هذا هو منهج النقد التأريخي الذي افتعله المستشرقون وتلاميذهم لهدم الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن ابتع هداه.
أما بعد:
فقد اطلعت على مقال للدكتور يوسف بن عبد العزيز أبا الخيل نشرته جريدة الرياض في عددها الصادر في (25 من شهر صفر عام 1435 هـ) فيه تطاول على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحط من منهج أهل السنة والحديث في النقد والجرح والتعديل ورمي له بالقصور نقل ذلك عن أحمد أمين المصري الكاتب المنحرف عن السنة، وعنوان هذا المقال الجائر "نقد متون الأحاديث في منهج الشيخ أحمد أمين".
أقول:
أولاً: تأمل جيدا هذا العنوان لتدرك أن الهدف منه الطعن في متون الأحاديث الصحيحة التي آمن بها المسلمون الصادقون وصححها الفحول النجباء من أهل الحديث والدليل على هذا الفهم ما يحمله هذا المقال من استخفاف بأهل الحديث ومناهجهم في نقد الأحاديث والتمييز بين صحيحها وضعيفها وموضوعها.
ثانياً: من المناسب هنا إبراز منهج أهل الحديث في النقد وفي الجرح والتعديل ذلكم المنهج العظيم المستمد من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم استمده أئمة عباقرة بلغوا النهاية في الذكاء والوعي وذلك من فضل الله عليهم وتوفيقه وتسديده لهم.
قال الذهبي في بيان بعض هذا المنهج، وهو ما يتعلق بالرواة جرحاً وتعديلاً:
"فأعلى العبارات في الرواة المقبولين: 1- ثبت حجة، 2- وثبت حافظ، 3- وثقة متقن، 4-وثقة ثقة.
5- ثم ثقة صدوق، 6- ولا بأس به، 7- وليس به بأس، 8- ثم محله الصدق، 9- وجيد الحديث، 10- وصالح الحديث، 11- وشيخ وسط، 12- وشيخ حسن الحديث، 13- وصدوق إن شاء الله، 14- وصويلح، ونحو ذلك. (الميزان 1/4).
أقول: وتأمل عباراتهم في الجرح وبيانهم لتفاوتها وأنهم على مراتب ومنها قولهم:
1- دجال كذاب. 2- أو وضاع يضع الحديث. 3- ثم متهم بالكذب. 4- ومتفق على تركه.
5- ثم متروك 6- ليس بثقة 7- وسكتوا عنه، 8- وذاهب الحديث . 9- وفيه نظر، 10- وهالك 11- وساقط.
12- ثم واه بمرة، 13- وليس بشئ، 14- وضعيف جدا. 15- وضعفوه. 16- ضعيف وواه 17- [ومنكر الحديث] ونحو ذلك.
18- ثم يضعف، 19- وفيه ضعف. 20- وقد ضعف، 21- ليس بالقوي، 22- ليس بحجة.
23- ليس بذاك. 24- يعرف وينكر .25- فيه مقال. 27- تكلم فيه. 28- لين. 29- سيئ الحفظ.
30- لا يحتج به. 31- اختلف فيه. 32- صدوق لكنه مبتدع. ونحو ذلك من العبارات التي تدل بوضعها على إطراح الراوي بالأصالة، أو على ضعفه، أو على التوقف فيه، أو على جواز أن يحتج به مع لين ما فيه. انظر "الميزان" (1/4).
قارن بين هذا المنهج النير الواعي الدقيق وغايته النبيلة وبين منهج تلاميذ الشيطان من المستشرقين وضحاياهم وأدرك غايتهم الشيطانية من هذا المنهج العقيم الباطل.
ثالثاً: أوصاف الأسانيد المطعون فيها، ومنها: 1- "المرسل"، 2- و"المدلس"، 3-والمنقطع" 4- و "المعلق" 5- و"المعضل"، وشروحها في كتبهم.
رابعاً: نقد المتون وأصنافها، ومنها 1- "الموضوع" و 2- "المنكر" و 3- "الشاذ" و 4- "المدرج" و 5- "الضعيف" و6- "المضطرب" و 7- "المقلوب في الإسناد والمتن.
أليس من البهت والإفك قول أصحاب المنهج التأريخي في أهل الحديث إنهم لم يهتموا ولم يقوموا بنقد المتون وأن نقدهم محصور في الأسانيد وهوشوا بمنهجهم الباطل كثيرا وكثيرا على أهل الحديث وأئمتهم العباقرة النجباء.
خامساً: لأئمة الحديث مؤلفات في خدمة السنة في مجالات عديدة.
فمنها: مؤلفات في صحيح الحديث ومؤلفات تسمى المستخرجات على الصحيحين وهي كثيرة.
ومنها: مؤلفات تضم الصحيح والحسن والضعيف المنجبر والتي تسمى بكتب السنن ومؤلفات في الموضوعات.
سادساً: ومؤلفات في الرجال، فمنها: ما هو خاص بالثقات، ومنها: ما هو خاص بالضعفاء ومنها: مما جمع بين النوعين ومنها: ما هو خاص بالوضاعين .
هذه الجهود العظيمة التي قام بها عباقرة أهل الحديث واستفاد منها أهل الفنون الأخرى من فقهاء ومفسرين ومؤرخين ولغويين وغيرهم يريد أن يطمسها أو يهدمها المستشرقون وأتباعهم وما ذلك منهم إلا حرب على الإسلام.
سابعاً: قال هذا الكاتب في طليعة مقاله : "يأتي الشيخ الدكتور أحمد أمين على رأس السلف المعاصرين".
أقول: من قال من أهل السنة السلفيين إن أحمد أمين المتحامل على السنة وعلى منهج السلف من أهل الحديث في رفع راية السنة وحمايتها.
والذي نعرفه عن السلف المعاصرين هو رفع راية السنة كأسلافهم وحمايتها والذب عنها مثل الشيخ محمد بن إبراهيم وابن باز والألباني وأمثالهم وأحمد محمد شاكر وعبد الرزاق عفيفي وأبو السمح وعبد الرزاق حمزة وأمثالهم.
الواجب أن يقال إن أحمد أمين من رؤؤس أهل الضلال الخلف المحاربين للسلف كطه حسين وأبي رية ومحمد صدقي وأمثالهم من محاربي السنة والمستخفين بحملة لوائها بل إن طه حسين وهو صديق حميم لأحمد أمين ليكذب القرآن والتوراة والإنجيل تلك الكتب العظيمة السماوية التي أنزلها الله لهداية البشر، انظر مقدمة طه حسين لكتاب "ظهر الإسلام" وإشادته به وبمؤلفه أحمد أمين.
فمن أقوال طه حسين الإلحادية ما قاله في كتابه (في شعر الجاهلي)، قال فيه:
" للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلا عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل ابن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة، ونحن مضطرون أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهود، والقرآن والتوراة من جهة أخرى".
وقال في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر): "إن سبل النهضة واضحة بينة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء، وهي أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها حلوها ومرها وما يحب منها وما يكره وما يحمد منها وما يعاب".
فمدح هذا الملحد لأحمد أمين له دلالات ودلالات على التقاء الرجلين في محاربة الإسلام والتمرد عليه.
ثامناً: يصف يوسف أبا الخيل أحمد أمين وهذه العصابة بأنهم نادوا بتدشين منهج آخر للحكم على الأحاديث بدلا من الاعتماد الكلي على منهج الجرح وتعديل الرواة والذي أوصد المحدثون الباب أمام أي محاولة قديمة تتخطاه إلى منهج آخر.
أقول إن منهج أهل الحديث في النقد والجرح والتعديل مستمد من الكتاب والسنة وهو منهج عظيم حمى الله به السنة من أن يخالطها شيء من افتراء الوضاعين والمتهمين وأخطاء المخطئين من الضعفاء على اختلاف أصنافهم ووهم الواهمين حتى الثقات الصادقين فتحقق بإعمال أهل الحديث وجهودهم العظيمة قول الله تبارك وتعالى: (إنا نحن نزلنا الذِّكر وإنا له لحافظون) فالذكر يتناول القرآن والسنة لأن السنة وحي، كما أنَّ القرآن وحي، قال الله مشيدا بمكانة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم (وما ينطقُ عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى) فالسنة وحي من الله وعد الله بحفظها كما وعد بحفظ القرآن.
ولقد قال الإمام ابن حبان رحمه الله مُشيدا بقيمة الإسناد وطلب الحديث له واهتمامهم به، "ولو لم يكن الإسناد وطلب هذه الطائفة له لظهر في هذه الأمة من تبديل الدين ما ظهر في سائر الأمم، وذاك أنه لم يكن أمة لنبي قط حفظت عليه الدين عن التبديل ما حفظت هذه الأمة، حتى لا يتهيأ أن يزاد في سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألِف ولا واو، كما لا يتهيأ زيادة مثله في القرآن، فحفظت هذه الطائفة السنن على المسلمين، وكثرت عنايتهم بأمر الدين، ولولاهم لقال من شاء بما شاء".
أيها الرجل لقد تضمن كلام أحمد أمين هذا حطا من أهل الحديث الأمناء الشرفاء وحطا من منهجهم العظيم في حفظ السنة الغراء وحمايتها من دس الأفاكين ومحاولات المبطلين في الوقت الذي ينادي فيه بمنهج باطل أسسه أعداء الإسلام المستشرقون ورفع رايته تلاميذهم مثل طه حسين وأبي رية وأحمد أمين. ص 1.
هذا الباطل إنما يهدف من وراءه المستشرقون وتلاميذهم هدم السنة النبوية الصحيحة الثابتة ثبوت الجبال ولعلهم يقصدون من ورائه إثبات الأحاديث الموضوعة المفتراة على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
تاسعاً: قال الكاتب مشيداً بهذا المنهج الهدام: " تقوم منهجية الشيخ الدكتور أحمد أمين في دعوته إلى تبني المنهج التاريخي لتقييم متون الأحاديث على عدة خطوات، فهو يعترف، بادئ ذي بدئ، بدور الحديث في الإسلام بقوله في كتابه (فجر الإسلام:فصل الحديث):" للحديث قيمة كبرى في الدين تلي مرتبة القرآن، فكثير من آيات القرآن جاءت مجملة أو مطلقة أو عامة، فجاء قول رسول الله، أو عمله فبيّنها أو قيدها أو خصصها"
أقول: لو كان أحمد أمين صادقا في هذا القول مؤمنا بهذه المنزلة للسنة لما تابع أعداء الله وأعداء رسوله وسنته في هذا المنهج الباطل الذي هو أخبث مكايد أعداء الله وأعداء الإسلام .
لقد ترك أحمد أمين وأمثاله المنهج الإسلامي الصحيح الذي حمى الله به دينه وذهبوا يركضون وراء أعداء الله وأعداء الإسلام فيصدق عليهم قول الله تعالى: ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً).
العاشر: قال الكاتب عن أحمد أمين: "وبعد ذلك، ينتقل إلى الكلام عن ظروف تدوين الحديث مقارنة بظروف تدوين القرآن، ليقول في نفس الفصل:" لم يدون الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما دُوِّن القرآن، فإنا نرى أن رسول الله اتخذ كتبة للوحي يكتبون آيات القرآن عند نزولها، ولكنه لم يتخذ كتبة يكتبون عنه ما ينطق به من غير القرآن. بل وجدنا أحاديث تنهى عن تدوين الأحاديث".
أقول: 1- إن هذا الكلام لمن أشد الكلام بطلانا والهدف منه التشكيك في الأحاديث النبوية الصحيحة المدونة في دواوين السنة العظيمة مثل الصحيحين للبخاري ومسلم اللذين تلقتهما الأمة وعلماؤها النبلاء بالقبول عملاً بما حوته وتصديقا لموجبها وفي كتب السنة الأخرى التي لها منزلتها في الإسلام وعند المسلمين.
2 – مما يدفع هذا الهراء أن الصحابة الكرام حفظوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدورهم كما حفظوا القرآن فلم يضع منها شيء ولله الحمد وذلك لما منحهم الله من قوة الحفظ مع حرصهم على العمل بسنة نبيهم، وإذا كان مثل الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث وأثر بأسانيدها ويقاربه البخاري وغيره فكيف يظن بأصحاب رسول الله إنهم لم يحفظوا السنة بل ضيعوها إن هذا القول لهو الإفك والضلال المبين لقد والله حفظوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حفظوا القرآن.
فهذا أبو هريرة قد لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم سنوات لا هدف له من هذه الملازمة إلا حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من خمسة آلاف وستمائة حديث وكان العرب يمتازون في جاهليتهم بقوة الحافظة حتى أن الرجل ليسمع القصيدة الطويلة من الشعر فيحفظها من سماع مرة واحدة فكيف بهم بعد أن مَنَّ الله عليهم بالإسلام القائم على نصوص الكتاب والسنة لقد أصبحت دواعي الحفظ أشد وأشد لحفظ نصوص دينهم الذي تتوقف عليه سعادتهم في الدنيا والآخرة.
ومع أن أبا هريرة كان شديد العناية بحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يقول " ما كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب" رواه البخاري في كتاب العلم حديث (113) والترمذي (3841). وأحمد (2/249).
وهذا عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: " كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه ، فنهتني قريش عن ذلك، وقالوا: تكتب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الغضب والرضا؟ فأمسكت، حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: " أكتب، فوالذي نفسي بيده، ما خرج منه إلا حق " رواه الإمام أحمد في مسنده (2/162) وهو حديث صحيح أخرجه عدد من الأئمة في مصنافتهم منهم أبو داود حديث (3646) والحاكم (1/160) والدارمي في مسنده (1/125) وغير هؤلاء الأئمة.
وهناك عدد كبير من الصحابة يعدون من حفاظ السنة منهم ابن عباس وجابر بن عبد الله والبراء بن عازب وأبو سعيد وجابر بن سمرة وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
3 – بالإضافة إلى حفظ الصحابة الكرام للسنة المطهرة فإن هناك من كان يكتب السنة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير من ذكرناهم سلفاً ثم في عهد التابعين فمن بعدهم وهذا شيء يؤمن به من يحترم السنة ويحترم أصحاب محمد والتابعين لهم بإحسان الذين قال الله فيهم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فكيف يثني الله عليهم ويرضى عنهم وهم بالصورة التي يصورهم بها أعداء الله من المستشرقين وأتباعهم بأنهم قد ضيعوا سنة نبيهم المبينة لمجملات القرآن والمخصصة لعموماته والمقيدة لمطلقاته.
الحادي عشر: قال الكاتب: " والأحاديث التي يستدل بها الشيخ أمين على النهي عن تدوين الحديث، أحاديث صحاح، وهي مع وجود ما يعارضها، إلا أننا نجد أنها أصرح في تبنيها للنهي.
من تلك الأحاديث، حديث أبي سعيد الخدري في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه"، وحديث أبي سعيد الخدري أيضاً:" استأذنَّا النبي صلى الله عليه وسلم أن نكتب ما سمعنا فلم يأذن لنا".
أقول: نعم هذا الحديث صحيح على منهج أهل الحديث ، وعلى منهح المستشرقين وأتباعهم ليس بصحيح وأنت تحتفي بهذا المنهج الباطل الذي يقتضي عدم صحة هذا الحديث و مئات الأحاديث من أمثاله.
ثم هناك أحاديث تدل على نسخ هذا الحديث ونحوه.
منها أمره صلى الله عليه وسلم بالكتابة لأبي شاه وهو في صحيح البخاري وهذا الأمر كان في عام الفتح.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم (قيدوا العلم بالكتاب) روي في عدد من المصادر عن عبد الله بن عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن عمرو بن العاص وهو صحيح بمجموع طرقه.
ومنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه ، فنهتني قريش عن ذلك، وقالوا: تكتب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الغضب والرضا؟ فأمسكت، حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: " أكتب، فوالذي نفسي بيده، ما خرج منه إلا حق " وقد أسلفنا هذا الحديث، ثم هناك أحاديث أخر عن علي رضي الله عنه وجماعة من الصحابة كانوا يكتبون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم حديث أبي هريرة " ما كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب" رواه البخاري وغيره.
وكلها تدل على نسخ حديث أبي سعيد ونحوه وهذا أمر مقرر عند علماء الإسلام ثابت عندهم مثل ثبوت الشمس ووضوحها لا عند المستشرقين الكائدين للإسلام وللسنة النبوية وأتباعهم المبهورين بباطلهم وكيدهم.
الثاني عشر: قال الكاتب: "ولأن الحديث لم يدون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد أدى ذلك إلى نشوء ما يعرف في مصادرنا بظاهرة (الوضع)، وهو يعني وضع أحاديث من (عنديات) رواتها، ونسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأسباب ودواع مختلفة. فبالإضافة إلى الأسباب الأولية كعدم تدوين الحديث في كتاب خاص في العصور الأولى، واكتفاء الرواة بالاعتماد على الذاكرة، وصعوبة حصر كل ما قاله الرسول، أو فعله خلال ثلاث وعشرين سنة من بدء الوحي إلى حين وفاته".
أقول: قوله "ولأن الحديث لم يدون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم" كلام باطل يرده ما أسلفناه من الأدلة أن الصحابة كانوا يكتبون سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم في حياته هذا بالإضافة إلى حفظهم لسنة نبيهم لمعرفتهم بقيمتها وأهميتها ومكانتها ولما منحهم الله من قوة الحفظ وقوة الذاكرة كما هو معلوم عند المسلمين الذين عرفوا مكانة الصحابة وشدة عنايتهم بالسنة النبوية لا كما يصورهم المستشرقون وتلاميذهم.
الثالث عشر:قال الكاتب: " هناك أيضا "الخصومات السياسية، والخلافات الكلامية والفقهية، ومتابعة بعض من يتسمون بسمة العلم لهوى للأمراء والخلفاء، يضعون لهم ما يعجبهم، رغبة في ما في أيديهم، وتساهل بعضهم في باب الفضائل والترغيب والترهيب".
أقول: من أي المصادر عرف المستشرقون هذه الخلافات السياسية والكلامية وما نشأ عنها من أحاديث الكذابين والمتأكلين بدينهم ، لقد عرفها المحدثون حق المعرفة وتصدوا لأحاديث الكذابين حديثا حديثا فلم يتركوا منها شاذاً ولا فاذاً ودونوا كل تلك الأحاديث المكذوبة ونسبوها لمن افتروها واحداً واحداً بأسمائهم وأعيانهم قبل أو يولد المستشرقون وتلاميذهم بقرون ثم ما هو الجديد الذي جاء به المستشرقون.
الجديد أنهم جاؤوا بمنهج لتكذيب الأحاديث الصحيحة فأولئك كذابون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء يُكذِّبون بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا شك أنهم أشد على الإسلام من أولئك الكذابين الذين يكذبون بجهل وبدون تأصيل.
الرابع عشر: قال الكاتب: " ويظهر أن الوضع بدأ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك أن مما يغلب على الظن، كما يقول الشيخ أمين، أن حديث:" من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"، قيل لحادثة زُوِّر فيها على الرسول صلى الله عليه وسلم. "
أقول: 1- دع الظنون الباطلة وهات الأدلة الجلية الواضحة على أن الوضع بدأ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهيهات لكم هيهات.
2 – لا شك عند أهل الحديث والسنة أن هذا الحديث "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" يتربع قمة الصحة بل هو متواتر عند أهل الحديث وعلى منهجهم، لكنه على منهج المستشرقين وجنودهم هو غير صحيح فلا يصح استدلالهم به على وجود الوضع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أصروا على هذه الدعوى الباطلة فنسألهم بينوا لنا هذه الأحاديث التي افتريت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبينوا لنا من هم الذين افتروها بأسمائهم وأعيانهم وكم بلغ عدد هذه الأحاديث؟ وهل هي موجودة في الصحيحين وغيرهما من دواوين السنة التي تريدون تشويهها؟!!
الخامس عشر: قال الكاتب: " والسؤال هو:إذا كانت حال (الوضع) هكذا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف ستكون حال الوضع بعد وفاته؟
يجيب الشيخ أمين عن هذا السؤال بقوله: "بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كان الكذب عليه أسهل، وتحقيق الخبر عنه أصعب". ذلك أنه " لما فتحت الفتوح ودخل في الإسلام من لا يحصى كثرة من الأمم المفتوحة من فارسي ورومي وبربري ومصري وسوري، وكان من هؤلاء من لم يتجاوز إيمانُهم حناجرَهم، كثر الوضع كثرة مزعجة، وسال الوادي حتى طم على القرى".
أقول: الكاتب يسأل وشيخه يجيب، السائل يهول بوجود الوضع في حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته وشيخه يجيب بتهويل أشد وأشد.
ويرى أن تحقيق الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أصعب، يعني أن أهل الحديث ونقادهم يواجهون صعوبات شديدة في تمييز الأحاديث الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم عن الأحاديث المكذوبة عليه لأن الوضع استفحل حتى سال وادي الكذب وطم القرى.
ومن أسباب استفحال الكذب كثرة الفتوحات ودخول الأمم التي ذكر في الإسلام فمن هذه الحيثيات لا يسهل على المحدثين بيان هذه الأكاذيب الهائلة ولا معرفة الكذابين لكثرتهم التي لا تحصى.
ولو وجد أحمد أمين وإخوانه وأئمتهم من المستشرقين ووجد منهجهم في ذلك الزمان لسهل بيان هذه الأحاديث مهما بلغت وأهلها من الكثرة التي لا حدود لها .
أما أهل الحديث والسنة فهم ومنهجهم أعجز من أن يقوموا بواجب البيان والتمييز بين الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين تلك الأحاديث المكذوبة التي لا تحصى. وجهل هؤلاء الضالون أنهم هم ومنهجهم الباطل الفاشل أعجز من أن يبينوا لنا هذه الأحاديث المكذوبة ولا بعض بعض بعضها وهذا واقعهم.
بل سيذهبون بل قد ذهبوا إلى الطعن والتكذيب للأحاديث الصحيحة الثابتة ثبوت الجبال، وذهبوا يقلدون ابن أبي الحديد الذي لا ناقة له ولا جمل في خدمة الحديث فينقولون كلامه، وابن أبي الحديد من أبعد الناس عن أهل السنة والحديث ومن أجهل الناس بجهود أهل الحديث في خدمة السنة النبوية والذب عنها وأنهم قد أفنوا حياتهم وبذلوا كل إمكانياتهم في هذا الميدان.
وهاكم أيها المبطلون بعض جهود أئمة الحديث النقاد النبلاء الأذكياء الغيورين على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت في كتابي حجة خبر الآحاد في العقائد والأعمال ردا على قول أحد أتباع المستشرقين ألا وهو محمد صدقي " وقال جميع المحدثين إن الموضوع كثير وتمييزه عسير وفي بعض الأحوال يستحيل راجع ما ذكرناه في الكلمة الرابعة" .
فقلت أنا ربيع والجواب: حاشا أهل الحديث أن يقولوا هذا الباطل فإن واقعهم وتاريخهم يكذب هذه الدعوى العريضة التي لم يسمع بمثلها، فقد ميزوا الصحيح من غيره، وألفوا في السنة الصحاح والحسان، في كتب يعرفها العلماء وطلاب العلم بل العوام من أهل السنة وأهل البدع ألا وهي الصحيحان والسنن الأربع وغيرها، تلك الكتب المشهورة المتداولة في بلاد المسلمين شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، وما كان في السنن من خلل فقد بينه مؤلفوها أو غيرهم ، ويلحق بها كتب المستخرجات على الصحيحين و"صحيح" ابن خزيمة و"صحيح" ابن حبان و"مستدرك" الحاكم و"المختارة" للضياء المقدسي، وقد نزهت هذه الكتب من الموضوعات لأمور:
منها قوة حفظ مؤلفيها وسعة اطلاعهم.
ومنها ورعهم وشدة حذرهم من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها الملكات القوية التي منحهم الله إياها التي يميزون بها بين ما يصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لا يصح، إلى ميزات أخرى منحهم الله إياها.
وأما الموضوعات، فقد ألف أهل الحديث فيها كتباً كـ"الأباطيل" للحافظ أبي عبد الله الجورقاني، ضمنه أحاديث موضوعة ومنكرة وإن ذكر فيه بعض الصحاح، و"الموضوعات" لابن الجوزي، و"معرفة التذكرة في الأحاديث الموضوعة" لابن طاهر المقدسي، و"الموضوعات" للصاغاني، و"اللآلئ المصنوعة" للسيوطي، و"تنـزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" لابن عراق، و"الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للشوكاني، و"تذكرة الموضوعات" للفتني الهندي، و"المصنوع في معرفة الحديث الموضوع" للعلامة ملا علي القارئ، و"الكشف الإلهي عن شديد الضعف والموضوع والواهي" لمحمد بن محمد الحسيني الطرابلسي، و"الموضوعات في الإحياء" للسويدي، وغيرها من المؤلفات في الموضوعات.
والمتقدمون وإن لم يؤلفوا الكتب في الموضوعات فإنهم يكثر بيانهم لها في كتب العلل وكتب الرجال، مثل: كتاب "الكامل" لابن عدي، وكتب التواريخ، والكتب في الضعفاء، ونصوا على وضع نسخ معروفة مثل كتاب "العقل" و"الأربعين الودعانية".
قال الشوكاني - رحمه الله -: "...وقد أكثر العلماء -رحمهم الله- من البيان للأحاديث الموضوعة وهتكوا أستار الكذابين، ونفوا عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم انتحال المبطلين وتحريف الغالين وافتراء المفترين وزور المزورين.
وهم -رحمهم الله- قسمان قسم: جعلوا مصنفاتهم مختصة بالرجال الكذابين والضعفاء، وما هو أعم من ذلك، وبينوا في تراجمهم ما رووه من موضوع، أو ضعيف، كمصنف ابن حبان (يعني المجروحين)، والعقيلي، والأزدي في الضعفاء، وأفراد الدارقطني، وتاريخ الخطيب، والحاكم، وكامل ابن عدي، وميزان الذهبي.
وقسم: جعلوا مصنفاتهم مختصة بالأحاديث الموضوعة كـ"موضوعات" ابن الجوزي، والصغاني، والجورقاني، والقزويني، ومن ذلك "مختصر المجد" صاحب القاموس، و"مقاصد" السخاوي، و"تمييز الطيب من الخبيث" لابن الدَّيْبع، و"الذيل على موضوعات ابن الجوزي" للسيوطي، وكذلك كتاب "الوجيز"له، و"اللآلئ المصنوعة" له، و"تخريج الإحياء" للعراقي، و"التذكرة"لابن طاهر الفتني.
وها أنا بمعونة الله وتيسيره أجمع في هذا الكتاب جميع ما تضمنته هذه المصنفات من الأحاديث الموضوعة " .
أقول: ولهم مؤلفات في العلل كـ"العلل" لابن المديني، و"العلل" لأحمد، و"العلل" لابن أبي حاتم، و"العلل" للدارقطني، ومؤلفات -كالتخريجات لكتب الفقه وكتب التفسير للعراقي وابن حجر وابن كثير والزيلعي والعلامة الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة"، وغيرهم- تميز الصحيح من الضعيف من الموضوع.
فهل ترى أن فحول أهل الحديث قد ميزوا الصحيح من غيره من الموضوع والضعيف والمعل بأنواعه، أم تراه عسر عليهم كما عسر على الجهال المتطفلين على الإسلام، وأهله وعلومه؟!.
السادس عشر: قال الكاتب: " ويستشهد الشيخ: أحمد أمين لاستشراء ظاهرة (الوضع) بقصة (عبدالكريم بن أبي العوجاء) الوضاع الذي قال حين أُخِذَ ليُضرب عنقه: "لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحَرِّم فيها وأُحلل". ولهذا تحرز السلف من الرواية بعد أن شاع الوضع. ومن أقوى شواهد هذا التحرز ما جاء عن ابن عباس، كما جاء في صحيح مسلم، أنه قال:" إنا كنا نحدث عن رسول الله إذ لم يكن يُكذب عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه".
أقول: 1- يُهول الكاتب بما قاله شيخه الذي استغل قول الزنديق عبدالكريم بن أبي العوجاء ليرجف به ويصول به على الأحاديث الصحيحة الثابتة ثبوت الجبال.
2 – لا يشك أهل السنة والحديث أن هناك كذابين افتروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة ومن أبرز هؤلاء الكذابين ذلكم الزنديق ابن أبي العوجاء، لكن هل بلغت أحاديثه هذا الكم الكبير وفي الحلال والحرام، لقد نص ابن عدي على أن أحاديثه لا تزيد على عشرة أحاديث.
3 – وهل انطلت هذه الأحاديث على أئمة الجرح والتعديل والنقد كلا.
والجواب كيف يصدق أحمد أمين وأمثاله هذا الزنديق الأفاك؟
والجواب مرة أخرى ليرجف بذلك ويصول على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشكك في صحتها لا غيرة منه على السنة، وهل يتصور وقوع الغيرة على سنة رسول الله من المستشرقين وجنودهم المجندين لحرب السنة وإسقاط أسانيدها القائمة على الثقات الأمناء الحفاظ وتحقير أئمة النقد ومنهجهم والإشادة بمنهج المستشرقين الذي ما وضع إلا لحرب الإسلام ونبي الإسلام وسنته الغراء.
ونقول لهذا الرجل رويدك فإن نقاد الحديث الأفذاذ قد تصدوا لأحاديث الكذابين فما تركوا فيها شاذاً ولا فاذاً إلا بينوه وكشفوا حاله وحال مخترعيه، فحمى الله بهم الإسلام والسنة وحقق الله بهم ويجهودهم قوله تعالى: (إنا نحنُ نزلنا الذِّكْرَ وإنا له لحافظون)، وقد أسلفنا بيان ذلك في الفقرة السابقة قبل هذه فتذكر أيها القارئ الكريم.
4 – قوله : " ولهذا تحرز السلف من الرواية بعد أن شاع الوضع. ومن أقوى شواهد هذا التحرز ما جاء عن ابن عباس، كما جاء في صحيح مسلم، أنه قال:" إنا كنا نحدث عن رسول الله إذ لم يكن يُكذب عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه".
أقول لي تجاه هذا التهويل عدة وقفات.
1 – قوله: "ولهذا تحرز السلف عن الرواية.
أقول لم يتحرز السلف عن رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بل استمروا في رواية الحديث الذي سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة الذين سمعوا حديث رسول الله إذ كان يحدث بعضهم عن بعض.
وذلك قيام منهم وتنفيذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بقوله الكريم "بلغوا عني ولو آية" وقوله صلى الله عليه وسلم "ليبلغ الشاهد منكم الغائب.." الحديث
فقاموا بتبليغ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعموم الناس وفي شتى البلدان وسلك هذا المسلك في التبليغ الجاد الأمين التابعون لهم بإحسان ومن تبعهم من أهل الحديث وأئمتهم إلى يومنا هذا فأين تحرزهم عن الرواية هذا التحرز المزعوم الذي مؤداه ضياع الإسلام وحاشا الصحابة والتابعين وأهل الحديث أن يفعلوا هذا الفعل الذي مؤداه كتمان دين الله الحق وخذلانه.
2 – لقد نقل الكاتب عن الصحابي الجليل ابن عباس ما لم يقله، فهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما وقارن بين قوله الواعي وهذا النقل الخاطئ عنه، قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه ص13 : حدثني أبو أيوب سليمان بن عبيد الله الغيلاني، حدثنا أبو عامر يعني العقدي، حدثنا رباح، عن قيس بن سعد، عن مجاهد، قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس، فجعل يحدث، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس، مالي لا أراك تسمع لحديثي، أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسمع، فقال ابن عباس: " إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب، والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف "
قارن أيها المنصف بين قول ابن عباس رضي الله عنهما "لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف" وبين قول الكاتب أو شيخه "تركنا الحديث عنه" لتجد الفرق العظيم بين القولين فابن عباس رضي الله عنهما لم يترك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يأخذ ما يعرف لقوة تمييزه، وكذلك الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان.
كيف يترك هذا الحبر البحر الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يترك الصحابة الكرام الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ثم أتدري من هو بشير العدوي الذي لم يصغ إليه ابن عباس إنه لثقة مخضرم لكن لما كان يقول في حديثه قال رسول الله قال رسول الله ولم يذكر الواسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه هذا الأسلوب.
وليس معنى هذا التوقف أنه يترك الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل مؤدى هذا الموقف الواعي ترك الرواية عن المتساهلين في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلك أهل الحديث هذا المنهج في التحرز من سماع كثير من الصالحين الصادقين والضعفاء والمشبوهين فضلا عن الكذابين والمتهمين بالكذب.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن ابتع هداه.
أما بعد:
فقد اطلعت على مقال للدكتور يوسف بن عبد العزيز أبا الخيل نشرته جريدة الرياض في عددها الصادر في (25 من شهر صفر عام 1435 هـ) فيه تطاول على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحط من منهج أهل السنة والحديث في النقد والجرح والتعديل ورمي له بالقصور نقل ذلك عن أحمد أمين المصري الكاتب المنحرف عن السنة، وعنوان هذا المقال الجائر "نقد متون الأحاديث في منهج الشيخ أحمد أمين".
أقول:
أولاً: تأمل جيدا هذا العنوان لتدرك أن الهدف منه الطعن في متون الأحاديث الصحيحة التي آمن بها المسلمون الصادقون وصححها الفحول النجباء من أهل الحديث والدليل على هذا الفهم ما يحمله هذا المقال من استخفاف بأهل الحديث ومناهجهم في نقد الأحاديث والتمييز بين صحيحها وضعيفها وموضوعها.
ثانياً: من المناسب هنا إبراز منهج أهل الحديث في النقد وفي الجرح والتعديل ذلكم المنهج العظيم المستمد من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم استمده أئمة عباقرة بلغوا النهاية في الذكاء والوعي وذلك من فضل الله عليهم وتوفيقه وتسديده لهم.
قال الذهبي في بيان بعض هذا المنهج، وهو ما يتعلق بالرواة جرحاً وتعديلاً:
"فأعلى العبارات في الرواة المقبولين: 1- ثبت حجة، 2- وثبت حافظ، 3- وثقة متقن، 4-وثقة ثقة.
5- ثم ثقة صدوق، 6- ولا بأس به، 7- وليس به بأس، 8- ثم محله الصدق، 9- وجيد الحديث، 10- وصالح الحديث، 11- وشيخ وسط، 12- وشيخ حسن الحديث، 13- وصدوق إن شاء الله، 14- وصويلح، ونحو ذلك. (الميزان 1/4).
أقول: وتأمل عباراتهم في الجرح وبيانهم لتفاوتها وأنهم على مراتب ومنها قولهم:
1- دجال كذاب. 2- أو وضاع يضع الحديث. 3- ثم متهم بالكذب. 4- ومتفق على تركه.
5- ثم متروك 6- ليس بثقة 7- وسكتوا عنه، 8- وذاهب الحديث . 9- وفيه نظر، 10- وهالك 11- وساقط.
12- ثم واه بمرة، 13- وليس بشئ، 14- وضعيف جدا. 15- وضعفوه. 16- ضعيف وواه 17- [ومنكر الحديث] ونحو ذلك.
18- ثم يضعف، 19- وفيه ضعف. 20- وقد ضعف، 21- ليس بالقوي، 22- ليس بحجة.
23- ليس بذاك. 24- يعرف وينكر .25- فيه مقال. 27- تكلم فيه. 28- لين. 29- سيئ الحفظ.
30- لا يحتج به. 31- اختلف فيه. 32- صدوق لكنه مبتدع. ونحو ذلك من العبارات التي تدل بوضعها على إطراح الراوي بالأصالة، أو على ضعفه، أو على التوقف فيه، أو على جواز أن يحتج به مع لين ما فيه. انظر "الميزان" (1/4).
قارن بين هذا المنهج النير الواعي الدقيق وغايته النبيلة وبين منهج تلاميذ الشيطان من المستشرقين وضحاياهم وأدرك غايتهم الشيطانية من هذا المنهج العقيم الباطل.
ثالثاً: أوصاف الأسانيد المطعون فيها، ومنها: 1- "المرسل"، 2- و"المدلس"، 3-والمنقطع" 4- و "المعلق" 5- و"المعضل"، وشروحها في كتبهم.
رابعاً: نقد المتون وأصنافها، ومنها 1- "الموضوع" و 2- "المنكر" و 3- "الشاذ" و 4- "المدرج" و 5- "الضعيف" و6- "المضطرب" و 7- "المقلوب في الإسناد والمتن.
أليس من البهت والإفك قول أصحاب المنهج التأريخي في أهل الحديث إنهم لم يهتموا ولم يقوموا بنقد المتون وأن نقدهم محصور في الأسانيد وهوشوا بمنهجهم الباطل كثيرا وكثيرا على أهل الحديث وأئمتهم العباقرة النجباء.
خامساً: لأئمة الحديث مؤلفات في خدمة السنة في مجالات عديدة.
فمنها: مؤلفات في صحيح الحديث ومؤلفات تسمى المستخرجات على الصحيحين وهي كثيرة.
ومنها: مؤلفات تضم الصحيح والحسن والضعيف المنجبر والتي تسمى بكتب السنن ومؤلفات في الموضوعات.
سادساً: ومؤلفات في الرجال، فمنها: ما هو خاص بالثقات، ومنها: ما هو خاص بالضعفاء ومنها: مما جمع بين النوعين ومنها: ما هو خاص بالوضاعين .
هذه الجهود العظيمة التي قام بها عباقرة أهل الحديث واستفاد منها أهل الفنون الأخرى من فقهاء ومفسرين ومؤرخين ولغويين وغيرهم يريد أن يطمسها أو يهدمها المستشرقون وأتباعهم وما ذلك منهم إلا حرب على الإسلام.
سابعاً: قال هذا الكاتب في طليعة مقاله : "يأتي الشيخ الدكتور أحمد أمين على رأس السلف المعاصرين".
أقول: من قال من أهل السنة السلفيين إن أحمد أمين المتحامل على السنة وعلى منهج السلف من أهل الحديث في رفع راية السنة وحمايتها.
والذي نعرفه عن السلف المعاصرين هو رفع راية السنة كأسلافهم وحمايتها والذب عنها مثل الشيخ محمد بن إبراهيم وابن باز والألباني وأمثالهم وأحمد محمد شاكر وعبد الرزاق عفيفي وأبو السمح وعبد الرزاق حمزة وأمثالهم.
الواجب أن يقال إن أحمد أمين من رؤؤس أهل الضلال الخلف المحاربين للسلف كطه حسين وأبي رية ومحمد صدقي وأمثالهم من محاربي السنة والمستخفين بحملة لوائها بل إن طه حسين وهو صديق حميم لأحمد أمين ليكذب القرآن والتوراة والإنجيل تلك الكتب العظيمة السماوية التي أنزلها الله لهداية البشر، انظر مقدمة طه حسين لكتاب "ظهر الإسلام" وإشادته به وبمؤلفه أحمد أمين.
فمن أقوال طه حسين الإلحادية ما قاله في كتابه (في شعر الجاهلي)، قال فيه:
" للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلا عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل ابن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة، ونحن مضطرون أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهود، والقرآن والتوراة من جهة أخرى".
وقال في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر): "إن سبل النهضة واضحة بينة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء، وهي أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً ولنكون لهم شركاء في الحضارة خيرها وشرها حلوها ومرها وما يحب منها وما يكره وما يحمد منها وما يعاب".
فمدح هذا الملحد لأحمد أمين له دلالات ودلالات على التقاء الرجلين في محاربة الإسلام والتمرد عليه.
ثامناً: يصف يوسف أبا الخيل أحمد أمين وهذه العصابة بأنهم نادوا بتدشين منهج آخر للحكم على الأحاديث بدلا من الاعتماد الكلي على منهج الجرح وتعديل الرواة والذي أوصد المحدثون الباب أمام أي محاولة قديمة تتخطاه إلى منهج آخر.
أقول إن منهج أهل الحديث في النقد والجرح والتعديل مستمد من الكتاب والسنة وهو منهج عظيم حمى الله به السنة من أن يخالطها شيء من افتراء الوضاعين والمتهمين وأخطاء المخطئين من الضعفاء على اختلاف أصنافهم ووهم الواهمين حتى الثقات الصادقين فتحقق بإعمال أهل الحديث وجهودهم العظيمة قول الله تبارك وتعالى: (إنا نحن نزلنا الذِّكر وإنا له لحافظون) فالذكر يتناول القرآن والسنة لأن السنة وحي، كما أنَّ القرآن وحي، قال الله مشيدا بمكانة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم (وما ينطقُ عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى) فالسنة وحي من الله وعد الله بحفظها كما وعد بحفظ القرآن.
ولقد قال الإمام ابن حبان رحمه الله مُشيدا بقيمة الإسناد وطلب الحديث له واهتمامهم به، "ولو لم يكن الإسناد وطلب هذه الطائفة له لظهر في هذه الأمة من تبديل الدين ما ظهر في سائر الأمم، وذاك أنه لم يكن أمة لنبي قط حفظت عليه الدين عن التبديل ما حفظت هذه الأمة، حتى لا يتهيأ أن يزاد في سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألِف ولا واو، كما لا يتهيأ زيادة مثله في القرآن، فحفظت هذه الطائفة السنن على المسلمين، وكثرت عنايتهم بأمر الدين، ولولاهم لقال من شاء بما شاء".
أيها الرجل لقد تضمن كلام أحمد أمين هذا حطا من أهل الحديث الأمناء الشرفاء وحطا من منهجهم العظيم في حفظ السنة الغراء وحمايتها من دس الأفاكين ومحاولات المبطلين في الوقت الذي ينادي فيه بمنهج باطل أسسه أعداء الإسلام المستشرقون ورفع رايته تلاميذهم مثل طه حسين وأبي رية وأحمد أمين. ص 1.
هذا الباطل إنما يهدف من وراءه المستشرقون وتلاميذهم هدم السنة النبوية الصحيحة الثابتة ثبوت الجبال ولعلهم يقصدون من ورائه إثبات الأحاديث الموضوعة المفتراة على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
تاسعاً: قال الكاتب مشيداً بهذا المنهج الهدام: " تقوم منهجية الشيخ الدكتور أحمد أمين في دعوته إلى تبني المنهج التاريخي لتقييم متون الأحاديث على عدة خطوات، فهو يعترف، بادئ ذي بدئ، بدور الحديث في الإسلام بقوله في كتابه (فجر الإسلام:فصل الحديث):" للحديث قيمة كبرى في الدين تلي مرتبة القرآن، فكثير من آيات القرآن جاءت مجملة أو مطلقة أو عامة، فجاء قول رسول الله، أو عمله فبيّنها أو قيدها أو خصصها"
أقول: لو كان أحمد أمين صادقا في هذا القول مؤمنا بهذه المنزلة للسنة لما تابع أعداء الله وأعداء رسوله وسنته في هذا المنهج الباطل الذي هو أخبث مكايد أعداء الله وأعداء الإسلام .
لقد ترك أحمد أمين وأمثاله المنهج الإسلامي الصحيح الذي حمى الله به دينه وذهبوا يركضون وراء أعداء الله وأعداء الإسلام فيصدق عليهم قول الله تعالى: ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً).
العاشر: قال الكاتب عن أحمد أمين: "وبعد ذلك، ينتقل إلى الكلام عن ظروف تدوين الحديث مقارنة بظروف تدوين القرآن، ليقول في نفس الفصل:" لم يدون الحديث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما دُوِّن القرآن، فإنا نرى أن رسول الله اتخذ كتبة للوحي يكتبون آيات القرآن عند نزولها، ولكنه لم يتخذ كتبة يكتبون عنه ما ينطق به من غير القرآن. بل وجدنا أحاديث تنهى عن تدوين الأحاديث".
أقول: 1- إن هذا الكلام لمن أشد الكلام بطلانا والهدف منه التشكيك في الأحاديث النبوية الصحيحة المدونة في دواوين السنة العظيمة مثل الصحيحين للبخاري ومسلم اللذين تلقتهما الأمة وعلماؤها النبلاء بالقبول عملاً بما حوته وتصديقا لموجبها وفي كتب السنة الأخرى التي لها منزلتها في الإسلام وعند المسلمين.
2 – مما يدفع هذا الهراء أن الصحابة الكرام حفظوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدورهم كما حفظوا القرآن فلم يضع منها شيء ولله الحمد وذلك لما منحهم الله من قوة الحفظ مع حرصهم على العمل بسنة نبيهم، وإذا كان مثل الإمام أحمد يحفظ سبعمائة ألف حديث وأثر بأسانيدها ويقاربه البخاري وغيره فكيف يظن بأصحاب رسول الله إنهم لم يحفظوا السنة بل ضيعوها إن هذا القول لهو الإفك والضلال المبين لقد والله حفظوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حفظوا القرآن.
فهذا أبو هريرة قد لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم سنوات لا هدف له من هذه الملازمة إلا حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من خمسة آلاف وستمائة حديث وكان العرب يمتازون في جاهليتهم بقوة الحافظة حتى أن الرجل ليسمع القصيدة الطويلة من الشعر فيحفظها من سماع مرة واحدة فكيف بهم بعد أن مَنَّ الله عليهم بالإسلام القائم على نصوص الكتاب والسنة لقد أصبحت دواعي الحفظ أشد وأشد لحفظ نصوص دينهم الذي تتوقف عليه سعادتهم في الدنيا والآخرة.
ومع أن أبا هريرة كان شديد العناية بحفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يقول " ما كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب" رواه البخاري في كتاب العلم حديث (113) والترمذي (3841). وأحمد (2/249).
وهذا عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: " كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه ، فنهتني قريش عن ذلك، وقالوا: تكتب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الغضب والرضا؟ فأمسكت، حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: " أكتب، فوالذي نفسي بيده، ما خرج منه إلا حق " رواه الإمام أحمد في مسنده (2/162) وهو حديث صحيح أخرجه عدد من الأئمة في مصنافتهم منهم أبو داود حديث (3646) والحاكم (1/160) والدارمي في مسنده (1/125) وغير هؤلاء الأئمة.
وهناك عدد كبير من الصحابة يعدون من حفاظ السنة منهم ابن عباس وجابر بن عبد الله والبراء بن عازب وأبو سعيد وجابر بن سمرة وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
3 – بالإضافة إلى حفظ الصحابة الكرام للسنة المطهرة فإن هناك من كان يكتب السنة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير من ذكرناهم سلفاً ثم في عهد التابعين فمن بعدهم وهذا شيء يؤمن به من يحترم السنة ويحترم أصحاب محمد والتابعين لهم بإحسان الذين قال الله فيهم: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فكيف يثني الله عليهم ويرضى عنهم وهم بالصورة التي يصورهم بها أعداء الله من المستشرقين وأتباعهم بأنهم قد ضيعوا سنة نبيهم المبينة لمجملات القرآن والمخصصة لعموماته والمقيدة لمطلقاته.
الحادي عشر: قال الكاتب: " والأحاديث التي يستدل بها الشيخ أمين على النهي عن تدوين الحديث، أحاديث صحاح، وهي مع وجود ما يعارضها، إلا أننا نجد أنها أصرح في تبنيها للنهي.
من تلك الأحاديث، حديث أبي سعيد الخدري في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه"، وحديث أبي سعيد الخدري أيضاً:" استأذنَّا النبي صلى الله عليه وسلم أن نكتب ما سمعنا فلم يأذن لنا".
أقول: نعم هذا الحديث صحيح على منهج أهل الحديث ، وعلى منهح المستشرقين وأتباعهم ليس بصحيح وأنت تحتفي بهذا المنهج الباطل الذي يقتضي عدم صحة هذا الحديث و مئات الأحاديث من أمثاله.
ثم هناك أحاديث تدل على نسخ هذا الحديث ونحوه.
منها أمره صلى الله عليه وسلم بالكتابة لأبي شاه وهو في صحيح البخاري وهذا الأمر كان في عام الفتح.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم (قيدوا العلم بالكتاب) روي في عدد من المصادر عن عبد الله بن عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن عمرو بن العاص وهو صحيح بمجموع طرقه.
ومنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أريد حفظه ، فنهتني قريش عن ذلك، وقالوا: تكتب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الغضب والرضا؟ فأمسكت، حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: " أكتب، فوالذي نفسي بيده، ما خرج منه إلا حق " وقد أسلفنا هذا الحديث، ثم هناك أحاديث أخر عن علي رضي الله عنه وجماعة من الصحابة كانوا يكتبون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم حديث أبي هريرة " ما كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب" رواه البخاري وغيره.
وكلها تدل على نسخ حديث أبي سعيد ونحوه وهذا أمر مقرر عند علماء الإسلام ثابت عندهم مثل ثبوت الشمس ووضوحها لا عند المستشرقين الكائدين للإسلام وللسنة النبوية وأتباعهم المبهورين بباطلهم وكيدهم.
الثاني عشر: قال الكاتب: "ولأن الحديث لم يدون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلقد أدى ذلك إلى نشوء ما يعرف في مصادرنا بظاهرة (الوضع)، وهو يعني وضع أحاديث من (عنديات) رواتها، ونسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأسباب ودواع مختلفة. فبالإضافة إلى الأسباب الأولية كعدم تدوين الحديث في كتاب خاص في العصور الأولى، واكتفاء الرواة بالاعتماد على الذاكرة، وصعوبة حصر كل ما قاله الرسول، أو فعله خلال ثلاث وعشرين سنة من بدء الوحي إلى حين وفاته".
أقول: قوله "ولأن الحديث لم يدون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم" كلام باطل يرده ما أسلفناه من الأدلة أن الصحابة كانوا يكتبون سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم في حياته هذا بالإضافة إلى حفظهم لسنة نبيهم لمعرفتهم بقيمتها وأهميتها ومكانتها ولما منحهم الله من قوة الحفظ وقوة الذاكرة كما هو معلوم عند المسلمين الذين عرفوا مكانة الصحابة وشدة عنايتهم بالسنة النبوية لا كما يصورهم المستشرقون وتلاميذهم.
الثالث عشر:قال الكاتب: " هناك أيضا "الخصومات السياسية، والخلافات الكلامية والفقهية، ومتابعة بعض من يتسمون بسمة العلم لهوى للأمراء والخلفاء، يضعون لهم ما يعجبهم، رغبة في ما في أيديهم، وتساهل بعضهم في باب الفضائل والترغيب والترهيب".
أقول: من أي المصادر عرف المستشرقون هذه الخلافات السياسية والكلامية وما نشأ عنها من أحاديث الكذابين والمتأكلين بدينهم ، لقد عرفها المحدثون حق المعرفة وتصدوا لأحاديث الكذابين حديثا حديثا فلم يتركوا منها شاذاً ولا فاذاً ودونوا كل تلك الأحاديث المكذوبة ونسبوها لمن افتروها واحداً واحداً بأسمائهم وأعيانهم قبل أو يولد المستشرقون وتلاميذهم بقرون ثم ما هو الجديد الذي جاء به المستشرقون.
الجديد أنهم جاؤوا بمنهج لتكذيب الأحاديث الصحيحة فأولئك كذابون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء يُكذِّبون بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا شك أنهم أشد على الإسلام من أولئك الكذابين الذين يكذبون بجهل وبدون تأصيل.
الرابع عشر: قال الكاتب: " ويظهر أن الوضع بدأ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك أن مما يغلب على الظن، كما يقول الشيخ أمين، أن حديث:" من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"، قيل لحادثة زُوِّر فيها على الرسول صلى الله عليه وسلم. "
أقول: 1- دع الظنون الباطلة وهات الأدلة الجلية الواضحة على أن الوضع بدأ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وهيهات لكم هيهات.
2 – لا شك عند أهل الحديث والسنة أن هذا الحديث "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" يتربع قمة الصحة بل هو متواتر عند أهل الحديث وعلى منهجهم، لكنه على منهج المستشرقين وجنودهم هو غير صحيح فلا يصح استدلالهم به على وجود الوضع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أصروا على هذه الدعوى الباطلة فنسألهم بينوا لنا هذه الأحاديث التي افتريت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبينوا لنا من هم الذين افتروها بأسمائهم وأعيانهم وكم بلغ عدد هذه الأحاديث؟ وهل هي موجودة في الصحيحين وغيرهما من دواوين السنة التي تريدون تشويهها؟!!
الخامس عشر: قال الكاتب: " والسؤال هو:إذا كانت حال (الوضع) هكذا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف ستكون حال الوضع بعد وفاته؟
يجيب الشيخ أمين عن هذا السؤال بقوله: "بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، كان الكذب عليه أسهل، وتحقيق الخبر عنه أصعب". ذلك أنه " لما فتحت الفتوح ودخل في الإسلام من لا يحصى كثرة من الأمم المفتوحة من فارسي ورومي وبربري ومصري وسوري، وكان من هؤلاء من لم يتجاوز إيمانُهم حناجرَهم، كثر الوضع كثرة مزعجة، وسال الوادي حتى طم على القرى".
أقول: الكاتب يسأل وشيخه يجيب، السائل يهول بوجود الوضع في حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته وشيخه يجيب بتهويل أشد وأشد.
ويرى أن تحقيق الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أصعب، يعني أن أهل الحديث ونقادهم يواجهون صعوبات شديدة في تمييز الأحاديث الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم عن الأحاديث المكذوبة عليه لأن الوضع استفحل حتى سال وادي الكذب وطم القرى.
ومن أسباب استفحال الكذب كثرة الفتوحات ودخول الأمم التي ذكر في الإسلام فمن هذه الحيثيات لا يسهل على المحدثين بيان هذه الأكاذيب الهائلة ولا معرفة الكذابين لكثرتهم التي لا تحصى.
ولو وجد أحمد أمين وإخوانه وأئمتهم من المستشرقين ووجد منهجهم في ذلك الزمان لسهل بيان هذه الأحاديث مهما بلغت وأهلها من الكثرة التي لا حدود لها .
أما أهل الحديث والسنة فهم ومنهجهم أعجز من أن يقوموا بواجب البيان والتمييز بين الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين تلك الأحاديث المكذوبة التي لا تحصى. وجهل هؤلاء الضالون أنهم هم ومنهجهم الباطل الفاشل أعجز من أن يبينوا لنا هذه الأحاديث المكذوبة ولا بعض بعض بعضها وهذا واقعهم.
بل سيذهبون بل قد ذهبوا إلى الطعن والتكذيب للأحاديث الصحيحة الثابتة ثبوت الجبال، وذهبوا يقلدون ابن أبي الحديد الذي لا ناقة له ولا جمل في خدمة الحديث فينقولون كلامه، وابن أبي الحديد من أبعد الناس عن أهل السنة والحديث ومن أجهل الناس بجهود أهل الحديث في خدمة السنة النبوية والذب عنها وأنهم قد أفنوا حياتهم وبذلوا كل إمكانياتهم في هذا الميدان.
وهاكم أيها المبطلون بعض جهود أئمة الحديث النقاد النبلاء الأذكياء الغيورين على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت في كتابي حجة خبر الآحاد في العقائد والأعمال ردا على قول أحد أتباع المستشرقين ألا وهو محمد صدقي " وقال جميع المحدثين إن الموضوع كثير وتمييزه عسير وفي بعض الأحوال يستحيل راجع ما ذكرناه في الكلمة الرابعة" .
فقلت أنا ربيع والجواب: حاشا أهل الحديث أن يقولوا هذا الباطل فإن واقعهم وتاريخهم يكذب هذه الدعوى العريضة التي لم يسمع بمثلها، فقد ميزوا الصحيح من غيره، وألفوا في السنة الصحاح والحسان، في كتب يعرفها العلماء وطلاب العلم بل العوام من أهل السنة وأهل البدع ألا وهي الصحيحان والسنن الأربع وغيرها، تلك الكتب المشهورة المتداولة في بلاد المسلمين شرقها وغربها وشمالها وجنوبها، وما كان في السنن من خلل فقد بينه مؤلفوها أو غيرهم ، ويلحق بها كتب المستخرجات على الصحيحين و"صحيح" ابن خزيمة و"صحيح" ابن حبان و"مستدرك" الحاكم و"المختارة" للضياء المقدسي، وقد نزهت هذه الكتب من الموضوعات لأمور:
منها قوة حفظ مؤلفيها وسعة اطلاعهم.
ومنها ورعهم وشدة حذرهم من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها الملكات القوية التي منحهم الله إياها التي يميزون بها بين ما يصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لا يصح، إلى ميزات أخرى منحهم الله إياها.
وأما الموضوعات، فقد ألف أهل الحديث فيها كتباً كـ"الأباطيل" للحافظ أبي عبد الله الجورقاني، ضمنه أحاديث موضوعة ومنكرة وإن ذكر فيه بعض الصحاح، و"الموضوعات" لابن الجوزي، و"معرفة التذكرة في الأحاديث الموضوعة" لابن طاهر المقدسي، و"الموضوعات" للصاغاني، و"اللآلئ المصنوعة" للسيوطي، و"تنـزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" لابن عراق، و"الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للشوكاني، و"تذكرة الموضوعات" للفتني الهندي، و"المصنوع في معرفة الحديث الموضوع" للعلامة ملا علي القارئ، و"الكشف الإلهي عن شديد الضعف والموضوع والواهي" لمحمد بن محمد الحسيني الطرابلسي، و"الموضوعات في الإحياء" للسويدي، وغيرها من المؤلفات في الموضوعات.
والمتقدمون وإن لم يؤلفوا الكتب في الموضوعات فإنهم يكثر بيانهم لها في كتب العلل وكتب الرجال، مثل: كتاب "الكامل" لابن عدي، وكتب التواريخ، والكتب في الضعفاء، ونصوا على وضع نسخ معروفة مثل كتاب "العقل" و"الأربعين الودعانية".
قال الشوكاني - رحمه الله -: "...وقد أكثر العلماء -رحمهم الله- من البيان للأحاديث الموضوعة وهتكوا أستار الكذابين، ونفوا عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم انتحال المبطلين وتحريف الغالين وافتراء المفترين وزور المزورين.
وهم -رحمهم الله- قسمان قسم: جعلوا مصنفاتهم مختصة بالرجال الكذابين والضعفاء، وما هو أعم من ذلك، وبينوا في تراجمهم ما رووه من موضوع، أو ضعيف، كمصنف ابن حبان (يعني المجروحين)، والعقيلي، والأزدي في الضعفاء، وأفراد الدارقطني، وتاريخ الخطيب، والحاكم، وكامل ابن عدي، وميزان الذهبي.
وقسم: جعلوا مصنفاتهم مختصة بالأحاديث الموضوعة كـ"موضوعات" ابن الجوزي، والصغاني، والجورقاني، والقزويني، ومن ذلك "مختصر المجد" صاحب القاموس، و"مقاصد" السخاوي، و"تمييز الطيب من الخبيث" لابن الدَّيْبع، و"الذيل على موضوعات ابن الجوزي" للسيوطي، وكذلك كتاب "الوجيز"له، و"اللآلئ المصنوعة" له، و"تخريج الإحياء" للعراقي، و"التذكرة"لابن طاهر الفتني.
وها أنا بمعونة الله وتيسيره أجمع في هذا الكتاب جميع ما تضمنته هذه المصنفات من الأحاديث الموضوعة " .
أقول: ولهم مؤلفات في العلل كـ"العلل" لابن المديني، و"العلل" لأحمد، و"العلل" لابن أبي حاتم، و"العلل" للدارقطني، ومؤلفات -كالتخريجات لكتب الفقه وكتب التفسير للعراقي وابن حجر وابن كثير والزيلعي والعلامة الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة"، وغيرهم- تميز الصحيح من الضعيف من الموضوع.
فهل ترى أن فحول أهل الحديث قد ميزوا الصحيح من غيره من الموضوع والضعيف والمعل بأنواعه، أم تراه عسر عليهم كما عسر على الجهال المتطفلين على الإسلام، وأهله وعلومه؟!.
السادس عشر: قال الكاتب: " ويستشهد الشيخ: أحمد أمين لاستشراء ظاهرة (الوضع) بقصة (عبدالكريم بن أبي العوجاء) الوضاع الذي قال حين أُخِذَ ليُضرب عنقه: "لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحَرِّم فيها وأُحلل". ولهذا تحرز السلف من الرواية بعد أن شاع الوضع. ومن أقوى شواهد هذا التحرز ما جاء عن ابن عباس، كما جاء في صحيح مسلم، أنه قال:" إنا كنا نحدث عن رسول الله إذ لم يكن يُكذب عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه".
أقول: 1- يُهول الكاتب بما قاله شيخه الذي استغل قول الزنديق عبدالكريم بن أبي العوجاء ليرجف به ويصول به على الأحاديث الصحيحة الثابتة ثبوت الجبال.
2 – لا يشك أهل السنة والحديث أن هناك كذابين افتروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة ومن أبرز هؤلاء الكذابين ذلكم الزنديق ابن أبي العوجاء، لكن هل بلغت أحاديثه هذا الكم الكبير وفي الحلال والحرام، لقد نص ابن عدي على أن أحاديثه لا تزيد على عشرة أحاديث.
3 – وهل انطلت هذه الأحاديث على أئمة الجرح والتعديل والنقد كلا.
والجواب كيف يصدق أحمد أمين وأمثاله هذا الزنديق الأفاك؟
والجواب مرة أخرى ليرجف بذلك ويصول على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشكك في صحتها لا غيرة منه على السنة، وهل يتصور وقوع الغيرة على سنة رسول الله من المستشرقين وجنودهم المجندين لحرب السنة وإسقاط أسانيدها القائمة على الثقات الأمناء الحفاظ وتحقير أئمة النقد ومنهجهم والإشادة بمنهج المستشرقين الذي ما وضع إلا لحرب الإسلام ونبي الإسلام وسنته الغراء.
ونقول لهذا الرجل رويدك فإن نقاد الحديث الأفذاذ قد تصدوا لأحاديث الكذابين فما تركوا فيها شاذاً ولا فاذاً إلا بينوه وكشفوا حاله وحال مخترعيه، فحمى الله بهم الإسلام والسنة وحقق الله بهم ويجهودهم قوله تعالى: (إنا نحنُ نزلنا الذِّكْرَ وإنا له لحافظون)، وقد أسلفنا بيان ذلك في الفقرة السابقة قبل هذه فتذكر أيها القارئ الكريم.
4 – قوله : " ولهذا تحرز السلف من الرواية بعد أن شاع الوضع. ومن أقوى شواهد هذا التحرز ما جاء عن ابن عباس، كما جاء في صحيح مسلم، أنه قال:" إنا كنا نحدث عن رسول الله إذ لم يكن يُكذب عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه".
أقول لي تجاه هذا التهويل عدة وقفات.
1 – قوله: "ولهذا تحرز السلف عن الرواية.
أقول لم يتحرز السلف عن رواية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بل استمروا في رواية الحديث الذي سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الصحابة الذين سمعوا حديث رسول الله إذ كان يحدث بعضهم عن بعض.
وذلك قيام منهم وتنفيذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بقوله الكريم "بلغوا عني ولو آية" وقوله صلى الله عليه وسلم "ليبلغ الشاهد منكم الغائب.." الحديث
فقاموا بتبليغ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعموم الناس وفي شتى البلدان وسلك هذا المسلك في التبليغ الجاد الأمين التابعون لهم بإحسان ومن تبعهم من أهل الحديث وأئمتهم إلى يومنا هذا فأين تحرزهم عن الرواية هذا التحرز المزعوم الذي مؤداه ضياع الإسلام وحاشا الصحابة والتابعين وأهل الحديث أن يفعلوا هذا الفعل الذي مؤداه كتمان دين الله الحق وخذلانه.
2 – لقد نقل الكاتب عن الصحابي الجليل ابن عباس ما لم يقله، فهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما وقارن بين قوله الواعي وهذا النقل الخاطئ عنه، قال الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه ص13 : حدثني أبو أيوب سليمان بن عبيد الله الغيلاني، حدثنا أبو عامر يعني العقدي، حدثنا رباح، عن قيس بن سعد، عن مجاهد، قال: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس، فجعل يحدث، ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس، مالي لا أراك تسمع لحديثي، أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسمع، فقال ابن عباس: " إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب، والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف "
قارن أيها المنصف بين قول ابن عباس رضي الله عنهما "لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف" وبين قول الكاتب أو شيخه "تركنا الحديث عنه" لتجد الفرق العظيم بين القولين فابن عباس رضي الله عنهما لم يترك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يأخذ ما يعرف لقوة تمييزه، وكذلك الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان.
كيف يترك هذا الحبر البحر الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكيف يترك الصحابة الكرام الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ثم أتدري من هو بشير العدوي الذي لم يصغ إليه ابن عباس إنه لثقة مخضرم لكن لما كان يقول في حديثه قال رسول الله قال رسول الله ولم يذكر الواسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه هذا الأسلوب.
وليس معنى هذا التوقف أنه يترك الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل مؤدى هذا الموقف الواعي ترك الرواية عن المتساهلين في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلك أهل الحديث هذا المنهج في التحرز من سماع كثير من الصالحين الصادقين والضعفاء والمشبوهين فضلا عن الكذابين والمتهمين بالكذب.
يتبع........
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق