السلام عليكم
تحية طيبة لأهل المتصفح الكرام .
موضوع أريد به مخاطبة العقول الكبار و أولي الفهم و الأبصار ..
فأعيروني الإدراك و التركيز و الأنظار /
لأن الموضوع حسّاس و لا يجب الاستهانة به بأي شكل من الأشكال ../
و هو يتعلق بمسألة : ( العقل مناط التّكليف ) .
هذه الجملة التي أسيء فهمها عند الكثير و ربما لا يزال منهم بعض البلهاء خاصة معلّمي الجيل القديم .
ممّا لا شك فيه أنّ كل إنسان واعي راشد و متّعلم يدرك أن البشر الأسوياء لديهم ( عقل ) مستّعد لتلقي التّكليفات الشرعية .. بإستثناء حالة المجانين و حالات خاصة أخرى كالمرضى عقليا و فاقدي الذاكرة جراء الحوادث ... إلخ
و معلوم في الشريعة أن القلم مرفوع عن ( المجنون ) حتى يعقل و عن ( النائم ) حتى يستيقظ و عن ( الصبي ) حتى يكبر أو يحتلم .. و فقا لحديث نبّوي سيأتي طرحه فيما بعد ( في المقتبس المنقول ) .
و لكن ما لا ينتبه إليه إلا البعض هو أن كلّ هؤلاء الثلاثة لا يزال لديهم ( العقل بمعنى الدماغ ) فالمجنون بإمكانه أن يأكل و يميّز بين بعض الأمور .. و النائم نفس الشيء يتنفس و يصدر الشخير و يتّقلب في فراشه و يتمتم و يرى الأحلام بسبب وجود خلايا دماغية لا تزال نشطة و تعالج البيانات أثناء نومه ..
و أيضا الصبي لديه هذا ( الدماغ ) و لكن هل لديه ( العقل ) ؟؟ سنعرف ذلك @ و هنا مربط الفرس فانتّبهوا .
أتّذكر أنّه عندما كنا تلاميذ صغار ندرس حصة التربية الإسلامية كان المعلّم يخبرنا عن جملة ( العقل مناط التكليف ) بعد أن يلقيها إلى مسامعنا كما هي مرسومة في مخيّلته و لكن أنا و ربما هناك من معي أخذنا معناها الأعوج الساذج و هو أن مقصود كلام المعلّم دماغ الإنسان لأنّه لم يشرح لنا شيئا عن معنى العقل الذي يقصده لأن مناهج التدريس كانت ضعيفة جدّا من ناحية الشرح و التفصيل و التبسيط .. و منه كان أنّنا اسنتجنا بسطحية أن تلك الجملة تشمل حتى ( الطفل الصغير ) الذي لم يستيقظ على نفسه حتّى و لا يعرف عن الحياة سوى إسمه و إسم أمه و أبيه و بعض المفاهيم الأساسية لكنّنا شملناه في معادلتنا كونه إنسان في النهاية و لا مبرّر لديه لأنّه يمتلك ( الدماغ الذي حدّثنا عنه الأستاذ ) و بالتّالي فهو مكلّف و عليه أن يلتزم و إلا عاقبه الله بالنيران و بنار جهنم ..
ليصبح ( الملاك ) المسكين مجرد كتلة من الذنب و الخوف تسير و تتحرّك فوق الأرض من جراء الترويع و شدّة التخويف الذي تلّقاه من المدّرسين و من طرف الأسرة و المجتمع الأبله الذي أسقطه حظه و قدره ليعيش فيه !
فبعد أن كان ملاكا يعيش و يحلق و يحلم بعفوية و إنسجام مع الطبيعة و الحياة أصبح بعد ذلك طفل منكسر مقصوص الجناحان مسّلسّلا بتّهم لا يعرف ذنبه فيها سوى أنّه ( دماغ يتحرك ) مثخن بالقيود الفكرية الأكبر منه سنّا و التي بالكاد يستطيع حملها و تحمّلها لتبدأ بالإقتيات من حريته و إعاقة تقدّمه و نموه الطبيعي في الحياة .
أخبروني بعد كل هذا ..
ترى من سيصّدّق أن حياة بشري بأكملها بإمكانها أن تتدّمّر و تنهار لأجل إساءة فهم جملة واحدة ؟ !!
هل سيصدّقها أولئك الراسخون في العلم الذين أبدعوا في تنسيق و ترتيب الأحكام و الأوامر ؟
أم أن أهل مكة أدرى بشعابها ؟
لبعض من لم يجرّب و يعش الظرف سيبدو ما قلناه هنا كأحد المسرحيات السيريالية أو الروايات الدرامية التي لا يجدها القارئ إلا في معارض الفنون الأدبية .. و لكن لمن يعي و [ يبصِر ] بمعنى الكلمة سيعرف عن ماذا نتحدث .. لذلك لمن لا يعرف عن ماذا نتحدّث أقول له أعتذر منك و لتغلق الصفحة و إنتقل إلى مواضيع أخرى تهمّك أكثر .. فحاجتك ليست هنا .. الكلام هنا لأصحاب الضمائر و الأحاسيس العالية التي تعي أن جملة أو كلمة تلقيها أنت بجهل بدون حساب قد تتسبّب في كوارث معرفية داخل عقول بشر آخرين .
.. //
و الآن دعونا نعود إلى جملة ( العقل مناط التكليف )
لنستبدلها بمدلولات أخرى ثم نرى الفرق بعد ذلك ..
ترى ما الذي سيتغيّر لو قلنا :
( تمّام العقل هو مناط التكليف ) ؟ أو : ( العقل الناضج هو مناط التكليف ) أو : ( الرشد هو مناط التكليف )
أو : ( إرتفاع الوعي هو مناط التكليف ) أو : ( المعرفة الناضجة هي مناط التكليف ) .... إلى آخره .
هل بلّغكم الآن المعنى الحقيقي لجملة ( العقل مناط التّكليف ) ؟
.. //
لمن لم يبلغه المعنى المقصود ..
كنت قد فكرت مسبقًا في الإقتباس و نقل بعض التوضيح من موقع آخر متّخصص و مستند على أدلة شرعية و مراجع إسلامية و موجه خصيصًا لأولئك الذين يحبون الفتاوى و الإعتماد على الإستدلالات الشرعية ( و ذلك حقهم الطبيعي على أي حال ) و أيضا عملا بوصية النّبي لنا حين أوصانا بأن نخاطب النّاس على قدر عقولهم ..
لذلك أرجو أن أكون قد وفقت و اجتهدت في أن أوصل قصدي للجميع بالطرق التي تساعدهم ..
و هذا هو المقتبس منقول كاملا :
.................................................. ............................
تعريف التكليف
ومن شروطه العقل والبلوغ
فالتكليف لغة : مصدر كلّف. يقال: كلفه تكليفاً أي أمره بما يشق عليه[1].
قال تعالى : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [2].
و في الاصطلاح :
«خطاب الله تعالى، المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع»[3].
وفيما يلي نذكر شروطاً عامة للتكليف وتحقق المسؤولية:
العقل والبلوغ :
إن الله تعالى قد وهب الإنسان عقلاً به يميز ويدرك ويقف على الأمر والنهي نهياً، ويستطيع تطبيق أوامر الشرع ونواهيه تطبيقاً يقوم عليه نظام المجتمع وصلاح أحواله واستقامة أموره، والإنسان لا يعد مسؤولاً ومكلفاً في الإسلام إلا إذا بلغ وكمل عقله وأصبح رشيداً. والرشيد يقصد به من بلغ سن الرشد وأصبح أهلا لتحمل المسؤولية والتكليف ورعاية الأمانة.
ولقد جعل القرآن الكريم سن الرشد هو سن اكتمال العقل الإنساني وقدرته على الإدراك والاختيار الذي به يتحمل تبعة أعماله ويدرك به معرفة النتائج المترتبة على الأفعال وهو الرشد المقترن بالتكليف وتحمل المسؤولية، وهو أن يبلغ الصبي ويستقل بتصرفاته وهذا ما يستفاد من قوله تعالى: [b]وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [b]
فشرط إعطاء الولي المال لليتيم في الآية هو بلوغ النكاح وعلم الرشد.
إذاً فلا يتجه التكليف إلى الإنسان - رجلاً أو امرأة - إلا إذا بلغ. وللبلوع تقدير شرعي محدد. فغير البالغ ليس بمكلف، ونعني بذلك أن جانب الإلزام والمسؤولية من أحكام الله تعالى لا يثبت بشأن الإنسان غير البالغ.
وقد اختلف العلماء والأئمة في معرفة السن الذي يصل فيه الإنسان إلى الرشد. قال ابن حجر[5]: «أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام[6].
لذا ذهب الإمام أبو حنيفة[7] – رحمه الله – إلى أن سن البلوغ ثماني عشرة في الذكور، وسبع عشرة سنة في الإناث، وهو المروي عن ابن عباس رضي الله عنه[8]، وذهب جمهور الفقهاء وصاحبا أبي حنيفة – أبو يوسف[9] ومحمد[10] – على أنهما خمس عشرة سنة في الذكور والإناث جميعاً[11]. ويستندون إلى حديث ابن عمر رضي الله عنه[12]: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد، وهو أربع عشرة سنة فلم يجزه، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن عشرة فأجازني. قال نافع: تقدمت على عمر بن عبد العزيز، وهو خليفة فحدثته هذا الحديث، فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة سنة»[13].
واتجه كثير من المفسرين إلى أن المراد بالرشد هو اكتمال العقل واكتمال العقل يكون بحسن التصرف في الأموال. لأن كمال البلوغ لا يكفي كسب لدفع أموال اليتيم إليه.
يقول الزمخشري[14]: «واختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ حتى إذا تبينهم منهم رشداً. أي هداية - دفعتم إليهم أموالهم من غير تأخير عن البلوغ»[15].
فالرشد هو دليل كمال العقل وتظهر قدرات العقل بالتصرف الحسن فيما يزاول الإنسان من أعمال وبالأخص فيما يتعلق بالأموال.
ويقول الإمام الغزالي[16]: « وشرط المكلف أن يكون عاقلاً يفهم الخطاب، فلا يصح خطاب الجماد والبهيمة، بل ولا خطاب المجنون والصبي الذي لا يميز، لأن التكليف مقتضاه الطاعة والامتثال، ولا يمكن ذلك إلا بقصد الامتثال، وشرط القصد العلم بالمقصود، وهذا لا يتحقق في المجنون ولا المميز لأن الأول لا يفهم والثاني إن فهم فهماً ما لم يصدر منه قصد صحيح، فلم يصح تكليفهما ولا سؤالهما»[17]، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ »[18].
ومن كل ما تقدم نخرج بأن الإنسان لا يكلف إلا إذا كمل عقله وبلغ رشده وتكاملت قواه الفكرية وظهر منه علامات تدل على ما أودع فيه من طاقات وما زود به من ملكات قادرة على الوصول إلى المعرفة الحقة والإدراك الصحيح.
وهذا هو العقل الذي جعله الله تعالى مناط التكليف وأساس تحمل الإنسان للمسؤولية، لذلك نجد أن الإسلام يرفع عن الإنسان المسؤولية إذا طرأ على العقل أي اختلال في قدراته أو نقص، فلا مسؤولية على صغير ولا مجنون ولا سكران.
*********************
[1] الصحاح، لابن حماد الجوهري 3/ 1177، الطبعة الأولى 1999م، دار إحياء التراث العربي. بيروت.
[2] البقرة. آية 286.
[3] الوجيز في أصول التشريع، ص: 99، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت.
[4] سورة النساء. آية 6.
[5] هو شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الشهير بابن حجر الكناني العسقلاني الشافعي الأصل المصري مولدا ونشأة ولد عام 773هـ تولى القضاء في مصر وله عدة مؤلفات منها: فتح الباري شرح صحيح البخاري، تقريب التهذيب، لسان الميزان الإصابة في تميز الصحابة، توفي عام 852هـ، انظر: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع لمحمد بن علي الشوكاني 1/ 78 وشذرات الذهب 7/ 273.
[6] فتح الباري بشرح صحيح البخاري 5/ 277، الناشر: دار المعرفة، بيروت 1379.
[7] هو الإمام فقيه المللة عالم العراق أبو حنيفة النعمان بن الثابت بن ذوطي التيمي الكوفي مولى تيم الله بن ثعلبة، ولد سنة 80هـ وأما الفقه والتدقيق فإليه المنتهى قال عنه الإمام الشافعي: الناس في الفقه عيال لأبي حنيفة توفي سنة 150هـ انظر سير أعلام النبلاء 6/ 290 والبداية والنهاية 10/ 107 وتذكرة الحفاظ 1/ 168 ووفيات الأعيان 5/ 415.
[8] هو عبد الله ابن عباس بن عبد المطلب كنيته أبو العباس من كبار المفسرين في عهد الصحابة توفي عام 68هـ وقيل 70هـ انظر: الثقات 3/ 308.
[9] هو الإمام أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي الفقيه المجتهد قاضي القضاة، ولسنة 113هـ تلميذ أبي حنيفة وصاحبه يحفظ التفسير والمغازي توفي سنة 182هـ انظر: سير أعلام النبلاء 8/ 450 والبداية والنهاية 10/ 180 ووفيات الأعيان 6/ 278 وشذارت الذهب 1/ 298.
[10] هو محمد بن الحسن بن فرقد ولد بواسط ونشأ بالكوفة إمام في الفقه والأصول ثاني أصحاب أبي حنيفة بعد أبي يوسف وله مؤلفات كثيرة منها: الجامع الصغير، الجامع الكبير، المبسوط، السير الكبير، السير الصغير. انظر: البداية والنهاية 10/ 202 والأعلام للزركلي 6/ 309.
[11] المدخل الفقهي العام، للأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء، ط سنة 1968م، مطابع ألف باء بدمشق.
[12] هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، ولد سنة ثلاث بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم وهاجر وهو ابن عشر سنين وكان شديد الاقتداء والمتابعة برسول الله صلى الله عليه وسلم – توفي سنة 72 وقيل 73هـ انظر: الاصابة 2/ 347 – 350 والاستيعاب 2/ 341 – 346 وأسد الغابة 3/ 227 – 231.
[13] رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما في الإمارة، باب بيان سن البلوغ 3/ 1390 رقم 1868، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت بتحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
[14] هو الإمام محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري جار الله ولد سنة 467هـ بزمخشر قرية من قرى خوارزم وهو النحوي واللغوي والمفسر المعتزلي وله مؤلفات كثيرة منها: الكشاف في التفسير، أساس البلاغة، المفصل، المقامات، توفي في جرجانية بخوارزم، انظر: طبقات المفسرين للحافظ داودي 2/ 314 – 316.
[15] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لإمام الزمخشري، 1/ 473، 472 دار الكتاب العربي.
[16] هو محمد بن محمد الغزالي الطوسي أبو حامد حجة الإسلام فيلسوف متصوف وله حوالي مئتي كتاب ومن أشهر مؤلفاته: إحياء علوم الدين ولد عام 540هـ وتوفي بخراسان عام 505هـ انظر الأعلام للزركلي 7/ 247 – 248.
[17] المستصفى في علم الأصول، محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، ص: 67، دار الكتب العلمية - بيروت بتحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، الطبعة الأولى، 1413هـ.
[18] رواه أبو داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا، 2/ 544، رقم 4402، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. الناشر: دار الفكر.
.................................................. ............................
و دمتم بخير .
تحية طيبة لأهل المتصفح الكرام .
موضوع أريد به مخاطبة العقول الكبار و أولي الفهم و الأبصار ..
فأعيروني الإدراك و التركيز و الأنظار /
لأن الموضوع حسّاس و لا يجب الاستهانة به بأي شكل من الأشكال ../
و هو يتعلق بمسألة : ( العقل مناط التّكليف ) .
هذه الجملة التي أسيء فهمها عند الكثير و ربما لا يزال منهم بعض البلهاء خاصة معلّمي الجيل القديم .
ممّا لا شك فيه أنّ كل إنسان واعي راشد و متّعلم يدرك أن البشر الأسوياء لديهم ( عقل ) مستّعد لتلقي التّكليفات الشرعية .. بإستثناء حالة المجانين و حالات خاصة أخرى كالمرضى عقليا و فاقدي الذاكرة جراء الحوادث ... إلخ
و معلوم في الشريعة أن القلم مرفوع عن ( المجنون ) حتى يعقل و عن ( النائم ) حتى يستيقظ و عن ( الصبي ) حتى يكبر أو يحتلم .. و فقا لحديث نبّوي سيأتي طرحه فيما بعد ( في المقتبس المنقول ) .
و لكن ما لا ينتبه إليه إلا البعض هو أن كلّ هؤلاء الثلاثة لا يزال لديهم ( العقل بمعنى الدماغ ) فالمجنون بإمكانه أن يأكل و يميّز بين بعض الأمور .. و النائم نفس الشيء يتنفس و يصدر الشخير و يتّقلب في فراشه و يتمتم و يرى الأحلام بسبب وجود خلايا دماغية لا تزال نشطة و تعالج البيانات أثناء نومه ..
و أيضا الصبي لديه هذا ( الدماغ ) و لكن هل لديه ( العقل ) ؟؟ سنعرف ذلك @ و هنا مربط الفرس فانتّبهوا .
أتّذكر أنّه عندما كنا تلاميذ صغار ندرس حصة التربية الإسلامية كان المعلّم يخبرنا عن جملة ( العقل مناط التكليف ) بعد أن يلقيها إلى مسامعنا كما هي مرسومة في مخيّلته و لكن أنا و ربما هناك من معي أخذنا معناها الأعوج الساذج و هو أن مقصود كلام المعلّم دماغ الإنسان لأنّه لم يشرح لنا شيئا عن معنى العقل الذي يقصده لأن مناهج التدريس كانت ضعيفة جدّا من ناحية الشرح و التفصيل و التبسيط .. و منه كان أنّنا اسنتجنا بسطحية أن تلك الجملة تشمل حتى ( الطفل الصغير ) الذي لم يستيقظ على نفسه حتّى و لا يعرف عن الحياة سوى إسمه و إسم أمه و أبيه و بعض المفاهيم الأساسية لكنّنا شملناه في معادلتنا كونه إنسان في النهاية و لا مبرّر لديه لأنّه يمتلك ( الدماغ الذي حدّثنا عنه الأستاذ ) و بالتّالي فهو مكلّف و عليه أن يلتزم و إلا عاقبه الله بالنيران و بنار جهنم ..
ليصبح ( الملاك ) المسكين مجرد كتلة من الذنب و الخوف تسير و تتحرّك فوق الأرض من جراء الترويع و شدّة التخويف الذي تلّقاه من المدّرسين و من طرف الأسرة و المجتمع الأبله الذي أسقطه حظه و قدره ليعيش فيه !
فبعد أن كان ملاكا يعيش و يحلق و يحلم بعفوية و إنسجام مع الطبيعة و الحياة أصبح بعد ذلك طفل منكسر مقصوص الجناحان مسّلسّلا بتّهم لا يعرف ذنبه فيها سوى أنّه ( دماغ يتحرك ) مثخن بالقيود الفكرية الأكبر منه سنّا و التي بالكاد يستطيع حملها و تحمّلها لتبدأ بالإقتيات من حريته و إعاقة تقدّمه و نموه الطبيعي في الحياة .
أخبروني بعد كل هذا ..
ترى من سيصّدّق أن حياة بشري بأكملها بإمكانها أن تتدّمّر و تنهار لأجل إساءة فهم جملة واحدة ؟ !!
هل سيصدّقها أولئك الراسخون في العلم الذين أبدعوا في تنسيق و ترتيب الأحكام و الأوامر ؟
أم أن أهل مكة أدرى بشعابها ؟
لبعض من لم يجرّب و يعش الظرف سيبدو ما قلناه هنا كأحد المسرحيات السيريالية أو الروايات الدرامية التي لا يجدها القارئ إلا في معارض الفنون الأدبية .. و لكن لمن يعي و [ يبصِر ] بمعنى الكلمة سيعرف عن ماذا نتحدث .. لذلك لمن لا يعرف عن ماذا نتحدّث أقول له أعتذر منك و لتغلق الصفحة و إنتقل إلى مواضيع أخرى تهمّك أكثر .. فحاجتك ليست هنا .. الكلام هنا لأصحاب الضمائر و الأحاسيس العالية التي تعي أن جملة أو كلمة تلقيها أنت بجهل بدون حساب قد تتسبّب في كوارث معرفية داخل عقول بشر آخرين .
.. //
و الآن دعونا نعود إلى جملة ( العقل مناط التكليف )
لنستبدلها بمدلولات أخرى ثم نرى الفرق بعد ذلك ..
ترى ما الذي سيتغيّر لو قلنا :
( تمّام العقل هو مناط التكليف ) ؟ أو : ( العقل الناضج هو مناط التكليف ) أو : ( الرشد هو مناط التكليف )
أو : ( إرتفاع الوعي هو مناط التكليف ) أو : ( المعرفة الناضجة هي مناط التكليف ) .... إلى آخره .
هل بلّغكم الآن المعنى الحقيقي لجملة ( العقل مناط التّكليف ) ؟
.. //
لمن لم يبلغه المعنى المقصود ..
كنت قد فكرت مسبقًا في الإقتباس و نقل بعض التوضيح من موقع آخر متّخصص و مستند على أدلة شرعية و مراجع إسلامية و موجه خصيصًا لأولئك الذين يحبون الفتاوى و الإعتماد على الإستدلالات الشرعية ( و ذلك حقهم الطبيعي على أي حال ) و أيضا عملا بوصية النّبي لنا حين أوصانا بأن نخاطب النّاس على قدر عقولهم ..
لذلك أرجو أن أكون قد وفقت و اجتهدت في أن أوصل قصدي للجميع بالطرق التي تساعدهم ..
و هذا هو المقتبس منقول كاملا :
.................................................. ............................
تعريف التكليف
ومن شروطه العقل والبلوغ
فالتكليف لغة : مصدر كلّف. يقال: كلفه تكليفاً أي أمره بما يشق عليه[1].
قال تعالى : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [2].
و في الاصطلاح :
«خطاب الله تعالى، المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع»[3].
وفيما يلي نذكر شروطاً عامة للتكليف وتحقق المسؤولية:
العقل والبلوغ :
إن الله تعالى قد وهب الإنسان عقلاً به يميز ويدرك ويقف على الأمر والنهي نهياً، ويستطيع تطبيق أوامر الشرع ونواهيه تطبيقاً يقوم عليه نظام المجتمع وصلاح أحواله واستقامة أموره، والإنسان لا يعد مسؤولاً ومكلفاً في الإسلام إلا إذا بلغ وكمل عقله وأصبح رشيداً. والرشيد يقصد به من بلغ سن الرشد وأصبح أهلا لتحمل المسؤولية والتكليف ورعاية الأمانة.
ولقد جعل القرآن الكريم سن الرشد هو سن اكتمال العقل الإنساني وقدرته على الإدراك والاختيار الذي به يتحمل تبعة أعماله ويدرك به معرفة النتائج المترتبة على الأفعال وهو الرشد المقترن بالتكليف وتحمل المسؤولية، وهو أن يبلغ الصبي ويستقل بتصرفاته وهذا ما يستفاد من قوله تعالى: [b]وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [b]
فشرط إعطاء الولي المال لليتيم في الآية هو بلوغ النكاح وعلم الرشد.
إذاً فلا يتجه التكليف إلى الإنسان - رجلاً أو امرأة - إلا إذا بلغ. وللبلوع تقدير شرعي محدد. فغير البالغ ليس بمكلف، ونعني بذلك أن جانب الإلزام والمسؤولية من أحكام الله تعالى لا يثبت بشأن الإنسان غير البالغ.
وقد اختلف العلماء والأئمة في معرفة السن الذي يصل فيه الإنسان إلى الرشد. قال ابن حجر[5]: «أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام[6].
لذا ذهب الإمام أبو حنيفة[7] – رحمه الله – إلى أن سن البلوغ ثماني عشرة في الذكور، وسبع عشرة سنة في الإناث، وهو المروي عن ابن عباس رضي الله عنه[8]، وذهب جمهور الفقهاء وصاحبا أبي حنيفة – أبو يوسف[9] ومحمد[10] – على أنهما خمس عشرة سنة في الذكور والإناث جميعاً[11]. ويستندون إلى حديث ابن عمر رضي الله عنه[12]: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد، وهو أربع عشرة سنة فلم يجزه، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن عشرة فأجازني. قال نافع: تقدمت على عمر بن عبد العزيز، وهو خليفة فحدثته هذا الحديث، فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمس عشرة سنة»[13].
واتجه كثير من المفسرين إلى أن المراد بالرشد هو اكتمال العقل واكتمال العقل يكون بحسن التصرف في الأموال. لأن كمال البلوغ لا يكفي كسب لدفع أموال اليتيم إليه.
يقول الزمخشري[14]: «واختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ حتى إذا تبينهم منهم رشداً. أي هداية - دفعتم إليهم أموالهم من غير تأخير عن البلوغ»[15].
فالرشد هو دليل كمال العقل وتظهر قدرات العقل بالتصرف الحسن فيما يزاول الإنسان من أعمال وبالأخص فيما يتعلق بالأموال.
ويقول الإمام الغزالي[16]: « وشرط المكلف أن يكون عاقلاً يفهم الخطاب، فلا يصح خطاب الجماد والبهيمة، بل ولا خطاب المجنون والصبي الذي لا يميز، لأن التكليف مقتضاه الطاعة والامتثال، ولا يمكن ذلك إلا بقصد الامتثال، وشرط القصد العلم بالمقصود، وهذا لا يتحقق في المجنون ولا المميز لأن الأول لا يفهم والثاني إن فهم فهماً ما لم يصدر منه قصد صحيح، فلم يصح تكليفهما ولا سؤالهما»[17]، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ »[18].
ومن كل ما تقدم نخرج بأن الإنسان لا يكلف إلا إذا كمل عقله وبلغ رشده وتكاملت قواه الفكرية وظهر منه علامات تدل على ما أودع فيه من طاقات وما زود به من ملكات قادرة على الوصول إلى المعرفة الحقة والإدراك الصحيح.
وهذا هو العقل الذي جعله الله تعالى مناط التكليف وأساس تحمل الإنسان للمسؤولية، لذلك نجد أن الإسلام يرفع عن الإنسان المسؤولية إذا طرأ على العقل أي اختلال في قدراته أو نقص، فلا مسؤولية على صغير ولا مجنون ولا سكران.
*********************
[1] الصحاح، لابن حماد الجوهري 3/ 1177، الطبعة الأولى 1999م، دار إحياء التراث العربي. بيروت.
[2] البقرة. آية 286.
[3] الوجيز في أصول التشريع، ص: 99، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت.
[4] سورة النساء. آية 6.
[5] هو شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الشهير بابن حجر الكناني العسقلاني الشافعي الأصل المصري مولدا ونشأة ولد عام 773هـ تولى القضاء في مصر وله عدة مؤلفات منها: فتح الباري شرح صحيح البخاري، تقريب التهذيب، لسان الميزان الإصابة في تميز الصحابة، توفي عام 852هـ، انظر: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع لمحمد بن علي الشوكاني 1/ 78 وشذرات الذهب 7/ 273.
[6] فتح الباري بشرح صحيح البخاري 5/ 277، الناشر: دار المعرفة، بيروت 1379.
[7] هو الإمام فقيه المللة عالم العراق أبو حنيفة النعمان بن الثابت بن ذوطي التيمي الكوفي مولى تيم الله بن ثعلبة، ولد سنة 80هـ وأما الفقه والتدقيق فإليه المنتهى قال عنه الإمام الشافعي: الناس في الفقه عيال لأبي حنيفة توفي سنة 150هـ انظر سير أعلام النبلاء 6/ 290 والبداية والنهاية 10/ 107 وتذكرة الحفاظ 1/ 168 ووفيات الأعيان 5/ 415.
[8] هو عبد الله ابن عباس بن عبد المطلب كنيته أبو العباس من كبار المفسرين في عهد الصحابة توفي عام 68هـ وقيل 70هـ انظر: الثقات 3/ 308.
[9] هو الإمام أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي الفقيه المجتهد قاضي القضاة، ولسنة 113هـ تلميذ أبي حنيفة وصاحبه يحفظ التفسير والمغازي توفي سنة 182هـ انظر: سير أعلام النبلاء 8/ 450 والبداية والنهاية 10/ 180 ووفيات الأعيان 6/ 278 وشذارت الذهب 1/ 298.
[10] هو محمد بن الحسن بن فرقد ولد بواسط ونشأ بالكوفة إمام في الفقه والأصول ثاني أصحاب أبي حنيفة بعد أبي يوسف وله مؤلفات كثيرة منها: الجامع الصغير، الجامع الكبير، المبسوط، السير الكبير، السير الصغير. انظر: البداية والنهاية 10/ 202 والأعلام للزركلي 6/ 309.
[11] المدخل الفقهي العام، للأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء، ط سنة 1968م، مطابع ألف باء بدمشق.
[12] هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي، ولد سنة ثلاث بعد مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم وهاجر وهو ابن عشر سنين وكان شديد الاقتداء والمتابعة برسول الله صلى الله عليه وسلم – توفي سنة 72 وقيل 73هـ انظر: الاصابة 2/ 347 – 350 والاستيعاب 2/ 341 – 346 وأسد الغابة 3/ 227 – 231.
[13] رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما في الإمارة، باب بيان سن البلوغ 3/ 1390 رقم 1868، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت بتحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
[14] هو الإمام محمود بن عمر بن أحمد الزمخشري جار الله ولد سنة 467هـ بزمخشر قرية من قرى خوارزم وهو النحوي واللغوي والمفسر المعتزلي وله مؤلفات كثيرة منها: الكشاف في التفسير، أساس البلاغة، المفصل، المقامات، توفي في جرجانية بخوارزم، انظر: طبقات المفسرين للحافظ داودي 2/ 314 – 316.
[15] الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لإمام الزمخشري، 1/ 473، 472 دار الكتاب العربي.
[16] هو محمد بن محمد الغزالي الطوسي أبو حامد حجة الإسلام فيلسوف متصوف وله حوالي مئتي كتاب ومن أشهر مؤلفاته: إحياء علوم الدين ولد عام 540هـ وتوفي بخراسان عام 505هـ انظر الأعلام للزركلي 7/ 247 – 248.
[17] المستصفى في علم الأصول، محمد بن محمد الغزالي أبو حامد، ص: 67، دار الكتب العلمية - بيروت بتحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، الطبعة الأولى، 1413هـ.
[18] رواه أبو داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا، 2/ 544، رقم 4402، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. الناشر: دار الفكر.
.................................................. ............................
و دمتم بخير .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق