الحكمة من لُبْس الحجاب
قد علمنا أن النساء فتنة للرجال، و أن صبر هؤلاء عليهن قليل، فلنعلم أن الله الذي خلق الذكر و الأنثى أمر الأنثى بالاحتجاب أمام الرجال الأجانب لئلا تتعرض للإيذاء، و لئلا تعرّض الرجال للفتنة فيقعوا في سخط الله،
و لْنَعلم أيضا أن المرأة إذا خرجت من بيتها اجتهد الشيطان لتحريضها على الفتنة و لتزيينها للرجال و لو كانت دميمة الخِلقة، و لذلك روى مسلم عن جابر – رضي الله عنه –: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة، فأتى امرأته زينب و هي تمعس منيئة لها فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه فقال: إن المرأة تُقبِل في صورة شيطان و تدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه"،
قال المناوي في 'فيض القدير" (2/389): "يعني أن رؤيتها تثير الشهوة و تقيم الهِمّة...، فالمراد أنها تُشبه الشيطان في دعائه إلى الشر و وسوسته و تزيينه، قال الطِِّيبي: جعل صورة الشيطان ظرفا لإقبالها مبالغة على سبيل التجريد؛ لأن لإقبالها داع للإنسان إلى استراق النظر إليها كالشيطان الداعي للشر، "وتدبر في صورة شيطان"؛ لأن الطّرْف رائد القلب، فيتعلق بها عند الإدبار أيضا بتأمل الخِصر و الردف و ما هنالك".
إذًا فإذا كانت المرأة متحجّبة الحجاب الشرعي فقد قطعت على الشيطان سبيله إلى غواية بني آدم مرتين: مرة بحفظ نفسها، و أخرى بإعانتها الرجل على العفاف،
قال النووي – رحمه الله – في "شرح مسلم" (9/178): "قال العلماء: معناه الإشارة إلى الهوى و الدعاء إلى الفتنة بها لِما جعله الله – تعالى – في نفوس الرجال من الميل إلى النساء و الالتذاذ بنظرهن و ما يتعلق بيهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته و تزيينه له، و يُسْتنبَط من هذا أنه ينبغي لها ألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة، و أنه ينبغي للرجل الغض عن ثيابها، و الإعراض عنها مطلقا"،
و قال ابن عباس – رضي الله عنهما –: "النساء لَُُعبُ الرجال"، و نُسِب إلى عائشة – رضي الله عنها – كما في كتاب ابن حبيب المذكور قريبا (ص 180).
و من كيد الشيطان للمرأة أنه كلما رآها خارج بيتها اجتهد لإغوائها و الإغواء بها، فعن ابن مسعود – رضي الله عنه – عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان" رواه الترمذي (1173) و صححه الألباني،
قال المناوي في "فيض القدير" (6/266): "يعني رفع البصر إليها ليغويها أو يغوي بها فيوقع أحدهما أو كلاهما في الفتنة"،
و نقل عن الطِيبي قوله: "و المعنى المتبادر أنها ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان فيها و في إغواء الناس، فإذا خرجت طمِع و أطمعَ، لأنها حبائله و أعظم فخوخه، و أصل الاستشراف وضع الكف فوق الحاجب و رفع الرأس للنظر".
و قد قيل:
إن الرجال الناظرين إلى النساء **** مثلُ السباع تطوف باللحمانِ
إن لم تصن تلك اللحومَ أسودُها **** أُكلت بلا عِوَضٍ و لا أثمانِ
إن الرجال الناظرين إلى النساء **** مثلُ السباع تطوف باللحمانِ
إن لم تصن تلك اللحومَ أسودُها **** أُكلت بلا عِوَضٍ و لا أثمانِ
و لهذا أخبر الله – تعالى – أن المرأة كلّما صانت نفسها عن نظر الرجال إليها كان ذلك أدعى لطهارة قلبها و طهارة قلوب الرجال، فقال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ} (الأحزاب: 53)، قال الواحدي في "الوجيز" (2/188): "فإنّ كل واحد من الرجل و المرأة إذا لم ير الآخر لم يقع في قلبه شيء".
و قال الشيخ الألباني – رحمه الله – في "جلباب المرأة المسلمة" (ص 90): "هذا، و قد أبان الله – تعالى – عن حكمة الأمر بإدناء الجلباب بقوله: {ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ} (الأحزاب: 59)، يعني أن المرأة إذا التحفت بالجلباب عُرِفت بأنها من العفائف المحصنات الطيّبات، فلا يؤذيهنّ الفسّاق بما لا يليق من الكلام، بخلاف ما لو خرجت متبذِّلَة غير مستترة، فإن هذا مما يُطمِع الفسّاق فيها و التحرش بها كما هو مشاهَد في كل عصر و مصر، فأمر الله – تعالى – نساء المؤمنين جميعا بالحجاب سدّا للذريعة".
المصدر: العجب العجاب في أشكال الحجاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق