الأحد، 2 فبراير 2014

نقد القومية العربية في ضوء الكتاب والسنة


من زعم من دعاة القومية أن الدين من عناصرها، فقد فرض أخطاء على القوميين، وقال عليهم ما لم يقولوا لأن الدين يخالف أسسهم التي بنوا القومية عليها، ويخالف صريح كلامهم ويباين ما يقصدونه من تكتيل العرب، على اختلاف أديانهم تحت راية القومية، ولهذا تجد من يجعل الدين من عناصر القومية يتناقض في كلامه، فيثبته تارة وينفيه أخرى، وما ذلك إلا أنه لم يقله عن عقيدة وإيمان، وإنما قاله مجاملة لأهل الإسلام، أو عن جهل بحقيقة القومية وهدفها









"الغل على الإسلام، والحرص على تنحيته جانبا مع فسح الطريق لكل فكرة أخرى قصد مشترك لهؤلاء الكتاب الذين تظاهروا بحب العرب وبعث مجدهم، والله يعلم أي شر يصيب العروبة لو انتصروا، وإنها ستسقط حين ينجحون، وتستخفي حين يظهرون، وأي عروبة تبقى بعد انتزاع الإسلام منها، إنها ستبقى دعوة بلا تاريخ، ورسالة بلا مبادئ تشرف، أو مستقبل ينصف" (1) ، بهذه الكلمات بدأ الشيخ الغزالي كتابة "حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي" الذي فند فيه دعاوى العروبة والقومية وبين فيه عوارها ومآلاتها الخبيثة.

التعريف بالمصطلح:

القومية العربية هي حركة سياسية فكرية متعصبة، تدعو إلى تمجيد العرب، وإقامة دولة موحدة لهم على أساس من رابطة الدم واللغة والتاريخ، وإحلالها محل رابطة الدين، وهي صدى للفكر القومي الذي سبق أن ظهر في أوروبا(2).
ويجري اصطلاحاً استخدام العروبة بمعنى مرادف للقومية العربية لكن هناك من يقول بالفرق بين العروبة والقومية العربية. وهناك من ينادي بفك الازدواج بين العروبة والقومية العربية للمساعدة في توضيح المقصود من حيث المعنى اللغوي والسياسي ومن هؤلاء الكاتب العراقي حسن العلوي حيث وصف العروبة والقومية العربية بالتوأم الوهمي.
فالعروبة انتساب إلى العرب وتعني فقط الانتساب المجرد عن المعنى السياسي، فمن الممكن للإسلامي أن يكون عروبياً وللماركسي أن يكون عروبياً لأن العروبة مجردة من المعنى السياسي فهي شعور بالانتماء لا أكثر. أما القومية عند البعض فتعني القوم المنحدرين نسباً من صلب جد واحد، ومع التطور التاريخي انسلخ مصطلح القومية عن جذوره اللغوية فأصبح معناه قريباً من معنى الأمة، وأصبح ذا دلالة سياسية(3).
إرهاصات النشأة:
ظهرت القومية (Nation) باعتبارها مصطلحاً في الغرب في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وارتبط ظهورها في الغرب بالقضاء على الإقطاع وظهور الدول الحديثة كألمانيا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وفرنسا وغيرها، وارتبط ظهورها بظهور الثورة الصناعية وطبقة التجار والصناع في الغرب «البرجوازية» ثم الرأسمالية، كما ارتبطت القومية بالعلمانية؛ حيث أدت التطورات التي عرفتها أوروبا منذ عصر النهضة في القرن السادس عشر إلى الفصل بين الدين والدولة؛ أي أن القومية في ظل التطورات الغربية التي صاحبتها كانت حركة توحيد وتحرر؛ لأنها وحدت الأمم الأوروبية المبعثرة والمتناثرة في دولة مركزية واحدة، فحققت هدف الوحدة، كما كانت حركة تحرير؛ لأنها خلَّصت أوروبا من تسلط الكنيسة الكاثوليكية التي فرضت التخلف على العقل الغربي، وحاولت التحكم في كل الأشياء(4).
النصارى ودعاوى القومية:
زعم البعض أن القومية العربية إنما أثارها التوجه الأوروبي للقومية حيث نشأ دعاة القومية العربية متأثرين بذلك التيار في أوروبا فأصبحوا يلهثون للحاق بركبهم، والواقع أن الذي أثار القومية العربية وكان لهم اليد الطولى في الدعوة إليها في بلاد المسلمين إنما هم النصارى العرب لإدراكهم فائدة التفاف العرب المسلمين على القومية بدلا عن الدين الذي لا يتوافق مع دمج المسلم وغير المسلم في حظيرة واحدة، فجاء القوميون العرب من النصارى وغيرهم وأخذوا يكيلون المديح لهذه القومية وأن العرب في حاجة شديدة إلى قيامها إن أرادوا العزة والمنعة واحترام سائر الأمم لهم بزخرف من القول وظلت تستعر نارها وتشتد تدريجيا من معين الحقد على الدولة العثمانية(5).
القوميون ومسألة الدين:
من زعم من دعاة القومية أن الدين من عناصرها، فقد فرض أخطاء على القوميين، وقال عليهم ما لم يقولوا لأن الدين يخالف أسسهم التي بنوا القومية عليها، ويخالف صريح كلامهم ويباين ما يقصدونه من تكتيل العرب، على اختلاف أديانهم تحت راية القومية، ولهذا تجد من يجعل الدين من عناصر القومية يتناقض في كلامه، فيثبته تارة وينفيه أخرى، وما ذلك إلا أنه لم يقله عن عقيدة وإيمان، وإنما قاله مجاملة لأهل الإسلام، أو عن جهل بحقيقة القومية وهدفها(6)
الاستعمار والفكر القومي:
في كل الفترات التي ظهرت فيها القومية قبل الحرب العالمية الأولى كان للنصارى وللأيدي الغربية ولسفارات الدول الأجنبية المعادية للدولة العثمانية دور في تحريك الحركات القومية بقصد تفتيت الدولة العثمانية، ويلاحظ أن القومية في المشرق كانت ترفع راية العروبة حتى تقضي على الدولة العثمانية لصالح الإنجليز؛ حيث كانت الدول المشرقية لا تزال ضمن الدولة العثمانية؛ أما في مصر فإن الإنجليز شجَّعوا الدعوات الطائفية كالفرعونية والمصرية، ولم يسمحوا للعروبة بالظهور؛ لأنها ستكون ضد المصالح البريطانية(7).
نشأة القومية العربية (8):
ظهرت بدايات الفكر القومي العربي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين متمثلة في حركة سرية تألفت من أجلها الجمعيات والخلايا في عاصمة الخلافة العثمانية، ثم في حركة علنية في جمعيات أدبية تتخذ من دمشق وبيروت مقرًّا لها، ثم في حركة سياسية واضحة المعالم في المؤتمر العربي الأول الذي عقد في باريس سنة 1912م.
أهم الرموز القومية:
يعد ساطع الحصري 1880ـ 1968م داعية القومية العربية وأهم مفكريها وأشهر دعاتها، وله مؤلفات كثيرة تعد الأساس الذي يقوم عليه فكرة القومية العربية، ويأتي بعده في الأهمية ميشيل عفلق، إلى جانب آخرين أمثال: زكي الأرسوزي، ومحمد عزة دروزة، وعبد الرحمن الكواكبي، وقسطنطين زريق....الخ.
القومية العربية.. خطابٌ بعيد عن الموضوعيَّة:
الطابع الأبرز لفكرة القوميَّة العربيَّة أنها قد واكَبها منذ نشأتها خطابٌ بعيد عن الموضوعيَّة، وإيجادِ الحلول العمليَّة الحقيقيَّة لبناء أُمَّة؛ حيث كانت "العواطف" هي صاحبةَ الدور الأبرز في تسويق هذه الفكرة في كِيان الأمة الإسلاميَّة، وأمَّا دورها الموضوعي التطبيقي في بناء أمة لها نظامُها الخاص الفريد المنبثق عن مفاهيمها، فكل ذلك كان عائشًا في منطقة العدم؛ إذ لا يوجد نظام متكامل يَنبثق عن الفكرة القوميَّة، وقد وجَدنا أنَّ حَمَلَة هذه الفكرة قد أقاموا أنظمة ودولاً تَحكم الأُمَّة ولا علاقة لها بالفكرة القوميَّة، كالملكيَّة والاشتراكيَّة والديمقراطية، فهذه كلها غيرُ مبنيَّة على الفكرة القوميَّة؛ مما يُظهر قصورها "وإنشائيَّتها" على حساب الواقعيَّة التي ينبغي أن تتَّسم بها الهُوية التي تجمع الأمة، التي ينبغي أن تُجيب عن أسئلة النهضة وبناء الأمم والحضارات(9).
والإشكالية الأخرى في مسألة القومية والهوية أن العرب ككتلة بشرية ومساحة جغرافية، لا يجمعهم تاريخ واحد، ولا ثقافة واحدة، فلكل إقليم تاريخه الخاص وثقافته المرتبطة بظروفه وعاداته وتقاليده، بل أن اللغة تعجز أحيانا عن جمع شتاتهم نظرا لاختلاف اللهجات واللكنات، فـ"الواقع التاريخي يسجِّل أن المنطقة العربية عجَّت بثقافات مختلفة متباينة، بل ومتناقضة في بعض الأحيان! فالثقافة الجاهليَّة التي عاشَت في عقول العرب قبل الإسلام، مختلفة أشد الاختلاف عن الثقافة الإسلامية التي ظلَّلتهم وظلَّلت المنطقة على مدى أكثر من ثلاثة عشر قرنًا، فإلى أيِّها ننتمي؟ وكيف ننتمي إلى جميع ما عجَّ في المنطقة من ثقافات، وهي متباينة مختلفة؟ هل ينتمي الإنسان إلى متناقضات تتنازعه وتُشَتِّت وحدة كِيانه؟!"(10).
والمؤسف في الأمر أن كثيرا من كتابنا ومثقفينا- في محيطنا العربي- قد سطحوا من مسألة الهوية الإسلامية وهمشوا من محتواها الإسلامي والعقدي، بل ربما ألغوه تماما، ومن ثم قصروا مفهوم الهوية على الانتماء للعربية وبعض المظاهر الحضارية والثقافية والفنية المرتبطة بذلك، والتي تبلورت فيما بعد في فكرة القومية العربية، ولا يخفي على أحد خطورة هذا المنحى.
نقد القومية العربية:
تصدى كثير من مفكرينا وعلمائنا لدعاوي القومية والقوميين، وردوا عليها عبر العديد من المؤلفات والتصانيف، ونستطيع أن نوجز مجمل ردودهم في الآتي(11):
الأول: أن الدعوة إلى القومية العربية تفرق بين المسلمين، وتفصل المسلم العجمي عن أخيه العربي، وتفرق بين العرب أنفسهم ؛ لأنهم كلهم ليسوا يرتضونها، وإنما يرضاها منهم قوم دون قوم.
الثاني: أن الإسلام نهى عن دعوى الجاهلية وحذر منها، وأبدى في ذلك وأعاد في نصوص كثيرة بل قد جاءت النصوص تنهى عن جميع أخلاق الجاهلية، وأعمالهم إلا ما أقره الإسلام من ذلك، ولا ريب أن الدعوة إلى القومية العربية من أمر الجاهلية، لأنها دعوة إلى غير الإسلام، ومناصرة لغير الحق.
الثالث: من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية هو أنها سُلَّمٌ إلى موالاة كفار العرب وملاحدتهم من غير المسلمين، واتخاذهم بطانة، والاستنصار بهم على أعداء القوميين من المسلمين وغيرهم ومعلوم ما في هذا من الفساد الكبير، والمخالفة لنصوص القرآن والسنة، الدالة على وجوب بغض الكافرين من العرب وغيرهم، ومعاداتهم وتحريم موالاتهم واتخاذهم بطانة.
الرابع: من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال: إن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن؛ لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن، فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكاما وضعية تخالف حكم القرآن، حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام.
وكما بدأنا تقريرنا بنقل عن الشيخ محمد الغزالي ننهي بنقل له من مكان آخر في كتاب آخر واصفا حال القوميين العرب، يقول فيه: "لا مكان للإلحاد بيننا...ما هؤلاء الناس؟ إنهم ليسوا عربا ولا عجما ولا روس ولا أمريكان!! إنهم مسخ غريب الأطوار صفيق الصياح، بليت به هذه البلاد إثر ما وضعه الاستعمار بها وترك بذوره في مشاعرها وأفكارها، فهم -كما جاء في الحديث- من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، بيد أنهم عدو لتاريخنا وحضارتنا وعبء على كفاحنا ونهضتنا، وعون للحاقدين على ديننا والضانين بحق الحياة له ولمن اعتنقه.
إن هؤلاء الناس الذين برزوا فجأة، وملأت ضجتهم الأودية كما تملأ الضفادع بنقيقها أكناف الليل، يجب أن يمزق النقاب عن سريرتهم، وأن تعرفهم هذه الأمة على حقيقتهم، حتى لا يروج لهم خداع، ولا ينطلي لهم زور، إن صفوف الذين يلبسون مسوح العروبة، ويندسون خلال صفوف المجاهدين، ويزعمون أنهم مبشرون بالقومية العربية ورافعون لألويتها، وفي الوقت نفسه ينسحبون من تقاليد العروبة، ويهاجمون أجل ما عرفت به، ويبعثرون العوائق في طريق الإيمان ورسالته إن هؤلاء الناس ينبغي أن يماط اللثام عن وجوههم الكالحة، وأن تلقى الأضواء على وظيفتهم التي يسرها الاستعمار لهم، ووقف بعيدا يرقب نتائجها المرة، وما نتائجها إلا الدمار المنشود لرسالة القرآن، وصاحبها العظيم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم"(12).
ـــــــــــ
المراجع:
(1) حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي- للشيخ الغزالي: (ص:5).
(2) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصر: (1/444).
(3) الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) قومية عربية.
(4) مقال: القومية وأثرها المدمّر على وحدة الأمة الإسلامية- كمال حبيب.
(5) مقال: بداية ظهور القومية العربية- موقع الدرر السنية.
(6) نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز: (ص:5)- بحث منشور على شبكة الإنترنت.
(7) مقال: القومية وأثرها المدمّر على وحدة الأمة الإسلامية- كمال حبيب.
(8)الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصر: (1/444).
(9) مقال: القومية العربية كهوية- شريف محمد جابر- موقع شبكة الألوكة.
(10) المرجع السابق.
(11) ملخصا عن: نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
(12) كتاب "مع الله" للشيخ الغزالي: (ص:254).






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق