تحذير شباب المسلمين من شرِّ دعاة الصحوة المتقعرين!
من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن من البيان لسحرًا ، أو إن بعض البيان لسحر )) [رواه البخاري في صحيحه].
و قد حذر النبي صلى الله عليه و سلم من دعاء الشر و الفساد و بين أنهم من دعاة جهنم من أجابهم قذفوه فيها.
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني .. فذكر الحديث, وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها, فقال حذيفة: صفهم لنا يا رسول الله, فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا )).[رواه البخاري و مسلم]
و نجح هؤلاء الدعاة في استمالة قدر كبير من جهال المسلمين و ضعفائهم ممن لم يذق طعم العلم و حلاوة الدليل العلمي المستمد من كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ؛ و استطاع هؤلاء عن طريق القنوات الفضائية و الأشرطة الإسلامية الرنانة صد الناس عن سماع دروس العلم و تثبيطهم عن حضور حلقات العلماء الربانيين الذين زكاهم الله عز وجل و عدّلهم فقرن شهادته بشهادتهم و شهادة خواص خلقه من الملائكة فقال جل و علا: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[ آل عمران : 18].
قال السعدي رحمه الله :
وفي هذه الآية دليل على شرف العلم [و العلماء] من وجوه كثيرة؛
منها: أن الله خصهم بالشهادة على أعظم مشهود عليه دون الناس.
ومنها: أن الله قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وكفى بذلك فضلا .
ومنها: أنه جعلهم أولي العلم، فأضافهم إلى العلم، إذ هم القائمون به المتصفون بصفته.
ومنها: أنه تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس، وألزم الناس العمل بالأمر المشهود به، فيكونون هم السبب في ذلك، فيكون كل من عمل بذلك نالهم من أجره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ومنها: أن إشهاده تعالى أهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم وتعديلهم وأنهم أمناء على ما استرعاهم عليه.اهـ
قال الشاعر:
مـا الفخر إلا لأهل العلم إنهـم *** على الهدى لمن استهدى أدلاّء
وقد كلّ امرئ ما كان يحسنه *** والجـاهـلون لأهل العلم أعداء
فـفز بعلم تعـش حياً به أبداً *** الناس موتى وأهل العلم أحيـاء
نعم الناس موتى و أهل العلم السلفيين الربانيين أحيـــاء!!
فكيف يرضى مسلم لنفسه إهدار وقته الثمين بسماع أشرطة و حضور محاضرات هؤلاء الدعاة عن حضور و سماع أشرطة العلماء الكبار كـ " ابن باز والعثيمين والألباني و ربيع بن هادي و الفوزان و اللحيدان ...و غيرهم من أهل العلم و الصلاح و التقوى و الورع -حفظ الله حيهم و رحم ميتهم- " ؟؟!
قال الشيخ مقبل رحمه الله رحمة واسعة في كتاب تحفة المجيب ص 147:
... والدواء يكون بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم بالرجوع إلى العلماء، يقول الله عز وجل: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء : 83]؛فيجب علينا أن نرجع إلى العلماء: { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }.[العنكبوت : 43]
وترى بعض الناس يحفظ له ثلاثة أو أربعة مواضيع ويقوم بها في المساجد يركض وينطح، ثم يلقبه أصحابه بشيخ الإسلام، فهل هذا هو العلم؟
بل العلم أن تجلس على الحصير حتى تحتك ركبتك ولا بد أن تصبر على الجوع والعري، وانظر إلى حالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما صبروا عليه.
وأهل العلم هم الذين يضعون الأشياء في مواضعها، كما تقدم في الآية الكريمة السابقة ويقول سبحانه وتعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ }.[الروم : 22] ويقول عز وجل: { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ }.[الرعد : 19]
والمصيبة التي ابتلى بها المسلمون هي جهلهم بدينهم، فمن حفظ له آيات وأحاديث وقام يتكلم بها وخصوصًا إذا أعطي فصــاحــة، قالوا: هذا هو الشيخ.
والحمد لله تتضح الحقيقة كما قيل:
إذا حمل الفـصــيح فلا تهبه *** ولذ بالعلم والعرفان تلقى
فتلك الاستعارة مستعارة *** فصــاحته انتهت من غير غارة
فيجب علينا أن نزن العلماء والدعاة إلى الله بالعلم والعمل.
والله سبحانه وتعالى عند أن أخبرنا بقصة قارون: { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) }.[القصص : 79 ، 80 ، 81 ، 82].
فيجب أن نرجع إلى أهل العلم وأن نتعلم، كما أتى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليعلم الصحابة كيف يسألون.اهـ.
ومهما تنطّع دعاة الصحوة و من شابههم ومهما استعملوا من شعر و فصاحة و سجع و قوافي ومهما كان لهم من أتباع ممن انطلى البلاء عليه فإنهم من المتطفلين على العلمِ و العلم منهم بريء.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج2 ص52 : (إنَّ العلم ما قام عليه الدليل ؛ والنافع منه ما جاء به الرسول ؛ فالشأن في أن نقول علمًا وهو النقل المصدق والبحث المحقق فإن ما سوى ذلك - وإن زخرف مثله بعض الناس - خزف مزوق).
وقال ابن القيم رحمه الله:
العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس بالتمويه
وقال في نونيته:
والعلم أقسام ثلاث ما لـها *** من رابع والحق ذو تبيــانِ
علم بأوصاف الإلـه وفعله *** وكذلك الأسماء للديــانِ
والأمر والنهي الذي هو دينه *** وجزاؤه يوم المعاد الثانــي
والكلُّ في القرآن والسنن التي *** جاءت عن المبعوث بالفرقان
والله ما قال امرُؤ متحذلـق *** بسواهما إلا من الهذيــان
وقال أيضا:
والجهل داء قاتل وشفاؤه *** أمران في الترتيب متفقان
علم من القرآن أو من سنة *** وطبيب ذاك العالم الرباني
هذا هو العلم و مادونه إلا هذيان ملفق أو خزف مزوق!
و الله المستعان.
فتوى سلفية أثرية للعلامة المحدث أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله رحمة واسعة :
فضيلة الشيخ: انتشرت في الآونة الأخيرة أشرطة بعض الدّعاة انتشار النار في الهشيم ممن قيل عنهم أنَّهم أوتوا أسلوبًا حسنًا، وبلاغةً في الكلام، لِمَا يذكرونه في محاضراتِهم ودروسهم من القصص والمواعظ الَّتِي تستمال بِها قلوب كثيرٍ من الناس, مِمَّا أدى إلى انشغال الشباب بسماع أشرطتهم عن سماع أشرطة العلماء الكبار كـ "ابن باز والعثيمين والألباني" وغيرهم, بحجة أنَّ هؤلاء العلماء ليس عندهم ذلك الأسلوب الذي عند أولئك الدعاة المشهورين رغم ما عند العلماء الكبار من العلم الجم، والفقه في الدين فما توجيهكم حيال هذه القضية وجزاكم الله خيرًا ؟
الجواب: إنَّ أسلوب العلماء هو قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه و سلم وكفى بِهذا الأسلوب حقًّا، ومن يقول أنَّ العلماء ليس عندهم أسلوب فإنَّه يحتقر الآيات القرآنية الَّتِي يقولونَها، والسنن النبوية الَّتِي يستشهدون بِها، فيرى أنَّ هذا قصورٌ في الأسلوب، وأنَّ الأسلوب النافع أو الجيد الذي ينبغي للمسلمين أن يلتفوا حوله هو الأسلوب البلاغي, ولو كان مشتملاً على الكذب والمبالغات الواهية؛ إنَّه لا يقول هذا إلاَّ جاهلٌ ضال.
إنَّ الأسلوب القصصي أسلوبٌ منتقد من الزمن القديْم، ولقد حذر أهل العلم من السلف من الصحابة والتابعين فمن بعدهم حذروا من القصاص؛ الذين يعتمدون في وعظهم على القصة الممزوجة بالمبالغة والكذب؛ بل لقد أصدر عمر بن عبد العزيز أمره بمنعهم -رحمه الله تعالى-، وإنَّ هذا القول لا يصدر إلاَّ عن جاهلٍ تافه، فأسلوب أهل العلم هو الأسلوب الحق؛ آيةٌ قرآنية وسنةٌ نبوية، وأحكامٌ منقولة عن أهل العلم السابقين، فمن يحتقر هذا إلاَّ ضال، ومن يقدح فيه إلاَّ مفتون، ومن لا يعجبه أسلوب العلماء، فإنَّه لَم يعجبه الحق بل أعجبه الباطل؛ نعوذ بالله من زيغ القلوب، وتسلط الشيطان وتحكم الهوى, وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ملحوظة: الأسلوب البلاغي إن جاء عفويًّا، ونصر به الحق، ودحض به الباطل، فإنَّه لا يذم ولا يقدح فيه, وإنَّما يذم عندما يكون الأسلوب البلاغي مستعملاً في ترويج باطل، وإدحاض حق, وقد قال النَّبِي صلى الله عليه و سلم لذلك الرجل وهو حمل بن النابغة حين قال: "كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع" رواه مسلم. فذم كلام هذا؛ لأنَّه أراد أن يدفع به حقًّا، ويروج به باطلاً؛ فأمَّا ما كان من أجل الحق ودحض الباطل، وحصل بدون تكلف، فهذا جائز، وبالله التوفيق.[الفتاوى الجلية ص 150]
أسأل الله أن يهدينا للخير و يبصرنا بالحق و يرزقنا حلاوة العلم و الدليل قال الله قال رسوله قال الصحابة و أن يوفقنا للتمسك بغرز العلماء فننجح و نفلح بإذن الله؛
إن ربي لسميع الدعاء و صلى الله على نبينا محمد
و على آله و صحبه و سلم.
أبو عبد الأحد أمين السني
من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن من البيان لسحرًا ، أو إن بعض البيان لسحر )) [رواه البخاري في صحيحه].
و قد حذر النبي صلى الله عليه و سلم من دعاء الشر و الفساد و بين أنهم من دعاة جهنم من أجابهم قذفوه فيها.
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني .. فذكر الحديث, وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها, فقال حذيفة: صفهم لنا يا رسول الله, فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا )).[رواه البخاري و مسلم]
و نجح هؤلاء الدعاة في استمالة قدر كبير من جهال المسلمين و ضعفائهم ممن لم يذق طعم العلم و حلاوة الدليل العلمي المستمد من كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ؛ و استطاع هؤلاء عن طريق القنوات الفضائية و الأشرطة الإسلامية الرنانة صد الناس عن سماع دروس العلم و تثبيطهم عن حضور حلقات العلماء الربانيين الذين زكاهم الله عز وجل و عدّلهم فقرن شهادته بشهادتهم و شهادة خواص خلقه من الملائكة فقال جل و علا: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }[ آل عمران : 18].
قال السعدي رحمه الله :
وفي هذه الآية دليل على شرف العلم [و العلماء] من وجوه كثيرة؛
منها: أن الله خصهم بالشهادة على أعظم مشهود عليه دون الناس.
ومنها: أن الله قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وكفى بذلك فضلا .
ومنها: أنه جعلهم أولي العلم، فأضافهم إلى العلم، إذ هم القائمون به المتصفون بصفته.
ومنها: أنه تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس، وألزم الناس العمل بالأمر المشهود به، فيكونون هم السبب في ذلك، فيكون كل من عمل بذلك نالهم من أجره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ومنها: أن إشهاده تعالى أهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم وتعديلهم وأنهم أمناء على ما استرعاهم عليه.اهـ
قال الشاعر:
مـا الفخر إلا لأهل العلم إنهـم *** على الهدى لمن استهدى أدلاّء
وقد كلّ امرئ ما كان يحسنه *** والجـاهـلون لأهل العلم أعداء
فـفز بعلم تعـش حياً به أبداً *** الناس موتى وأهل العلم أحيـاء
نعم الناس موتى و أهل العلم السلفيين الربانيين أحيـــاء!!
فكيف يرضى مسلم لنفسه إهدار وقته الثمين بسماع أشرطة و حضور محاضرات هؤلاء الدعاة عن حضور و سماع أشرطة العلماء الكبار كـ " ابن باز والعثيمين والألباني و ربيع بن هادي و الفوزان و اللحيدان ...و غيرهم من أهل العلم و الصلاح و التقوى و الورع -حفظ الله حيهم و رحم ميتهم- " ؟؟!
قال الشيخ مقبل رحمه الله رحمة واسعة في كتاب تحفة المجيب ص 147:
... والدواء يكون بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم بالرجوع إلى العلماء، يقول الله عز وجل: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء : 83]؛فيجب علينا أن نرجع إلى العلماء: { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }.[العنكبوت : 43]
وترى بعض الناس يحفظ له ثلاثة أو أربعة مواضيع ويقوم بها في المساجد يركض وينطح، ثم يلقبه أصحابه بشيخ الإسلام، فهل هذا هو العلم؟
بل العلم أن تجلس على الحصير حتى تحتك ركبتك ولا بد أن تصبر على الجوع والعري، وانظر إلى حالة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما صبروا عليه.
وأهل العلم هم الذين يضعون الأشياء في مواضعها، كما تقدم في الآية الكريمة السابقة ويقول سبحانه وتعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ }.[الروم : 22] ويقول عز وجل: { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ }.[الرعد : 19]
والمصيبة التي ابتلى بها المسلمون هي جهلهم بدينهم، فمن حفظ له آيات وأحاديث وقام يتكلم بها وخصوصًا إذا أعطي فصــاحــة، قالوا: هذا هو الشيخ.
والحمد لله تتضح الحقيقة كما قيل:
إذا حمل الفـصــيح فلا تهبه *** ولذ بالعلم والعرفان تلقى
فتلك الاستعارة مستعارة *** فصــاحته انتهت من غير غارة
فيجب علينا أن نزن العلماء والدعاة إلى الله بالعلم والعمل.
والله سبحانه وتعالى عند أن أخبرنا بقصة قارون: { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) }.[القصص : 79 ، 80 ، 81 ، 82].
فيجب أن نرجع إلى أهل العلم وأن نتعلم، كما أتى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليعلم الصحابة كيف يسألون.اهـ.
ومهما تنطّع دعاة الصحوة و من شابههم ومهما استعملوا من شعر و فصاحة و سجع و قوافي ومهما كان لهم من أتباع ممن انطلى البلاء عليه فإنهم من المتطفلين على العلمِ و العلم منهم بريء.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى ج2 ص52 : (إنَّ العلم ما قام عليه الدليل ؛ والنافع منه ما جاء به الرسول ؛ فالشأن في أن نقول علمًا وهو النقل المصدق والبحث المحقق فإن ما سوى ذلك - وإن زخرف مثله بعض الناس - خزف مزوق).
وقال ابن القيم رحمه الله:
العلم قال الله قال رسوله *** قال الصحابة ليس بالتمويه
وقال في نونيته:
والعلم أقسام ثلاث ما لـها *** من رابع والحق ذو تبيــانِ
علم بأوصاف الإلـه وفعله *** وكذلك الأسماء للديــانِ
والأمر والنهي الذي هو دينه *** وجزاؤه يوم المعاد الثانــي
والكلُّ في القرآن والسنن التي *** جاءت عن المبعوث بالفرقان
والله ما قال امرُؤ متحذلـق *** بسواهما إلا من الهذيــان
وقال أيضا:
والجهل داء قاتل وشفاؤه *** أمران في الترتيب متفقان
علم من القرآن أو من سنة *** وطبيب ذاك العالم الرباني
هذا هو العلم و مادونه إلا هذيان ملفق أو خزف مزوق!
و الله المستعان.
فتوى سلفية أثرية للعلامة المحدث أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله رحمة واسعة :
فضيلة الشيخ: انتشرت في الآونة الأخيرة أشرطة بعض الدّعاة انتشار النار في الهشيم ممن قيل عنهم أنَّهم أوتوا أسلوبًا حسنًا، وبلاغةً في الكلام، لِمَا يذكرونه في محاضراتِهم ودروسهم من القصص والمواعظ الَّتِي تستمال بِها قلوب كثيرٍ من الناس, مِمَّا أدى إلى انشغال الشباب بسماع أشرطتهم عن سماع أشرطة العلماء الكبار كـ "ابن باز والعثيمين والألباني" وغيرهم, بحجة أنَّ هؤلاء العلماء ليس عندهم ذلك الأسلوب الذي عند أولئك الدعاة المشهورين رغم ما عند العلماء الكبار من العلم الجم، والفقه في الدين فما توجيهكم حيال هذه القضية وجزاكم الله خيرًا ؟
الجواب: إنَّ أسلوب العلماء هو قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه و سلم وكفى بِهذا الأسلوب حقًّا، ومن يقول أنَّ العلماء ليس عندهم أسلوب فإنَّه يحتقر الآيات القرآنية الَّتِي يقولونَها، والسنن النبوية الَّتِي يستشهدون بِها، فيرى أنَّ هذا قصورٌ في الأسلوب، وأنَّ الأسلوب النافع أو الجيد الذي ينبغي للمسلمين أن يلتفوا حوله هو الأسلوب البلاغي, ولو كان مشتملاً على الكذب والمبالغات الواهية؛ إنَّه لا يقول هذا إلاَّ جاهلٌ ضال.
إنَّ الأسلوب القصصي أسلوبٌ منتقد من الزمن القديْم، ولقد حذر أهل العلم من السلف من الصحابة والتابعين فمن بعدهم حذروا من القصاص؛ الذين يعتمدون في وعظهم على القصة الممزوجة بالمبالغة والكذب؛ بل لقد أصدر عمر بن عبد العزيز أمره بمنعهم -رحمه الله تعالى-، وإنَّ هذا القول لا يصدر إلاَّ عن جاهلٍ تافه، فأسلوب أهل العلم هو الأسلوب الحق؛ آيةٌ قرآنية وسنةٌ نبوية، وأحكامٌ منقولة عن أهل العلم السابقين، فمن يحتقر هذا إلاَّ ضال، ومن يقدح فيه إلاَّ مفتون، ومن لا يعجبه أسلوب العلماء، فإنَّه لَم يعجبه الحق بل أعجبه الباطل؛ نعوذ بالله من زيغ القلوب، وتسلط الشيطان وتحكم الهوى, وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ملحوظة: الأسلوب البلاغي إن جاء عفويًّا، ونصر به الحق، ودحض به الباطل، فإنَّه لا يذم ولا يقدح فيه, وإنَّما يذم عندما يكون الأسلوب البلاغي مستعملاً في ترويج باطل، وإدحاض حق, وقد قال النَّبِي صلى الله عليه و سلم لذلك الرجل وهو حمل بن النابغة حين قال: "كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إنما هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع" رواه مسلم. فذم كلام هذا؛ لأنَّه أراد أن يدفع به حقًّا، ويروج به باطلاً؛ فأمَّا ما كان من أجل الحق ودحض الباطل، وحصل بدون تكلف، فهذا جائز، وبالله التوفيق.[الفتاوى الجلية ص 150]
أسأل الله أن يهدينا للخير و يبصرنا بالحق و يرزقنا حلاوة العلم و الدليل قال الله قال رسوله قال الصحابة و أن يوفقنا للتمسك بغرز العلماء فننجح و نفلح بإذن الله؛
إن ربي لسميع الدعاء و صلى الله على نبينا محمد
و على آله و صحبه و سلم.
أبو عبد الأحد أمين السني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق