السبت، 4 نوفمبر 2017

هل يجوز للمتبرجة أن تدخل المسجد وهي متبرجة

بسم الله الرحمن الرحيم



السؤال:

هل يجوز للإمام أن يُدْخِل امرأةً مُتبرِّجةً شِبْهَ عاريةٍ أو مُترجِّلةً المسجدَ مع زوجِها عندَ حصولِ مُنازَعةٍ بينهما؟ أفتونا جزاكم اللهُ خيرًا.





الجواب للشيخ محمد علي فركوس:


الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فالمسلمةُ ينبغي عليها أن تَسْتُرَ نَفْسَها باللباس الشرعيِّ الذي أَمَرَ به تعالى إذ يقول: ï´؟يَظ°ظ“أَيُّهَا ظ±لنَّبِيُّ قُل لِّأَزغ،وَظ°جِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاظ“ءِ ظ±لغ،مُؤغ،مِنِينَ يُدغ،نِينَ عَلَيغ،هِنَّ مِن جَلَظ°بِيبِهِنَّغڑï´¾ [الأحزاب: ظ¥ظ©]، ولقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّهاتِهَا إِلَّا وَهِيَ هَاتِكَةٌ كُلَّ سِتْرٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّحْمنِ»(ظ،).

كما لا يجوز لها أن تتشبَّهَ بأهلِ الكفر في عاداتهم ولباسهم وما يتَّصِلُ بهم لنهيِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن التشبُّه بهم، فقال: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(ظ¢)، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ: «وهذا الحديثُ أقَلُّ أحواله أن يقتضيَ تحريمَ التشبُّه بهم، وإن كان ظاهِرُه يقتضي كُفْرَ المتشبِّه بهم، كما في قوله: ï´؟وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمغ، فَإِنَّهُغ¥ مِنغ،هُمغ،غ—ï´¾ [المائدة: ظ¥ظ،]»(ظ£).

كما لا يجوز أن يكون لباسُها شبيهًا بلباسِ الرجال لحديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ»(ظ¤).

والأصلُ أنَّ المرأة بهذه الصفةِ مِن التبرُّج والعُرْيِ والترجُّل لا يجوزُ لها أن تدخلَ المسجدَ إلَّا لحاجةٍ أو ضرورةٍ وبإذنٍ مِن الإمام؛ لأنَّ الصورة الظاهرة للمرأة غيرُ مَرْضِيَّةٍ شرعًا، وكُلُّ ما ينهى الشرعُ عنه ولا يرضى به يدخل في الرِّجْسِ والنجاسة؛ لقوله تعالى: ï´؟فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ظ±للَّهُ أَن تُرغ،فَعَ وَيُذغ،كَرَ فِيهَا ظ±سغ،مُهُغ¥ يُسَبِّحُ لَهُغ¥ فِيهَا بِظ±لغ،غُدُوِّ وَظ±لغ،أظ“صَالِ ï´¾ [النور: ظ£ظ¦]؛ فالآيةُ تدلُّ على وجوبِ تعظيمِ المساجد ورفعِ شأنها بتطهيرها مِن الأقذار والأنجاس الحِسِّية والمعنوية.

هذا، وفي أحوالٍ استثنائيةٍ يجوز للإمام أو مَن يقوم مَقامَه إن رأى مصلحةً أو ضرورةً دافعةً إلى إدخالها المسجدَ، فيجوز له ذلك خروجًا عن الأصل لقيامِ الحاجة، مع النكير ولو بأَضْعَفِ الإيمان: كالتي يُرْجى هدايتُها، أو كالسائلةِ عن أمور دينها وتحتاج إلى تبصيرها به، أو لِيَفكَّ النِّزاعَ مع زوجها.
ولكنَّه مع ذلك لا يُفوِّت الفُرْصةَ في نصيحتها بالاستقامة على الدِّين والتستُّرِ المأمورِ به، وغيرِ ذلك مِمَّا يراه الإمامُ أو مَن يقوم مَقامَه نافعًا لِدِينِها وعاقبةِ أَمْرِها.

وإنَّما اسْتُثْنِيَ ذلك خروجًا مِن أَصْلِ المنعِ عملًا بالقياس الأولويِّ في أنه إذا جازَ للمُشْرِك دخولُ المسجد بإذنِ الإمام ـ على أَرْجَحِ الأقوال في المسألة ـ فإنه يجوز للمسلم دخولُه مِن بابٍ أَوْلى، وخُبْثُ التبرُّجِ أَهْوَنُ مِن خُبْثِ الشركِ ونجاستِه المعنوية. ويدلُّ على جوازِ دخولِ المشركِ المسجدَ بإذنِ الإمامِ عِدَّةُ أحاديثَ منها:
  • ما رواه محمَّدُ بنُ جُبَيرٍ عن أبيهِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه ـ وكان جاءَ في أُسارَى بَدْرٍ ـ قال: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ»(ظ¥).
  • وفي روايةٍ: «أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِدَى بَدْرٍ ـ قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: فِي فِدَى المُشْرِكِينَ ـ وَمَا أَسْلَمَ يَوْمَئِذٍ، فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي المَغْرِبَ، فَقَرَأَ بِالطُّورِ؛ فَكَأَنَّمَا صُدِعَ عَنْ قَلْبِي»(ظ¦).
  • ومنها حديثُ أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي المَسْجِدِ»(ظ§).

قال ابنُ حزمٍ ـ رحمه الله ـ: «ودخولُ المشركين في جميعِ المساجدِ جائزٌ حاشا حَرَمَ مكَّةَ كُلَّه: المسجدَ وغيرَه، فلا يَحِلُّ ألبتَّةَ أن يدخله كافرٌ، وهو قولُ الشافعيِّ وأبي سليمان»(ظ¨).

ويدلُّ عليه قولُه تعالى: ï´؟إِنَّمَا ظ±لغ،مُشغ،رِكُونَ نَجَسظ‍ فَلَا يَقغ،رَبُواْ ظ±لغ،مَسغ،جِدَ ظ±لغ،حَرَامَ بَعغ،دَ عَامِهِمغ، هَظ°ذَاغڑï´¾ [التوبة: ظ¢ظ¨]؛ فإنَّ في الآيةِ تحريمَ دخولِ الكُفَّار والمشركين إلى المسجد الحرام، وتخصيصُ المسجدِ الحرامِ بالذِّكر في الآية الكريمةِ يدلُّ بالمفهوم على أنَّ غيره مِن المساجدِ ليس في حُكْمِه، ويتأيَّد بمنطوقِ الأحاديث السابقة.

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ظ¢ظ¤ شوَّال ظ،ظ¤ظ¢ظ¨ï»«
الموافق ï»ں: ظ*ظ¥ نوفمبر ظ¢ظ*ظ*ظ§م

المصدر: من موقع الشيخ فركوس


______________________________________________

(ظ،) أخرجه أحمد في «مسنده» (ظ¢ظ§ظ*ظ£ظ¨) مِن حديثِ أمِّ الدرداء رضي الله عنها. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الترغيب» (ظ،ظ¦ظ©). قال الهيثميُّ في «مَجْمَع الزوائد» (ظ،/ ظ¦ظ،ظ§): «رواه أحمد والطبرانيُّ في «الكبير» بأسانيدَ، ورِجالُ أَحَدِها رجالُ الصحيح»، وصحَّحه الألبانيُّ في «آداب الزفاف» (ظ¦ظ¨)، وانظر: «السلسلة الصحيحة» (ظ§/ ظ،ظ£ظ*ظ§) رقم: (ظ£ظ¤ظ¤ظ¢).

(ظ¢) أخرجه أبو داود في «اللباس» بابٌ في لُبْس الشهرة (ظ¤ظ*ظ£ظ،)، وأحمد (ظ¥ظ،ظ،ظ¤)، مِن حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وصحَّحه العراقيُّ في «تخريج الإحياء» (ظ،/ ظ£ظ¥ظ©)، وحسَّنه ابنُ حجر في «فتح الباري» (ظ،ظ*/ ظ¢ظ¨ظ¨)، والألبانيُّ في «الإرواء» (ظ،ظ¢ظ¦ظ©).

(ظ£) «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية (ظ،/ ظ¢ظ¤ظ،).

(ظ¤) أخرجه البخاريُّ في «اللباس» بابُ المتشبِّهين بالنساء والمتشبِّهاتِ بالرجال (ظ¥ظ¨ظ¨ظ¥) مِن حديث ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.

(ظ¥) أخرجه البخاريُّ في «الجهاد والسِّيَر» بابُ فِداءِ المُشْرِكين (ظ£ظ*ظ¥ظ*) مِن حديث جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه.

(ظ¦) أخرجه أحمد في «مسنده» (ظ،ظ¦ظ§ظ¦ظ¢)، والبيهقيُّ في «سننه» (ظ¤ظ£ظ£ظ£)، والطبرانيُّ في «الكبير» (ظ،ظ¥ظ*ظ¢)، مِن حديث جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه. والحديث صحَّحه الألبانيُّ في «الثمر المستطاب» (ظ،/ ظ§ظ§ظ¢).

(ظ§) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الصلاة» بابُ الاغتسال إذا أَسْلَمَ، وربطِ الأسير ـ أيضًا ـ في المسجد (ظ¤ظ¦ظ¢)، ومسلمٌ في «الجهاد والسِّيَر» (ظ،ظ§ظ¦ظ¤)، مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(ظ¨) «المحلَّى» لابن حزم (ظ¤/ ظ¤ظ¤ظ£).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق