قال محمد البشير الابراهيمي رحمه الله:
" إن هذا الاستعداد المتناهي الذي يستعدّه مسلمو اليوم لرمضان بالتفنن والاستكثار من المطاعم والمشارب مخالف لأوامر الدين، منافٍ لحفظ الصحة، مناقض لقواعد الاقتصاد. ولو كان هؤلاء متأدّبين بآداب الدين لاقتصروا على المعتاد المعروف في طعامهم وشرابهم، وأنفقوا الزائد في طرق البر والإحسان التي تناسب رمضان، من إطعام الفقراء واليتامى والأيامى، والغالب أن يكون لكل غنيّ مسرف في هذا النوع جارٌ أو جيران من الفقراء والأيامى واليتامى، وهم أحقّ الناس ببرّ الجار الغني، ولو فعل الأغنياء والمسرفون ذلك لأضافوا إلى قربة الصوم قربة أخرى ذات قيمة عظيمة عند الله، وهي الإحسان إلى المعدمين، وذات مزية في المجتمع، لأنها تقرّب القلوب في الشهر المبارك، وتشعر الصائمين كلّهم بأنه شهر إحسان ورحمة وتوكيد للأخوة الإسلامية.
وإذا كان من لطائف الحكم المنطوية في فريضة الصوم قمع الغرائز، فمنها أيضًا إمرار العوارض الجسمية على من لم يتعوّدها، ففي الناس مترفون منعّمون، يستحيل في العادة أن يذوقوا ألم الجوع لما تيسّر لهم من أسباب الشبع، فكان في هذا التجويع الإجباري بالصوم إشراك لهم مع الفقراء في الجوع حتى يذوقوا طعمه، ويتصوّروه على حقيقته، إذا وقف أمامهم سائل جائع يشكو الجوع ويشكو آلامه ويطلب العون بلقمة على دفعه، ومن ذاق الألم من شيء رقّ للمتألمين منه.
وتصوّر أنت غنيًّا واجدًا ميسّر الأسباب لا يطلب شيئًا من شهوات البطن إلا وجده محضرًا، ثم يقف أمامه فقير عادم لم يذق الطعام منذ ليال، فهو يتفنن في وصف الجوع وآلامه، والمضطر حين يطلب الإحسان، أَخطَبُ من سحبان (*)، فهل ترى نفس هذا الغني المنعّم تتحرك للخير، وتهتزّ للإحسان، كما تتحرّك وتهتزّ، وتسرع إلى النجدة نفس من سبق له الحرمان من الطعام والتألّم لفقده؟ "
آثاره (4-197)
*: سحبان وائل رضي الله عنه(-54 هـ) صحابي، كان بليغًا يُضرب به المثل في الفصاحة، فيقال: أفصح من سحبان وائل.
" إن هذا الاستعداد المتناهي الذي يستعدّه مسلمو اليوم لرمضان بالتفنن والاستكثار من المطاعم والمشارب مخالف لأوامر الدين، منافٍ لحفظ الصحة، مناقض لقواعد الاقتصاد. ولو كان هؤلاء متأدّبين بآداب الدين لاقتصروا على المعتاد المعروف في طعامهم وشرابهم، وأنفقوا الزائد في طرق البر والإحسان التي تناسب رمضان، من إطعام الفقراء واليتامى والأيامى، والغالب أن يكون لكل غنيّ مسرف في هذا النوع جارٌ أو جيران من الفقراء والأيامى واليتامى، وهم أحقّ الناس ببرّ الجار الغني، ولو فعل الأغنياء والمسرفون ذلك لأضافوا إلى قربة الصوم قربة أخرى ذات قيمة عظيمة عند الله، وهي الإحسان إلى المعدمين، وذات مزية في المجتمع، لأنها تقرّب القلوب في الشهر المبارك، وتشعر الصائمين كلّهم بأنه شهر إحسان ورحمة وتوكيد للأخوة الإسلامية.
وإذا كان من لطائف الحكم المنطوية في فريضة الصوم قمع الغرائز، فمنها أيضًا إمرار العوارض الجسمية على من لم يتعوّدها، ففي الناس مترفون منعّمون، يستحيل في العادة أن يذوقوا ألم الجوع لما تيسّر لهم من أسباب الشبع، فكان في هذا التجويع الإجباري بالصوم إشراك لهم مع الفقراء في الجوع حتى يذوقوا طعمه، ويتصوّروه على حقيقته، إذا وقف أمامهم سائل جائع يشكو الجوع ويشكو آلامه ويطلب العون بلقمة على دفعه، ومن ذاق الألم من شيء رقّ للمتألمين منه.
وتصوّر أنت غنيًّا واجدًا ميسّر الأسباب لا يطلب شيئًا من شهوات البطن إلا وجده محضرًا، ثم يقف أمامه فقير عادم لم يذق الطعام منذ ليال، فهو يتفنن في وصف الجوع وآلامه، والمضطر حين يطلب الإحسان، أَخطَبُ من سحبان (*)، فهل ترى نفس هذا الغني المنعّم تتحرك للخير، وتهتزّ للإحسان، كما تتحرّك وتهتزّ، وتسرع إلى النجدة نفس من سبق له الحرمان من الطعام والتألّم لفقده؟ "
آثاره (4-197)
*: سحبان وائل رضي الله عنه(-54 هـ) صحابي، كان بليغًا يُضرب به المثل في الفصاحة، فيقال: أفصح من سحبان وائل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق