قال احد الشعراء: ولا المصائب إذ يرمى الرجال بها/ بقاتلات إذا الأخلاق لم تصب
عن علي بن أبي طالب قال: من لانت كلمته وجبت محبته
في محاسن الأخلاق
قال سبحانه وتعالى: " وإنك لعلى خلق عظيم" وقالت عائشة رضي الله عنها: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة قط ولا خادما ولا ضرب بيده شيئا إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خُيِّر بين أمرين إلا واختار أيسرهما إلا أن يكون إثما أو قطيعة رحم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنكم لن تسِعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم"، وفي رواية أخرى فسعوهم ببسط الوجه والخلق الحسن.
قال البعض: الحسن الخلق ذو قرابة عند الأجانب والسيء الخلق أجنبي عند أهله.
وقيل أيضا: أن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيء الخلق، لأن الفاجر إذا حسن خلقه خف على الناس وأحبوه، وأما العابد إذا ساء خلقه مقتوه وكرهوه.
يقول ذو الاصبع العدواني وهو شاعر جاهلي: كل امرئ صائر يوما لشيمته/ وإن تخلق أخلاقا إلى حين
وقال شاعر آخر: إذا رام التخلق جاذبته/ خلائقه إلى الطبع القديم
وقال آخر: خالط الناس بخلق واسع/ لا تكن كلبا على الناس تهر
كما قال: أحب المكارم الأخلاق جهدي/ وأكره أن أعيب وأن أُعابا
وأصفح عن سباب الناس حلما/ وشر الناس من يهوى السبابا
ومن هاب الرجال تهيبوه/ ومن حقر الرجال فلن يهابا
قال ابن عبد ربه: يا من تجلد للزما/ نِ أما زمانك منك أجلد/ إن الحياة مزارعٌ/ فازرع بها ما شئت تحصد/ والناس لا يبقى سوى/ آثارهم والعين تُفقد/ أوما سمعت بمن مضى/ هذا يذمُ وذاك يُحمد/ المال إن أصلحته/ يُصلح وإن أفسدته يُفسد.
ويقول محجن بن الادرع الاسلمي المتوفى سنة 650م
لا تسأل الناس ما مالي وكثرته/ وسائل الناس ما جودي وما خلقي
اعط الحسام غداة الروع حصته/ وعامل الرمح أرويه من العلق
يقول البعض: لا تسأل المرء عن خلائقه/ في وجهه شاهدٌ من الخبر.
قال الشاعر: في الناس قوم أضاعوا مجد أولهم/ ما في المكارم والتقوى لهم أدب/ سوء التأدب أرداهم وأرذلهم/ وقد يزين صحيح المنصب الأدب.
قالوا: إذا أردت حسن المعاشرة فالق عدوك وصديقك بالطلاقة ووجه الرضا والبشاشة، وإذا جلست فلا تتكبر على أحد.
ومن محاسن الأخلاق ما حكي عن القاضي يحيى بن أكثم وهو من نبلاء الفقهاء توفي سنة 857م قال:
كنت نائما ذات ليلة عند المأمون فعطش، فامتنع أن يصيح بغلام يسقيه وأنا نائم فينغص عليَّ نومي، فرأيته وقد قام يمشي على أطراف أصابعه حتى أتى موضع الماء فأخذ منها كوزا فشرب، ثم رجع يمشي على أطراف أصابعه حتى اقترب من الفراش الذي أنا عليه فخطا خطوات خائف كي لا ينبهني، حتى صار إلى فراشه.
وقد كان يقوم في أول الليل وآخره فقعد طويلا ينتظر أن أتحرك فيصيح بالغلام فلما تحركت وثب قائما وصاح: يا غلام، وتأهب للصلاة. ثم جاءني وقال لي: كيف أصبحت يا أبا محمد وكيف كان مبيتك؟ قلت: خير مبيت جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين. قال: لقد استيقظت للصلاة فكرهت أن أصيح بالغلام فأزعجك.
قال الشاعر: وما المال والأخلاق إلا معارة/ فما اسطعت من معروفها فتزود
وقال شاعر آخر: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم/ فأقم عليهم مأتما وعويلا
وهذا القول يشبه: من ساءت أخلاقه طاب فراقه.
قال أبو تمام في مكارم الاخلاق
إذا جاريت في خلق دنيئا/ فأنت ومن تجاريه سواءُ/ وما من شدة إلا/ سيأتي/ لها من بعد شدتها رخاءُ/ يعيش المرءُ ما استحيا بخيرٍ/ ويبقى العودُ ما بقيَ اللِّحاءُ/ إذا لم تخش عاقبة الليالي/ ولا تستح فاصنع ما تشاءُ.
قال أبو العتاهية: كن ابن من شئت واكتسب أدبا/ يغنيك محموده عن النسبِ/ إن الفتى من يقول ها أنذا/ ليس الفتى من يقول كان أبي/ لكل شيء زينة في الورى/ وزينة المرء تمام الأدبِ/ قد يشرف المرء بآدابه/ فينا وإن كان وضيع النسبِ.
قال حسان بن ثابت وهو شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم: فما المال والاخلاق إلا معارة/ فما اسطعت من معروفها فتزود/ متى ما تقد بالباطل الحق يأبه/ وإن قدت بالحق الرواسي تنقدِ/ متى ما اتيت الأمر من غير بابه/ ضللت وإن تدخل من الباب تهتدي.
لا يغيب عن البال إن الاخلاق تبدأ بأدب وعلم البيت منذ الصغر فالطفل كالشجرة إن لم تهذبها نشأت اغصانها متفرقة، فالإنسان لا يضحك إلا بسبب والطفل لا يتكلم إلا بإذن والعاقل لا يتكلم إلا إذا جاء دوره في الكلام. قيل قديما: الضحك بلا سبب من قلة الأدب. ومن لا أدب له لا عقل له، وقالت الحكماء: كفى بالتجارب تأديبا وكفى بالدهر مؤدبا.
قال الشاعر حبيب: احاولت ارشادي فعقلي مرشدي/ ام استمت تأديبي فدهري مؤدبي. (استمت بمعنى اردت).
قال ابو عبدالله نغطويه: " العلم في الصغر كالنقش في الحجر" واضاف اخر: والعلم في الكبر كالنقش في المدر. (المدر بمعنى الرمل او الطين).
يقول الشاعر: عود بنيك على الآداب في الصغر/ كيما تقر بهم عيناك في الكبرِ/ فإنما مثل الآداب تجمعها/ في عنفوان الصبا كالنقش في الحجرِ/ هي الكنوز التي تنمو ذخائرها/ ولا يخاف عليها حادث الغيرِ/
إن الأديب إذا زلت به القدم/ يهوى على فرش الديباج والسررِ الناس صنفان ذو علم ومستمع/ واع وسائرهم كاللغو والفكرِ.
قال أحمد الهاشمي مؤلف كتاب جواهر الأدب ومدير مدارس الملك فؤاد الأول: لقد سمعنا بأوصاف لكم كملت/ فسرنا ما سمعناه وأحيانا/ من قبل رؤيتكم نلنا محبتكم/ والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قال أحد الشعراء: يزين الغريب إذا ما اغترب/ ثلاث فمنهن حسن الأدب
وثانية حسن اخلاقه/ وثالثة اجتناب الرِيَب.
قال ابن الهيثم: لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها/ ولكن أخلاق الرجال تضيقُ.
وبعضهم يقول: ولكن أحلام الرجال تضيق.
قيل: كن طيبا مع الناس فمتى فارقت أحدا فعلى حسنى في القول والفعل، فإنك لا تدري متى أنت راجع إليه. وبهذا الصدد يقول الشاعر: ولما مضى سلمٌ بكيت على سلمٍ.
ويقال: وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا/ فإنك لا تدري متى أنت نازع/ وابغض إذا أبغضت بغضا مقاربا/ فإنك لا تدري متى أنت راجع. وقال أحد الحكماء: يا رب إن كنت أخا حكمة/ هز عصا التأديب للابن
فإنما أنت بتقويمه/ أولى من الشرطي والسجن.
لما تفاقم الخلاف واشتعلت الحرب بين علي ومعاوية والتقى الفريقان، وبالرغم من هزيمة معاوية في أكثر الجولات التي وقعت يوم صفين، وبالرغم من احساس معاوية بالخطر المحيط به الا انه لم يتنازل عن شبر من أرض الإسلام مقابل القضاء على خصمه. أراد ملك الروم أن يستغل فرصة الحرب المشتعلة بين الطرفين فأرسل إلى معاوية يقول له: بلغنا ما وقع من اعتداء عليك من صاحبك علي مع إنك أحق بالخلافة منه، فإن شئت بعثنا إليك أسطولا من رجالي يعيدون الأمر إليك ويثبتون في الأمر أقدامك. أجابه معاوية قائلا:
والله لو وطأت قدمك شبراً واحداً من أرض الإسلام لأبايعن عليا على حربك. ولما اقترب ملك الروم من بعض بلاد الإسلام كتب إليه معاوية قائلا: والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت، ومنذ ذلك الحين خاف وانسحب.
قال الشاعر: رأيت صلاح المرء يُصلح أهله/ ويفسدهم رب الفساد إذا فَسَدْ/ يعظم في الدنيا لفضل صلاحه/ ويُحفظ بعد الموت في الأهل والولد.
وقال شاعر: إذا استحالت سجايا القوم فاسدة/ فليس ينفعهم علم ولا علم/ وليس يختل حبل الملك مضطربا/ إلا إذا اختلت الأخلاق والشيمُ.
عن أبي قلابة: أن أبا الدرداء رضي الله عنه مر على رجل قد أصاب ذنبا فكانوا يسبونه ويكيلون له الشتائم فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب (بئر عميقة جف ماؤها) ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الذي عافاكم. قالوا: أفلا تبغضه؟ قال إنما ابغض عمله، فإذا تركه فهو أخي. فهو يبغض الذنب لا المذنب، والمعصية لا العاصي.
وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: إذا رأيتم أخاكم قارف ذنبا فلا تكونوا أعوانا للشيطان عليه، ولكن سلوا الله العافية.
قال محمود صفوت الساعاتي: إن لم يكن مثلي يسيء ومثلكم/ يغضي فأين مكارم الأخلاق.
من لي بإنسان إذا أغضبته/ وجهلت كان الحلم رد جوابه/ وإذا طربت إلى المدام شربت من/ أخلاقه وسكرت من آدابه/ وتراه يصغي للحديث بقلبه/ ويسمعه ولعله.. أدرى به.
روي أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه دعا غلاما له فلم يجبه فدعاه ثانيا وثالثا فرآه مضجعا فقال: أما تسمع يا غلام؟ قال نعم. قال: فما حملك على ترك جوابي؟ قال أمنت عقوبتك فتكاسلت. فقال: اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى.
سئل الحسن البصري عن صفة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ظهرت منهم علامات الخير في السيما والسمت والهدى والصدق، وخشونة ملابسهم بالاقتصاد، وممشاهم بالتواضع، ومنطقهم بالعمل، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق. نحلت أجسامهم، واستخفوا المخلوقين رضا للخالق، لم يفرطوا في غضب ولم يحيفوا في جور، ولم يمنعهم خوفهم من المخلوقين. حسنت أخلاقهم، وهانت مؤنتهم، وكفاهم اليسير من دنياهم إلى آخرتهم.
قيل عن المأمون يوما أنه نادى بالخادم: يا غلام فلم يجبه أحد، ثم نادى ثانيا وصاح: يا غلام، فدخل غلام تركي وهو يقول: ما ينبغي للغلام أن يأكل ويشرب!؟ كلما خرجنا من عندك تصيح يا غلام يا غلام إليَّ، كم يا غلام؟ فنكس المأمون رأسه طويلا ثم قال: إن الرجل إذا حسنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه، وإذا ساءت أخلاقه حسنت أخلاق خدمه، وإنَّا لا نستطيع أن نسيء أخلاقنا لتحسن أخلاق خدمنا.
اللهم اكرمنا بحسن الخلق واجعلنا من المهتدين
عن علي بن أبي طالب قال: من لانت كلمته وجبت محبته
في محاسن الأخلاق
قال سبحانه وتعالى: " وإنك لعلى خلق عظيم" وقالت عائشة رضي الله عنها: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة قط ولا خادما ولا ضرب بيده شيئا إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خُيِّر بين أمرين إلا واختار أيسرهما إلا أن يكون إثما أو قطيعة رحم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنكم لن تسِعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم"، وفي رواية أخرى فسعوهم ببسط الوجه والخلق الحسن.
قال البعض: الحسن الخلق ذو قرابة عند الأجانب والسيء الخلق أجنبي عند أهله.
وقيل أيضا: أن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيء الخلق، لأن الفاجر إذا حسن خلقه خف على الناس وأحبوه، وأما العابد إذا ساء خلقه مقتوه وكرهوه.
يقول ذو الاصبع العدواني وهو شاعر جاهلي: كل امرئ صائر يوما لشيمته/ وإن تخلق أخلاقا إلى حين
وقال شاعر آخر: إذا رام التخلق جاذبته/ خلائقه إلى الطبع القديم
وقال آخر: خالط الناس بخلق واسع/ لا تكن كلبا على الناس تهر
كما قال: أحب المكارم الأخلاق جهدي/ وأكره أن أعيب وأن أُعابا
وأصفح عن سباب الناس حلما/ وشر الناس من يهوى السبابا
ومن هاب الرجال تهيبوه/ ومن حقر الرجال فلن يهابا
قال ابن عبد ربه: يا من تجلد للزما/ نِ أما زمانك منك أجلد/ إن الحياة مزارعٌ/ فازرع بها ما شئت تحصد/ والناس لا يبقى سوى/ آثارهم والعين تُفقد/ أوما سمعت بمن مضى/ هذا يذمُ وذاك يُحمد/ المال إن أصلحته/ يُصلح وإن أفسدته يُفسد.
ويقول محجن بن الادرع الاسلمي المتوفى سنة 650م
لا تسأل الناس ما مالي وكثرته/ وسائل الناس ما جودي وما خلقي
اعط الحسام غداة الروع حصته/ وعامل الرمح أرويه من العلق
يقول البعض: لا تسأل المرء عن خلائقه/ في وجهه شاهدٌ من الخبر.
قال الشاعر: في الناس قوم أضاعوا مجد أولهم/ ما في المكارم والتقوى لهم أدب/ سوء التأدب أرداهم وأرذلهم/ وقد يزين صحيح المنصب الأدب.
قالوا: إذا أردت حسن المعاشرة فالق عدوك وصديقك بالطلاقة ووجه الرضا والبشاشة، وإذا جلست فلا تتكبر على أحد.
ومن محاسن الأخلاق ما حكي عن القاضي يحيى بن أكثم وهو من نبلاء الفقهاء توفي سنة 857م قال:
كنت نائما ذات ليلة عند المأمون فعطش، فامتنع أن يصيح بغلام يسقيه وأنا نائم فينغص عليَّ نومي، فرأيته وقد قام يمشي على أطراف أصابعه حتى أتى موضع الماء فأخذ منها كوزا فشرب، ثم رجع يمشي على أطراف أصابعه حتى اقترب من الفراش الذي أنا عليه فخطا خطوات خائف كي لا ينبهني، حتى صار إلى فراشه.
وقد كان يقوم في أول الليل وآخره فقعد طويلا ينتظر أن أتحرك فيصيح بالغلام فلما تحركت وثب قائما وصاح: يا غلام، وتأهب للصلاة. ثم جاءني وقال لي: كيف أصبحت يا أبا محمد وكيف كان مبيتك؟ قلت: خير مبيت جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين. قال: لقد استيقظت للصلاة فكرهت أن أصيح بالغلام فأزعجك.
قال الشاعر: وما المال والأخلاق إلا معارة/ فما اسطعت من معروفها فتزود
وقال شاعر آخر: وإذا أصيب القوم في أخلاقهم/ فأقم عليهم مأتما وعويلا
وهذا القول يشبه: من ساءت أخلاقه طاب فراقه.
قال أبو تمام في مكارم الاخلاق
إذا جاريت في خلق دنيئا/ فأنت ومن تجاريه سواءُ/ وما من شدة إلا/ سيأتي/ لها من بعد شدتها رخاءُ/ يعيش المرءُ ما استحيا بخيرٍ/ ويبقى العودُ ما بقيَ اللِّحاءُ/ إذا لم تخش عاقبة الليالي/ ولا تستح فاصنع ما تشاءُ.
قال أبو العتاهية: كن ابن من شئت واكتسب أدبا/ يغنيك محموده عن النسبِ/ إن الفتى من يقول ها أنذا/ ليس الفتى من يقول كان أبي/ لكل شيء زينة في الورى/ وزينة المرء تمام الأدبِ/ قد يشرف المرء بآدابه/ فينا وإن كان وضيع النسبِ.
قال حسان بن ثابت وهو شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم: فما المال والاخلاق إلا معارة/ فما اسطعت من معروفها فتزود/ متى ما تقد بالباطل الحق يأبه/ وإن قدت بالحق الرواسي تنقدِ/ متى ما اتيت الأمر من غير بابه/ ضللت وإن تدخل من الباب تهتدي.
لا يغيب عن البال إن الاخلاق تبدأ بأدب وعلم البيت منذ الصغر فالطفل كالشجرة إن لم تهذبها نشأت اغصانها متفرقة، فالإنسان لا يضحك إلا بسبب والطفل لا يتكلم إلا بإذن والعاقل لا يتكلم إلا إذا جاء دوره في الكلام. قيل قديما: الضحك بلا سبب من قلة الأدب. ومن لا أدب له لا عقل له، وقالت الحكماء: كفى بالتجارب تأديبا وكفى بالدهر مؤدبا.
قال الشاعر حبيب: احاولت ارشادي فعقلي مرشدي/ ام استمت تأديبي فدهري مؤدبي. (استمت بمعنى اردت).
قال ابو عبدالله نغطويه: " العلم في الصغر كالنقش في الحجر" واضاف اخر: والعلم في الكبر كالنقش في المدر. (المدر بمعنى الرمل او الطين).
يقول الشاعر: عود بنيك على الآداب في الصغر/ كيما تقر بهم عيناك في الكبرِ/ فإنما مثل الآداب تجمعها/ في عنفوان الصبا كالنقش في الحجرِ/ هي الكنوز التي تنمو ذخائرها/ ولا يخاف عليها حادث الغيرِ/
إن الأديب إذا زلت به القدم/ يهوى على فرش الديباج والسررِ الناس صنفان ذو علم ومستمع/ واع وسائرهم كاللغو والفكرِ.
قال أحمد الهاشمي مؤلف كتاب جواهر الأدب ومدير مدارس الملك فؤاد الأول: لقد سمعنا بأوصاف لكم كملت/ فسرنا ما سمعناه وأحيانا/ من قبل رؤيتكم نلنا محبتكم/ والأذن تعشق قبل العين أحيانا
قال أحد الشعراء: يزين الغريب إذا ما اغترب/ ثلاث فمنهن حسن الأدب
وثانية حسن اخلاقه/ وثالثة اجتناب الرِيَب.
قال ابن الهيثم: لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها/ ولكن أخلاق الرجال تضيقُ.
وبعضهم يقول: ولكن أحلام الرجال تضيق.
قيل: كن طيبا مع الناس فمتى فارقت أحدا فعلى حسنى في القول والفعل، فإنك لا تدري متى أنت راجع إليه. وبهذا الصدد يقول الشاعر: ولما مضى سلمٌ بكيت على سلمٍ.
ويقال: وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا/ فإنك لا تدري متى أنت نازع/ وابغض إذا أبغضت بغضا مقاربا/ فإنك لا تدري متى أنت راجع. وقال أحد الحكماء: يا رب إن كنت أخا حكمة/ هز عصا التأديب للابن
فإنما أنت بتقويمه/ أولى من الشرطي والسجن.
لما تفاقم الخلاف واشتعلت الحرب بين علي ومعاوية والتقى الفريقان، وبالرغم من هزيمة معاوية في أكثر الجولات التي وقعت يوم صفين، وبالرغم من احساس معاوية بالخطر المحيط به الا انه لم يتنازل عن شبر من أرض الإسلام مقابل القضاء على خصمه. أراد ملك الروم أن يستغل فرصة الحرب المشتعلة بين الطرفين فأرسل إلى معاوية يقول له: بلغنا ما وقع من اعتداء عليك من صاحبك علي مع إنك أحق بالخلافة منه، فإن شئت بعثنا إليك أسطولا من رجالي يعيدون الأمر إليك ويثبتون في الأمر أقدامك. أجابه معاوية قائلا:
والله لو وطأت قدمك شبراً واحداً من أرض الإسلام لأبايعن عليا على حربك. ولما اقترب ملك الروم من بعض بلاد الإسلام كتب إليه معاوية قائلا: والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت، ومنذ ذلك الحين خاف وانسحب.
قال الشاعر: رأيت صلاح المرء يُصلح أهله/ ويفسدهم رب الفساد إذا فَسَدْ/ يعظم في الدنيا لفضل صلاحه/ ويُحفظ بعد الموت في الأهل والولد.
وقال شاعر: إذا استحالت سجايا القوم فاسدة/ فليس ينفعهم علم ولا علم/ وليس يختل حبل الملك مضطربا/ إلا إذا اختلت الأخلاق والشيمُ.
عن أبي قلابة: أن أبا الدرداء رضي الله عنه مر على رجل قد أصاب ذنبا فكانوا يسبونه ويكيلون له الشتائم فقال: أرأيتم لو وجدتموه في قليب (بئر عميقة جف ماؤها) ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا: بلى. قال: فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الذي عافاكم. قالوا: أفلا تبغضه؟ قال إنما ابغض عمله، فإذا تركه فهو أخي. فهو يبغض الذنب لا المذنب، والمعصية لا العاصي.
وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: إذا رأيتم أخاكم قارف ذنبا فلا تكونوا أعوانا للشيطان عليه، ولكن سلوا الله العافية.
قال محمود صفوت الساعاتي: إن لم يكن مثلي يسيء ومثلكم/ يغضي فأين مكارم الأخلاق.
من لي بإنسان إذا أغضبته/ وجهلت كان الحلم رد جوابه/ وإذا طربت إلى المدام شربت من/ أخلاقه وسكرت من آدابه/ وتراه يصغي للحديث بقلبه/ ويسمعه ولعله.. أدرى به.
روي أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه دعا غلاما له فلم يجبه فدعاه ثانيا وثالثا فرآه مضجعا فقال: أما تسمع يا غلام؟ قال نعم. قال: فما حملك على ترك جوابي؟ قال أمنت عقوبتك فتكاسلت. فقال: اذهب فأنت حر لوجه الله تعالى.
سئل الحسن البصري عن صفة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ظهرت منهم علامات الخير في السيما والسمت والهدى والصدق، وخشونة ملابسهم بالاقتصاد، وممشاهم بالتواضع، ومنطقهم بالعمل، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق. نحلت أجسامهم، واستخفوا المخلوقين رضا للخالق، لم يفرطوا في غضب ولم يحيفوا في جور، ولم يمنعهم خوفهم من المخلوقين. حسنت أخلاقهم، وهانت مؤنتهم، وكفاهم اليسير من دنياهم إلى آخرتهم.
قيل عن المأمون يوما أنه نادى بالخادم: يا غلام فلم يجبه أحد، ثم نادى ثانيا وصاح: يا غلام، فدخل غلام تركي وهو يقول: ما ينبغي للغلام أن يأكل ويشرب!؟ كلما خرجنا من عندك تصيح يا غلام يا غلام إليَّ، كم يا غلام؟ فنكس المأمون رأسه طويلا ثم قال: إن الرجل إذا حسنت أخلاقه ساءت أخلاق خدمه، وإذا ساءت أخلاقه حسنت أخلاق خدمه، وإنَّا لا نستطيع أن نسيء أخلاقنا لتحسن أخلاق خدمنا.
اللهم اكرمنا بحسن الخلق واجعلنا من المهتدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق