها كَلامُ

ولهذا كان من المعلوم أن اللسان هو الذي يسبق العاصفة التي تدمر كل شيء فسدّ الشرع هذا الباب حتى في النصيحة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون سرا في قوله : مَن كانت عندَهُ نصيحةٌ لِذي سُلطانٍ فليأخذْ بيدِهِ فلْيخلُ بهِ فإن قبلَها قبلَها وإن ردَّها كانَ قد أدَّى الَّذي عليهِ

الراوي:عياض بن غنم المحدث:الألباني المصدر:تخريج كتاب السنة الجزء أو الصفحة:1098 حكم المحدث:صحيح

ولكن أقواما من المشاققين لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعجبهم هذا و كانت أهواؤهم أقوى وأحب إليهم من قول نبينا ومربينا صلى الله عليه وسلم ،فنسبوا الوحي المعصوم للبشر وجعلوا وكأن الأمر بنصيحة الحاكم سرا هي قول البشر وليست بتشريع ملزم لكل مسلم وهذا ما ذكرني بالآيات القرآنية التي نزلت في الوليد إبن المغيرة في قوله تعالى : ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)

وقد قالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ: «لا أُعِينُ عَلَى دَمِ خَلِيفَةٍ أَبَدًا بَعْدَ عُثْمَانَ». قَالَ فَيُقَالُ لَهُ: يَا أَبَا مَعْبَدٍ أَوَ أَعَنْتَ عَلَى دَمِهِ؟ فَقَالَ: «إِنِّي لأَعُدُّ ذِكْرَ مَسَاوِيهِ عَوْنًا عَلَى دَمِهِ». [رواه ابن سعد في الطبقات (6/115)، وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/362)، وغيرهما].

وقد بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم بيانا شافيا لا نحتاج إلى البحث بعدها في كيفية التعامل مع الحاكم الظالم أو في حالة إن لم يؤد ولي الأمر حقوق الرعية

عَنْ وائل بن حجر - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ :يَا نَبِيَّ الله، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ؟ ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ؟ ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الأشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّـمَـا عَلَيْهِمْ مَـا حُــمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُـــمِّـــلْــتُمْ.
[مسلم1846]

عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
إِنَّهَا سَتَكُونُ بَـعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُـنْــكِرُونَهَا ،قَالُوا : يَا رَسُولَ الله، كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ
قَالَ: تُؤَدُّونَ الْـحَقَّ الَّذِي عَـلَيْـكُمْ وَتَسْأَلُونَ الله الَّذِي لَــــكُمْ.
(أثرة = استئثار بالأموال) [البخاري3603 / مسلم1846]

عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ الله، لا نَسْأَلُكَ عَنْ طَاعَةِ مَنِ اتَّقَى، وَلَكِنْ مَنْ فَعَلَ وَفَعَلَ، فَذَكَرَ الشَّرَّ، فَقَالَ: اتَّقُوا الله، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا.
[ابن أبي عاصم في السنة1069]

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَــالَ: مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِر، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَــــاهِلِيَّـــــةً.
[البخاري7053 / مسلم1851]

عن عَوْف بْنَ مَالِكٍ الأشْجَعِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:
خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُـحِبُّونَهُمْ وَيُــحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ ،وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ، قَالُوا: قُلْنَا يَا رَسُولَ الله، أَفَلا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟، قَالَ: لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، لا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ أَلا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ الله، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ الله، وَلا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ. [مسلم1856]

وهذه بعض الأحاديث لا كلها ، فهل إذا قرأ مسلم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ينشرح صدره ويطمئن قلبه أم يسودّ وجهه ويقع مثل المغشي عليه !!

ونزيد على هذا كلام إمامين كبيرين :

قال البربهاري -رحمه الله-: (إذا رأيتَ الرجل يدعو على السلطان؛ فاعلم أنه صاحب هوى، وإذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح؛ فاعلم أنه صاحب سنة -إن شاء الله تعالى- ). [شرح السنة للبربهاري صـ 113].
وقَالَ الفُضَيْلُ بن عِيَاض: «لَوْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ لَمْ أَجْعَلْهَا إِلَّا فِي إِمَامٍ؛ لِأَنَّهُ إِذَا صَلُحَ الإِمَامُ أَمِنَ البِلَادُ وَالعِبَادُ». قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: «يَا مُعَلِّمَ الخَيْرِ، مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَى هَذَا غَيْرُكَ». [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (1/193)].
ويا ليث الأمور توقفت عند هذه الفتنة بل إن العالم الإسلامي أبتلي بفتنة أخرى أكبر وأكبر فصارت الفتنة فتنتين والله المستعان ............... يتبع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق