دنو الهمة
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وبعد:
فنقول متابعة لذكر المعيقات عن إدراك المعارف والمعلومات:
المعيق الثالث: دنو الهمة:
نرى بين صفوف طلبة العلم أناساً يمتلكون مواهب جليلة، وقدرات هائلة، تؤهلهم للزعامة العلمية، إلا أن دنو همتهم يمحق مواهبهم، ويزيل بهاء نبوغهم، فتجدهم يقنعون بيسير المعلومات، ويأنفون من القراءة والمطالعة، ويتشاغلون عن الطلب والتحصيل، وهؤلاء سرعان ما تنزع ملكية قدراتهم، وتسلب بركة أوقاتهم، ذلك بأن كفر النعمة مؤذن برحيلها، كما أن شكرها مؤذن بمزيدها.
قال الفراء ـ رحمه الله تعالى ـ: لا أرحم أحداً كرحمتي لرجلين: رجل يطلب العلم ولا فهم له، ورجل يفهم ولا يطلبه، وإنّي لأعجب ممّن في وسعه أن يطلب العلم ولا يتعلم(1).
وقال أبو الفرج ابن الجوزي ـ رحمه الله تعالى ـ تعليقاً على قول أبي الطيب المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبًا *** كنقص القادرين على التمام
فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه، فلو كان يتصور للآدمي صعود السموات، لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض، ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد، رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض ... والسيرة الجميلة عند الحكماء خروج النفس إلى غاية كمالها الممكن لها في العلم والعمل .. إلى أن قال: وفي الجملة لا يترك فضيلة يمكن تحصيلها إلا حصلها فإن القنوع حالة الأرذال.
فكن رجلًا رجله في الثرى *** وهامة همتـه في الثريـا
ولو أمكنك عبور كل أحد من العلماء والزهاد فأفعل، فإنهم كانوا رجالًا وأنت رجل، وما قعد من قعد إلا لدناءة الهمة وخساستها.
واعلم أنك في ميدان سباق والأوقات تنتهب فلا تخلد إلى كسل، فما فات ما فات إلا بالكسل، ولا نال من نال إلا بالجد والعزم...الخ (2).
فيا من أنس من نفسه علامة النبوغ والذكاء لا تبغ عن العلم بدلاً، ولا تشتغل بسواه أبداً، فإن أبيت فأجبر الله عزاءك في نفسك، وأعظم أجر المسلمين فيك، ما أشد خسارتك، وأعظم مصيبتك.
دع عنك ذكر الهوى والمولعين به *** وانهض إلى منزل عال به الدرر
تسلو بمربئه عن كل غالية *** وعن نعيم لدنيا صفوه كدر
وعن نديم به يلهو مجالسه *** وعن رياض كساها النور والزهر
انهض إلى العلم في جد بلا كسل *** نهوض عبد إلى الخيرات يبتدر
-----------
الهوامش:
(1) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1/103ط المنيرية.
(2) صيد الخاطر لابن الجوزي ص 159: 161. ط دار الكتب العلمية.
المصدر موقع الشيخ عبدالسلام بن برجس رحمه الله
الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وبعد:
فنقول متابعة لذكر المعيقات عن إدراك المعارف والمعلومات:
المعيق الثالث: دنو الهمة:
نرى بين صفوف طلبة العلم أناساً يمتلكون مواهب جليلة، وقدرات هائلة، تؤهلهم للزعامة العلمية، إلا أن دنو همتهم يمحق مواهبهم، ويزيل بهاء نبوغهم، فتجدهم يقنعون بيسير المعلومات، ويأنفون من القراءة والمطالعة، ويتشاغلون عن الطلب والتحصيل، وهؤلاء سرعان ما تنزع ملكية قدراتهم، وتسلب بركة أوقاتهم، ذلك بأن كفر النعمة مؤذن برحيلها، كما أن شكرها مؤذن بمزيدها.
قال الفراء ـ رحمه الله تعالى ـ: لا أرحم أحداً كرحمتي لرجلين: رجل يطلب العلم ولا فهم له، ورجل يفهم ولا يطلبه، وإنّي لأعجب ممّن في وسعه أن يطلب العلم ولا يتعلم(1).
وقال أبو الفرج ابن الجوزي ـ رحمه الله تعالى ـ تعليقاً على قول أبي الطيب المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبًا *** كنقص القادرين على التمام
فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه، فلو كان يتصور للآدمي صعود السموات، لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض، ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد، رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض ... والسيرة الجميلة عند الحكماء خروج النفس إلى غاية كمالها الممكن لها في العلم والعمل .. إلى أن قال: وفي الجملة لا يترك فضيلة يمكن تحصيلها إلا حصلها فإن القنوع حالة الأرذال.
فكن رجلًا رجله في الثرى *** وهامة همتـه في الثريـا
ولو أمكنك عبور كل أحد من العلماء والزهاد فأفعل، فإنهم كانوا رجالًا وأنت رجل، وما قعد من قعد إلا لدناءة الهمة وخساستها.
واعلم أنك في ميدان سباق والأوقات تنتهب فلا تخلد إلى كسل، فما فات ما فات إلا بالكسل، ولا نال من نال إلا بالجد والعزم...الخ (2).
فيا من أنس من نفسه علامة النبوغ والذكاء لا تبغ عن العلم بدلاً، ولا تشتغل بسواه أبداً، فإن أبيت فأجبر الله عزاءك في نفسك، وأعظم أجر المسلمين فيك، ما أشد خسارتك، وأعظم مصيبتك.
دع عنك ذكر الهوى والمولعين به *** وانهض إلى منزل عال به الدرر
تسلو بمربئه عن كل غالية *** وعن نعيم لدنيا صفوه كدر
وعن نديم به يلهو مجالسه *** وعن رياض كساها النور والزهر
انهض إلى العلم في جد بلا كسل *** نهوض عبد إلى الخيرات يبتدر
-----------
الهوامش:
(1) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1/103ط المنيرية.
(2) صيد الخاطر لابن الجوزي ص 159: 161. ط دار الكتب العلمية.
المصدر موقع الشيخ عبدالسلام بن برجس رحمه الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق