الجمعة، 2 يونيو 2017

المسلمون كالجسد الواحد

إذا كان المسلمون كالجسد الواحد، أو كالبنيان يشد بعضه بعضاً - كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - فإن هذا من شأنه أن لا تكون بينهم فُرقة، ولا أن يسود بينهم الهجران، وفساد ذات البين، بل يجدر بهم أن يسود بينهم التواصل والتلاحم، ويتعمَّقَ بينهم الوئامُ والرفاء.

إن أكثر ما تنشرح له صدور أعداء الإسلام والمسلمين، وتَقَرُّ به أعينهم، أن يكون المسلمون متقاطعين متدابرين، متهاجرين متخاصمين، وأن يقع بينهم فساد ذات البين، فيعقب ذلك وينتج عنه أن يصيروا شيعا وأحزاب، وتذهب ريحهم، فيضعفوا ويقوى عدوهم.

من أجل هذا وغيره نهى الإسلام نهيا حاسما عن القطيعة بين المسلمين، وأمرهم أمراً جازما بإصلاح ذات بينهم.
قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾ [الأنفال: 1].

ويأمر الله تعالى بالمبادرة إلى إزالة العداوة والقطيعة التي تقع بين طائفتين من المؤمنين لسبب أو لآخر، فيقول سبحانه: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ [الحجرات: 9].

وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحجرات: 10].
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال»

وعن جابر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن الشيطان قد أيس - [وفي رواية «يئس»] - أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم»

قال الإمام النووي: هذا الحديث من معجزات النبوة، ومعناه أيس أن يعبده أهل جزيرة العرب، ولكنه يسعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن ونحوها

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا»

وعن أبي خراش السلمي، رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه»

وعن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟» قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: «إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة».

وعلى المسلم أن يسارع بإنهاء القطيعة بينه وبين أخيه، ويبادر بإفشاء السلام عليه، ويعمد إلى أسباب الهجر الذي وقع بينهما فيعمل على إزالتها، وله بهذا عظيم الأجر والمثوبة، وكان أخوه شريكا في الأجر إذا رد السلام، وإن امتنع فقد باء بالإثم.

عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث، فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باءا بالإثم، وخرج المسلِّم من الهجرة»

وإن قبول اعتذار المعتذر من الأمور التي تساعد في تقليل حدوث الهجر بين المسلمين، وتعبيد الطريق للوصال والصفاء، وإزالة الشحناء والخصومة، ولذلك ينبغي على المسلم أن يقبل اعتذار أخيه إذا جاءه معتذرا، وهذا من باب العفو والصفح الذي ندبنا إليه الشرع الحكيم.

قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].

وقال سبحانه: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].

إن المسلمين إذا تمسكوا بما أمرهم به دينهم من الوحدة وإصلاح ذات البين؛ كان حالهم أفضل مما هم فيه، وصاروا أعزة أمام أعدائهم، وبرئوا مما هم فيه من هوان واستضعاف، بل ولتغير وجه العالم، ولأعاد خصوم الإسلام وأعداء المسلمين حساباتهم مراتٍ ومراتٍ.

لقد أتى علينا زمانٌ نحن فيه كثيرٌ، ولكن كثرتنا لم تُغن عنا شيئًا، ولم تملأ عيون أعدائنا أو نفوسهم مهابة، وأضحت كثرة المسلمين التي جاوزت المليار ونصف المليار - بسبب التفرق والتقاطع والهجران على مستوى الأفراد والجماعات - غُثاء كغثاء السبيل، كما أنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذَّر!!

عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثيرٌ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن»، فقال قائلٌ: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت»


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق