مراقبة الله- تبارك وتعالى -عبادة عظيمة، وخصلةٌ إيمانية جليلة، لا يتصف بها إلا من آمن بالله، وأخلصَ عمله لله وحده دون سواه، ومراقبة الله من أعلى مقامات الدين الحنيف، وعندما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن الإحسان، قال: «أنْ تَعْبُدَ اللَّه كأَنَّكَ تَراهُ، فإنْ لم تَكُنْ تَراهُ فإِنَّهُ يراك» (1)
قال ابن القيِّم: "وكلما اشتدت هذه المراقبة أوجبت له من الحياء، والسكينة، والمحبة، والخضوع، والخشوع، والخوف، والرجاء، ما لا يحصل بدونها، فالمراقبة أساس الأعمال القلبية كلها، وعمودها الذي قيامُها به، ولقد جمعَ النبي - صلى الله عليه وسلم- أصولَ أعمال القلب وفروعَها كلها في كلمة واحدة، وهي قوله في الإحسان: «أن تَعْبُدَ الله كأنك تراه» فتأمل كلَّ مقام من مقامات الدين، وكل عمل من أعمال القلوب، كيف تجد هذا أصله ومنبعه" (2)..
منزلة المراقبة:
إن من أعظم الخصال التي يحتاجها المسلم والمسلمة في حياتهما مراقبة الله تبارك وتعالى، في السر والعلن، وقد أخبر الله أنه رقيب على العباد، قال - تعالى -: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء: 1] وهو - سبحانه - عالمٌ بما في النفوس، مطلعٌ على ما في الضمائر: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة: 235] ومن عَلِمَ أنَّ الله رقيبٌ عليه مطَّلع على أعماله، محصي عليه كل شيء، خافَ من الوقوع في المعاصي، وأقبل على الطاعات، وسابق للخيرات رغبة ورهبة وخشية: إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـاشِعِينَ [الأنبياء: 90] "وقد ذُكر عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - أنه كان ينشد هذين البيتين إما له وإما لغيره:
إذا ما خلوتَ الدهرَ يوماً فلا تقل *** خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيبُ
ولا تـحسبنَّ اللهَ يغفلُ ســـــاعةً *** ولا أنَّ ما يخفَى عليه يغيبُ" (3)
وقال ابن كثير في تفسير قوله - تعالى -: يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأٌّعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ [غافر: 19]: " يُخبر - عز وجل - عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله - تعالى - حق الحياء ويتقوه حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه فإنه - عز وجل - يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر. قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله - تعالى -: يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأٌّعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم وفيهم المرأة الحسناء، أو تمرُّ به وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا لحظَ إليها، فإذا فطنوا غضَّ بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ فإذا فطنوا غض، وقد اطلع الله - تعالى - من قلبه أنه ود أن لو اطلع على فرجها. رواه ابن أبي حاتم، وقال الضحَّاك: خَآئِنَةَ الأٌّعْيُنِ هو: الغمز، وقول الرجل: رأيت ولم ير. أو لم أر وقد رأى.
وقال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما-: يعلم الله - تعالى -من العين في نظرها هل تريد الخيانة أم لا؟ وكذا قال مجاهد وقتادة، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله - تعالى -: وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ يعلم إذا أنت قدرت عليها هل تزني بها أم لا" (4) وقال - تعالى -: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك: 12] "في هذه الآية السر الأعظم، وهو كون الخشية في الغيبة عن الناس، وهذا أعلى مراتب المراقبة للَّه، والخشية أشد الخوف". (5) ثم يقول - تعالى - مبيناً ومحذراً العباد: وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.
قال أبو سعيد: كان لي معلم يختلفُ إليَّ يعلمني الخوف ثم ينصرف، فقال لي يوماً: إنِّي معلمك خوفاً يجمع لك كل شيء قلت: ما هو؟ قال: مراقبة الله - عز وجل - (6)
معنى المــراقبة:
قال الشوكاني عند قوله - تعالى -: كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة: 117] "أصل المراقبة: المراعاة، أي: كنت الحافظ لهم والعالم بهم والشاهد عليهم" (7) وقال ابن القيم: "وقيل: الرجاء يحرك إلى الطاعة والخوف يبعد عن المعاصي والمراقبة تؤديك إلى طريق الحقائق. وقيل: المراقبة مراعاة القلب لملاحظة الحق مع كل خطرة وخطوة. وقال الجريري: أمرُنا هذا مبني على فصلين، أن تلزم نفسك المراقبة لله، وأن يكون العلم على ظاهرك قائماً. وقال إبراهيم الخوَّاص: المراقبة خلوص السر والعلانية لله - عز وجل -، وقيل: أفضل ما يلزم الإنسان نفسه في هذه الطريق المحاسبة والمراقبة وسياسة عمله بالعلم. وقال أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري: إذا جلست للناس فكن واعظاً لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك.
وأرباب الطريق مُجمعون على أن مراقبة الله - تعالى -في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر فمن راقب الله في سره - حفظه الله - في حركاته في سره وعلانيته.
و المراقبة هي: التعبد باسمه الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير، فمن عقلَ هذه الأسماء وتعبَّد بمقتضاها حصلت له المراقبة والله أعلم "(8).
مراتب المراقبة:
قال الحارث المحاسبي: "وأفضل الحياء المراقبة لله - عز وجل -، والمراقبة في ثلاثة أشياء مراقبة الله في طاعته بالعمل، ومراقبة الله في معصيته بالترك، ومراقبة الله في الهم والخواطر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ومراقبة القلب لله - عز وجل - أشد تعباً على البدن من مكابدة قيام الليل وصيام النهار وإنفاق المال في سبيل الله " (9).
ما يُعين على المراقبة: يُروى عن بعض الحكماء أنه قال: إن من أشرف المقامات وأفضلها المراقبة لله. ومِنْ أحسن المراقبة، أن يكون العبد مراقباً بالشكر على النعم، والاعتراف بالإساءة، والتعرض للعفو عن الإساءة، فيكون قلبه لازماً لهذا المقام في كل أعماله، فمتى ما غفلَ رده إلى هذا بإذن الله. ومما يعين على هذا: ترك الذنوب، والتفرغ من الأشغال، والعناية بالمراجعة، ومن أعمال القلب التي يزكو بها ولا يُستغنى عنها: الإخلاص، والثقة، والشكر، والتواضع، والاستسلام، والنصيحة، والحب في الله - تعالى -، والبغض فيه.
وقال: أقل النُّصح الذي يحرجك تركه، ولا يسعك إلا العمل به، فمتى قصرت عنه كنت مصراً على معصية الله - تعالى -في ترك النصيحة لعباده (10).
وإننا في زمن قلَّت فيه المراقبة لله تبارك وتعالى، بسبب ضعف الإيمان، وكثرة المغريات والملهيات، وانتشار وسائل الفساد، من قنواتٍ تنشر العُري والمشاهد الفاضحة التي تخدش الحياء، والأفلام الهابطة، والقصص الماجنة، والكتابات الضالة، فتسابق ضعاف الإيمان إلى ارتكاب المعاصي في الخلوات ضانين بأنه لا يراقبهم ولا يعلم بهم أحد: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [النساء: 109] وعن ثوبان، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ، بِيضاً. فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ - عز وجل - هَبَاءً مَنْثُوراً». قال ثوبان: يا رسولَ اللّه صِفْهُمْ لنا، جَلِّهِمْ لنا، أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ. قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ. وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ. وَلكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ، إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ، انْتَهَكُوهَا» (11) نسأل الله خشيته في السر والعلن، والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
(1) البخاري (50).
(2) إعلام الموقعين 2/471.
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير6/196.
(4) تفسير القرآن العظيم 7/122ـ123.
(5) أضواء البيان 9/116.
(6) صفوة الصفوة 2/438.
(7) فتح القدير.
(8) مدارج السالكين 2/66.
(9) رسالة المسترشدين 1/181.
(10)آداب النفوس 1/52.
(11) ابن ماجه (4337) بسند جيد.
قال ابن القيِّم: "وكلما اشتدت هذه المراقبة أوجبت له من الحياء، والسكينة، والمحبة، والخضوع، والخشوع، والخوف، والرجاء، ما لا يحصل بدونها، فالمراقبة أساس الأعمال القلبية كلها، وعمودها الذي قيامُها به، ولقد جمعَ النبي - صلى الله عليه وسلم- أصولَ أعمال القلب وفروعَها كلها في كلمة واحدة، وهي قوله في الإحسان: «أن تَعْبُدَ الله كأنك تراه» فتأمل كلَّ مقام من مقامات الدين، وكل عمل من أعمال القلوب، كيف تجد هذا أصله ومنبعه" (2)..
منزلة المراقبة:
إن من أعظم الخصال التي يحتاجها المسلم والمسلمة في حياتهما مراقبة الله تبارك وتعالى، في السر والعلن، وقد أخبر الله أنه رقيب على العباد، قال - تعالى -: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء: 1] وهو - سبحانه - عالمٌ بما في النفوس، مطلعٌ على ما في الضمائر: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة: 235] ومن عَلِمَ أنَّ الله رقيبٌ عليه مطَّلع على أعماله، محصي عليه كل شيء، خافَ من الوقوع في المعاصي، وأقبل على الطاعات، وسابق للخيرات رغبة ورهبة وخشية: إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـاشِعِينَ [الأنبياء: 90] "وقد ذُكر عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - أنه كان ينشد هذين البيتين إما له وإما لغيره:
إذا ما خلوتَ الدهرَ يوماً فلا تقل *** خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيبُ
ولا تـحسبنَّ اللهَ يغفلُ ســـــاعةً *** ولا أنَّ ما يخفَى عليه يغيبُ" (3)
وقال ابن كثير في تفسير قوله - تعالى -: يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأٌّعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ [غافر: 19]: " يُخبر - عز وجل - عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله - تعالى - حق الحياء ويتقوه حق تقواه، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه فإنه - عز وجل - يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر. قال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله - تعالى -: يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأٌّعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم وفيهم المرأة الحسناء، أو تمرُّ به وبهم المرأة الحسناء، فإذا غفلوا لحظَ إليها، فإذا فطنوا غضَّ بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ فإذا فطنوا غض، وقد اطلع الله - تعالى - من قلبه أنه ود أن لو اطلع على فرجها. رواه ابن أبي حاتم، وقال الضحَّاك: خَآئِنَةَ الأٌّعْيُنِ هو: الغمز، وقول الرجل: رأيت ولم ير. أو لم أر وقد رأى.
وقال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما-: يعلم الله - تعالى -من العين في نظرها هل تريد الخيانة أم لا؟ وكذا قال مجاهد وقتادة، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله - تعالى -: وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ يعلم إذا أنت قدرت عليها هل تزني بها أم لا" (4) وقال - تعالى -: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [الملك: 12] "في هذه الآية السر الأعظم، وهو كون الخشية في الغيبة عن الناس، وهذا أعلى مراتب المراقبة للَّه، والخشية أشد الخوف". (5) ثم يقول - تعالى - مبيناً ومحذراً العباد: وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ.
قال أبو سعيد: كان لي معلم يختلفُ إليَّ يعلمني الخوف ثم ينصرف، فقال لي يوماً: إنِّي معلمك خوفاً يجمع لك كل شيء قلت: ما هو؟ قال: مراقبة الله - عز وجل - (6)
معنى المــراقبة:
قال الشوكاني عند قوله - تعالى -: كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة: 117] "أصل المراقبة: المراعاة، أي: كنت الحافظ لهم والعالم بهم والشاهد عليهم" (7) وقال ابن القيم: "وقيل: الرجاء يحرك إلى الطاعة والخوف يبعد عن المعاصي والمراقبة تؤديك إلى طريق الحقائق. وقيل: المراقبة مراعاة القلب لملاحظة الحق مع كل خطرة وخطوة. وقال الجريري: أمرُنا هذا مبني على فصلين، أن تلزم نفسك المراقبة لله، وأن يكون العلم على ظاهرك قائماً. وقال إبراهيم الخوَّاص: المراقبة خلوص السر والعلانية لله - عز وجل -، وقيل: أفضل ما يلزم الإنسان نفسه في هذه الطريق المحاسبة والمراقبة وسياسة عمله بالعلم. وقال أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري: إذا جلست للناس فكن واعظاً لقلبك ولنفسك ولا يغرنك اجتماعهم عليك فإنهم يراقبون ظاهرك والله يراقب باطنك.
وأرباب الطريق مُجمعون على أن مراقبة الله - تعالى -في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر فمن راقب الله في سره - حفظه الله - في حركاته في سره وعلانيته.
و المراقبة هي: التعبد باسمه الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير، فمن عقلَ هذه الأسماء وتعبَّد بمقتضاها حصلت له المراقبة والله أعلم "(8).
مراتب المراقبة:
قال الحارث المحاسبي: "وأفضل الحياء المراقبة لله - عز وجل -، والمراقبة في ثلاثة أشياء مراقبة الله في طاعته بالعمل، ومراقبة الله في معصيته بالترك، ومراقبة الله في الهم والخواطر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : (أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) ومراقبة القلب لله - عز وجل - أشد تعباً على البدن من مكابدة قيام الليل وصيام النهار وإنفاق المال في سبيل الله " (9).
ما يُعين على المراقبة: يُروى عن بعض الحكماء أنه قال: إن من أشرف المقامات وأفضلها المراقبة لله. ومِنْ أحسن المراقبة، أن يكون العبد مراقباً بالشكر على النعم، والاعتراف بالإساءة، والتعرض للعفو عن الإساءة، فيكون قلبه لازماً لهذا المقام في كل أعماله، فمتى ما غفلَ رده إلى هذا بإذن الله. ومما يعين على هذا: ترك الذنوب، والتفرغ من الأشغال، والعناية بالمراجعة، ومن أعمال القلب التي يزكو بها ولا يُستغنى عنها: الإخلاص، والثقة، والشكر، والتواضع، والاستسلام، والنصيحة، والحب في الله - تعالى -، والبغض فيه.
وقال: أقل النُّصح الذي يحرجك تركه، ولا يسعك إلا العمل به، فمتى قصرت عنه كنت مصراً على معصية الله - تعالى -في ترك النصيحة لعباده (10).
وإننا في زمن قلَّت فيه المراقبة لله تبارك وتعالى، بسبب ضعف الإيمان، وكثرة المغريات والملهيات، وانتشار وسائل الفساد، من قنواتٍ تنشر العُري والمشاهد الفاضحة التي تخدش الحياء، والأفلام الهابطة، والقصص الماجنة، والكتابات الضالة، فتسابق ضعاف الإيمان إلى ارتكاب المعاصي في الخلوات ضانين بأنه لا يراقبهم ولا يعلم بهم أحد: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [النساء: 109] وعن ثوبان، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ، بِيضاً. فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ - عز وجل - هَبَاءً مَنْثُوراً». قال ثوبان: يا رسولَ اللّه صِفْهُمْ لنا، جَلِّهِمْ لنا، أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ. قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ. وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ. وَلكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ، إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ، انْتَهَكُوهَا» (11) نسأل الله خشيته في السر والعلن، والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
(1) البخاري (50).
(2) إعلام الموقعين 2/471.
(3) تفسير القرآن العظيم لابن كثير6/196.
(4) تفسير القرآن العظيم 7/122ـ123.
(5) أضواء البيان 9/116.
(6) صفوة الصفوة 2/438.
(7) فتح القدير.
(8) مدارج السالكين 2/66.
(9) رسالة المسترشدين 1/181.
(10)آداب النفوس 1/52.
(11) ابن ماجه (4337) بسند جيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق