بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فإنَّ للصلوات المفروضة على الأنبياء والمرسلين وعلى كافة المؤمنين في كل زمان ومكان لشأناً عظيماً، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والأوامر بإقامتها في الكتاب كثيرة جداً.
يقول الله فيها: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة).
لم يقل فيها: صلّوا، صلّوا، فلينتبه لذلك المؤمنون.
وسأورد في هذا البحث الموجز بعض النصوص النبوية، والآثار السلفية المبينة لكيفية إقامة الصلاة على الوجه المشروع والمحتم.
1-عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلِني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافا. رواه مسلم في صحيحه برقم: (432)
وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (28/ 327) حديث رقم (17102):
"حدثنا وكيع وأبو معاوية قالا ثنا الأعمش عن عمارة بن عمير التيمي عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة الأزدي عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة قال وكيع ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلِني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافا.
قال محققو المسند: "وأخرجه ابن أبي شيبة 1/351، ومن طريقه مسلم (432) (122)، وأخرجه أبو عوانة 2/41-42 من طريق علي بن حرب، كلاهما عن وكيع وأبي معاوية، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن خزيمة (1542)، وابن حبان (2172) من طريقين عن وكيع، به.
وأخرجه النسائي في "المجتبى" 2/87-88، وفي "الكبرى" (881)، والطبراني في "الكبير" 17/ (590) و (596) من طريقين عن أبي معاوية، به.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2430)، والحميدي (456)، ومسلم (432)، وأبو داود (674)، وابن ماجه (976)، والدارمي 1/290، وابن الجارود في "المنتقى" (315)، وابن خزيمة (1542)، وأبو عوانة 2/41-42، وابن حبان (2178)، والطبراني في "الكبير" 17/ (586) و (588) و (589) و (590) و (591) و (593) و (594) و (595) و (596)، والبيهقي في "السنن" 3/97 من طرق عن الأعمش، به".
هذا الحديث مهم جداً، ويستفاد منه وجوب تسوية الصفوف؛ لأن عدم تسوية الصفوف يؤدي إلى اختلاف القلوب، واختلاف القلوب يؤدي إلى أمور خطيرة، منها الاختلاف في العقائد والمناهج، ومنها أن هذا الاختلاف يؤدي إلى العداوة والعدوان وسفك الدماء، كما هو الواقع في السابق واللاحق.
فيجب على أئمة المساجد أن يهتموا بتسوية الصفوف والتأكيد الدائم على سد الخلل الذي تتخلله الشياطين، وتنبيه المصلين بما يؤدي إليه عدم تسوية الصفوف وعدم سد الخلل من المفاسد والمخاطر.
وفق الله أئمة المساجد والمأمومين إلى القيام الجاد بهذا الواجب العظيم، وتجنب التساهل فيه، فإن التساهل فيه يؤدي إلى المفاسد الخطيرة التي دلَّ عليها هذا الحديث والتي ألمحنا إليها.
كما يجب الاهتمام بتقديم أولي الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم؛ كما أمر بذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ونفذه أصحابه الكرام –رضي الله عنهم-.
2-وقال الإمام مسلم –رحمه الله- تحت رقم (432/123):
"حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي وصالح بن حاتم بن وردان قالا حدثنا يزيد بن زريع حدثني خالد الحذاء عن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلِني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثلاثا وإياكم وهيشات الأسواق
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (4373)، قال –رحمه الله-:
"حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ وَإِيَّاكُمْ وَهَوْشَاتِ الْأَسْوَاقِ".
قال محققو المسند: "وأخرجه أبو يعلى (5324) من طريق يونس بن محمد، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (432) (123)، وأبو داود (675)، والترمذي (228)، والدارمي 1/290، وأبو يعلى (5111) و (5325)، وابن خزيمة (1572)، وأبو عوانة 2/42، وابن حبان (2180)، والطبراني في "الكبير" (10041)، والبيهقي في "السنن " 3/96-97، والبغوي (821) من طرق عن يزيد بن زريع، بهذا الإسناد. قال الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح غريب.
أقول أبو معشر قد ضعف، لكن يشهد له حديث أبي مسعود السالف وحديث أبي بن كعب الآتي, فيرتقي بذلك الى درجة الصحيح.
قال الخطابي في "معالم السنن" 1/184-185: إنما أمر -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يليه ذوو الأحلام والنهى ليعقلوا عنه صلاته، ولكي يخلفوه في الإمامة إن حَدَثَ به حَدَثٌ في صلاته، وليرجع إلى قولهم إن أصابه سهو، أو عَرَضَ في صلاته عارض في نحو ذلك من الأمور".
3- وقال الإمام أحمد في مسنده تحت رقم (5724):
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، فَإِنَّمَا تَصُفُّونَ بِصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا، وَصَلَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى".
4- وقال الإمام أحمد في مسنده تحت رقم (22263):
حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، حَدَّثَنَا فَرَجٌ، حَدَّثَنَا لُقْمَانُ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ...-وساق كلامًا طويلاً ثم قال-
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، وَحَاذُوا بَيْنَ مَنَاكِبِكُمْ، وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحَذَفِ " يَعْنِي: أَوْلَادَ الضَّأْنِ الصِّغَارَ.
5- وقال الإمام النسائي في "سننه (2/92): (حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها)
ذكر تحته حديث رقم (814):
أخبرنا علي بن حجر أنبأنا إسماعيل عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال : أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بوجهه حين قام إلى الصلاة قبل أن يكبر فقال أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري.
6- وقال الإمام النسائي تحت الحديث رقم (815):
أخبرنا قتيبة قال حدثنا الفضيل بن عياض عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم قالوا وكيف تصف الملائكة عند ربهم قال يتمون الصف الأول ثم يتراصون في الصف".
انظروا إلى أوامره -صلى الله عليه وسلم- السديدة في هذه الأحاديث لابن عمر فمن بعده بالتأكيد على إقامة الصفوف، وأمر المصلين أن يحاذوا بين المناكب، وأمره لهم بسد الخلل، وأن يلينوا بأيدي إخوانهم، ونهيه لهم أن يدعو فرجات للشيطان.
ودعائه -صلى الله عليه وسلم- لمن وصل وصفًا أن يصله الله، ودعائه -صلى الله عليه وسلم- على من قطع صفًا أن يقطعه الله تبارك وتعالى.
7-وقال الإمام النسائي في "سننه" (2/88) حديث (808):
أخبرنا محمد بن عمر بن علي بن مقدم قال حدثنا يوسف بن يعقوب قال أخبرني التيمي عن أبي مجلز عن قيس بن عباد قال : بينا أنا في المسجد في الصف المقدم فجبذني رجل من خلفي جبذة فنحاني وقام مقامي، فو الله ما عقلت صلاتي، فلما انصرف فإذا هو أبي ابن كعب فقال: يا فتى لا يسؤك الله، إن هذا عهد من النبي صلى الله عليه وسلم إلينا أن نليه ، ثم استقبل القبلة، فقال: هلك أهل العقد ورب الكعبة ثلاثا، ثم قال: والله ما عليهم آسى، ولكن آسى على من أضلوا، قلت: يا أبا يعقوب ما يعني بأهل العقد؟ قال: الأمراء.
قلت: إسناده يتراوح ما بين الصحة والحسن، يوسف بن يعقوب قال عنه الحافظ: صدوق وقال الذهبي: ثقة، ومحمد بن عمر بن مقدم قال عنه الحافظ: صدوق، وقال الذهبي: وثقه النسائي.
وهو يرتقي إلى درجة الصحة بالإسناد التالي
قال الإمام أحمد في "مسنده" (35/186-187) تحت حديث رقم (21264): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جمرة حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ قَتَادَةَ عَنْ قَيْسٍ يَعْنِي ابْنَ عُبَادٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَسْقَطْتُهُ مِنْ كِتَابِي هُوَ عَنْ قَيْسٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ إِيَاسَ بْنَ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ...".
ثم ذكر الحديث بطوله.
قال محققو المسند: " إسناده صحيح( )، إياس بن قتادة قال في "التعجيل": روى عنه نصر بن عمران وأهل البصرة. وقال ابن سعد في "الطبقات" 7/128: كان ثقة قليل الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات" 4/53، وقال: كان مقدماً في بني تميم، وباقي رجال الإسناد ثقات من رجال الشيخين، غير سليمان بن داود -وهو الطيالسي- فمن رجال مسلم، أبو جمرة: هو نصر بن عمران.
وأخرجه عبد بن حميد (177)، والحاكم 4/526-527 من طريق محمد بن جعفر، بهذا الإسناد -ورواية عبد بن حميد مقتصرة على المرفوع منه.
وهو في "مسند الطيالسي" (555)، ومن طريقه أخرجه أبو القاسم البغوي في "الجعديات" (1291)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/252....
وأخرجه عبد الرزاق (2460)، والنسائي 2/88، وابن خزيمة (1573)، وابن حبان (2181)، والخطابي في "غريب الحديث" 2/318، والحاكم 1/214 و3/303 من طرق عن قبس بن عباد، به".
أقول: وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" أحاديث في تسوية الصفوف وإقامتها والتراص( ) فيها عدداً من الأحاديث من رقم (3544-3560).
8- عن أنس بن مالك.
9- والنعمان بن بشير.
10- والبراء بن عازب.
11- وأبي مسعود.
12- وعن أنس حديثاً آخر.
13- وعن أبي موسى –رضي الله عنهم-.
ثم نقل نصوصاً عن اهتمام الخلفاء الراشدين بتسوية الصفوف، وهم عمر وعثمان وعلي –رضي الله عنهم-، ثم عن بلال.
ونصه عن بلال قال: "كان يسوي مناكبنا وأقدامنا في الصلاة".
والظاهر أن بلالاً يعني بقوله: "كان يسوي...الخ" رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
14-ثم عن عبد الله بن مسعود، ومن قوله: " سووا صفوفكم" .
15-ثم عن إبراهيم قال: " كان يقال : سووا الصفوف وتراصوا، لا تتخللكم الشياطين، كأنهم بنات حذف".
وبقيت أحاديث وآثار، سيأتي ذكرها بعد الكلام على الآثار التالية.
ثم قال ابن أبي شيبة –رحمه الله- : باب إخراج الصبيان من الصف.
ثم ساق النصوص الآتية:
16-(4186)- حدثنا وكيع، عن مسعر، عن ابن صهيب، قال : "كان زر، وأبو وائل إذا رأونا في الصف، ونحن صبيان أخرجونا".
إسناد هذا الحديث صحيح.
ابن صهيب هو يزيد أبو عثمان ثقة، من الرابعة.
ومسعر ثقة ثبت، فاضل. ووكيع إمام.
وإذن فهذا الأثر صحيح ثابت عن زر بن حبيش وأبي وائل –رحمهما الله-.
17-(4187)- حدثنا وكيع، عن أبيه، عن هلال، عن عبد الله بن عكيم ؛ "أنه كان إذا رأى صبيا في الصف أخرجه".
الكلام على إسناد هذا الأثر:
عبد الله بن عكيم وثّقه الخطيب، قال: وترك( ) الجاهلية وسمع كتاب النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى جهينة "أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب".
ونقل الحافظ المزي ثناءً عليه، انظر "تهذيب الكمال" (15/317-320).
وهلال الوزان وثقه الإمام يحيى بن معين، نقل هذا التوثيق ابن أبي حاتم وأبوه وأقراه، انظر "الجرح والتعديل" (9/75).
ووثقه الذهبي في "الكاشف" والحافظ في "التقريب".
وأبو وكيع هو الجراح بن مليح، قال فيه الذهبي: وثقه أبو داود، وليّنه بعضهم، وقال الحافظ: صدوق يهم.
ولابن معين فيه عدة أقوال؛ ضعّفه في رواية، وفي رواية قال: ليس به بأس.
وفي رواية ثالثة قال: ثقة، ووثقه أبو الوليد.
وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن عدي: ليس به بأس، وهو صدوق، لم أجد في حديثه منكراً فأذكره.
وقال الدارقطني: ليس بشيء، هو كثير الوهم". انظر "تهذيب التهذيب" (2/67).
أقول: اشتد عليه الدارقطني –رحمه الله-، والظاهر أن حديثه لا ينزل عن درجة الحسن، وابنه وكيع إمام.
18-(4188)- وقال ابن أبي شيبة: حدثنا عبيد الله، عن أبان العطار، عن أبي هاشم، عن إبراهيم ؛ "أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى غلاما في الصف أخرجه".
أقول: إبراهيم هو ابن عبد الرحمن بن عوف: ثقة.
قال الحافظ: قيل له رؤية وسماعه من عمر أثبته يعقوب بن شيبة.
وجزم المزي بروايته عن عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة، ونقل توثيقه عن العجلي، ويعقوب بن شيبة، قال المزي: وزاد (يعني يعقوب): يعد في الطبقة الأولى من التابعين، ونقل المحشي على "تهذيب الكمال" توثيقه عن النسائي في "الكنى"، وعن ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن خلفون: وثق، وقيل فيه: ثبت. انظر "تهذيب الكمال" (2/135).
أبو هاشم يحتمل أن يكون هو إسماعيل بن كثير الحجازي المكي، وهو ثقة من الطبقة السادسة.
ويحتمل أن يكون هو يحيى بن دينار الواسطي، وهو الأرجح في نظري، وهو ثقة من الطبقة السادسة.
وأبان هو ابن يزيد العطار، ثقة من الطبقة السابعة.
وعبيد الله هو ابن موسى العبسي الكوفي، ثقة، كان يتشيع، من التاسعة.
وعلى هذا فإنا نجزم بصحة هذا الأثر عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-.
19-(4189)- وقال: حدثنا شريك بن عبد الله، عن يحيى بن هانئ المرادي، عن رجل من قومه ؛ أن حذيفة كان يفرق بين الصبيان في الصف، أو قال : في الصلاة.
شريك بن عبد الله هو النخعي الكوفي صدوق يخطئ كثيراً، لكنه أعلم بحديث الكوفيين من سفيان الثوري، وشيخه كوفي ثقة، نقل هذا الذهبي عن ابن المبارك.
ومع هذا، فهذا الأثر ضعيف؛ لأن في إسناده راوياً مجهولاً.
ويكفينا عمل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في إخراج الغلمان من الصف في الصلاة.
فلا يبعد أن هذا العمل منه تطبيق لقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ليلِني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
فاللام في "لِيلني" للأمر، والأمر يقتضي الوجوب، ولا يوجد حديث يصرفه إلى الاستحباب.
ويؤكد عمل عمر –رضي الله عنه- عمل التابعيين الجليلين: زر بن حبيش وأبي وائل شقيق بن سلمة، وهما من كبار التابعين، ومن المخضرمين، وكلاهما يروي عن عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة، فلعل عملهما مأخوذ من حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ومن عمل الخليفة الراشد عمر –رضي الله عنه-.
وكفى برسول الله وخليفته الراشد أسوة حسنة.
وفق الله المسلمين جميعاً للتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم –صلى الله عليه وسلم-.
بقية النصوص الحاثة بقوة على التراص في الصفوف، التي وعدنا بذكرها من مصنف ابن أبي شيبة.
قال الإمام ابن أبي شيبة في المصنف:
"ما قالوا في إقامة الصف.
20- (3544)- حدثنا هشيم بن بشير، قال : أخبرنا حميد، عن أنس، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اعتدلوا في صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري، قال أنس : لقد رأيت أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، ولو ذهبت تفعل ذلك لترى أحدهم كأنه بغل شموس.
صحيح لصحة إسناده.
وهذا النص فيه تطبيق الصحابة الكرام لأوامر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالاعتدال في الصفوف والتراص فيها، والمراد بالتراص: إلصاق الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب.
21- (3545)- حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير، قال : لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وإنه ليقوم الصفوف كما تقوم القداح، فأبصر يوما صدر رجل خارجا من الصف، فقال : لتقيمن صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم.
وأخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" برقم (717).
قال –رحمه الله-: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ
وأخرج الإمام مسلم هذا الحديث من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار.
قال –رحمه الله-: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر عن شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى وبن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت سالم بن أبي الجعد الغطفاني، قال: سمعت النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم.
ثم أخرجه مرة أخرى.
قال –رحمه الله-: "حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوما فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلا باديا صدره من الصف، فقال: عباد الله لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم.
حدثنا حسن بن الربيع وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا أبو الأحوص ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة بهذا الإسناد نحوه".
وهما تحت رقم (436).
انظر أيها المسلم إلى شدة اهتمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتسوية الصفوف، فلنتأس به، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
22- (3546)- حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الحسن بن عبيد الله، عن طلحة، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقيموا صفوفكم لا يتخللكم الشياطين كأولاد الحذف، قيل : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أولاد الحذف ؟ قال : ضأن سود جرد تكون بأرض اليمن.
ثم نقل ابن أبي شيبة بعده حديث أبي مسعود.
وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (30/583) حديث (18618).
أقول: ولا تتحقق تسوية الصفوف إلا بسد الخلل وإلصاق الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب.
ثم قال:
23- (3548)- حدثنا وكيع، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقيموا صفوفكم، فإن من حسن الصلاة إقامة الصف.
إسناده صحيح.
24- (3549)- حدثنا أبو أسامة، عن سعيد، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال : صلى بنا أبو موسى الأشعري، فلما انفتل قال : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم خطبنا، فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال : إذا صليتم فأقيموا صفوفكم.
أخرجه مسلم ضمن حديث طويل، انظر حديث رقم (404).
25-(3550)- حدثنا وكيع، عن عمران بن حدير، عن أبي عثمان، قال : كنت فيمن يقيم عمر بن الخطاب قدامه لإقامة الصف.
إسناده صحيح.
26-(3551)- حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن الأصبهاني، عن عبد الله ابن شداد ؛ أن عمر رأى في الصف شيئا، فقال بيده هكذا، يعني وكيع، فعدله.
إسناد هذا الأثر صحيح.
1-عبد الله بن شداد بن الهادي من الرواة عن عمر، وهو ثقة، قال الحافظ ابن حجر: ولد على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ذكره العجلي في كبار التابعين الثقات، وكان معدوداً في الفقهاء.
وقال الذهبي في "الكاشف": ثقة، وذكر أنه روى عن عمر.
2- وابن الأصبهاني هو عبد الرحمن بن عبد الله الأصبهاني، قال الذهبي في "الكاشف": ثبت. وقال الحافظ في "التقريب": ثقة".
وسفيان هو الثوري. وهو ووكيع من كبار الأئمة.
وهذان النصان يدلان على اهتمام الخليفة الراشد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- بإقامة صفوف المصلين وتعديلها لإدراكه أهمية ذلك.
27-(3552)- حدثنا ابن إدريس، عن مالك بن أنس، عن سالم أبي النضر، عن مالك بن أبي عامر، قال : سمعت عثمان وهو يقول: استووا وحاذوا بين المناكب، فإن من تمام الصلاة إقامة الصف، قال: وكان لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بإقامة الصفوف.
إسناد هذا الأثر صحيح.
مالك بن أبي عامر الأصبحي هو جد مالك بن أنس الإمام، وهو ثقة، كما قال الحافظ في "التقريب"، وذكر في "تهذيب التهذيب" أن النسائي قال فيه: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن سعد: كان ثقة.
وسالم بن أبي النضر أبو النضر ثقة، ثبت، وكان يرسل، وليس هنا إرسال، لأنه من الرواة مباشرة عن أبي عامر. ومالك هو الإمام. وعبد الله بن إدريس الأودي ثقة، فقيه، عابد، كما في "التقريب". وقال الذهبي في "الكاشف": أحد الأعلام، قال أحمد فيه كان نسيج وحده.
وهذا الخليفة الراشد عثمان بن عفان –رضي الله عنه- يأمر المصلين:
1-باستواء المصلين في صفوفهم
2- وبأن يحاذوا بين مناكبهم ولا يتم ذلك إلا بإلصاق الكعاب بالكعاب.
3- ثم يصرِّح بأن من تمام الصلاة إقامة الصف.
4- وما يكتفي بهذه التوجيهات الجادة، بل يزيد عليها بأنه كان لا يُكبِّر حتى يأتيه رجال قد وكّلهم بإقامة الصفوف.
وكل هذا من هذا الخليفة انطلاق من تنفيذ أوامر الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- الدالة على وجوب تسوية الصفوف بإلصاق الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب والقيام بسد الخلل؛ دفعا لتخلل الشياطين الثغرات التي قد تحصل بتساهل بعض المصلين.
28-(3553)- وقال: حدثنا أبو خالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن الحارث، وأصحاب علي قالوا : كان علي يقول : استووا تستو قلوبكم، وتراصوا تراحموا.
هذا الأثر عن علي –رضي الله عنه- ضعيف للطعن في الحارث بالكذب والرفض، ولضعف مجالد.
وللأمر بالتراص والاستواء في الصفوف شواهد ترفعهما إلى درجة الحسن.
ولا نشك في الخليفة الراشد علي –رضي الله عنه- أنه كان يهتم بتسوية الصفوف والتراص فيها أشد الاهتمام تطبيقاً لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وسيراً على منهج سلفه من الخلفاء.
29-(3554)- حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، عن عمران، عن سويد، عن بلال، قال : كان يسوي مناكبنا وأقدامنا في الصلاة.
سويد بن غفلة، قال فيه الحافظ الذهبي: ولد عام الفيل، وقدم المدينة حين دفنوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ... ثقة إمام، زاهد قوام .
وقال الحافظ في "التقريب": مخضرم من الثانية من كبار التابعين، قدم المدينة يوم دفن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان مسلما في حياته .
وعمران هو ابن مسلم الجعفي، قال الحافظ ابن حجر: ثقة . ووثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين . انظر "الجرح والتعديل" (6/304).
والأعمش هو سليمان بن مهران الثقة الحافظ، إلا أنه يدلس.
وابن نمير هو عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي، قال فيه الحافظ ابن حجر: ثقة، صاحب حديث، من أهل السنة. وقال الذهبي فيه: "حجة".
فأرجو أن يكون هذا الحديث صحيحاً، لا سيما وله شواهد كثيرة.
وقول الراوي: "قال بلال" بمعنى أن بلالاً يروي هذا الحديث الشريف الذي فيه اهتمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتسوية الصفوف في الصلاة وأمر أصحابه بتسوية مناكبهم وأقدامهم في الصلاة، ولقد امتثل أصحابه الكرام بتوجيهات نبيهم، فكانوا يلصقون الأقدام بالأقدام والمناكب بالمناكب .
30- (3555)- حدثنا أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الأحوص، قال : قال عبد الله : سووا صفوفكم.
إسناد هذا الأثر صحيح.
عبدالله في هذا الأثر هو الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود، ومراده بتسوية الصفوف اعتدالها مع إلصاق الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب امتثالا لأوامر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيراً على نهج إخوانه من الصحابة الكرام، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون .
31-(3556)- حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: كان يقال : سووا الصفوف وتراصوا، لا تتخللكم الشياطين، كأنهم بنات حذف.
إبراهيم هنا هو النخعي أو التيمي، والإسناد إلى أحدهما صحيح، فقوله: "كان يقال" يقصد الصحابة وكبار التابعين .
32-(3557)- حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن أبي عثمان، قال: ما رأيت أحدا كان أشد تعاهدا للصف من عمر، إن كان ليستقبل القبلة حتى إذا قلنا قد كبر، التفت فنظر إلى المناكب والأقدام، وإن كان يبعث رجالا يطردون الناس حتى يلحقوهم بالصفوف.
هذا الأثر عن عمر –رضي الله عنه- صحيح.
أبو عثمان هو النهدي، تابعي مخضرم، أسلم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يلقه، وهو من الرواة عن عمر -رضي الله عنه- وعن غيره من الصحابة، وعاصم هو الأحول ثقة، وأبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير ثقة .
وهذا من الأدلة على شدة اهتمام هذا الخليفة الراشد بتسوية الصفوف وإلصاق المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام وشدة تعاهده لذلك؛ تنفيذا لأوامر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتوجيهاته الرشيدة .
33-(3558)- حدثنا أبو خالد الأحمر، عن مجاهد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يضحك الله إلى ثلاثة : القوم إذا صفوا في الصلاة، وإلى الرجل يقاتل وراء أصحابه، وإلى الرجل يقوم في سواد الليل.
هذا الحديث ضعيف.
أبو الوداك هو جبر بن نوف صدوق، يهم، ومجاهد هو ابن جبر الثقة، الإمام في التفسير، وأبو خالد الأحمر هو سليمان بن حيان الأزدي صدوق يخطئ. ولكن لقوله: "...إذا صفوا" شواهد.
34-(3559)- حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : يتمون الصفوف الأولى، ويتراصون في الصف.
وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (34/488) حديث (20964)، ومسلم في صحيحه" حديث (430)، وابن ماجه في "سننه" حديث (992).
هذا الحديث صحيح رواته ثقات.
تميم بن طرفة هو الطائي ثقة من الثالثة، والمسيب بن رافع ثقة من الرابعة، والأعمش وأبو معاوية ثقتان.
والحديث فيه حث على التأسي بالملائكة في صلاتهم؛ حيث يتمون الصفوف الأولى، ويتراصون في الصف بإلصاق المناكب بالمناكب وإلصاق الأقدام بالأقدام.
35-(3560)- حدثنا شبابة، عن ابن أبي ذئب، عن عجلان، عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سووا صفوفكم، وأحسنوا ركوعكم وسجودكم.
لتسوية الصفوف في هذا الحديث شواهد، يرقى بها إلى درجة الصحة.
وإحسان الركوع والسجود أمر مطلوب، ويدل على وجوب إحسانهما أمره –صلى الله عليه وسلم- للمسيء صلاته بإعادة صلاته، وقوله: "ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا".
عجلان هو المدني مولى المشمعل، قال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات. وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن ثقة، فقيه، فاضل. وشبابة هو ابن سوار ثقة، حافظ، رمي بالإرجاء.
36-قال الإمام أحمد في "مسنده" (37/531):
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ لِقَوْمِهِ: أَلَا أُصَلِّي لَكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَفَّ الرِّجَالُ ثُمَّ صَفَّ الْوِلْدَانُ خَلْفَ الرِّجَالِ ثُمَّ صَفَّ النِّسَاءُ خَلْفَ الْوِلْدَانِ.
وأخرجه مرة أخرى ضمن حديث طويل في (37/540-541).
إسناده إلى الصحابي أبي مالك حسن.
1-عبد الرحمن بن غنم، قال الحافظ: مختلف في صحبته، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين.
وقال الحافظ الذهبي: يقال له صحبة...من الفقهاء العلماء، فقّه الشاميين.
2-شهر بن حوشب، قال فيه الحافظ بن حجر: شهر بن حوشب الأشعري الشامي، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير الإرسال والأوهام، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة، بخ م 4.
وقال فيه الحافظ الذهبي: شهر بن حوشب الشامي عن مولاته أسماء بنت يزيد وأبي هريرة وابن عباس وعنه مطر الوراق وثابت وعبدالحميد بن بهرام، روى شبابة عن شعبة: لقيت شهرا فلم أعتد به، وقال النسائي: ليس بالقوي، ووثقه أحمد وابن معين، وقال أبو حاتم: ليس بدون أبي الزبير. 4م قرنه.
هذا الحديث حسن إذ رواية شهر عن مولاته أسماء وأبي هريرة ثابتة، بعيدة عن الإرسال، وهو ثقة عند الإمام أحمد وابن معين، وأثنى الإمام أحمد على أحاديثه.
ويشهد لهذا الحديث حديث أبي مسعود وابن مسعود: " ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
فيرتقي بهذين الشاهدين إلى درجة الصحيح لغيره.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفق المسلمين للتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، والعمل بما فيهما من نصوص في عقائدهم وأخلاقهم وعباداتهم، ولا سيما الصلاة التي هي الركن الثاني بعد الشهادتين، وأن يوفقهم لتطبيق هذه النصوص التي وردتْ في هذا البحث الدالة على أهمية الصلاة ومكانتها، والتي تدل على اهتمام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام بها، إن ربي لسميع الدعاء.
وصلى الله على رسولنا الكريم وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه : ربيع بن هادي عمير
19/11/1436هـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فإنَّ للصلوات المفروضة على الأنبياء والمرسلين وعلى كافة المؤمنين في كل زمان ومكان لشأناً عظيماً، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، والأوامر بإقامتها في الكتاب كثيرة جداً.
يقول الله فيها: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة).
لم يقل فيها: صلّوا، صلّوا، فلينتبه لذلك المؤمنون.
وسأورد في هذا البحث الموجز بعض النصوص النبوية، والآثار السلفية المبينة لكيفية إقامة الصلاة على الوجه المشروع والمحتم.
1-عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلِني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافا. رواه مسلم في صحيحه برقم: (432)
وقال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (28/ 327) حديث رقم (17102):
"حدثنا وكيع وأبو معاوية قالا ثنا الأعمش عن عمارة بن عمير التيمي عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة الأزدي عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة قال وكيع ويقول استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلِني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال أبو مسعود فأنتم اليوم أشد اختلافا.
قال محققو المسند: "وأخرجه ابن أبي شيبة 1/351، ومن طريقه مسلم (432) (122)، وأخرجه أبو عوانة 2/41-42 من طريق علي بن حرب، كلاهما عن وكيع وأبي معاوية، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن خزيمة (1542)، وابن حبان (2172) من طريقين عن وكيع، به.
وأخرجه النسائي في "المجتبى" 2/87-88، وفي "الكبرى" (881)، والطبراني في "الكبير" 17/ (590) و (596) من طريقين عن أبي معاوية، به.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2430)، والحميدي (456)، ومسلم (432)، وأبو داود (674)، وابن ماجه (976)، والدارمي 1/290، وابن الجارود في "المنتقى" (315)، وابن خزيمة (1542)، وأبو عوانة 2/41-42، وابن حبان (2178)، والطبراني في "الكبير" 17/ (586) و (588) و (589) و (590) و (591) و (593) و (594) و (595) و (596)، والبيهقي في "السنن" 3/97 من طرق عن الأعمش، به".
هذا الحديث مهم جداً، ويستفاد منه وجوب تسوية الصفوف؛ لأن عدم تسوية الصفوف يؤدي إلى اختلاف القلوب، واختلاف القلوب يؤدي إلى أمور خطيرة، منها الاختلاف في العقائد والمناهج، ومنها أن هذا الاختلاف يؤدي إلى العداوة والعدوان وسفك الدماء، كما هو الواقع في السابق واللاحق.
فيجب على أئمة المساجد أن يهتموا بتسوية الصفوف والتأكيد الدائم على سد الخلل الذي تتخلله الشياطين، وتنبيه المصلين بما يؤدي إليه عدم تسوية الصفوف وعدم سد الخلل من المفاسد والمخاطر.
وفق الله أئمة المساجد والمأمومين إلى القيام الجاد بهذا الواجب العظيم، وتجنب التساهل فيه، فإن التساهل فيه يؤدي إلى المفاسد الخطيرة التي دلَّ عليها هذا الحديث والتي ألمحنا إليها.
كما يجب الاهتمام بتقديم أولي الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم؛ كما أمر بذلك رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ونفذه أصحابه الكرام –رضي الله عنهم-.
2-وقال الإمام مسلم –رحمه الله- تحت رقم (432/123):
"حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي وصالح بن حاتم بن وردان قالا حدثنا يزيد بن زريع حدثني خالد الحذاء عن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليلِني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثلاثا وإياكم وهيشات الأسواق
وأخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (4373)، قال –رحمه الله-:
"حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ وَإِيَّاكُمْ وَهَوْشَاتِ الْأَسْوَاقِ".
قال محققو المسند: "وأخرجه أبو يعلى (5324) من طريق يونس بن محمد، بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم (432) (123)، وأبو داود (675)، والترمذي (228)، والدارمي 1/290، وأبو يعلى (5111) و (5325)، وابن خزيمة (1572)، وأبو عوانة 2/42، وابن حبان (2180)، والطبراني في "الكبير" (10041)، والبيهقي في "السنن " 3/96-97، والبغوي (821) من طرق عن يزيد بن زريع، بهذا الإسناد. قال الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح غريب.
أقول أبو معشر قد ضعف، لكن يشهد له حديث أبي مسعود السالف وحديث أبي بن كعب الآتي, فيرتقي بذلك الى درجة الصحيح.
قال الخطابي في "معالم السنن" 1/184-185: إنما أمر -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يليه ذوو الأحلام والنهى ليعقلوا عنه صلاته، ولكي يخلفوه في الإمامة إن حَدَثَ به حَدَثٌ في صلاته، وليرجع إلى قولهم إن أصابه سهو، أو عَرَضَ في صلاته عارض في نحو ذلك من الأمور".
3- وقال الإمام أحمد في مسنده تحت رقم (5724):
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، فَإِنَّمَا تَصُفُّونَ بِصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا، وَصَلَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى".
4- وقال الإمام أحمد في مسنده تحت رقم (22263):
حَدَّثَنَا هَاشِمٌ، حَدَّثَنَا فَرَجٌ، حَدَّثَنَا لُقْمَانُ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ...-وساق كلامًا طويلاً ثم قال-
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، وَحَاذُوا بَيْنَ مَنَاكِبِكُمْ، وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحَذَفِ " يَعْنِي: أَوْلَادَ الضَّأْنِ الصِّغَارَ.
5- وقال الإمام النسائي في "سننه (2/92): (حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها)
ذكر تحته حديث رقم (814):
أخبرنا علي بن حجر أنبأنا إسماعيل عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال : أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بوجهه حين قام إلى الصلاة قبل أن يكبر فقال أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري.
6- وقال الإمام النسائي تحت الحديث رقم (815):
أخبرنا قتيبة قال حدثنا الفضيل بن عياض عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة قال خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم قالوا وكيف تصف الملائكة عند ربهم قال يتمون الصف الأول ثم يتراصون في الصف".
انظروا إلى أوامره -صلى الله عليه وسلم- السديدة في هذه الأحاديث لابن عمر فمن بعده بالتأكيد على إقامة الصفوف، وأمر المصلين أن يحاذوا بين المناكب، وأمره لهم بسد الخلل، وأن يلينوا بأيدي إخوانهم، ونهيه لهم أن يدعو فرجات للشيطان.
ودعائه -صلى الله عليه وسلم- لمن وصل وصفًا أن يصله الله، ودعائه -صلى الله عليه وسلم- على من قطع صفًا أن يقطعه الله تبارك وتعالى.
7-وقال الإمام النسائي في "سننه" (2/88) حديث (808):
أخبرنا محمد بن عمر بن علي بن مقدم قال حدثنا يوسف بن يعقوب قال أخبرني التيمي عن أبي مجلز عن قيس بن عباد قال : بينا أنا في المسجد في الصف المقدم فجبذني رجل من خلفي جبذة فنحاني وقام مقامي، فو الله ما عقلت صلاتي، فلما انصرف فإذا هو أبي ابن كعب فقال: يا فتى لا يسؤك الله، إن هذا عهد من النبي صلى الله عليه وسلم إلينا أن نليه ، ثم استقبل القبلة، فقال: هلك أهل العقد ورب الكعبة ثلاثا، ثم قال: والله ما عليهم آسى، ولكن آسى على من أضلوا، قلت: يا أبا يعقوب ما يعني بأهل العقد؟ قال: الأمراء.
قلت: إسناده يتراوح ما بين الصحة والحسن، يوسف بن يعقوب قال عنه الحافظ: صدوق وقال الذهبي: ثقة، ومحمد بن عمر بن مقدم قال عنه الحافظ: صدوق، وقال الذهبي: وثقه النسائي.
وهو يرتقي إلى درجة الصحة بالإسناد التالي
قال الإمام أحمد في "مسنده" (35/186-187) تحت حديث رقم (21264): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جمرة حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ قَتَادَةَ عَنْ قَيْسٍ يَعْنِي ابْنَ عُبَادٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَسْقَطْتُهُ مِنْ كِتَابِي هُوَ عَنْ قَيْسٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ إِيَاسَ بْنَ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ...".
ثم ذكر الحديث بطوله.
قال محققو المسند: " إسناده صحيح( )، إياس بن قتادة قال في "التعجيل": روى عنه نصر بن عمران وأهل البصرة. وقال ابن سعد في "الطبقات" 7/128: كان ثقة قليل الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات" 4/53، وقال: كان مقدماً في بني تميم، وباقي رجال الإسناد ثقات من رجال الشيخين، غير سليمان بن داود -وهو الطيالسي- فمن رجال مسلم، أبو جمرة: هو نصر بن عمران.
وأخرجه عبد بن حميد (177)، والحاكم 4/526-527 من طريق محمد بن جعفر، بهذا الإسناد -ورواية عبد بن حميد مقتصرة على المرفوع منه.
وهو في "مسند الطيالسي" (555)، ومن طريقه أخرجه أبو القاسم البغوي في "الجعديات" (1291)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/252....
وأخرجه عبد الرزاق (2460)، والنسائي 2/88، وابن خزيمة (1573)، وابن حبان (2181)، والخطابي في "غريب الحديث" 2/318، والحاكم 1/214 و3/303 من طرق عن قبس بن عباد، به".
أقول: وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" أحاديث في تسوية الصفوف وإقامتها والتراص( ) فيها عدداً من الأحاديث من رقم (3544-3560).
8- عن أنس بن مالك.
9- والنعمان بن بشير.
10- والبراء بن عازب.
11- وأبي مسعود.
12- وعن أنس حديثاً آخر.
13- وعن أبي موسى –رضي الله عنهم-.
ثم نقل نصوصاً عن اهتمام الخلفاء الراشدين بتسوية الصفوف، وهم عمر وعثمان وعلي –رضي الله عنهم-، ثم عن بلال.
ونصه عن بلال قال: "كان يسوي مناكبنا وأقدامنا في الصلاة".
والظاهر أن بلالاً يعني بقوله: "كان يسوي...الخ" رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
14-ثم عن عبد الله بن مسعود، ومن قوله: " سووا صفوفكم" .
15-ثم عن إبراهيم قال: " كان يقال : سووا الصفوف وتراصوا، لا تتخللكم الشياطين، كأنهم بنات حذف".
وبقيت أحاديث وآثار، سيأتي ذكرها بعد الكلام على الآثار التالية.
ثم قال ابن أبي شيبة –رحمه الله- : باب إخراج الصبيان من الصف.
ثم ساق النصوص الآتية:
16-(4186)- حدثنا وكيع، عن مسعر، عن ابن صهيب، قال : "كان زر، وأبو وائل إذا رأونا في الصف، ونحن صبيان أخرجونا".
إسناد هذا الحديث صحيح.
ابن صهيب هو يزيد أبو عثمان ثقة، من الرابعة.
ومسعر ثقة ثبت، فاضل. ووكيع إمام.
وإذن فهذا الأثر صحيح ثابت عن زر بن حبيش وأبي وائل –رحمهما الله-.
17-(4187)- حدثنا وكيع، عن أبيه، عن هلال، عن عبد الله بن عكيم ؛ "أنه كان إذا رأى صبيا في الصف أخرجه".
الكلام على إسناد هذا الأثر:
عبد الله بن عكيم وثّقه الخطيب، قال: وترك( ) الجاهلية وسمع كتاب النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى جهينة "أن لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب".
ونقل الحافظ المزي ثناءً عليه، انظر "تهذيب الكمال" (15/317-320).
وهلال الوزان وثقه الإمام يحيى بن معين، نقل هذا التوثيق ابن أبي حاتم وأبوه وأقراه، انظر "الجرح والتعديل" (9/75).
ووثقه الذهبي في "الكاشف" والحافظ في "التقريب".
وأبو وكيع هو الجراح بن مليح، قال فيه الذهبي: وثقه أبو داود، وليّنه بعضهم، وقال الحافظ: صدوق يهم.
ولابن معين فيه عدة أقوال؛ ضعّفه في رواية، وفي رواية قال: ليس به بأس.
وفي رواية ثالثة قال: ثقة، ووثقه أبو الوليد.
وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن عدي: ليس به بأس، وهو صدوق، لم أجد في حديثه منكراً فأذكره.
وقال الدارقطني: ليس بشيء، هو كثير الوهم". انظر "تهذيب التهذيب" (2/67).
أقول: اشتد عليه الدارقطني –رحمه الله-، والظاهر أن حديثه لا ينزل عن درجة الحسن، وابنه وكيع إمام.
18-(4188)- وقال ابن أبي شيبة: حدثنا عبيد الله، عن أبان العطار، عن أبي هاشم، عن إبراهيم ؛ "أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى غلاما في الصف أخرجه".
أقول: إبراهيم هو ابن عبد الرحمن بن عوف: ثقة.
قال الحافظ: قيل له رؤية وسماعه من عمر أثبته يعقوب بن شيبة.
وجزم المزي بروايته عن عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة، ونقل توثيقه عن العجلي، ويعقوب بن شيبة، قال المزي: وزاد (يعني يعقوب): يعد في الطبقة الأولى من التابعين، ونقل المحشي على "تهذيب الكمال" توثيقه عن النسائي في "الكنى"، وعن ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن خلفون: وثق، وقيل فيه: ثبت. انظر "تهذيب الكمال" (2/135).
أبو هاشم يحتمل أن يكون هو إسماعيل بن كثير الحجازي المكي، وهو ثقة من الطبقة السادسة.
ويحتمل أن يكون هو يحيى بن دينار الواسطي، وهو الأرجح في نظري، وهو ثقة من الطبقة السادسة.
وأبان هو ابن يزيد العطار، ثقة من الطبقة السابعة.
وعبيد الله هو ابن موسى العبسي الكوفي، ثقة، كان يتشيع، من التاسعة.
وعلى هذا فإنا نجزم بصحة هذا الأثر عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-.
19-(4189)- وقال: حدثنا شريك بن عبد الله، عن يحيى بن هانئ المرادي، عن رجل من قومه ؛ أن حذيفة كان يفرق بين الصبيان في الصف، أو قال : في الصلاة.
شريك بن عبد الله هو النخعي الكوفي صدوق يخطئ كثيراً، لكنه أعلم بحديث الكوفيين من سفيان الثوري، وشيخه كوفي ثقة، نقل هذا الذهبي عن ابن المبارك.
ومع هذا، فهذا الأثر ضعيف؛ لأن في إسناده راوياً مجهولاً.
ويكفينا عمل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في إخراج الغلمان من الصف في الصلاة.
فلا يبعد أن هذا العمل منه تطبيق لقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ليلِني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
فاللام في "لِيلني" للأمر، والأمر يقتضي الوجوب، ولا يوجد حديث يصرفه إلى الاستحباب.
ويؤكد عمل عمر –رضي الله عنه- عمل التابعيين الجليلين: زر بن حبيش وأبي وائل شقيق بن سلمة، وهما من كبار التابعين، ومن المخضرمين، وكلاهما يروي عن عمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة، فلعل عملهما مأخوذ من حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ومن عمل الخليفة الراشد عمر –رضي الله عنه-.
وكفى برسول الله وخليفته الراشد أسوة حسنة.
وفق الله المسلمين جميعاً للتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم –صلى الله عليه وسلم-.
بقية النصوص الحاثة بقوة على التراص في الصفوف، التي وعدنا بذكرها من مصنف ابن أبي شيبة.
قال الإمام ابن أبي شيبة في المصنف:
"ما قالوا في إقامة الصف.
20- (3544)- حدثنا هشيم بن بشير، قال : أخبرنا حميد، عن أنس، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اعتدلوا في صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري، قال أنس : لقد رأيت أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه، ولو ذهبت تفعل ذلك لترى أحدهم كأنه بغل شموس.
صحيح لصحة إسناده.
وهذا النص فيه تطبيق الصحابة الكرام لأوامر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالاعتدال في الصفوف والتراص فيها، والمراد بالتراص: إلصاق الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب.
21- (3545)- حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير، قال : لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وإنه ليقوم الصفوف كما تقوم القداح، فأبصر يوما صدر رجل خارجا من الصف، فقال : لتقيمن صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم.
وأخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" برقم (717).
قال –رحمه الله-: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ
وأخرج الإمام مسلم هذا الحديث من طريق أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار.
قال –رحمه الله-: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر عن شعبة ح وحدثنا محمد بن المثنى وبن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت سالم بن أبي الجعد الغطفاني، قال: سمعت النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم.
ثم أخرجه مرة أخرى.
قال –رحمه الله-: "حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ثم خرج يوما فقام حتى كاد يكبر فرأى رجلا باديا صدره من الصف، فقال: عباد الله لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم.
حدثنا حسن بن الربيع وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا أبو الأحوص ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو عوانة بهذا الإسناد نحوه".
وهما تحت رقم (436).
انظر أيها المسلم إلى شدة اهتمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتسوية الصفوف، فلنتأس به، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا).
22- (3546)- حدثنا أبو خالد الأحمر، عن الحسن بن عبيد الله، عن طلحة، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقيموا صفوفكم لا يتخللكم الشياطين كأولاد الحذف، قيل : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أولاد الحذف ؟ قال : ضأن سود جرد تكون بأرض اليمن.
ثم نقل ابن أبي شيبة بعده حديث أبي مسعود.
وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (30/583) حديث (18618).
أقول: ولا تتحقق تسوية الصفوف إلا بسد الخلل وإلصاق الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب.
ثم قال:
23- (3548)- حدثنا وكيع، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقيموا صفوفكم، فإن من حسن الصلاة إقامة الصف.
إسناده صحيح.
24- (3549)- حدثنا أبو أسامة، عن سعيد، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال : صلى بنا أبو موسى الأشعري، فلما انفتل قال : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم خطبنا، فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا، فقال : إذا صليتم فأقيموا صفوفكم.
أخرجه مسلم ضمن حديث طويل، انظر حديث رقم (404).
25-(3550)- حدثنا وكيع، عن عمران بن حدير، عن أبي عثمان، قال : كنت فيمن يقيم عمر بن الخطاب قدامه لإقامة الصف.
إسناده صحيح.
26-(3551)- حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن الأصبهاني، عن عبد الله ابن شداد ؛ أن عمر رأى في الصف شيئا، فقال بيده هكذا، يعني وكيع، فعدله.
إسناد هذا الأثر صحيح.
1-عبد الله بن شداد بن الهادي من الرواة عن عمر، وهو ثقة، قال الحافظ ابن حجر: ولد على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ذكره العجلي في كبار التابعين الثقات، وكان معدوداً في الفقهاء.
وقال الذهبي في "الكاشف": ثقة، وذكر أنه روى عن عمر.
2- وابن الأصبهاني هو عبد الرحمن بن عبد الله الأصبهاني، قال الذهبي في "الكاشف": ثبت. وقال الحافظ في "التقريب": ثقة".
وسفيان هو الثوري. وهو ووكيع من كبار الأئمة.
وهذان النصان يدلان على اهتمام الخليفة الراشد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- بإقامة صفوف المصلين وتعديلها لإدراكه أهمية ذلك.
27-(3552)- حدثنا ابن إدريس، عن مالك بن أنس، عن سالم أبي النضر، عن مالك بن أبي عامر، قال : سمعت عثمان وهو يقول: استووا وحاذوا بين المناكب، فإن من تمام الصلاة إقامة الصف، قال: وكان لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بإقامة الصفوف.
إسناد هذا الأثر صحيح.
مالك بن أبي عامر الأصبحي هو جد مالك بن أنس الإمام، وهو ثقة، كما قال الحافظ في "التقريب"، وذكر في "تهذيب التهذيب" أن النسائي قال فيه: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن سعد: كان ثقة.
وسالم بن أبي النضر أبو النضر ثقة، ثبت، وكان يرسل، وليس هنا إرسال، لأنه من الرواة مباشرة عن أبي عامر. ومالك هو الإمام. وعبد الله بن إدريس الأودي ثقة، فقيه، عابد، كما في "التقريب". وقال الذهبي في "الكاشف": أحد الأعلام، قال أحمد فيه كان نسيج وحده.
وهذا الخليفة الراشد عثمان بن عفان –رضي الله عنه- يأمر المصلين:
1-باستواء المصلين في صفوفهم
2- وبأن يحاذوا بين مناكبهم ولا يتم ذلك إلا بإلصاق الكعاب بالكعاب.
3- ثم يصرِّح بأن من تمام الصلاة إقامة الصف.
4- وما يكتفي بهذه التوجيهات الجادة، بل يزيد عليها بأنه كان لا يُكبِّر حتى يأتيه رجال قد وكّلهم بإقامة الصفوف.
وكل هذا من هذا الخليفة انطلاق من تنفيذ أوامر الرسول الكريم -عليه الصلاة والسلام- الدالة على وجوب تسوية الصفوف بإلصاق الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب والقيام بسد الخلل؛ دفعا لتخلل الشياطين الثغرات التي قد تحصل بتساهل بعض المصلين.
28-(3553)- وقال: حدثنا أبو خالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن الحارث، وأصحاب علي قالوا : كان علي يقول : استووا تستو قلوبكم، وتراصوا تراحموا.
هذا الأثر عن علي –رضي الله عنه- ضعيف للطعن في الحارث بالكذب والرفض، ولضعف مجالد.
وللأمر بالتراص والاستواء في الصفوف شواهد ترفعهما إلى درجة الحسن.
ولا نشك في الخليفة الراشد علي –رضي الله عنه- أنه كان يهتم بتسوية الصفوف والتراص فيها أشد الاهتمام تطبيقاً لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وسيراً على منهج سلفه من الخلفاء.
29-(3554)- حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، عن عمران، عن سويد، عن بلال، قال : كان يسوي مناكبنا وأقدامنا في الصلاة.
سويد بن غفلة، قال فيه الحافظ الذهبي: ولد عام الفيل، وقدم المدينة حين دفنوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ... ثقة إمام، زاهد قوام .
وقال الحافظ في "التقريب": مخضرم من الثانية من كبار التابعين، قدم المدينة يوم دفن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان مسلما في حياته .
وعمران هو ابن مسلم الجعفي، قال الحافظ ابن حجر: ثقة . ووثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين . انظر "الجرح والتعديل" (6/304).
والأعمش هو سليمان بن مهران الثقة الحافظ، إلا أنه يدلس.
وابن نمير هو عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي، قال فيه الحافظ ابن حجر: ثقة، صاحب حديث، من أهل السنة. وقال الذهبي فيه: "حجة".
فأرجو أن يكون هذا الحديث صحيحاً، لا سيما وله شواهد كثيرة.
وقول الراوي: "قال بلال" بمعنى أن بلالاً يروي هذا الحديث الشريف الذي فيه اهتمام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتسوية الصفوف في الصلاة وأمر أصحابه بتسوية مناكبهم وأقدامهم في الصلاة، ولقد امتثل أصحابه الكرام بتوجيهات نبيهم، فكانوا يلصقون الأقدام بالأقدام والمناكب بالمناكب .
30- (3555)- حدثنا أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الأحوص، قال : قال عبد الله : سووا صفوفكم.
إسناد هذا الأثر صحيح.
عبدالله في هذا الأثر هو الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود، ومراده بتسوية الصفوف اعتدالها مع إلصاق الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب امتثالا لأوامر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسيراً على نهج إخوانه من الصحابة الكرام، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون .
31-(3556)- حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: كان يقال : سووا الصفوف وتراصوا، لا تتخللكم الشياطين، كأنهم بنات حذف.
إبراهيم هنا هو النخعي أو التيمي، والإسناد إلى أحدهما صحيح، فقوله: "كان يقال" يقصد الصحابة وكبار التابعين .
32-(3557)- حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن أبي عثمان، قال: ما رأيت أحدا كان أشد تعاهدا للصف من عمر، إن كان ليستقبل القبلة حتى إذا قلنا قد كبر، التفت فنظر إلى المناكب والأقدام، وإن كان يبعث رجالا يطردون الناس حتى يلحقوهم بالصفوف.
هذا الأثر عن عمر –رضي الله عنه- صحيح.
أبو عثمان هو النهدي، تابعي مخضرم، أسلم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يلقه، وهو من الرواة عن عمر -رضي الله عنه- وعن غيره من الصحابة، وعاصم هو الأحول ثقة، وأبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير ثقة .
وهذا من الأدلة على شدة اهتمام هذا الخليفة الراشد بتسوية الصفوف وإلصاق المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام وشدة تعاهده لذلك؛ تنفيذا لأوامر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتوجيهاته الرشيدة .
33-(3558)- حدثنا أبو خالد الأحمر، عن مجاهد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يضحك الله إلى ثلاثة : القوم إذا صفوا في الصلاة، وإلى الرجل يقاتل وراء أصحابه، وإلى الرجل يقوم في سواد الليل.
هذا الحديث ضعيف.
أبو الوداك هو جبر بن نوف صدوق، يهم، ومجاهد هو ابن جبر الثقة، الإمام في التفسير، وأبو خالد الأحمر هو سليمان بن حيان الأزدي صدوق يخطئ. ولكن لقوله: "...إذا صفوا" شواهد.
34-(3559)- حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سمرة، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ قالوا: وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : يتمون الصفوف الأولى، ويتراصون في الصف.
وأخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (34/488) حديث (20964)، ومسلم في صحيحه" حديث (430)، وابن ماجه في "سننه" حديث (992).
هذا الحديث صحيح رواته ثقات.
تميم بن طرفة هو الطائي ثقة من الثالثة، والمسيب بن رافع ثقة من الرابعة، والأعمش وأبو معاوية ثقتان.
والحديث فيه حث على التأسي بالملائكة في صلاتهم؛ حيث يتمون الصفوف الأولى، ويتراصون في الصف بإلصاق المناكب بالمناكب وإلصاق الأقدام بالأقدام.
35-(3560)- حدثنا شبابة، عن ابن أبي ذئب، عن عجلان، عن أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سووا صفوفكم، وأحسنوا ركوعكم وسجودكم.
لتسوية الصفوف في هذا الحديث شواهد، يرقى بها إلى درجة الصحة.
وإحسان الركوع والسجود أمر مطلوب، ويدل على وجوب إحسانهما أمره –صلى الله عليه وسلم- للمسيء صلاته بإعادة صلاته، وقوله: "ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا".
عجلان هو المدني مولى المشمعل، قال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات. وابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن ثقة، فقيه، فاضل. وشبابة هو ابن سوار ثقة، حافظ، رمي بالإرجاء.
36-قال الإمام أحمد في "مسنده" (37/531):
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ لِقَوْمِهِ: أَلَا أُصَلِّي لَكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَفَّ الرِّجَالُ ثُمَّ صَفَّ الْوِلْدَانُ خَلْفَ الرِّجَالِ ثُمَّ صَفَّ النِّسَاءُ خَلْفَ الْوِلْدَانِ.
وأخرجه مرة أخرى ضمن حديث طويل في (37/540-541).
إسناده إلى الصحابي أبي مالك حسن.
1-عبد الرحمن بن غنم، قال الحافظ: مختلف في صحبته، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين.
وقال الحافظ الذهبي: يقال له صحبة...من الفقهاء العلماء، فقّه الشاميين.
2-شهر بن حوشب، قال فيه الحافظ بن حجر: شهر بن حوشب الأشعري الشامي، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير الإرسال والأوهام، من الثالثة، مات سنة اثنتي عشرة، بخ م 4.
وقال فيه الحافظ الذهبي: شهر بن حوشب الشامي عن مولاته أسماء بنت يزيد وأبي هريرة وابن عباس وعنه مطر الوراق وثابت وعبدالحميد بن بهرام، روى شبابة عن شعبة: لقيت شهرا فلم أعتد به، وقال النسائي: ليس بالقوي، ووثقه أحمد وابن معين، وقال أبو حاتم: ليس بدون أبي الزبير. 4م قرنه.
هذا الحديث حسن إذ رواية شهر عن مولاته أسماء وأبي هريرة ثابتة، بعيدة عن الإرسال، وهو ثقة عند الإمام أحمد وابن معين، وأثنى الإمام أحمد على أحاديثه.
ويشهد لهذا الحديث حديث أبي مسعود وابن مسعود: " ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".
فيرتقي بهذين الشاهدين إلى درجة الصحيح لغيره.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفق المسلمين للتمسك بكتاب ربهم وسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، والعمل بما فيهما من نصوص في عقائدهم وأخلاقهم وعباداتهم، ولا سيما الصلاة التي هي الركن الثاني بعد الشهادتين، وأن يوفقهم لتطبيق هذه النصوص التي وردتْ في هذا البحث الدالة على أهمية الصلاة ومكانتها، والتي تدل على اهتمام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام بها، إن ربي لسميع الدعاء.
وصلى الله على رسولنا الكريم وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه : ربيع بن هادي عمير
19/11/1436هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق