الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فقَدْ وَرَد سؤالٌ مِنْ بعض الإخوة مِنْ «مِصْرَ» ـ حَرَسها اللهُ مِنْ كُلِّ سوءٍ ومكروهٍ ـ استفسارًا عن حكمِ عزلِ الإمام الأعظم بما نصُّه:
«شيخَنا الحبيب، سؤالٌ في غاية الأهمِّية نودُّ منكم الإجابةَ عليه:
أوَّلًا: هل صحَّ عن أحَدٍ مِنْ علماء السلفِ القولُ بجوازِ عزلِ الإمام إذا فَسَق، ولكِنْ بشروطٍ:
١ ـ أَنْ يكون فسقُه فسقًا كبيرًا وعظيمًا.
٢ ـ أَنْ يكون العزلُ مِنْ قِبَل أهلِ الحَلِّ والعقد وأهلِ الشوكة، وليس مِنَ العوامِّ.
٣ ـ أَنْ لا تحدث فتنةٌ مِنْ جرَّاءِ العزل؟
ثانيًا: هل هناك فرقٌ في كلام علماء السلف بين الخروج والعزل والانعزال، وأنَّ الخروج والانعزال محرَّمٌ بالإجماع، وأمَّا العزلُ فجائزٌ بهذه الشروط؟
ثالثًا: هل تصحُّ نسبةُ ذلك إلى أحَدٍ مِنَ السلف، أو القولُ بأنَّ المسألة ـ أي: مسألة العزل بهذه الشروط المذكورةِ ـ خلافيةٌ بين السلف؟
أجيبونا مأجورين للأهمِّية».
فأقول جوابًا عنه مستعينًا بالله عزَّ وجلَّ:
اعْلَمْ أنَّ مِنْ شرائط الإمامة العظمى أَنْ لا يتولَّى مَنْصِبَها ـ ابتداءً ـ إلَّا المسلمُ العدل؛ فلا تنعقد لفاسقٍ بَلْهَ لكافرٍ، وهذا شرطٌ متَّفَقٌ عليه بين أهل العلم، قال القرطبيُّ ـ رحمه الله ـ: «لا خلافَ بين الأمَّة أنه لا يجوز أَنْ تُعْقَد الإمامةُ لفاسقٍ»(١).
فإِنْ طَرَأ على إمامٍ عادلٍ فسقٌ: فإمَّا أَنْ يَصِل به فسقُه إلى الكفر والرِّدَّة أو لا؟ على حالتين:
الحالة الأولى:
إذا طَرَأ على إمامٍ عادلٍ فسقٌ وَصَل به إلى حدِّ الكفر والردَّةِ عن الإسلام فإنه يُعْزَل وجوبًا(٢)؛ إذ لا ولايةَ للكافر على المسلم عند العلماء قولًا واحدًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا ١٤١﴾ [النساء]، وفي حديثِ عبادة بنِ الصامت رضي الله عنه: «بَايَعَنَا ـ أي: رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ـ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»(٣)؛ وممَّنْ نَقَل الإجماعَ على ذلك الحافظُ ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ بما نصُّه: «أنه ـ أي: الإمام ـ ينعزل بالكفر إجماعًا؛ فيجب على كُلِّ مسلمٍ القيامُ في ذلك؛ فمَنْ قَوِي على ذلك فله الثوابُ، ومَنْ داهن فعليه الإثمُ، ومَنْ عَجَز وجبَتْ عليه الهجرةُ مِنْ تلك الأرض»(٤)، ومِنْ قبله قرَّره القاضي عياضٌ ـ رحمه الله ـ حيث قال: «أجمع العلماء على أنَّ الإمامة لا تنعقد لكافرٍ، وعلى أنه لو طَرَأ عليه الكفرُ انعزل .. فلو طَرَأ عليه كفرٌ وتغييرٌ للشرع .. خَرَج عن حكم الولاية وسقطَتْ طاعتُه، ووَجَب على المسلمين القيامُ عليه وخلعُه ونَصْبُ إمامٍ عادلٍ إِنْ أمكنهم ذلك، فإِنْ لم يقع ذلك إلَّا لطائفةٍ وَجَب عليهم القيامُ بخلع الكافر»(٥)، [بتصرُّفٍ].
الحالة الثانية:
إِنْ طَرَأ على الإمام فسقٌ لم يَصِلْ به إلى الكفر أو الرِّدَّة عن دِين الإسلام فلا خلافَ بين أهل السنَّة أنَّ الإمام أو السلطان لا ينعزل بالفسق مطلقًا؛ وقد تظافرَتِ النصوصُ الواردة في الحضِّ والحثِّ على طاعةِ وُلَاةِ الأمر ـ في غيرِ معصيةٍ ـ وهي ـ أيضًا ـ كثيرةٌ مستفيضةٌ تمنع مِنَ الخروج على الأئمَّة لِمَا في ذلك مِنْ إحياء الفتنة، وتأمر بالصبر على جَوْرِ الأئمَّةِ وعدمِ نزع اليد مِنَ الطاعة، ولِمَا يترتَّب على عزل الإمام أو السلطان مِنْ فِتَنٍ وإراقةٍ للدِّماء، وجريًا على ما تُمليهِ القواعدُ المقاصدية، مِنْ أنَّ دفع المفاسدِ مقدَّمٌ على جلب المصالح، قال ابنُ أبي العزِّ ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا لزومُ طاعتِهم وإِنْ جاروا فلأنه يترتَّب على الخروج مِنْ طاعتهم مِنَ المفاسدِ أضعافُ ما يحصل مِنْ جَوْرِهم، بل في الصبر على جَوْرِهم تكفيرُ السيِّئاتِ ومضاعفةُ الأجور؛ فإنَّ الله تعالى ما سلَّطهم علينا إلَّا لفسادِ أعمالِنا، والجزاءُ مِنْ جنس العمل؛ فعلينا الاجتهادُ في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل؛ قال تعالى: ﴿وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ ٣٠﴾ [الشورى]، وقال تعالى: ﴿أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡ﴾ [آل عمران: ١٦٥]، وقال تعالى: ﴿مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَ﴾ [النساء: ٧٩]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعۡضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعۡضَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ١٢٩﴾ [الأنعام]، فإذا أراد الرعيَّةُ أَنْ يتخلَّصوا مِنْ ظُلمِ الأمير الظالم فَلْيتركوا الظُّلمَ»(٦)، فمِنْ هذه النصوص الشرعية:
ـ قولُه تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ﴾ [النساء: ٥٩].
ـ حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، [وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ]»(٧).
ـ حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(٨).
ـ حديثُ أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ»(٩).
ـ حديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ»(١٠).
ـ حديثُ عوف بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ»، قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟» فَقَالَ: «لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ»(١١).
ـ حديثُ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ»(١٢).
ـ حديثُ أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: «إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ»(١٣).
ـ حديثُ وائل بنِ حُجْرٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا؛ فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ»(١٤).
ـ حديثُ أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «اسْمَعُوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا فِي عُسْرِكُمْ وَيُسْرِكُمْ وَمَنْشَطِكُمْ وَمَكْرَهِكُمْ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكُمْ، وَلَا تُنَازِعُوا الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ»(١٥).
ـ حديثُ حُذَيْفة بنِ اليمان رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»(١٦).
وغيرها مِنَ الأحاديث الصحيحة.
ومِنْ كلام الأئمَّة الذي يقرِّرُ إجماعَ السلف على السمع والطاعة لأئمَّةِ المسلمين وإِنْ جاروا وظلموا وفجروا، وأنَّ الإمام لا ينعزل بالفسق: ما ذَكَره ابنُ بطَّة ـ رحمه الله ـ بقوله: «وقد أجمعَتِ العلماءُ ـ مِنْ أهل الفقه والعلم، والنُّسَّاك والعُبَّاد والزُّهَّاد، مِنْ أوَّلِ هذه الأمَّةِ إلى وقتِنا هذا ـ: أنَّ صلاة الجمعة والعيدين ومِنًى وعرفاتٍ والغزوَ والجهادَ والهديَ مع كُلِّ أميرٍ، بَرٍّ أو فاجرٍ، وإعطاءَهم الخراجَ والصدقاتِ والأعشارَ جائزٌ، والصلاةَ في المساجد العظام التي بنَوْها، والمشيَ على القناطر والجسورِ التي عقدوها، والبيعَ والشراء وسائرَ التجارةِ والزراعةِ والصنائع كلها في كُلِّ عصرٍ ومع كُلِّ أميرٍ جائزٌ على حكم الكتاب والسنَّة، لا يضرُّ المحتاطَ لدِينه والمتمسِّكَ بسنَّةِ نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم ظلمُ ظالمٍ ولا جَوْرُ جائرٍ إذا كان ما يأتيهِ هو على حكم الكتاب والسنَّة، كما أنه لو باع واشترى ـ في زمن الإمام العادل ـ بيعًا يخالف الكتابَ والسنَّةَ لم ينفعه عدلُ الإمام، والمحاكمة إلى قُضاتهم ورَفْع الحدود والقصاص وانتزاع الحقوق مِنْ أيدي الظلمة بأُمَرائهم وشُرَطِهم، والسمع والطاعة لمَنْ ولَّوْه ـ وإِنْ كان عبدًا حبشيًّا ـ إلَّا في معصية الله عزَّ وجلَّ؛ فليس لمخلوقٍ فيها طاعةٌ»(١٧)، وقال الصابونيُّ ـ رحمه الله ـ: «ويرى أصحابُ الحديثِ الجمعةَ والعيدين وغيرَهما مِنَ الصلوات خلف كُلِّ إمامٍ مسلمٍ بَرًّا كان أو فاجرًا، ويرَوْن جهادَ الكَفَرةِ معهم وإِنْ كانوا جَوَرةً فَجَرةً، ويرَوْن الدعاءَ لهم بالإصلاح والتوفيقِ والصلاحِ وبسطِ العدل في الرعيَّة، ولا يرَوْن الخروجَ عليهم بالسيف وإِنْ رأَوْا منهم العدولَ عن العدل إلى الجَوْر والحيف، ويرَوْن قتالَ الفئةِ الباغية حتَّى ترجع إلى طاعة الإمامِ العدل»(١٨)، وقال أبو الحسن الأشعريُّ ـ وهو يُعدِّد ما أجمعَ عليه السلفُ مِنَ الأصول ـ: «وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمَّةِ المسلمين، وعلى أنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ شيئًا مِنْ أمورهم عن رِضًى أو غلبةٍ وامتدَّتْ طاعتُه مِنْ بَرٍّ وفاجرٍ لا يَلْزَمُ الخروجُ عليهم بالسيف جارَ أو عَدَل، وعلى أَنْ يغزوا معهم العدوَّ، ويُحَجَّ معهم البيتُ، وتُدْفَعَ إليهم الصدقاتُ إذا طلبوها، ويُصلَّى خلفهم الجُمَعُ والأعيادُ»(١٩)، وقال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «لا تُنازِعوا وُلَاةَ الأمورِ في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلَّا أَنْ ترَوْا منهم مُنْكَرًا محقَّقًا تعلمونه مِنْ قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأَنْكِروه عليهم وقولوا بالحقِّ حيث ما كنتم، وأمَّا الخروجُ عليهم وقتالُهُم فحرامٌ بإجماع المسلمين وإِنْ كانوا فَسَقَةً ظالمين، وقد تَظاهرَتِ الأحاديثُ بمعنَى ما ذكَرْتُه، وأجمعَ أهلُ السنَّةِ أنه لا ينعزل السلطانُ بالفسق»(٢٠).
هذا، والقول بأنَّ ظهور الفسق مِنَ الإمام مُوجِبٌ لعزلِه أو انعزالِه مطلقًا هو مذهبُ المعتزلة والخوارج(٢١)، ونَسَبه بعضُهم إلى الجمهور كالقرطبيِّ(٢٢)، ونَسَبه الزبيديُّ إلى الشافعيِّ في القديم(٢٣)، وكلاهما غيرُ صحيحٍ، ولعلَّ مقصود القرطبيِّ بالجمهور: أكثريةُ الأشاعرة، أمَّا نسبتُه إلى الشافعيِّ ـ رحمه الله ـ فهو على غيرِ اعتقاده ومذهبِه، وإنما هو مذهبُ بعضِ الشافعية، وبه جَزَم الماورديُّ ـ رحمه الله ـ في «الأحكام السلطانية»، وأصحُّ المنقولِ عنه ما ذَهَب إليه الرافعيُّ والنوويُّ ـ رحمهما الله ـ: أنه لا ينعزل الإمامُ بالفسق(٢٤)، وهو الموافِقُ لمذهب الشافعيِّ، بخلافِ مذهب بعض الشافعية المرجوح؛ فقَدْ غلَّطه النوويُّ ـ رحمه الله ـ بقوله: «وأمَّا الوجهُ المذكور في كُتُب الفقه لبعضِ أصحابنا أنَّه يَنعزِلُ، وحُكِيَ عن المعتزلة ـ أيضًا ـ فغلطٌ مِنْ قائله مخالفٌ للإجماع»(٢٥)، وفيه قولٌ مفصِّلٌ بالشروط بين المذهبين وسطٌ بينهما.
ولا يخفى أنَّ مُجْمَل هذه الأقوالِ محجوجةٌ بإجماع السلف، وهي مُخالِفةٌ لِمَا تضمَّنَتْه النصوصُ الشرعية السالفةُ البيان، القاضيةُ بصحَّةِ مذهبِ أهل السنَّة.
وليس لمُجْمَل المُخالِفين لأهل السنَّة مِنْ دليلٍ يتمسَّكون به سوى ما يُشترَطُ في عقدِ مَنْصِبِ الإمامة، وهي أنها لا تنعقد لفاسقٍ ـ أوَّلًا ـ أو استدلالُهُم بالمعقول ـ ثانيًا ـ ويتمثَّل في بيان الغرض مِنَ الإمامة، وهو: حمايةُ الدِّين ورفعُ الظلم وتحقيقُ العدل بإقامةِ الحدود، وحفظِ الأموال والنفوس، واستيفاءِ الحقوق وغيرِها مِنَ المَهامِّ، فإذا انتفَتْ هذه الخصالُ عن الإمام انتفى مقصودُ الإمامة ولَزِم البطلانُ والانعزال.
والمعلوم أنَّ شرطَ مَنْصِبِ الإمامة لا ينعقد لفاسقٍ ـ ابتداءً ـ إجماعًا، وهي مسألةٌ مُبايِنةٌ لصورةِ مسألةِ طروء الفسق على الإمام العدل؛ إذ تحكم ـ هذه الأخيرةَ ـ النصوصُ الناهية عن الخروج على الأئمَّةِ والآمرةُ بالصبر على جَوْرهم وعدمِ نزعِ اليد مِنْ طاعتهم وإصلاحِ ما بأَنْفُس الناس، ومع تبايُنِ صورةِ المسألتين يتعذَّر إلحاقُ أحَدِهما بالآخَر.
أمَّا المعقول فلا اعتبارَ له لمصادَمتِه للنصوص السابقةِ البيان، ولإجماعِ السلف كما تقرَّر في القواعد الأصولية؛ إذ «لَا قِيَاسَ وَلَا اجْتِهَادَ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَالإِجْمَاعِ».
ولعلَّ بعض المُخالِفين يَستدِلُّ بخروجِ بعض الصحابة كالحُسين بنِ عليٍّ وعبد الله بنِ الزُّبَير رضي الله عنهم، والقولُ المَرْضيُّ أنه لم يخرج مِنَ الصحابةِ رضي الله عنهم أحَدٌ، فأمَّا الحسين رضي الله عنه فقَدْ قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ في حقِّه: «فإنه رضي الله عنه لم يفرِّق الجماعةَ، ولم يُقْتَل إلَّا وهو طالبٌ للرجوع إلى بلده أو [إلى] الثغر أو إلى يزيد، داخلًا في الجماعة، مُعْرِضًا عن تفريقِ الأُمَّة»(٢٦)، وأمَّا ابنُ الزبير رضي الله عنه فقَدْ قال ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ في براءته مِنَ الخروج ما نصُّه: «ثمَّ هو كان الإمامَ بعد موتِ مُعَاوِية بنِ يزيد لا محالةَ، وهو أرشدُ مِنْ مروان بنِ الحكم، حيث نازعه بعد أَنِ اجتمعَتِ الكلمةُ عليه، وقامَتِ البَيْعَةُ له في الآفاق، وانْتَظَمَ له الأَمْرُ، واللهُ أعلمُ»(٢٧)، وقد أكَّد هذا المعنى الشيخُ ربيع بنُ هادي ـ حفظه اللهُ وسدَّده ـ حيث قال: «فابنُ الزبير بايع له الناسُ، ولمَّا بايعوا يزيدَ هَرَب إلى مكَّة ولم يُرِدْ قتالًا ولا فتنةً، وكان أميرَ مكَّةَ أخوه، فأبى ابنُ الزبير أَنْ ينزعه ويُجَرْجِرَه، بعدها مات يزيدُ فبايع الناسُ ابنَ الزبير إلَّا جزءًا مِنَ الشام، فتَحرَّك مروان بنُ الحكم مِنَ الشام ومعه بعضُ بني أُمَيَّة ليُبايِعوا ابنَ الزبير رضي الله عنه، فواجهوا ـ في طريقهم ـ ابنَ زيادٍ، فقالوا له: «نذهب نُبايِعُ هذا الأميرَ»، فقال لهم: «تُبايِعون ابنَ الزبير وعندكم شيخُ قريشٍ؟!»، فبايَعوا مروانَ، فرجعوا وأعلنوا الخروجَ على عبد الله بنِ الزبير، فابنُ الزبير لم يخرج على أحَدٍ، بل كان على مروانَ أَنْ يُبايِعَه، فبدأ القتالَ وأكمله عبدُ الملك بنُ مروان»(٢٨)؛ ولهذا قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «ومذهبُ أهلِ الحقِّ أنَّ ابنَ الزبير كان مظلومًا، وأنَّ الحجَّاج ورُفْقتَه كانوا خوارجَ عليه»(٢٩)، وأضاف الشيخ ربيع ـ حفظه الله ـ قائلًا: «الشاهدُ: أنه لم يخرج أحَدٌ مِنَ الصحابة، والحسين بنُ عليٍّ رضي الله عنه ما كان خارجًا، ونَدِم رضي الله عنه، فالذين بايعوه وكاتبوه مِنَ الشيعة استقبلوه بالسيوف، فقال لهم: «اتركوني أرجع أو أذهب إلى الجهاد أو إلى يزيد»، فلم يرضَوْا إلَّا بقتله، فيزيدُ لم يَرْضَ بقتله، ولم يُرِدِ الحسينُ قَتْلَ يزيدَ ولم يأتِ لقتاله، وإنما خدعوه واستخرجوه مِنْ مكَّةَ، فلما قَدِم عليهم استقبلوه بالسيوف وقتلوه؛ كافأهم اللهُ بما يَستحِقُّون»(٣٠).
هذا، ولا فَرْقَ بين العزل والانعزال عن العمل أو المَهَمَّة مِنْ جهة المعنى؛ فهو التنحيةُ والإبعادُ والإمالة؛ فيُقالُ: «عَزَله عن العمل» أي: نحَّاهُ عنه وأَبْعَده(٣١)، والعزل يحتاج إلى فاعلٍ للتعدية، بينما «انعزل عن العمل» يأتي لمعنًى واحدٍ وهو المطاوعةُ التي هي قَبولُ تأثيرِ غيره، ومطاوعُ «عَزَل»، أي: انزوى عن العمل وابتعد عنه وتنحَّى، ويقع ـ على الأكثر ـ لازمًا غيرَ متعدٍّ، ولا يكون إلَّا في الأفعال العلاجية ﻛ «فَسَخ» و«انفسخ»، و«كَسَر» و«انكسر»، و«قَطَع» و«انقطع»؛ فيأتي لمطاوعة الثلاثيِّ كثيرًا(٣٢).
والقول بوجودِ فرقٍ بين عزل الإمام الأعظم وانعزالِه في باب الفسق والظلم مِنْ جهة الشرع وترتيبِ أحكامٍ مُغايِرةٍ بينهما لا أساسَ له ـ عندي ـ مِنَ الصحَّة، ولا يشهد له دليلٌ ولا اعتبارٌ.
وأمَّا ما نُقِل مِنْ كلام الفقهاء في التنصيص على الفرق بين عزل الإمام الأعظمِ وانعزالِه بالفسق كما جاء في «الذخيرة» للقرافي(٣٣) أو في «قواعد الأحكام» للعزِّ بنِ عبد السلام(٣٤) أو في «المغني» لابن قدامة(٣٥)؛ فإنما هو في عزل الإمامِ نُوَّابَه بالفسق وكذا القُضاةَ وغيرَهم مِنْ أهل الولايات، وهذا خارجٌ عن الموضوع ـ أوَّلًا ـ ولأنه لا فَرْقَ بينهما مِنَ جهة المعنى ـ ثانيًا ـ إذ الانعزالُ يأتي لمعنى المُطاوَعة التي هي قَبولُ تأثيرِ غيره دون العزل، مع اشتراكهما في معنى التنحية والإبعاد والإمالة ـ كما تقدَّم ـ ولأنَّ الإمام إذا كان لا يَنعزِلُ بالفسق ـ إجماعًا ـ فلا يُعزَلُ مِنْ بابٍ أَوْلى، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «وأجمعَ أهلُ السُّنَّة أنه لا ينعزل السلطانُ بالفسق، وأمَّا الوجهُ المذكور في كُتُب الفقه لبعضِ أصحابنا أنه يَنعزِل ـ وحُكِي عن المعتزلةِ أيضًا ـ فغلطٌ مِنْ قائله مُخالِفٌ للإجماع؛ قال العلماء: وسببُ عدمِ انعزاله وتحريمِ الخروج عليه: ما يترتَّب على ذلك مِنَ الفتن وإراقةِ الدماء وفسادِ ذاتِ البَيْن؛ فتكون المفسدةُ في عزله أكثرَ منها في بقائه ... وقال جماهيرُ أهل السُّنَّة مِنَ الفقهاء والمحدِّثين والمتكلِّمين: لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يُخلَعُ، ولا يجوز الخروجُ عليه بذلك، بل يجب وعظُه وتخويفُه؛ للأحاديث الواردةِ في ذلك»(٣٦).
وعليه، فإنَّ جملة النصوصِ الحديثيَّة الواردةِ في هذا الشأنِ جمعَتْ بين لزوم الطاعة وتحريمِ المُنابَذةِ والمقاتلة والخَلْعِ والخروج، ولو سُلِّم ـ جدلًا ـ وجودُ الفرق بين مسألة عزل السلطان وانعزاله فإنَّ النصوص الحديثيَّة نَفْسَها هي ـ في حدِّ ذاتها ـ شاملةٌ لها، ومِنْ ورائها حكمةٌ واحدةٌ مُتجلِّيَةٌ في درء المفسدة الناجمةِ عن نزع اليد مِنَ الطاعة، والمتمثِّلةِ في: الفِتَن وإراقةِ الدِّماء وفسادِ ذاتِ البين، وغيرِها مِنَ الآثار السيِّئة على الأُمَّة.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١١ ربيع الثاني ١٤٣٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٩ جانفي ٢٠١٧م
(١) «تفسير القرطبي» (١/ ٢٧٠).
(٢) هذا، والقول بوجوبِ عزلِ الحاكم الكافر لا يكون إلَّا بتوفُّرِ شروطٍ وانتفاءِ موانع؛ وقد ذَكَر العلماءُ شروطًا تتعلَّق بالحاكم، وأخرى تتعلَّق بأهل الحلِّ والعقد المُوكَلِ إليهم مباشرةُ عزل الإمام، مِنْ جملتها: القدرة على إزالته، وأَنْ لا يسبِّب عزلُه والخروجُ عليه مفسدةً أكبرَ مِنَ البقاء تحته؛ على أَنْ يُنْصَب إمامٌ مسلمٌ يُحكِّم شَرْعَ الله تعالى على الوجه المَرْضيِّ، [انظر: كلامَ الشيخ ابن باز في «مراجعات في فقه الواقع السياسيِّ والفكريِّ» للرِّفاعي (٢٤)، «الشرح المُمْتِع على زاد المُسْتَقْنِع» لابن عثيمين (١١/ ٣٢٣)، «منصب الإمامة الكبرى أحكام وضوابط» (٢٥) و«شرف الانتساب إلى مذهب السلف» (٢٦) كلاهما للمصنِّف].
(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الفِتَن» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «سترَوْن بعدي أمورًا تُنْكِرونها» (٧٠٥٦)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٧٠٩)، مِنْ حديثِ عبادة بنِ الصامت رضي الله عنه.
(٤) «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ١٢٣).
(٥) منقولٌ عن النوويِّ في «شرح مسلم» (١٢/ ٢٢٩).
(٦) «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العزِّ (٤٣٠).
(٧) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الجهاد والسِّيَر» باب: يُقاتَلُ مِنْ وراءِ الإمام ويُتَّقى به (٢٩٥٧) وفي «الأحكام» بابُ قولِ الله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ﴾ [النساء: ٥٩] (٧١٣٧)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٣٥)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وما بين المعكوفين زيادةٌ للبخاري.
(٨) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الفِتَن» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «سترَوْن بعدي أمورًا تُنْكِرونها» (٧٠٥٤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٩) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابٌ في قتل الخوارج (٤٧٥٨) مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٤١٠).
(١٠) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٣٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(١١) أخرجه مسلمٌ في «الإمارة» (١٨٥٥) مِنْ حديثِ عوف بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(١٢) أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٢) مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(١٣) أخرجه مسلمٌ في «الإمارة» (١٨٣٧) مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه.
(١٤) أخرجه مسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٦) مِنْ حديثِ وائل بنِ حُجْرٍ رضي الله عنه.
(١٥) أخرجه الطبرانيُّ في «مسند الشاميِّين» (٢/ ٤٠٣)، والآجُرِّيُّ في «الشريعة» (٤٢)، مِنْ حديثِ أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه. وهو حسنٌ بطُرُقه، وقد يرتقي إلى الصحَّة، انظر: «الذريعة إلى بيان مقاصد الشريعة» لربيع المدخلي (١/ ١٧٣).
(١٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «المناقب» بابُ علاماتِ النبوَّة في الإسلام (٣٦٠٦)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٧)، مِنْ حديثِ حذيفة بنِ اليمان رضي الله عنهما.
(١٧) «الشرح والإبانة» لابن بطَّة (٢٧٨ ـ ٢٨٠).
(١٨) «عقيدة السلف» للصابوني (٩٢ ـ ٩٣).
(١٩) «رسالةٌ إلى أهل الثغر» لأبي الحسن الأشعريِّ (٢٩٦ ـ ٢٩٧).
(٢٠) «شرح مسلم» للنووي (١٢/ ٢٢٩)، «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ٨)، وانظر المزيدَ مِنْ عقيدةِ أهلِ السنَّة في هذه المسألةِ في: «العقيدة الطحاوية» (٤٢٨)، «الشريعة» للآجُرِّي (٤٠)، «الاعتقاد» للبيهقي (١٣٨).
(٢١) انظر: «الفَرْق بين الفِرَق» للبغدادي (٥٥).
(٢٢) انظر: «تفسير القرطبي» (١/ ٢٧١).
(٢٣) انظر: «إتحاف السادة المُتَّقين بشرحِ إحياء علوم الدين» للزبيدي (٢/ ٢٣٣).
(٢٤) انظر: «مآثر الإنافة في معالم الخلافة» للقلقشندي (١/ ٧٢).
(٢٥) «شرح مسلم» للنووي (١٢/ ٢٢٩).
(٢٦) «منهاج السنَّة» لابن تيمية (٤/ ٥٨٦).
(٢٧) «البداية والنهاية» لابن كثير (١٢/ ٢٠٦).
(٢٨) «عون الباري ببيانِ ما تضمَّنه شرحُ السنَّة للبربهاري» لربيع المدخلي (١/ ٢٥٤).
(٢٩) «شرح مسلم» للنووي (١٦/ ٩٩).
(٣٠) «عون الباري ببيانِ ما تضمَّنه شرحُ السنَّة للبربهاري» لربيع المدخلي (١/ ٢٥٤ ـ ٢٥٥).
(٣١) انظر: «الصِّحاح» للجوهري (٥/ ١٧٦٣)، «مقاييس اللغة» لابن فارس (٤/ ٣٠٧)، «الكُلِّيات» لأبي البقاء (٨٦٩).
(٣٢) انظر: «شَذَا العَرْف» للحملاوي (٢٤)، «معجم اللغة العربية المعاصرة» لأحمد مختار (٢/ ١٤٩٤).
(٣٣) (١٠/ ١٢٧).
(٣٤) (٢/ ١٥١).
(٣٥) (١٠/ ٨٧).
(٣٦) «شرح النووي على مسلم» (١٢/ ٢٢٩) [بتصرُّف].
http://ferkous.com/home/?q=art-mois-116
فقَدْ وَرَد سؤالٌ مِنْ بعض الإخوة مِنْ «مِصْرَ» ـ حَرَسها اللهُ مِنْ كُلِّ سوءٍ ومكروهٍ ـ استفسارًا عن حكمِ عزلِ الإمام الأعظم بما نصُّه:
«شيخَنا الحبيب، سؤالٌ في غاية الأهمِّية نودُّ منكم الإجابةَ عليه:
أوَّلًا: هل صحَّ عن أحَدٍ مِنْ علماء السلفِ القولُ بجوازِ عزلِ الإمام إذا فَسَق، ولكِنْ بشروطٍ:
١ ـ أَنْ يكون فسقُه فسقًا كبيرًا وعظيمًا.
٢ ـ أَنْ يكون العزلُ مِنْ قِبَل أهلِ الحَلِّ والعقد وأهلِ الشوكة، وليس مِنَ العوامِّ.
٣ ـ أَنْ لا تحدث فتنةٌ مِنْ جرَّاءِ العزل؟
ثانيًا: هل هناك فرقٌ في كلام علماء السلف بين الخروج والعزل والانعزال، وأنَّ الخروج والانعزال محرَّمٌ بالإجماع، وأمَّا العزلُ فجائزٌ بهذه الشروط؟
ثالثًا: هل تصحُّ نسبةُ ذلك إلى أحَدٍ مِنَ السلف، أو القولُ بأنَّ المسألة ـ أي: مسألة العزل بهذه الشروط المذكورةِ ـ خلافيةٌ بين السلف؟
أجيبونا مأجورين للأهمِّية».
فأقول جوابًا عنه مستعينًا بالله عزَّ وجلَّ:
اعْلَمْ أنَّ مِنْ شرائط الإمامة العظمى أَنْ لا يتولَّى مَنْصِبَها ـ ابتداءً ـ إلَّا المسلمُ العدل؛ فلا تنعقد لفاسقٍ بَلْهَ لكافرٍ، وهذا شرطٌ متَّفَقٌ عليه بين أهل العلم، قال القرطبيُّ ـ رحمه الله ـ: «لا خلافَ بين الأمَّة أنه لا يجوز أَنْ تُعْقَد الإمامةُ لفاسقٍ»(١).
فإِنْ طَرَأ على إمامٍ عادلٍ فسقٌ: فإمَّا أَنْ يَصِل به فسقُه إلى الكفر والرِّدَّة أو لا؟ على حالتين:
الحالة الأولى:
إذا طَرَأ على إمامٍ عادلٍ فسقٌ وَصَل به إلى حدِّ الكفر والردَّةِ عن الإسلام فإنه يُعْزَل وجوبًا(٢)؛ إذ لا ولايةَ للكافر على المسلم عند العلماء قولًا واحدًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا ١٤١﴾ [النساء]، وفي حديثِ عبادة بنِ الصامت رضي الله عنه: «بَايَعَنَا ـ أي: رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ـ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»(٣)؛ وممَّنْ نَقَل الإجماعَ على ذلك الحافظُ ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ بما نصُّه: «أنه ـ أي: الإمام ـ ينعزل بالكفر إجماعًا؛ فيجب على كُلِّ مسلمٍ القيامُ في ذلك؛ فمَنْ قَوِي على ذلك فله الثوابُ، ومَنْ داهن فعليه الإثمُ، ومَنْ عَجَز وجبَتْ عليه الهجرةُ مِنْ تلك الأرض»(٤)، ومِنْ قبله قرَّره القاضي عياضٌ ـ رحمه الله ـ حيث قال: «أجمع العلماء على أنَّ الإمامة لا تنعقد لكافرٍ، وعلى أنه لو طَرَأ عليه الكفرُ انعزل .. فلو طَرَأ عليه كفرٌ وتغييرٌ للشرع .. خَرَج عن حكم الولاية وسقطَتْ طاعتُه، ووَجَب على المسلمين القيامُ عليه وخلعُه ونَصْبُ إمامٍ عادلٍ إِنْ أمكنهم ذلك، فإِنْ لم يقع ذلك إلَّا لطائفةٍ وَجَب عليهم القيامُ بخلع الكافر»(٥)، [بتصرُّفٍ].
الحالة الثانية:
إِنْ طَرَأ على الإمام فسقٌ لم يَصِلْ به إلى الكفر أو الرِّدَّة عن دِين الإسلام فلا خلافَ بين أهل السنَّة أنَّ الإمام أو السلطان لا ينعزل بالفسق مطلقًا؛ وقد تظافرَتِ النصوصُ الواردة في الحضِّ والحثِّ على طاعةِ وُلَاةِ الأمر ـ في غيرِ معصيةٍ ـ وهي ـ أيضًا ـ كثيرةٌ مستفيضةٌ تمنع مِنَ الخروج على الأئمَّة لِمَا في ذلك مِنْ إحياء الفتنة، وتأمر بالصبر على جَوْرِ الأئمَّةِ وعدمِ نزع اليد مِنَ الطاعة، ولِمَا يترتَّب على عزل الإمام أو السلطان مِنْ فِتَنٍ وإراقةٍ للدِّماء، وجريًا على ما تُمليهِ القواعدُ المقاصدية، مِنْ أنَّ دفع المفاسدِ مقدَّمٌ على جلب المصالح، قال ابنُ أبي العزِّ ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا لزومُ طاعتِهم وإِنْ جاروا فلأنه يترتَّب على الخروج مِنْ طاعتهم مِنَ المفاسدِ أضعافُ ما يحصل مِنْ جَوْرِهم، بل في الصبر على جَوْرِهم تكفيرُ السيِّئاتِ ومضاعفةُ الأجور؛ فإنَّ الله تعالى ما سلَّطهم علينا إلَّا لفسادِ أعمالِنا، والجزاءُ مِنْ جنس العمل؛ فعلينا الاجتهادُ في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل؛ قال تعالى: ﴿وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِيكُمۡ وَيَعۡفُواْ عَن كَثِيرٖ ٣٠﴾ [الشورى]، وقال تعالى: ﴿أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡ﴾ [آل عمران: ١٦٥]، وقال تعالى: ﴿مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٖ فَمِن نَّفۡسِكَ﴾ [النساء: ٧٩]، وقال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعۡضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعۡضَۢا بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ ١٢٩﴾ [الأنعام]، فإذا أراد الرعيَّةُ أَنْ يتخلَّصوا مِنْ ظُلمِ الأمير الظالم فَلْيتركوا الظُّلمَ»(٦)، فمِنْ هذه النصوص الشرعية:
ـ قولُه تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ﴾ [النساء: ٥٩].
ـ حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي، [وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِنْهُ]»(٧).
ـ حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(٨).
ـ حديثُ أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ»(٩).
ـ حديثُ ابنِ عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ»(١٠).
ـ حديثُ عوف بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ»، قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟» فَقَالَ: «لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ»(١١).
ـ حديثُ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ»(١٢).
ـ حديثُ أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: «إِنَّ خَلِيلِي أَوْصَانِي أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ»(١٣).
ـ حديثُ وائل بنِ حُجْرٍ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا؛ فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ»(١٤).
ـ حديثُ أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «اسْمَعُوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا فِي عُسْرِكُمْ وَيُسْرِكُمْ وَمَنْشَطِكُمْ وَمَكْرَهِكُمْ وَأَثَرَةٍ عَلَيْكُمْ، وَلَا تُنَازِعُوا الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ»(١٥).
ـ حديثُ حُذَيْفة بنِ اليمان رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»(١٦).
وغيرها مِنَ الأحاديث الصحيحة.
ومِنْ كلام الأئمَّة الذي يقرِّرُ إجماعَ السلف على السمع والطاعة لأئمَّةِ المسلمين وإِنْ جاروا وظلموا وفجروا، وأنَّ الإمام لا ينعزل بالفسق: ما ذَكَره ابنُ بطَّة ـ رحمه الله ـ بقوله: «وقد أجمعَتِ العلماءُ ـ مِنْ أهل الفقه والعلم، والنُّسَّاك والعُبَّاد والزُّهَّاد، مِنْ أوَّلِ هذه الأمَّةِ إلى وقتِنا هذا ـ: أنَّ صلاة الجمعة والعيدين ومِنًى وعرفاتٍ والغزوَ والجهادَ والهديَ مع كُلِّ أميرٍ، بَرٍّ أو فاجرٍ، وإعطاءَهم الخراجَ والصدقاتِ والأعشارَ جائزٌ، والصلاةَ في المساجد العظام التي بنَوْها، والمشيَ على القناطر والجسورِ التي عقدوها، والبيعَ والشراء وسائرَ التجارةِ والزراعةِ والصنائع كلها في كُلِّ عصرٍ ومع كُلِّ أميرٍ جائزٌ على حكم الكتاب والسنَّة، لا يضرُّ المحتاطَ لدِينه والمتمسِّكَ بسنَّةِ نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم ظلمُ ظالمٍ ولا جَوْرُ جائرٍ إذا كان ما يأتيهِ هو على حكم الكتاب والسنَّة، كما أنه لو باع واشترى ـ في زمن الإمام العادل ـ بيعًا يخالف الكتابَ والسنَّةَ لم ينفعه عدلُ الإمام، والمحاكمة إلى قُضاتهم ورَفْع الحدود والقصاص وانتزاع الحقوق مِنْ أيدي الظلمة بأُمَرائهم وشُرَطِهم، والسمع والطاعة لمَنْ ولَّوْه ـ وإِنْ كان عبدًا حبشيًّا ـ إلَّا في معصية الله عزَّ وجلَّ؛ فليس لمخلوقٍ فيها طاعةٌ»(١٧)، وقال الصابونيُّ ـ رحمه الله ـ: «ويرى أصحابُ الحديثِ الجمعةَ والعيدين وغيرَهما مِنَ الصلوات خلف كُلِّ إمامٍ مسلمٍ بَرًّا كان أو فاجرًا، ويرَوْن جهادَ الكَفَرةِ معهم وإِنْ كانوا جَوَرةً فَجَرةً، ويرَوْن الدعاءَ لهم بالإصلاح والتوفيقِ والصلاحِ وبسطِ العدل في الرعيَّة، ولا يرَوْن الخروجَ عليهم بالسيف وإِنْ رأَوْا منهم العدولَ عن العدل إلى الجَوْر والحيف، ويرَوْن قتالَ الفئةِ الباغية حتَّى ترجع إلى طاعة الإمامِ العدل»(١٨)، وقال أبو الحسن الأشعريُّ ـ وهو يُعدِّد ما أجمعَ عليه السلفُ مِنَ الأصول ـ: «وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمَّةِ المسلمين، وعلى أنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ شيئًا مِنْ أمورهم عن رِضًى أو غلبةٍ وامتدَّتْ طاعتُه مِنْ بَرٍّ وفاجرٍ لا يَلْزَمُ الخروجُ عليهم بالسيف جارَ أو عَدَل، وعلى أَنْ يغزوا معهم العدوَّ، ويُحَجَّ معهم البيتُ، وتُدْفَعَ إليهم الصدقاتُ إذا طلبوها، ويُصلَّى خلفهم الجُمَعُ والأعيادُ»(١٩)، وقال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «لا تُنازِعوا وُلَاةَ الأمورِ في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلَّا أَنْ ترَوْا منهم مُنْكَرًا محقَّقًا تعلمونه مِنْ قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأَنْكِروه عليهم وقولوا بالحقِّ حيث ما كنتم، وأمَّا الخروجُ عليهم وقتالُهُم فحرامٌ بإجماع المسلمين وإِنْ كانوا فَسَقَةً ظالمين، وقد تَظاهرَتِ الأحاديثُ بمعنَى ما ذكَرْتُه، وأجمعَ أهلُ السنَّةِ أنه لا ينعزل السلطانُ بالفسق»(٢٠).
هذا، والقول بأنَّ ظهور الفسق مِنَ الإمام مُوجِبٌ لعزلِه أو انعزالِه مطلقًا هو مذهبُ المعتزلة والخوارج(٢١)، ونَسَبه بعضُهم إلى الجمهور كالقرطبيِّ(٢٢)، ونَسَبه الزبيديُّ إلى الشافعيِّ في القديم(٢٣)، وكلاهما غيرُ صحيحٍ، ولعلَّ مقصود القرطبيِّ بالجمهور: أكثريةُ الأشاعرة، أمَّا نسبتُه إلى الشافعيِّ ـ رحمه الله ـ فهو على غيرِ اعتقاده ومذهبِه، وإنما هو مذهبُ بعضِ الشافعية، وبه جَزَم الماورديُّ ـ رحمه الله ـ في «الأحكام السلطانية»، وأصحُّ المنقولِ عنه ما ذَهَب إليه الرافعيُّ والنوويُّ ـ رحمهما الله ـ: أنه لا ينعزل الإمامُ بالفسق(٢٤)، وهو الموافِقُ لمذهب الشافعيِّ، بخلافِ مذهب بعض الشافعية المرجوح؛ فقَدْ غلَّطه النوويُّ ـ رحمه الله ـ بقوله: «وأمَّا الوجهُ المذكور في كُتُب الفقه لبعضِ أصحابنا أنَّه يَنعزِلُ، وحُكِيَ عن المعتزلة ـ أيضًا ـ فغلطٌ مِنْ قائله مخالفٌ للإجماع»(٢٥)، وفيه قولٌ مفصِّلٌ بالشروط بين المذهبين وسطٌ بينهما.
ولا يخفى أنَّ مُجْمَل هذه الأقوالِ محجوجةٌ بإجماع السلف، وهي مُخالِفةٌ لِمَا تضمَّنَتْه النصوصُ الشرعية السالفةُ البيان، القاضيةُ بصحَّةِ مذهبِ أهل السنَّة.
وليس لمُجْمَل المُخالِفين لأهل السنَّة مِنْ دليلٍ يتمسَّكون به سوى ما يُشترَطُ في عقدِ مَنْصِبِ الإمامة، وهي أنها لا تنعقد لفاسقٍ ـ أوَّلًا ـ أو استدلالُهُم بالمعقول ـ ثانيًا ـ ويتمثَّل في بيان الغرض مِنَ الإمامة، وهو: حمايةُ الدِّين ورفعُ الظلم وتحقيقُ العدل بإقامةِ الحدود، وحفظِ الأموال والنفوس، واستيفاءِ الحقوق وغيرِها مِنَ المَهامِّ، فإذا انتفَتْ هذه الخصالُ عن الإمام انتفى مقصودُ الإمامة ولَزِم البطلانُ والانعزال.
والمعلوم أنَّ شرطَ مَنْصِبِ الإمامة لا ينعقد لفاسقٍ ـ ابتداءً ـ إجماعًا، وهي مسألةٌ مُبايِنةٌ لصورةِ مسألةِ طروء الفسق على الإمام العدل؛ إذ تحكم ـ هذه الأخيرةَ ـ النصوصُ الناهية عن الخروج على الأئمَّةِ والآمرةُ بالصبر على جَوْرهم وعدمِ نزعِ اليد مِنْ طاعتهم وإصلاحِ ما بأَنْفُس الناس، ومع تبايُنِ صورةِ المسألتين يتعذَّر إلحاقُ أحَدِهما بالآخَر.
أمَّا المعقول فلا اعتبارَ له لمصادَمتِه للنصوص السابقةِ البيان، ولإجماعِ السلف كما تقرَّر في القواعد الأصولية؛ إذ «لَا قِيَاسَ وَلَا اجْتِهَادَ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَالإِجْمَاعِ».
ولعلَّ بعض المُخالِفين يَستدِلُّ بخروجِ بعض الصحابة كالحُسين بنِ عليٍّ وعبد الله بنِ الزُّبَير رضي الله عنهم، والقولُ المَرْضيُّ أنه لم يخرج مِنَ الصحابةِ رضي الله عنهم أحَدٌ، فأمَّا الحسين رضي الله عنه فقَدْ قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ في حقِّه: «فإنه رضي الله عنه لم يفرِّق الجماعةَ، ولم يُقْتَل إلَّا وهو طالبٌ للرجوع إلى بلده أو [إلى] الثغر أو إلى يزيد، داخلًا في الجماعة، مُعْرِضًا عن تفريقِ الأُمَّة»(٢٦)، وأمَّا ابنُ الزبير رضي الله عنه فقَدْ قال ابنُ كثيرٍ ـ رحمه الله ـ في براءته مِنَ الخروج ما نصُّه: «ثمَّ هو كان الإمامَ بعد موتِ مُعَاوِية بنِ يزيد لا محالةَ، وهو أرشدُ مِنْ مروان بنِ الحكم، حيث نازعه بعد أَنِ اجتمعَتِ الكلمةُ عليه، وقامَتِ البَيْعَةُ له في الآفاق، وانْتَظَمَ له الأَمْرُ، واللهُ أعلمُ»(٢٧)، وقد أكَّد هذا المعنى الشيخُ ربيع بنُ هادي ـ حفظه اللهُ وسدَّده ـ حيث قال: «فابنُ الزبير بايع له الناسُ، ولمَّا بايعوا يزيدَ هَرَب إلى مكَّة ولم يُرِدْ قتالًا ولا فتنةً، وكان أميرَ مكَّةَ أخوه، فأبى ابنُ الزبير أَنْ ينزعه ويُجَرْجِرَه، بعدها مات يزيدُ فبايع الناسُ ابنَ الزبير إلَّا جزءًا مِنَ الشام، فتَحرَّك مروان بنُ الحكم مِنَ الشام ومعه بعضُ بني أُمَيَّة ليُبايِعوا ابنَ الزبير رضي الله عنه، فواجهوا ـ في طريقهم ـ ابنَ زيادٍ، فقالوا له: «نذهب نُبايِعُ هذا الأميرَ»، فقال لهم: «تُبايِعون ابنَ الزبير وعندكم شيخُ قريشٍ؟!»، فبايَعوا مروانَ، فرجعوا وأعلنوا الخروجَ على عبد الله بنِ الزبير، فابنُ الزبير لم يخرج على أحَدٍ، بل كان على مروانَ أَنْ يُبايِعَه، فبدأ القتالَ وأكمله عبدُ الملك بنُ مروان»(٢٨)؛ ولهذا قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «ومذهبُ أهلِ الحقِّ أنَّ ابنَ الزبير كان مظلومًا، وأنَّ الحجَّاج ورُفْقتَه كانوا خوارجَ عليه»(٢٩)، وأضاف الشيخ ربيع ـ حفظه الله ـ قائلًا: «الشاهدُ: أنه لم يخرج أحَدٌ مِنَ الصحابة، والحسين بنُ عليٍّ رضي الله عنه ما كان خارجًا، ونَدِم رضي الله عنه، فالذين بايعوه وكاتبوه مِنَ الشيعة استقبلوه بالسيوف، فقال لهم: «اتركوني أرجع أو أذهب إلى الجهاد أو إلى يزيد»، فلم يرضَوْا إلَّا بقتله، فيزيدُ لم يَرْضَ بقتله، ولم يُرِدِ الحسينُ قَتْلَ يزيدَ ولم يأتِ لقتاله، وإنما خدعوه واستخرجوه مِنْ مكَّةَ، فلما قَدِم عليهم استقبلوه بالسيوف وقتلوه؛ كافأهم اللهُ بما يَستحِقُّون»(٣٠).
هذا، ولا فَرْقَ بين العزل والانعزال عن العمل أو المَهَمَّة مِنْ جهة المعنى؛ فهو التنحيةُ والإبعادُ والإمالة؛ فيُقالُ: «عَزَله عن العمل» أي: نحَّاهُ عنه وأَبْعَده(٣١)، والعزل يحتاج إلى فاعلٍ للتعدية، بينما «انعزل عن العمل» يأتي لمعنًى واحدٍ وهو المطاوعةُ التي هي قَبولُ تأثيرِ غيره، ومطاوعُ «عَزَل»، أي: انزوى عن العمل وابتعد عنه وتنحَّى، ويقع ـ على الأكثر ـ لازمًا غيرَ متعدٍّ، ولا يكون إلَّا في الأفعال العلاجية ﻛ «فَسَخ» و«انفسخ»، و«كَسَر» و«انكسر»، و«قَطَع» و«انقطع»؛ فيأتي لمطاوعة الثلاثيِّ كثيرًا(٣٢).
والقول بوجودِ فرقٍ بين عزل الإمام الأعظم وانعزالِه في باب الفسق والظلم مِنْ جهة الشرع وترتيبِ أحكامٍ مُغايِرةٍ بينهما لا أساسَ له ـ عندي ـ مِنَ الصحَّة، ولا يشهد له دليلٌ ولا اعتبارٌ.
وأمَّا ما نُقِل مِنْ كلام الفقهاء في التنصيص على الفرق بين عزل الإمام الأعظمِ وانعزالِه بالفسق كما جاء في «الذخيرة» للقرافي(٣٣) أو في «قواعد الأحكام» للعزِّ بنِ عبد السلام(٣٤) أو في «المغني» لابن قدامة(٣٥)؛ فإنما هو في عزل الإمامِ نُوَّابَه بالفسق وكذا القُضاةَ وغيرَهم مِنْ أهل الولايات، وهذا خارجٌ عن الموضوع ـ أوَّلًا ـ ولأنه لا فَرْقَ بينهما مِنَ جهة المعنى ـ ثانيًا ـ إذ الانعزالُ يأتي لمعنى المُطاوَعة التي هي قَبولُ تأثيرِ غيره دون العزل، مع اشتراكهما في معنى التنحية والإبعاد والإمالة ـ كما تقدَّم ـ ولأنَّ الإمام إذا كان لا يَنعزِلُ بالفسق ـ إجماعًا ـ فلا يُعزَلُ مِنْ بابٍ أَوْلى، قال النوويُّ ـ رحمه الله ـ: «وأجمعَ أهلُ السُّنَّة أنه لا ينعزل السلطانُ بالفسق، وأمَّا الوجهُ المذكور في كُتُب الفقه لبعضِ أصحابنا أنه يَنعزِل ـ وحُكِي عن المعتزلةِ أيضًا ـ فغلطٌ مِنْ قائله مُخالِفٌ للإجماع؛ قال العلماء: وسببُ عدمِ انعزاله وتحريمِ الخروج عليه: ما يترتَّب على ذلك مِنَ الفتن وإراقةِ الدماء وفسادِ ذاتِ البَيْن؛ فتكون المفسدةُ في عزله أكثرَ منها في بقائه ... وقال جماهيرُ أهل السُّنَّة مِنَ الفقهاء والمحدِّثين والمتكلِّمين: لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يُخلَعُ، ولا يجوز الخروجُ عليه بذلك، بل يجب وعظُه وتخويفُه؛ للأحاديث الواردةِ في ذلك»(٣٦).
وعليه، فإنَّ جملة النصوصِ الحديثيَّة الواردةِ في هذا الشأنِ جمعَتْ بين لزوم الطاعة وتحريمِ المُنابَذةِ والمقاتلة والخَلْعِ والخروج، ولو سُلِّم ـ جدلًا ـ وجودُ الفرق بين مسألة عزل السلطان وانعزاله فإنَّ النصوص الحديثيَّة نَفْسَها هي ـ في حدِّ ذاتها ـ شاملةٌ لها، ومِنْ ورائها حكمةٌ واحدةٌ مُتجلِّيَةٌ في درء المفسدة الناجمةِ عن نزع اليد مِنَ الطاعة، والمتمثِّلةِ في: الفِتَن وإراقةِ الدِّماء وفسادِ ذاتِ البين، وغيرِها مِنَ الآثار السيِّئة على الأُمَّة.
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١١ ربيع الثاني ١٤٣٨ﻫ
الموافق ﻟ: ٠٩ جانفي ٢٠١٧م
(١) «تفسير القرطبي» (١/ ٢٧٠).
(٢) هذا، والقول بوجوبِ عزلِ الحاكم الكافر لا يكون إلَّا بتوفُّرِ شروطٍ وانتفاءِ موانع؛ وقد ذَكَر العلماءُ شروطًا تتعلَّق بالحاكم، وأخرى تتعلَّق بأهل الحلِّ والعقد المُوكَلِ إليهم مباشرةُ عزل الإمام، مِنْ جملتها: القدرة على إزالته، وأَنْ لا يسبِّب عزلُه والخروجُ عليه مفسدةً أكبرَ مِنَ البقاء تحته؛ على أَنْ يُنْصَب إمامٌ مسلمٌ يُحكِّم شَرْعَ الله تعالى على الوجه المَرْضيِّ، [انظر: كلامَ الشيخ ابن باز في «مراجعات في فقه الواقع السياسيِّ والفكريِّ» للرِّفاعي (٢٤)، «الشرح المُمْتِع على زاد المُسْتَقْنِع» لابن عثيمين (١١/ ٣٢٣)، «منصب الإمامة الكبرى أحكام وضوابط» (٢٥) و«شرف الانتساب إلى مذهب السلف» (٢٦) كلاهما للمصنِّف].
(٣) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الفِتَن» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «سترَوْن بعدي أمورًا تُنْكِرونها» (٧٠٥٦)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٧٠٩)، مِنْ حديثِ عبادة بنِ الصامت رضي الله عنه.
(٤) «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ١٢٣).
(٥) منقولٌ عن النوويِّ في «شرح مسلم» (١٢/ ٢٢٩).
(٦) «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العزِّ (٤٣٠).
(٧) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الجهاد والسِّيَر» باب: يُقاتَلُ مِنْ وراءِ الإمام ويُتَّقى به (٢٩٥٧) وفي «الأحكام» بابُ قولِ الله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ﴾ [النساء: ٥٩] (٧١٣٧)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٣٥)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وما بين المعكوفين زيادةٌ للبخاري.
(٨) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الفِتَن» بابُ قولِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «سترَوْن بعدي أمورًا تُنْكِرونها» (٧٠٥٤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(٩) أخرجه أبو داود في «السنَّة» بابٌ في قتل الخوارج (٤٧٥٨) مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٦٤١٠).
(١٠) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٤)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٣٩)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(١١) أخرجه مسلمٌ في «الإمارة» (١٨٥٥) مِنْ حديثِ عوف بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(١٢) أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٢) مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(١٣) أخرجه مسلمٌ في «الإمارة» (١٨٣٧) مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ رضي الله عنه.
(١٤) أخرجه مسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٦) مِنْ حديثِ وائل بنِ حُجْرٍ رضي الله عنه.
(١٥) أخرجه الطبرانيُّ في «مسند الشاميِّين» (٢/ ٤٠٣)، والآجُرِّيُّ في «الشريعة» (٤٢)، مِنْ حديثِ أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه. وهو حسنٌ بطُرُقه، وقد يرتقي إلى الصحَّة، انظر: «الذريعة إلى بيان مقاصد الشريعة» لربيع المدخلي (١/ ١٧٣).
(١٦) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «المناقب» بابُ علاماتِ النبوَّة في الإسلام (٣٦٠٦)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٧)، مِنْ حديثِ حذيفة بنِ اليمان رضي الله عنهما.
(١٧) «الشرح والإبانة» لابن بطَّة (٢٧٨ ـ ٢٨٠).
(١٨) «عقيدة السلف» للصابوني (٩٢ ـ ٩٣).
(١٩) «رسالةٌ إلى أهل الثغر» لأبي الحسن الأشعريِّ (٢٩٦ ـ ٢٩٧).
(٢٠) «شرح مسلم» للنووي (١٢/ ٢٢٩)، «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ٨)، وانظر المزيدَ مِنْ عقيدةِ أهلِ السنَّة في هذه المسألةِ في: «العقيدة الطحاوية» (٤٢٨)، «الشريعة» للآجُرِّي (٤٠)، «الاعتقاد» للبيهقي (١٣٨).
(٢١) انظر: «الفَرْق بين الفِرَق» للبغدادي (٥٥).
(٢٢) انظر: «تفسير القرطبي» (١/ ٢٧١).
(٢٣) انظر: «إتحاف السادة المُتَّقين بشرحِ إحياء علوم الدين» للزبيدي (٢/ ٢٣٣).
(٢٤) انظر: «مآثر الإنافة في معالم الخلافة» للقلقشندي (١/ ٧٢).
(٢٥) «شرح مسلم» للنووي (١٢/ ٢٢٩).
(٢٦) «منهاج السنَّة» لابن تيمية (٤/ ٥٨٦).
(٢٧) «البداية والنهاية» لابن كثير (١٢/ ٢٠٦).
(٢٨) «عون الباري ببيانِ ما تضمَّنه شرحُ السنَّة للبربهاري» لربيع المدخلي (١/ ٢٥٤).
(٢٩) «شرح مسلم» للنووي (١٦/ ٩٩).
(٣٠) «عون الباري ببيانِ ما تضمَّنه شرحُ السنَّة للبربهاري» لربيع المدخلي (١/ ٢٥٤ ـ ٢٥٥).
(٣١) انظر: «الصِّحاح» للجوهري (٥/ ١٧٦٣)، «مقاييس اللغة» لابن فارس (٤/ ٣٠٧)، «الكُلِّيات» لأبي البقاء (٨٦٩).
(٣٢) انظر: «شَذَا العَرْف» للحملاوي (٢٤)، «معجم اللغة العربية المعاصرة» لأحمد مختار (٢/ ١٤٩٤).
(٣٣) (١٠/ ١٢٧).
(٣٤) (٢/ ١٥١).
(٣٥) (١٠/ ٨٧).
(٣٦) «شرح النووي على مسلم» (١٢/ ٢٢٩) [بتصرُّف].
http://ferkous.com/home/?q=art-mois-116
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق