السبت، 1 نوفمبر 2014

من آداب البيوت وأحكامها




بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:




فإن البيوت لم تزين ولن تزين بأدب وعمل أعظم من تقوى الله عز وجل، وإن البيت إذا عُمَّر بطاعة الله عز وجل من الكبير والصغير والذكر والأنثى؛ كان هذا من أجل الخصال وأعظم الحلل التي تزدان بها بيوت أهل الإسلام، وقد جمعت بعض آداب البيوت منتزعًا لها من نصوص الوحيين: الكتاب والسنة، ومن كتب أهل العلم من الحديث والفقه وغير ذلك، ولم أرد الاستيعاب، وحسبي أني نبَّهت على المهم من ذلك، والله أسال التوفيق والسداد.




1- إغلاق الأبواب، وإطفاء النار عند النوم، وتخمير الآنية – أي تغطيتها – وكف الصبيان، فقد أخرج البخاري ومسلم ([1]) عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا كان جُنحُ الليل فكفُّوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعةٌ من العشاء فخلُّوهم، وأغلق بابك واذكر اسم الله، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله، وخمَّر إناءك واذكر اسم الله، ولو تعرض عليه شيئًا» وفي لفظ مسلم: «غطُّوا الإناء وأوكوا السقاء» وفي لفظ له أيضًا: «خمَّروا الآنية، وأوكئوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب، واكفتوا صبيانكم عند المساء ،فإن للجن انتشاراً وخطفة ، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد، فإن الفويسقة ربما اجترَّت الفتيلة فأحرقت أهل البيت »([2]).

وفي حديث ابن عمر عند البخاري ومسلم ([3]): «لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون».

وفي حديث أبي موسى المتفق عليه([4]) قال: «احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل فحُدَّث بشأنهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن هذه النار إنما هي عدوٌّ لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم ».

وفي سنن أبي داود([5]) من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: جاءت فارة فجرَّت الفتيلة، فألقتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدًا عليها فأحرقت منه مثل موضع الدرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا نمتم فأطفئوا سُرجكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم ».




وعند مسلم([6]) من حديث جابر: «لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء، فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء».



قال النووي رحمه الله: «قال أهل اللغة: الفواشي: كل منتشر من المال كالإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها، وهي جمع فاشية؛ لأنها تفشو أي تنتشر في الأرض، وفحمة العشاء: ظلمتها وسوادها، وفسَّرها بعضهم بإقباله وأول ظلامه، وكذا ذكره صاحب نهاية الغريب، قال: ويقال للظلمة التي بين صلاتي المغرب والعشاء الفحمة، وللتي بين العشاء والفجر العسعسة»([7]) اهـ.




وقال ابن دقيق العيد: «هذه الأوامر لم يحملها الأكثر على الوجوب، وهذه الأوامر تتنوع بحسب مقاصدها، فمنها ما يُحمل على الندب، وهو التسمية على كل حال، ومنها ما يُحمل على الندب والإرشاد معًا كإغلاق الأبواب من أجل التعليل بأن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا؛ لأن الاحتراز من مخالطة الشيطان مندوب إليه، وإن كانت تحته مصالح دنيوية كالحراسة، وكذا إيكاء السقاء وتخمير الإناء»([8]). اهـ.




وقال أيضًا رحمه الله: «الأمر بإغلاق الأبواب فيه من المصالح الدينية والدنيوية حراسة الأنفس والأموال في أهل العبث والفساد ولا سيما الشياطين» اهـ.




وأما الأمر بكفَّ الصبيان في هذه الساعة فللخوف عليهم من أذى الشياطين ساعة انتشارهم في أول الليل؛ لأن الليل للقوى الشيطانية، والذكر من الصبية مفقود فاحتيج إلى هذا.




وفيما يتعلق بتخمير الآنية، تعتبر الثلاجة في هذا الزمان في حكم الإناء الكبير، فإدخال الطعام فيها يقوم مقام تخميره إذا لم يكن لها أغطية، فعلى هذا تغلق ويذكر اسم الله.




2- روى مسلم ([9]) عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء. فإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت. وإذا لم يذكر اسم الله عند طعامه قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء » ففيه التسمية عند الدخول أو ذكر الله كقول لا إله إلا الله.




وأما حديث أبي مالك الأشعري «إذا ولج الرجل بيته فليقل: بسم الله، اللهم إني أسألك خير المولج ... الخ» فهذا حديث منقطع يرويه شريح بن عبيد عن أبي مالك، وروايته عنه مرسلة كما قال أبو حاتم.




3- البداءة بالسواك عند دخول المنزل، فقد روى المقدام ابن شريح عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك([10]).




4- روى الشيخان([11]) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورًا » وفي حديث جابر عند مسلم مرفوعًا: «إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا»([12] ).




5- عدم اتخاذ الصور أو اتخاذ التماثيل، ففي حديث أبي طلحة المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة »([13]) وفي لفظ البخاري: «ولا صورة تماثيل » وفي حديث أبي هريرة عند مسلم([14]) «ولا تدخل الملائكة بيتًا فيه تماثيل أو تصاوير » وكذا عند البخاري من حديث عائشة وابن عمر، ففي هذه الأحاديث مسائل:





* أن الصور المعلقة للعظماء والرؤساء والآباء محرمة، وكذا التي للذكرى على الراجح.

* أما الصور الممتهنة في الفرش والوسائد فلا بأس بها، وكذا الصور التي على العلب كعلب الحليب وبعض الأغذية فإنها في حكم الممتهنة، وكذا التي للضرورة أو الحاجة.




* أما الحيوانات المحنطة فلا يجوز اتخاذها، وقد منعها شيخنا ابن باز رحمه الله من ثلاثة وجوه: من حيث الإسراف، وأن فيها عملاً وتصويرًا ممن يحنطها، وأن بعض الناس يعتقد بها اعتقادات.




* فائدة: آفة هذه التصاوير والتماثيل هو الوجه، ولهذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «الصورة الرأس، فإذا قُطع الرأس فلا صورة» أخرجه البيهقي([15]) بسند صحيح عنه، وتسمية الوجه صورة موجود في أحاديث كثيرة ثابتة في الصحيحين وغيرهما. ومما ينبغي التنبيه عليه أيضًا حسن انتقاء لعب الأطفال؛ لأن كثيرًا من هذه اللعب لا تخلو من محاذير شرعية متعددة.




6- عدم إيواء الكلاب في البيوت وتربيتها، ففي حديث أبي طلحة السابق: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تصاوير » وكذا في حديث ابن عمر، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: «كلب ولا جرس»، وفي حديث أبي هريرة وابن عمر «من اقتنى كلبًا غير كلب زرع أو ماشية أو صيد نقص من أجره كل يوم قيراطان». والقيراط المذكور هنا جزء مقدر من الحسنات في ذلك اليوم إما من عشرين جزءًا أو أربعة وعشرين جزءًا، وقيل غير ذلك، فينقص هذا القدر كل يوم من حسناته، وأما القيراط في الجنائز فقد قيل إنه مثل القيراط هنا وأنهما متساويان، وقيل: إن الذي في باب الجنائز أعظم لأنه من باب الفضل والذي هنا من باب العقوبة وباب الفضل أوسع من غير شك([16]). اهـ.




قلت: وقد وقع التصريح بأن القيراط في الجنائز كالجبل العظيم أو كجبل أُحد أو أعظم من أُحد.

ففي الحديث من الأحكام:

* تحريم اقتناء الكلاب.




* أما الأجراس: فأجراس البيوت جائزة للحاجة وكذا أجراس الهاتف والسيارة، كما قال شيخنا ابن باز رحمه الله.




* فائدة: يتعدد نقص الأجر بتعدد اتخاذ الكلاب غير المأذون فيها على الراجح، وكذا يتعدد الأجر بتعدد الجنائز عند الصلاة عليها أو اتباعها، وهذا القول هو الراجح في المسألتين.




واقتناء الكلاب بلا حاجة معدود الآن من التشبه بالكفرة.




7- عدم ترك الصليب وما فيه تصاليب في البيوت، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يترك شيئًا فيه تصاليب إلا نقضه».




8- عدم تعليق جلود النمور أو افتراشها أو الركوب عليها أو اتخاذها، وقد جاءت فيها أحاديث منها حديث المقدام بن معد يكرب وفيه «نهى عن جلود السباع والركوب عليها» رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وقال الحافظ في الفتح([17]): حديثٌ ثابتٌ.ومنها حديث معاوية: «ونهى عن جلود النمور أن يركب عليها» وفي لفظ: «لا تركبوا الخز ولا النمار» رواه أحمد وأبو داود.




وحديث أبي هريرة: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر» رواه أبو داود. وحديث أبي المليح عن أبيه: «نهى عن جلود السباع» رواه الترمذي وأبو داود. وأيضًا حديث علي «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخز وعن ركوب عليه وعن جلوس عليه، وعن جلود النمور وعن جلوس عليها وعن ركوب عليها» أخرجه عبد الرزاق والطحاوي في مشكل الآثار. ومنها حديث أبي ريحانة رواه أحمد والطحاوي كذلك.




والأحاديث هذه بمجموعها تدل على أن النهي عن جلود النمور محفوظ ثابت بلا شك، وحديث المقدام وأبي هريرة كافيان، مع أن تعليقها أيضًا فيه مفسدة كسوة الجدر، وأقل أحواله الكراهة وسيأتي.




والحكمة في النهي عن اتخاذ جلود النمور والركوب عليها هي: التأثر بأخلاقها الخبيثة كما قال ابن القيم وشيخنا ابن باز رحمه الله، وقيل: لأنها لا تطهر بالدباغ، وهذا حق ولكن ليس هو علة النهي هنا، وقيل: التشبه بالأعاجم، وقيل: لما في ذلك من الخيلاء، وفي حديث أبي هريرة أن اصطحابها سبب لنفرة الملائكة، وجلود السباع بعامة حكمها كحكمها، وجاءت في بعض الألفاظ في الحديث.




9- عدم اتخاذ آلات المعازف واستعمالها، وكل ذلك محرم، وكذلك آلات الفساد كالدشوش والتلفاز وما شابهها، ومما يحسن التنبيه عليه هنا ما أنعم الله به علينا من وسيلة الاتصال (الهاتف) وهذه النعمة وإن كانت عظيمة ،لكن من أساء استخدامها أو غفل عن بعض أضرارها وقع في مهالك، وبعض الناس يدع الرد عل الهاتف لكل أحد في البيت من رجل أو امرأة صغيرًا كان أو كبيرًا، وهذا غلط ظاهر فالذي يتولى الرد على الهاتف ينبغي أن يكون من الذكور البالغين إن تيسر، ولا أرى داعيًا لرد المرأة على الهاتف مع وجود الرجال، وهذا الأمر معدود من مسؤولية الرجل على أهل بيته وحفظه لهم ويقظته المحمودة وغيرته المشروعة.




10- عدم استقبال القبلة واستدبارها عند الاستطابة، وفي حديث أبي أيوب: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرَّقوا أو غرَّبوا» ونحوه عند مسلم من حديث أبي هريرة وحديث سلمان الفارسي، ومذهب الجمهور التفريق بين البنيان والفضاء، فيجوز الاستقبال والاستدبار في البنيان عند قضاء الحاجة ولا يجوز ذلك في الفضاء. والأفضل عدم الاستقبال أو الاستدبار حتى في البنيان. والمنع بإطلاق ذهب إليه شيخ الإسلام وابن القيم، وشيخنا ابن باز رحمه الله يرى أن الأفضل تركه في البنيان، والشيخ ابن عثيمين- رحمه الله -يفرق في البنيان بين الاستقبال والاستدبار، فيرى منع الاستقبال وإباحة الاستدبار لحديث ابن عمر المتفق عليه.




11- عدم استعمال آنية الذهب والفضة سواء في الأكل أو الشرب أو غير ذلك كالوضوء، وفي الباب حديث أم سلمة المتفق عليه: «الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» وفي مسلم زيادة «الذهب والأكل» أي: الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب أو الفضة، وأشار مسلم إلى تفرد بعض الرواة بها، وقد جاء بها حديث حذيفة عند البخاري ومسلم، وقد نقل الاتفاق على منع سائر وجوه الاستعمال جماعة من العلماء كابن المنذر وابن هبيرة وابن القيم والموفق صاحب المغني، بل إن ابن حزم على ظاهريته يلحق سائر وجوه الاستعمال بالأكل والشرب، ونقل ابن قاسم في الأحكام شرح أصول الأحكام عن شيخ الإسلام الاتفاق على منع الاستعمال، وذكر ابن الهمام في فتح القدير أن المنع لأجل التشبه بالأكاسرة والجبابرة، وقال شيخ الإسلام في( الاقتضاء) مثله ،وأن اتخاذها من التشبه بالكفار. اهـ.




قلت: وقلَّ من نبَّه على هذه العلة مع أنها في الحديث «فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة» وذكر نحو هذا ابن القيم، وشيخنا ابن باز رحمه الله يمنع سائر وجوه الاستعمال كجماهير أهل العلم بل عامتهم، وقد اشتهر قصر المنع على الأكل والشرب دون سائر وجوه الاستعمال الأخرى عن المتأخرين، فقد نقل هذا عن داود الظاهري والشوكاني وصديق حسن وابن عثيمين رحمهم الله ،وقولهم هذا مرجوح ضعيف.

12- الاستئذان عند إرادة دخول البيوت ونحوها، ففي حديث أبي موسى عند مسلم: «والاستئذان ثلاثًا فإن أذن لك وإلا فارجع» ونحوه عن أبي سعيد متفق عليه، وفيه قصة، وفي الباب أحاديث.





وبعد ثلاث لا يجوز الاستئذان؛ لأنه أذى لأهل البيت، وهم قد علموا بك ولم يسمحوا بدخولك وحتى لو لم يعلموا فالثلاث كافية. فإن صرحوا لك بالرجوع فيحرم الاستئذان حينئذ، وقد قال الله تعالى: } وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ { [النور: 28].




والاستئذان يكون بالكلام أو بدق الباب أو بضرب الجرس، وقد بوَّب أبو داود على حديث جابر وهو متفق عليه،باب: الرجل يستأذن بالدق.




ويكون الاستئذان من الأقارب وأهل الدار بعضهم على بعض كما قال تعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{ [النور: 58]، فيؤمر الخدم والأطفال المميزون أن لا يهجموا على البيت في هذه الأوقات من غير استئذان لما يخشى أن يكون الرجل على أهله أو غير ذلك، وأما البالغون فيستأذنون في كل حال، وقد روى مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال: يا رسول الله أستأذن على أمي؟ قال: نعم، قال الرجل: إني معها في البيت! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استأذن عليها، فقال الرجل: إني خادمها! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟ قال: لا. قال: فاستأذن عليها » رواه مالك مرسلاً ومعناه في كتاب الله كما مرَّ آنفًا.




13- عدم ستر الجدر إلا لحاجة، ففي مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سترًا فهتكه وقال: «إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين »([18]) قال في الاختيارات في باب الوليمة: ورخَّص أبو محمد في ستر الحيطان لحاجة من وقاية حرًّ أو برد، ومقتضى كلام القاضي المنع لإطلاقه، وعلى مقتضى كلام أحمد يكره تعليق الستور على الأبواب من غير حاجة لوجود أغلاق غيرها من أبواب الخشب ونحوها، وكذا تكرار الستور في الدهليز لغير حاجة، فإذا ما زاد على الحاجة فهو سرف. وهل يرتقي إلى التحريم؟ فيه نظر. اهـ. وقال شيخنا ابن باز رحمه الله: ستر الجدار أقل أحواله الكراهة؛ لأنه نوع إسراف لا حاجة إليه، وأما ستر النوافذ فلا بأس به، وكذا إذا كان على الأبواب، أما الجدر فينكر. اهـ. كلامه رحمه الله.




14- اتخاذ ما يرتفق به الضيوف والاستعداد بكفاية دون زيادة أو سرف، عند مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فراش للرجل وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان ».




15- عدم الإسراف في المآكل والمشارب، فقد قال الله سبحانه وتعالى: } وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ { [الأعراف: 31]، وقال سبحانه وتعالى: } وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا { [الإسراء: 26-27]، وقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف أو مخيلة » رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وغيرهم، ويزداد الأمر سوءًا إذا كان مصير ما يفضل من هذه المآكل والمشارب هو القمامة والأماكن القذرة، فإن هذا من الاستهانة بالنعم،والاستهانة بالنعم استهانة بالمنِعم، فعلى المسلمين اتباع هدي سيد المرسلين الذي قال: «طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية » [رواه مسلم].




ومن فضل الله علينا في هذا الزمان وجود المبرات الخيرية التي تستقبل، بل تأتي لأخذ ما فضل من الطعام وتقوم بإيصاله إلى المحتاجين، فإن لم يتيسر الاتصال بهذه المبرات ولم يمكن حفظ ما بقي من الأطعمة فليطعم به الدواب، فإن لم يتيسر ذلك فليوضع في مكان طاهر.




16- عدم المبالغة في البناء: قال البخاري في صحيحه باب ما جاء في البناء: وقال أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أشراط الساعة إذا تطاول رعاة البهم في البنيان». قال الحافظ في الفتح ([19]): وقد ورد ذم البناء مطلقًا في حديث خباب «يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا التراب» أخرجه الترمذي وصححه، وأخرج له شاهدًا عن أنس بلفظ «إلا البناء فلا خير فيه» وللطبراني من حديث جابر رفعه: «إذا أراد الله بعبد شرًا خضّر له في اللبن والطين حتى يبني» ومعنى «خضَّر»: حسّن وزنًا ومعنى. وله شاهد من حديث أبي بشر الأنصاري «إذا أراد الله بعبد سوءًا أنفق ماله في البنيان». وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: مرَّ بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أطين حائطًا فقال: «الأمر أعجل من ذلك» صححه الترمذي وابن حبان.




وهذا كله محمول على ما لا تمس الحاجة إليه مما لا بد منه للتوطن وما يقي البرد والحر. وقد أخرج أبو داود أيضًا من حديث أنس رفعه: «أما إن كلَّ بناءٍ وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا» أي إلا ما لا بد منه، ورواته موثوقون إلا الراوي عن أنس وهو أبو طلحة الأسدي فليس بمعروف، وله شاهد من حديث واثلة بن الأسقع عند الطبراني. اهـ.




17- قراءة القرآن في البيوت فهذا سبب للبركة وطرد الشياطين، فعند مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «ولا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان يفرُّ من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة»، وفيه من الفوائد أن المقبرة ليست محلاً للقراءة، ومرَّ معنا حديث ابن عمر مرفوعًا: «اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ... ولا تتخذوها قبورًا» يفيد أن القبور ليست محلاً للصلاة أيضًا، فمن لم يتنفل في بيته ولم يقرأ القرآن فقد شبَّه بيته بالمقبرة.




18- عدم قتل حيات البيوت قبل إنذارها، ففي الصحيحين عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن قتل حيات البيوت وهي العوامر» وفي رواية «جنان البيوت» يعني قبل إنذارها، وفي حديث أبي سعيد عند مسلم «إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان » وفي لفظ «فحرَّجوا عليها ثلاثًا » وفيه قصة.




وجاءت صفة التحريج عند أبي داود من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه مرفوعًا: «أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن نوح، أنشدكن العهد الذي أخذ عليكن سليمان أن لا تؤذونا، فإن عُدن قتلن » وفي سنده محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى يرويه عن ثابت عن عبد الرحمن به، ومحمد سيئ الحفظ جدًا، فالصحيح أن صفة التحريج «أحرج بالله عليك أن تخرج وإلا قتلتك» أو نحو هذا الكلام مثل أنت في ضيق وحرج إن لبثت عندنا أو ظهرت لنا أو عُدت إلينا ثلاث مرات، وإن كررت في ثلاثة أيام فهو حسن لحديث أبي سعيد، وإلا فلا يلزم فقد يكون رواية بالمعنى، فإن كانت الحية جانًا ولم يخرج فقد حلَّ دمه، وإن كانت غير جان فهو لا يعلم ما تقول لأنه دابة عجماء وفي الحالين يقتل، ويستثنى من هذا التحريج «الأبتر وذو الطفيتين» لعظم خطرهما فإنهما يلتمسان البصر ويستسقطان الحبلى كما في حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم.




19- السلام على أهل الدار لعمومات النصوص في ذلك، وأهلك أحق من تسلم عليهم.

20- عدم خلوة الرجل في البيت بالمرأة الأجنبية؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «إياكم والدخول على النساء » فقال رجل: يا رسول الله أفرأيت الحمو -يعني أخبرني عن حكم دخول قريب الزوج أو ابن عمه -فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحمو الموت » يعني احذروه كما تحذرون الموت ،أو يكون المعنى دخوله هو هلاك الدين لما يخشى من فعل الفاحشة أو مقدماتها.




قلت: والله عز وجل قد سمى المرأة شهوة، فقد قال تعالى: } زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ { [آل عمران: 14] وحبُّ النساء في قلوب الرجال طبعٌ فطروا عليه، ومهما كان حال المرأة من كبر سنٍ أو دمامة وجهٍ فإنها تجد من يعلقها وقد قال الناظم:

لكل ساقطة في الحي لاقطة








وكل كاسدة يومًا لها سوق








وقد قيل: المرأة لحم على وضم إلا ما ذُبَّ عنه.

ومن المعدود من منكرات البيوت الخلوة بالخادمات مما هو سبب ظاهر لما لا تحمد عقباه، ومن ابتلي بشيء منهن فعليه صيانتهن من التبذل والسفور والإحسان إليهن وتعليمهن أمر دينهن، والله مسترعيه وسائله، حفظ الله أعراضنا وأعراض المسلمين من كل سوء ومكروه، وكبت الله دعاة الرذيلة وردَّ كيدهم في نحورهم.




21- سعة الدار ومرافقها من غرف ومجالس ونحوها وعدم تضييقها، وفي حديث سعد عند أحمد وابن حبان وأبي يعلى وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من السعادة ... وذكر منها المسكن الواسع » وإسناد ابن حبان جيد.




22- وضع مكتبة ورقية وسمعية بها الكتب المفيدة والأشرطة النافعة حتى تحفظ أوقات أهل الدار فيما ينفع، وتكون متنفسًا صالحًا لروَّادها.




23- وضع حاوية للأوراق التي فيها ذكر الله حتى لا تمتهن، بل تؤخذ وتحرق أو تفرم، ولا تكون عرضة للإهانة مثل اتخاذ البعض لها سفرًا للطعام.




والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد



([1] ) البخاري رقم (3280) ومسلم رقم (2014).



([2] ) وهو عند البخاري برقم (3316).



([3] ) البخاري برقم (6293) ومسلم (2015).



([4] ) البخاري رقم (6294) ومسلم (2016).



([5] ) أبو داود رقم (5247).



([6] ) مسلم رقم (2013).



([7] ) شرح مسلم للنووي (13/186-187).



([8] ) فتح الباري (11/87).



([9] ) مسلم رقم (5310).



([10] ) رواه مسلم برقم (253).



([11] ) البخاري رقم (432) ومسلم رقم (777).



([12] ) مسلم رقم (778).



([13] ) رواه البخاري رقم (3326) ومسلم (2106).



([14] ) رواه مسلم رقم (2112).



([15] ) رواه البيهقي (7/270).



([16] ) فتح الباري (3/194 – 195) و (5/7) باختصار.



([17] ) الفتح (10/294).



([18] ) وانظر الفتح (9/250).



([19] ) الفتح (11/92 – 93).




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق