الأربعاء، 1 أبريل 2020

مزايا الأسلوب القصصي وجناية القُصَّاص على الدين، عشرون قصّة مشوّقة. إعداد: بوودن دحمان حذيفة

مزايا الأسلوب القصصي وجناية القُصَّاص على الدين، عشرون قصّة مشوّقة.
إعداد: بوودن دحمان حذيفة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعـد:
لقد جاء القرآن الكريم داعيًا إلى الهداية والرشاد بأساليب شتى؛ تارةً بالإقناع العقلي، وتارة بمخاطبة الضمير والوجدان، وتارة بالإعجاز بشتى ألوانه، وأسلوب القصة من الأساليب التي اعتنى بها القرآن الكريم عناية خاصة؛ وقد قال تعالى في كتابه العزيز: "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ" - يوسف: 3- فقد شغلت القصة مساحة تزيد عن الربع من القرآن الكريم، لما للقصة من فوائد في تحقيق المراد من هداية العباد، فضلا عن رغبة العربي في القصص واستملاحه لها. فكم من قصة تركت من الأثر مالم تتركه كثير من المحاضرات والكتب، وذلك لما في هذا الأسلوب من المحاكاة لحالة الإنسان نفسه، فتراه يعيش أحداث القصة بكل كيانه، وكأنه بطل القصة أو الشاهد فيها. ولذلك؛ كانت القصة ولا تزال مدخلا طبيعيا يدخل منه أصحابُ الرسالاتِ والدعاة والقادة إلى عقول الناس وقلوبهم، فما حكم توظيف القصص في المجال الدعوي؟ وإذا كان الأمر جائزا فما مدى تأثير القصة على النفوس؟ ولماذا ورد عن السلف الشيء الكثير في ذم القصّاص؟ هل لأن في القرآن والسنة من القصص ما يغني عن غيره أم أن هناك أسباب أخرى؟
القصة في اللغة مأخوذة من القَصُّ وهو تَتَبُّعُ الأثر، ومنه قولُه تعالى في قصة موسى عليه السلام: "وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ" -القصص:11- أي تتبعي أثره حتى تنظري من يأخذه. أما القِصة اصطلاحاً فهي: الحكاية عن خبر وقع في زمن مضى لا يخلو من عبرة، فيه شيء من التطويل في الأداء. ومنه فالقاص كما يقول ابن الجوزي رحمه الله: "هو الذي يتبع القصة الماضية بالحكاية عنها والشرح لها... والتذكير هو تعريف الخلق نِعَمَ الله عزوجل عليهم، وحثهم على شكره، وتحذيرهم من مخالفته، وأما الوعظ فهو تخويف يرق له القلب.. وقد صار اسم القاصِّ عامًّا للأحوال الثلاثة " - القُصَّاص والمذكرون، ص: 157/159-.
والقصص والوعظ محمود من حيث الأصل؛ فقد أمر الله عز وجل نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم باستعمالها في تبليغ رسالته، قال تعالى: "فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" -الأعراف: 176- بل إن الَقص كان من مهمات الرسل عليهم الصلاة والسلام جميعا، قال تعالى: "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا" –الأنعام: 130- كما أن القصة مَعلم بارز من مَعالم القرآن الكريم لتوضح الحقائق وإزالة الشبهات كما قال تعالى: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ" – النمل: 76- والشيء الملفت للنظر في قصص القرآن هو ظاهرة التكرار، وهي ظاهرة داعية لكثير من التساؤل. وعلى الجملة، فإن التكرار في القصص القرآني إنما هو لفائدة اشتمل عليها كل موضع خلت منها المواضع الأخرى، ومثال ذلك: عصا موسى عليه السلام؛ ففي سورة طه: وصفَها تعالى بأنها "حيةٌ تسعى" وفي سورة الأعراف: "ثعبانٌ مبينٌ" وفي سورة النمل: "تهتز كأنها جان" فهي حية باعتبار ضخامتها، وثعبان من حيث الخِفة والنشاط وسرعة الحركة، وهي كأنها جان لكونها مرعبة. كما أن عرض الحادثة الواحدة بأساليب كثيرة وصور بيانية متنوعة، دون أن يضعف أسلوب العرض، هو من العسير الذي لا يقدر عليه إلا من كان ذا اقتدار بلاغي.
ولم يكن غريبا أن تحتذي السنة النبوية بالقرآن الكريم في اشتمالها على عدد كثير من القصص، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقص على الناس من أنباء الأمم السابقة ما فيه العبر والمواعظ، فعن ابن عمر رضي الله عنه : "أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث الناس عن قصة الثلاثة نفر الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فسألوا الله بأعمالهم الصالحة أن يفرجها عنهم حتى انفرجت" -رواه البخاري ومسلم- بل إن القصة كانت إحدى المرتكزات لإثبات صدق رسالته صلّى الله عليه وسلم؛ حيث كان ينبئ بأخبار الأمم السابقة مما لا يعلمه أحد من كتاب العرب فضلا عن أميٍّ مثلِهِ صلّى الله عليه وسلم، وهذا ما أشار إليه الحق سبحانه حين قال: "تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا" -هود: 49-
وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يذكرون الناس ويدعونهم إلى الاعتبار بأحوال الماضين، فعن أبي وائل قال: "كَانَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَه رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبدِ الرَّحمَن، لَوَدِدتُ أَنَّك ذَكَّرتَنَا كُلَّ يَومٍ، قَالَ: أَمَا إِنَّه يَمنَعُنِي مِن ذَلك أَنِّي أَكرَه أَن أُمِلَّكم، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُم بِالمَوعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَينَا"- رواه البخاري ومسلم-. وروى الخلال عن أبي بكر المرودي قال: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: يعجبني أمر القصاص لأنهم يذكرون الميزان وعذاب القبر، قلت له: فترى الذهاب إليهم؟ قال: إي لعمري إذا كان صدوقا". وجاء رجل إلى الإمام أحمد فشكا له الوسوسة فقال: "عليك بالقاص، ما أنفع مجالستهم".
فالأسلوب القصصي من الأساليب المهمة في الدعوة إلى الله عزّ وجلّ ؛ لما فيه من تثبيت القلب على دين الله، وتقوية ثقة المؤمنين بنصرة الحق وأهله، وخذلان الباطل وأعوانه، كما قال تعالى: "وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ" - هود:120- فأسلوب القصص يشد من أزر المتمسكين بالحق أسوة بمن سبقوهم على الطريق، فعن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ قال: "كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق اثنتين، وما يصده ذلك دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه" -رواه البخاري-.
ومن فوائد القصة أيضا حصول العظة والاعتبار، وفي هذا يقول سبحانه: "لقد كان في قَصَصِهم عبرةٌ لأولي الألبابِ" - يوسف: 111- وذلك من خلال النظر في سنة الله النافذة في هذا الكون، فالعاقبة دائما للمتقين والخزي دائماً على الظالمين. فالواجب أن نقيسَ أنفسنا على السابقين ممن قصَّ الله علينا نبأهم، فنعلمَ أنَّ سنة الله ماضية فينا كما خلت في الذين من قبلنا، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فليست الغاية من القصة قاصرةً على إمتاع النفوس بسماع قصص مسليِّة أو بطولات خيالية، أو إظهارَ براعة أدبية مجردة عن هدف الإصلاح، وليست الغاية أيضا سردًا تاريخيًا جافا.
كما أن الأسلوب القصصي له أثر كبير في تقويم السلوك، وذلك بذكر نماذج فريدة للاقتداء بها وكسب القلوب إلى مجالس الخير والذكر. فالقصص يصوِّرُ مثلاً شناعة ما كان عليه قوم لوط وما كان عليه أهل مَدين، ويصوِّر أيضاً شناعة الحسد الذي حمل أحد ابني آدم على قتل أخيه وشناعة طبائع اليهود... وفي جانب آخر تصور ما كان عليه الأنبياء والصالحون من صبر وعدل وعطاء..ومن تم انتهاج الأسوة الحسنة بهم، والتجمل بمكارم الأخلاق، وتعلم آداب الحوار وأساليب الدعوة إلى الله تعالى، وكيفية الدخول إلى قلوب الناس، ومعرفة طبائعهم، وتشخيص أمراض المنحرفين والمعاندين وكيفية معالجتها، وغير ذلك.
وللقصة أثر واضح في إيصال المفاهيم، لاسيّما إن كانت بأسلوب شيِّق، فهي تبسط المعلومة وتسهل استيعابها ومن ثم حفظها واسترجاعها عند الحاجة، ولو أننا قمنا بمقارنة سريعة بين أحدث المناهج التعليمية اليوم لوجدنا أن أكثر المناهج نجاحا في عرض الفكرة هو صياغة المادة العلمية بأسلوب قَصصي جذاب، لأنها تكون حينئذ أحب إلى قلب الطالب، وأدعى لتلقيها بدون أيّ مشقة أو ملل، فالقصة تمتع الذهن والقلب معًا، وتبتعد عن العقليات التي تكد الذهن وتتعبه. والإنسان يولع بالقصص ويميل بفطرته إليها، ومما يدل على هذا الميل الفطري نحو القصة والرغبة في تتبع أحداثها ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما ذكر قصة موسى مع الخضر قال: "وددنا لو أن موسى صبر فقص الله علينا من خبرهما" -رواه البخاري-.
وقد يقال: إذا كان للقصة كل هذه المزايا فلماذا أنكر بعض العلماء على القصِّاص مع أنهم يذكرون الناس حتى يقربونهم إلى الله؟ حيث بلغ بابن عمر رضي الله عنه أنه كان يخرج من المسجد ويقول: "ما أخرجني إلا القّصّاص، ولولاهم ما خرجت"- أخرجه عبد الرزاق في مصنفه- وروى الطبراني عن عمرو بن زرارة قال: "وقف علىَّ عبد الله بن مسعود وأنا أقص، فقال: يا عمرو لقد ابتدعت بدعة ضلالة أو إنك لأهدى من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال عمرو بن زرارة: فلقد رأيتهم تفرقوا عني حتى رأيت مكاني ما فيه أحد" بل روى الطبراني عن خبَّاب بن الأرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن بني إسرائيل لما هلكوا قصُّوا" -حديث حسن انظر السلسلة الصحيحة- فما هو السبب من وراء ذلك؟.
أولا: لابد أن نعلم أن من أشد الناس إساءة للدين هم أولئك الذين يستخدمون الدين لمصالحهم. ولقد كان الوعاظ في عصر الصحابة علماء فقهاء، ولما دخل في باب الوعظ والقص من لا علم له به، اضطر أئمة العلم إلى التحذير من أمثال هؤلاء لما لهم أضرار جسيمة على الأمة وبخاصة على كبار السن والنساء. فهؤلاء القصاص شوهوا حقيقة الإسلام في أذهان العامة حتى اعتقدوا البدعة سنة والسنة بدعة، وأدخلوا في قصصهم ما يفسد قلوب العوام. فمنهــم من يحث على قيام الليل، ولا يبين للعامة المقصود، فربما تاب الرجل منهم وخرج إلى جبل فبقيت عائلته لا شيء لهم. ومنهــم من يتكلم في الرجاء والطمع من غير أن يمزج ذلك بما يوجب الخوف والحذر فيزيد الناس جرأة على المعاصي. وهكذا فمن أسباب ذم السلف للقصاص أنهم يشغلون الناس عن التفقه في الدين والعمل بتعاليمه، فأكثر كلام القصاص في موسى والجبل، وزليخا ويوسف، ولا يكادون يأمرون بواجب ولا ينهون عن محرم، فمتى يرجع آكل الربا ؟ ومتى تعرف المرأة حق زوجها؟ ...وعن أبي قلابة عبد الله بن زيد قال: "ما أمات العلم إلا القصاص، يجالس الرجلُ الرجلَ سنةً فلا يتعلق منه شيء، ويجلس إلى العالم فلا يقوم حتى يتعلق منه شيء" -حلية الأولياء 2 : 287-. وقال ابن الجوزي رحمه الله: "وإنما ذُمَّ القصاص لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد" -تلبيس إبليس، ص: 150- والقصاص يصرفون وجوه الناس إليهم دون العلماء العاملين، حتى فَتَنُوا الأمة، فقد يحضر للقاص الآلاف ولا يحضر للعالم المتبحر إلاَّ القليل، وربما استفتاهم الناس فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
كما أن القص قد يكون دافعا قويا للحصول على الشهرة والسمعة، وقد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور أو مراء" - رواه ابن ماجة وقال الحافظ العراقي إسناده صحيح -. وجاء في كتاب تحذير الخواص –ص:223 -أن علي رضي الله عنه مر على قاص فقال له: "هل تعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال: لا. قال :هل تعرف المحكم من المتشابه ؟ قال: لا. قال: هل تعرف الزجر من الأمر؟ قال:لا. فأخذ بيده فرفعها وقال: اعرفوني اعرفوني". وأورد ابن الجوزي وغيره عن عمر رضي الله أنه قال للحارث بن معاوية الكندي: "أخشى عليك أن تقص فترتفع عليهم في نفسك، ثم تقص فترتفع، حتى يخيل إليك أنك فوقهم بمنزلة الثريا فيضعك الله عز وجل تحت أقدامهم يوم القيامة بقدر ذلك"
ومن أكبر جنايات القصاص على الدين أن عددا كبيرا منهم اتخذ القص مهنة له يعيش من ورائها، فقد كانوا قديما يكلفون واحدا ليجمع الصدقة في مجلس القص للقاص يدعى بالمكوّز، وإذا تفرق الجمع تقاسما ما اجتمع من المال. ولذلك كان القاص يسارع في ابتغاء مرضات العامة، وحريص تكثير سوادهم أكثر من حرصه على تقويمهم وتعليمهم حتى أضحى كالمغني، مهمته الكلام وغايته إن يستحوذ على إعجاب السامعين. ولما كان العامة يولعون بالغريب ويتطلعون دائما إلى أن يسمعوا الجديد، كان هذا دافعا قويا يحمل هؤلاء القصاص الذين لا يخافون الله على الكذب والاختراع حتى يظفروا بمطلبهم ويجدوا المادة التي تجلب السامعين وعطاياهم، وهذا أمر طبيعي، لان القص المستمر يتطلب مادة كثيرة وجديدة، فتجدهم ينقلون كل ما هو غريب ولو كان باطلاً من اجل الإثارة، حتى قال الإمام أحمد رحمه الله: "أكذب الناس السؤّال والقصّاص وما أحوج الناس إلى قاص صدوق" – انظر الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي 2 : 82 - وعن شعبة بن الحجاج أنه دنا منه شاب فسأل عن حديث فقال له: أقاص أنت ؟ فقال: نعم، قال: اذهب فإنا لا نحدث القصاص، فقال له: لم؟ قال: يأخذون الحديث منا شبرا فيجعلونه ذراعا! أي أنهم يزيدون في الحديث، وقال ابن الجوزي – القصاص، ص: 308-: "معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص، لأنهم يريدون أحاديث ترقق وتنفق، والصحاح تقل في هذا". فمن ذلك أن قوما منهم يضعون أحاديث الترغيب والترهيب، ولبّس عليهم إبليس فقالوا: نحن نقصد حث الناس على الخير، وكفهم عن الشر، وهذا اتهام منهم للشريعة بالنقص، فإن في الصدق مندوحة عن الكذب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كذَبَ علَيَّ مُتَعَمِّداً فلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار" –متفق عليه-. ومن استعرض الأحاديث الشائعة بين عامة الناس يجد أن معظم الأحاديث الباطلة إنما سمعوها من القصَّاص، وللشيخ الإسلام ابن تيمية كتاب بعنوان : أحاديث القصاص، أحاديث يرويها القصاص عن النبي وبعضها عن الله تعالى أجاب عنها وبين ما فيها من كذب وضعف. ولكن من باب الإنصاف نقول: إن وصف الراوي بأنه من القُصَّاص لا يَلزم منه تعديلا له ولا تجريجا، فقد كان من القصاص الرواة الثقات، كما كان منهم الضعفاء، فقد كان سعيد بن حسان المخزومي قاص أهل مكة، قال عنه ابن معين وأبو داود والنسائي: ثقة . -انظر تهذيب التهذيب4/15- بل وقال ابن الجوزي رحمه الله - القصاص، ص: 260- : "وقد بلغنا عن حماد بن سلمة أنه قال: كنت أسمع أن القصاص لا يحفظون الحديث، فكنت أقلب الأحاديث على ثابت، أجعل أنسا لابن أبي ليلى ، وأجعل ابن أبي ليلى لأنس، أشوشها عليه، فيجيء بها على الاستواء".
وتجدر بنا الإشارة هنا أنه لا مانع من كتابة القصص الخيالية ذات الأهداف النافعة، ولا يعد ذلك من قبيل الكذب، سواء كان ذلك على ألسنة الناس أو غيرهم من الحيوانات والجمادات، حتى إن بعض أهل العلم قال في قول الله تعالى: "وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ" -الكهف: 32- قال: هذه ليست حقيقة واقعة. ويمكن أن يستأنس لذلك أيضا بما كتبه بديع الزمان الهمذاني من المقامات الأدبية، وهي حكايات مصطنعة يحكيها الهمداني عن عيسى بن هشام، وهي شخصية وهمية، كما ألف ابن المقفع كتابة: كليلة ودمنة على لسان الحيوان افتراضا، ولم نسمع عن أحد من أهل العلم أنكر ذلك، بل قد لقي قبولا واسعا من العلماء وغيرهم، ولا يعد ذلك من قبيل الكذب، لأن كاتب القصة إنما يطلب من القارئ أن يتخيل معه الأحداث والشخصيات التي تؤلف القصة، فهناك إنشاء – أي : طلب - مقدَّر محذوف، يُخرج باب القصة الخيالية عن الخبر الذي يحتمل الصدق والكذب، ويجعلها في باب الإنشاء الطلبي الذي ينتظر الامتثال: بقراءة القصة، أو عدم الامتثال: بتركها . ثم إن الكذب إنما هو إيهام السامع بما يخالف الحقيقة والواقع كما هو شأن التدليس عند المحدثين، فسبب ذمه هو إيهام غير الواقع فيكون كالكذب - انظر التنكيل للإمام المعلمي: 1/312- أما في باب القصة فالقرائن القطعية تقضي بانتفاء الوهم عن كل مَن يقرأ القصة، فهم جميعا يدركون أن أحداثها مخترعة، وأن الغرض منها الخيال الذي يثمر تربية أو سلوكا أو تعليما أو تسلية أو غير ذلك. وفي ما يلي عشرون قصة مختارة، ذات أهداف تربوية متنوعة أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها:
1. كانت هنالك شجرة تعبد من دون الله، فجاء إليها رجل ليقطعها غضباً لله، فلقيه إبليس في صورة إنسان، فقال: ما تريد؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله، قال: إذا أنت لم تعبدها فما يضرك من عبدها؟ قال: لأقطعنها. فقال له الشيطان: لا تقطعها ولك ديناران كل يوم إذا أصبحت عند وسادتك. قال: فمن أين لي ذلك؟ قال: أنا لك. فرجع، فأصبح فوجد دينارين عند وسادته، ثمّ أصبح بعد ذلك، فلم يجد شيئاً. فقام غضباً ليقطعها، فتمثل له الشيطان في صورته، وقال: ما تريد؟ قال: أريد قطع هذه الشجرة التي تعبد من دون الله، قال: كذبت ما لك إلى ذلك من سبيل. فذهب ليقطعها، فضرب به الأرض، وخنقه حتى كاد يقتله، قال: أتدري من أنا؟ أنا الشيطان، جئتَ أول مرة غضباً لله، فلم يكن لي عليك سبيل، فخدعتك بالدينارين، فتركتها، فلما جئت غضباً للدينارين سُلِّطت عليك... إن تنصروا الله ينصركم.
2. يحكى أن هناك حطاباً كان يسكن في كوخ صغير، وكان يعيش معه طفله وكلبه، وكان كل يوم ومع شروق الشمس يذهب لجمع الحطب ولا يعود إلا قبل غروب الشمس تاركا الطفل في رعاية الله مع الكلب، وقد كان يثق في ذلك الكلب ثقةً كبيرة، ولقد كان الكلب وفياً لصاحبه ويحبه. وفي يوم من الأيام وبينما كان الحطاب عائدا من عمل يوم شاق سمع نباح الكلب من بعيد علـى غير عادته، فأسرع في المشي إلى أن اقترب من الكلب الذي كان ينبح بغرابة قرب الكوخ وكان فمه ووجهه ملطخا بالدماء فصعق الحطاب وعلم أن الكلب قد خانه وأكل طفله، فانتزع فأسه من ظهره وضرب الكلب ضربة بين عينيه خر بعدها صريعا. وبمجرد دخوله للكوخ تسمر في مكانه وجثا على ركبتيه وامتلأت عيناه بالدموع عندما رأى طفله يلعب على السرير وبالقرب منه حية هائلة الحجم مخضبة بالدماء وقد لقت حتفها بعد معركة مهولة. حزن الحطاب أشد الحزن على كلبه الذي افتداه وطفله بحياته وكان ينبح فرحا بأنه أنقد طفله من الحية لينتظر شكرا من صاحبه وما كان من الحطاب إلا أن قتله بلا تفكير… لا تتسرع في الحكم علي الآخرين.
3. كان هناك رجل من بني إسرائيل عصى الله أربعين سنة فما ترك معصية إلا وفعلها، فجاءت سنة من السنين وبني إسرائيل لا ينزل عليهم مطر، فبدأ الزرع يجف وبدأت الأنهار يتبخر ماؤها، فذهبوا إلى نبي الله موسى وقالوا: يا موسى ادع الله أن يُنزل علينا المطر. فجمع موسى عليه السلام بني إسرائيل ودعا الله: يا رب المطر.. يا رب المطر... فلم ينزل المطر، فقال موسى: يا رب عودتني الإجابة فلم لم ينزل المطر؟ فأوحى الله إليه: يا موسى لن ينزل المطر فبينكم من يعصيني منذ أربعين سنة فبشؤم معصيته منعتم المطر من السماء، فقال موسى: يا رب فماذا أفعل؟ قال: أخرجوه من بينكم، فوقف موسى يقول: يا بني إسرائيل أقسمت عليكم، بيننا عبد يعصي الله منذ أربعين سنة وبشؤم معصيته مُنعنا المطر، ولن ينزل المطر حتى يخرج، فليخرج من بينكم. وكان هذا العاصي يعرف نفسه فنظر حوله لعل أحداً غيره يخرج فلم يخرج أحد، فبدأ هذا العبد يناجي ربه قال: يا رب إني أعاهدك أن لا أعود إلى هذه المعصية فتُب عليّ واسترني، ففوجئ سيدنا موسى بالمطر ينزل من السماء فقال موسى: يا رب نزل المطر ولم يخرج أحد! فقال الله عز وجل: يا موسى نزل المطر لفرحتي بتوبة عبدي الذي يعصاني منذ أربعين سنة. فقال موسى: يا رب دلني عليه لأفرح به فقال الله عز وجل: يا موسى يعصاني أربعين سنة وأستره ويوم يعود إليّ أفضحه؟ ...تقرب إلى الله شبرا يتقرب منك ذراعا.
4. يحكى أن رجلا من بني إسرائيل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب-عابد - فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله فكمل به مائة؛ ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟! ولكن انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً صالحون يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فهاجر الرجل من بلده إلى بلد الخير والصلاة، فوافته المنية في أثناء الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكةُ الرَّحمة: جاءَ تائِباً مُقْبلا بِقلْبِهِ إِلى اللَّه تعالى، وقالَتْ ملائكَةُ الْعذابِ: إِنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خيْراً قطُّ، حتى أنزل الله مَلكٌ في صُورَةِ آدمي فجعلوهُ بيْنهُم حكماً، فقال: قيسوا ما بين القريتين، فإلى أيتهما كان أقرب، فهو من أهلها، فأَوْحَى اللَّهُ تعالى إِلَى هَذِهِ أَن تَبَاعَدِى، وإِلى هَذِهِ أَن تَقرَّبِي، فقاسُوا فوَجَدُوه أقرب إلى الْقرْيَة الصَّالحة بِشِبرٍ، فجُعِل من أَهلها فَقبَضْتهُ ملائكةُ الرَّحمة فَغُفَرَ لَهُ... لا تيْئَس من رحمة الله أبدا.
5. كان برصيص عابد من عبَّاد بني إسرائيل، سكن في صومعة لعبادة الله، ولكن غلبت عبادته على علمه، فأراد الله أن يبتلي إيمانه، فبينما هو جالس في صومعته، أتاه رجال مجاهدون من بني إسرائيل، وقالوا: يا برصيص، إنا نريد الجهاد في سبيل الله، وعندنا أخت، هي في بيتنا، بجانب صومعتك، وليس لها بعد الله إلا أنت، فعليك أن ترعاها، حتى نعود من الجهاد، قال: حُباً وكرامة. فخرج هؤلاء إلى الجهاد في سبيل الله، ومكث برصيص في صومعته يتعبَّد لله، فأتى الشيطان إليه وقال: يا برصيص، إن هذه المرأة في ذمتك، وأنت إذا تركتها فسوف تستوحش، فلو أخرجت رأسك في الصباح، فسلَّمت عليها، وهي متحجبة في بيتها، ما ضرَّك ذلك شيئاً، فأخذ بوصية الشيطان فأطلَّ برأسه، وسلَّم عليها. فأتاه ثانية، وقال: إنها فتاة غريبة مستوحشة، خرج أهلها للجهاد، فمن يؤنسها ويحدثها؟ فنزل فآنسها وحدَّثها وهي متحجبة. فأتاه ثالثة وقال: أنت عالم ومحفوظ من الله، وتخاف الشيطان، فاقترب منها فقبّلها.. فوقع في الفاحشة فحملت! فلما حملت قال له الشيطان: إذا أتى إخوتها، ورأوا هذا المنكر، فإنها سوف تُخبرهم، فاتهمك الناس فسقطتَ من أعينهم، فاقتلها خيراً لك. فذبحها، وحفر لها قبراً في بيتها ودفنها. فأتى إخوتها من الجهاد، فقالوا: أين أختنا؟ فبكى برصيص وتندم، وأخرج دموع النفاق، وقال: مرضت فماتت فدفنتُها! فصدّقوه وبكوا عليها، وناموا تلك الليلة. فأتى الشيطان لأخيها الأكبر، وأخبره أن برصيص فعل بها الفاحشة وقتلها. وأتى الثاني، والثالث في المنام، وأخبرهما كما أخبر الأول. فأصبحوا، فتحدَّثوا بما رأوا في نومهم، فاتفق رأيهم على أن يقتصوا منه، فذهبوا وكشفوا المكان الذي دلهم الشيطان عليه، فوجدوها حامل ومقتولة. فأتى الشيطان فقال: لا ينجيك يا برصيص، إلا أن تسجد لي سجدة لأحميك، فكفر بالله، وسجد للشيطان! فقتلوه وصلبوه...احذر استدراج الشيطان.
6. دعا زعيم الفئران يوماً إلى اجتماع عاجل لوضع خطة لتحذير الفئران من أي هجوم مفاجئ لعدوهم الشرس: القط. كان المطلوب كما أكد الحاضرون أن يصلوا إلى طريقة فعالة لتحذرهم من اقتراب القط ليستطيعوا الهرب حيث كان باستطاعة القط المشي بهدوء إلى حيث يتجمع الفئران ويفاجئهم بالهجوم الذي يؤدي إلى خسارة زميل وذلك بشكل شبه يومي ! تمت مناقشة العديد من الاقتراحات ولكنها كلها لم تشكل حلاً لمشكلتهم الأساسية وهي معرفة متى يقترب القط! في النهاية قام فأر صغير وقال بأن لديه حل بسيط ولكنه متأكد بأنه فعال ويحل لهم المشكلة، ولما تصایح الجميع طالبين منه إعطاء هذا الحل قال: ببساطة كل ما علينا فعله هو تعليق جرس في عنق القط فكلما تحرك اهتز الجرس وسمعنا صوته فنختبئ في الوقت المناسب! صاحت الفئران من الفرح وتعجبوا لماذا لم يفكروا في هذا الحل العبقري من قبل . وبينما هم في قمة الفرحة وقف فأر عجوز وحكيم وقال لهم: نعم يا أحبائي هذا الحل يبدو جيدا جداً ولكن لدي سؤال واحد: من الذي سيعلق الجرس في عنق القط؟ ...من الممكن أن تقترح حلاً لمشكلة ما، ولكن الأهم هو هل تستطيع تنفيذ هذا الحل ؟
7. يحكى أنّ ثلاثة أشخاص مظلومين حكم عليهم بالإعدام بالمقصلة، هم: عالم دين، محامي وفيزيائي، عند لحظة الإعدام تقدم عالم الدين ووضعوا رأسه تحت المقصلة، وسألوه: هل هناك كلمة أخيرة توّد قولها؟ فقال عالم الدين: الله هو من سينقذني، وعند ذلك أنزلوا المقصلة، فنزلت المقصلة وعندما وصلت لرأس عالم الدين توقفت. فتعجّب النّاس، وقالوا: أطلقوا سراح عالم الدين فقد صنع الله له معجزة، فنجا عالم الدين . وجاء دور المحامي إلى المقصلة، فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها؟ فقال: أنا لا أعرف الله كعالم الدين، ولكن أعرف أكثر عن العدالة، العدالة هي من سينقذني. ونزلت المقصلة على رأس المحامي، وعندما وصلت لرأسه توقفت، فتعجّب النّاس، وقالوا: أطلقوا سراح المحامي، فقد قالت العدالة كلمتها، ونجا المحامي. وأخيرا جاء دور الفيزيائي، فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها ؟ فقال: أنا لا أعرف الله كعالم الدين، ولا أعرف العدالة كالمحامي، ولكنّي أعرف أنّ هناك عقدة في حبل المقصلة تمنع المقصلة من النزول، فنظروا للمقصلة ووجدوا فعلا عقدة تمنع المقصلة من النزول، أصلحوا العقدة وانزلوا المقصلة على رأس الفيزيائي وقطع رأسه ...حتى وإن كنت تعرف الحقيقة فمن الذكاء أن تكون غبياً في بعض المواقف !
8. يحكى أن سهيل بن عمرو كان على سفر هو وزوجته .. وفي أثناء الطريق اعترضهم قطاع الطرق وأخذوا كل ما معهم من مال وطعام .. كل شئ !! وجلس اللصوص يأكلون ما حصلوا عليه من طعام وزاد. فانتبه سهيل بن عمرو أن قائد اللصوص لا يشاركهم الأكل فسأله: لماذا لا تأكل معهم؟!! فرد عليه: إني صائم، فاندهش سهيل وقال له: تسرق وتصوم !! قال له: إني أترك بابا بيني وبين الله لعلي أن أدخل منه يوما ما، وبعدها بعام أو عامين رآه سهيل في الحج وقد تعلق بأستار الكعبة وقد أصبح زاهدا عابدا، فنظر إليه وعرفه فقال له: أو علمت: من ترك بينه وبين الله بابا دخل منه يوما ما... حتى ولو كنت تقترف معاصيَ كثيرة، إياك أن تغلق جميع الأبواب بينك وبين الله عز وجل فعسى باب واحد أن يفتح لك أبواباً.
9. كان هنالك شاباً فقيراً، كان بائعاً يتجول في الطرقات، فمرّ ذات يوم ببيت، فأطلت امرأة وسألته عن بضاعته فأخبرها، فطلبت منه أن يدخل لترى البضاعة، فلما دخل أغلقت الباب. ثم دعته إلى الفاحشة، فصاح بها، فقالت: والله إن لم تفعل ما أريده منك صرخت، فيحضر الناس فأقول هذا الشاب، اقتحم عليَّ داري، فما ينتظرك بعدها إلا القتل أو السجن. فخوّفها بالله فلم تنزجر، فلما رأى ذلك، قال لها: فقال: أمهليني حتى أقضي حاجتي فإني حاقن! فلما دخل بيت الطهارة لطخ جميع بدنه بالنجاسة ثم خرج إليها، فرأته على تلك الحالة نفرت منه فصاحت وألقت عليه بضاعته، وطردته من البيت، فمضى يمشي في الطريق والصبيان يصيحون وراءه: مجنون، مجنون، حتى وصل بيته، فأزال عنه النجاسة، واغتسل. فلم يزل يُشمُّ منه رائحة المسك، حتى مات رحمه الله... حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره.
10. كان هناك ملكا عظيما بإحدى المملكات الكبرى، و في يوم من الأيام هُوجم وجيشه من قبل عدوٍ في غاية القوة والكثرة، وفي بتلك المعركة لم يحالفه الحظ وأسرت مملكته وكل من فيها، واستطاع هو وبضع من جنوده الفرار إلى غابة والنجاة بأرواحهم. أيقن الملك أن هذه هي النهاية المحتومة لتاريخه الطويل والمليء بالإنجازات. وبينما وهو ملقى على الأرض متمنيا الموت وجد نملة صغيرة تحاول أن تجر حبة قمح إلى مرتفع، وبكل مرة حاولت فيها لم توفق ولكنها مازالت مصرة حتى تمكنت في المرة الأخيرة من الوصول إلى قمة دلك المرتفع، تعلم الملك درسا صارما من تلك النملة الصغيرة وهو: عدم الاستسلام والمحاولة الدائمة حتى الوصول إلى الأهداف المنشودة، فأعد عدته واستطاع تكوين جيشه من جديد، ووضع خطة محكمة وهاجم عدوه واستطاع الفوز عليه، وعاد إلى سابق عهده القديم... لا تستسلم للفشل فالمثابرة أساس النجاح.
11. كان عيسى عليه السلام يسير بصحبة رجل يهودي وكان اليهودي يحمل طعامهما وكان ثلاثة أرغفة. فلما أرادا أن يتناولا طعامهما، وجد سيدنا المسيح أنهما رغيفان فقط. فسأل اليهودي: أين الرغيف الثالث؟ فأجابه: والله ما كانا إلا رغيفين. لم يعلق السيد المسيح وسارا معاً، ثم جمع عيسى عليه السلام ثلاثة أكوام من التراب ثم دعا الله أن يحولها ذهباً، فتحولت بإذنه تعالى إلى ذهب. فقال اليهودي متعجباً: سبحان الله، لمن هذه الأكوام من الذهب ؟! فقال عليه السلام: الأول لك، والثاني لي، والثالث لمن أكل الرغيف الثالث! فرد اليهودي بسرعة: أنا الذي أكلته!! فقال عيسى عليه السلام: الثلاثة كلها لك خذها، ومضى تاركاً اليهودي، وبعد أن جلس اليهودي منهمكا بالذهب لم يلبث حتى جاءه ثلاثةُ فرسان لصوص. فلما رأوا الذهب ترجلوا، وقاموا بقتله واستولوا على الذهب. بعد أن حصل كل واحد منهم على كومة من الذهب قالوا لأحدهم: اذهب واشتري لنا طعاماً لنتغذى به قبل أن ننطلق؟ فوافق ومضى لشراء الطعام . وبدأ الشيطان يلعب برؤوسهم جميعا . فدنا أحدهم من أحد صاحبيْه قائلاً له: لم لا نقسم أكوام الذهب على اثنان بذل ثلاثة؟ فقال له صاحبه: كيف ذلك؟ فقال له: عندما يأتي صاحبنا بالطعام نتخلص منه، فوافق على ذلك، وفي طريق الثالث إلى السوق حدثته نفسه: لم لا تتخلص منهما وتظفر بالمال كله وحدك ؟ فاشترى مع الطعام سُمّاً وقام بوضع السم في الطعام وهو لا يعلم كيد صاحبيْه له! وعندما رجع بالطعام استقبله صاحباه بطعنات قاتلة في جسده، ثم أكلا ما جاء به من الطعام المسموم فما لبثا أن لحقا بصاحبيهما وماتوا جميعاً. وعندما رجع عيسى عليه السلام وجد أربعة جثث ملقاة على الأرض ووجد الذهب وحده، فقال سيدنا المسيح: هكذا تفعل الدنيا بأهلها فاعبُروها ولا تعمُروها.
12. كان في خدمة أحد الأمراء رجل حطّاب وكان في أثناء عمله المُضني يحمل آدم وحواء مسؤولية شقاءه لأنّهما كما يعتقد هما السبب في شقائه، وكثيراً ما كان يقول: لو كنت أنا وامرأتي مكانهما لما خالفت وصيّة الله السّهلة ولما كنت سبب شقاء الجنس البشريّ .فسمعه الأمير يوماً، فقال له : سأعاملك أنت وامرأتك كما أعامل الأمراء، فتسكنان قصري، وتنعُمان بهناء صاف. إلّا أنّي قبل أن أثبّتكما في سعادتكما، سأمتحنكما امتحاناً بسيطاً، فإن تغلّبتُما على التّجربة عشتما في رغْدِ عيش طيلة حياتكما. فَقبل الحطّاب فرِحاً، وأتى بامرأته، وسكنا القصر الفخم . راح الخدم يعتنون بهما كلّ العناية، فشعرا بسـعادة لا توصف. يوماً من الأيّام قَدم لهما الخدم مآكل شهيّة وبينها طبقاً مغطًّى وضعوه على المائدة وقالوا لهما: يسمح لكما الأمير بأن تأكلا من جميع الأطعمة إلاّ ممّا في هذا الطّبق، وإذا ما كشفتما عنه طردكما من قصره، وانطلقوا. بقي الزّوجان يحدّقان إليه . واشتدّت الفضوليّة عند المرأة، فقالت لزوجها: ألا نرفع الغطاء لنرى ما فيه؟ وبعد إلحاح، قبل طلبها. ورفعت المرأة الغطاء فطار منه عصفور صغير وصرخت بأعلى صوتها لشدّة فزعها. وإذا الأمير يُقبِل وينزع عنهما زينتهما ويطردهما من قصره... لا تنظر للعصاة بعين الاحتقار فقد تبتلى بما ابتلوا به .
13. يروى عن شقيق البلخي أنه ودَّع شيخه إبراهيم بن أدهم لسفره في تجارة عزم عليها. وهو في الطريق الصحراوي رأى طائراً أعمى كسير الجناح، فوقف يتأمل الطائر ويفكر كيف يجد رزقه في هذا المكان المنقطع. فلم يمض وقت طويل حتى جاء طائر آخر فأطعم الطائر كسير الجناح كما يطعم الحمام فراخه. تعجب شقيق من هذا المشهد وأثر فيه، فقال في نفسه: إذا كان الله تعالى يرزق هذا الطائر من غير حول منه ولا قوة ولم يهمله فلماذا أذهب إلى التجارة و لماذا العناء والسفر وأنا في هذا السن؟! سأرجع وحتما سيرزقني الله وعاد إلى بيته وحين وصل زار شيخه فقال له الشيخ :لماذا عدت يا شقيق الم تذهب للتجارة ؟ فقص عليه القصة بأنه رأى في طريقه طائرا أعمى وكسيح وأخذ يفكر كيف يأكل هذا الطائر ويشرب؟ وبعد قليل جاء طائر آخر يحمل حبا وأطعم الطائر الأعمى ثم سقاه. فقلت طالما ربنا عز وجل رزق الطائر الأعمى الكسيح سأرجع إلى بلدي وبيتي وسط أولادي وربي سيرزقني. هنا قال له إبراهيم بن ادهم: سبحان الله يا شقيق! ولماذا رضيت لنفسك أن تكون الطائر الأعمى العاجز الذي ينتظر عون غيره ولا تكون أنت الطائر الآخر الذي يسعى ويكدح ويعود بثمرة ذلك على من حوله ؟! ...اليد العليا خير من اليد السفلى.
14. يحكى أن امرأة جاءت من إحدى القرى لأحد العلماء وهي تظنه ساحرا وطلبت منه أن يعمل لها عملا سحريا بحيث تنتهي الصراعات التي بينها وبين زوجها. ولأنه عالم قال لها: لقد طلبت شيئا ليس بالسهل فهل أنت مستعدة لتحمل التكاليف؟ قالت: نعم، قال لها: إن الأمر لا يتم إلا إذا أحضرت ثلاث شعرات من ظهر الأسد، قالت:كيف أستطيع ذلك والأسد حيوان مفترس ولا أضمن أن يقتلني؟ قال لها: هذا هو الشرط. ذهبت المرأة وهي تفكر في كيفية الحصول على الشعرات المطلوبة فاستشارت بعض النسوة فقيل لها أن الأسد لا يفترس إلا إذا جاع وعليها أن تشبعه حتى تأمن شره . فذهبت إلى الغابة القريبة منها وبدأت ترمي للأسد قطع اللحم وتبتعد واستمرت في إلقاء اللحم إلى أن ألفت الأسد وألفها مع الزمن. وفي كل مرة كانت تقترب منه قليلا إلى أن جاء اليوم الذي تمدد الأسد بجانبها وهو لا يشك في محبتها له فوضعت يدها على رأسه وأخذت تمسح بها على ظهره بكل حنان حتى أخذت الشعرات منه بكل هدوء ثم أسرعت للعالم الذي تظنه ساحرا لتعطيه إياها والفرحة تملأ نفسها. فلما رأى العالم الشعرات سألها: ماذا فعلت حتى استطعت أن تحصلي عليها؟ فشرحت له خطة ترويض الأسد، والتي تلخصت في معرفة المدخل لقلب الأسد أولا وهو البطن ثم الاستمرار والصبر على ذلك إلى أن يحين وقت قطف الثمرة. حينها قال لها العالم: يا أمة الله زوجك ليس أكثر شراسة من الأسد... افعلي مع زوجك مثل ما فعلت مع الأسد تملكيه.
15. يحكى أنه في قديم الزمان كان هناك ملكا شاب يحكم دولة واسعة وشعبها طيب، وذات يوم أراد هذا الملك أن يقوم برحلة برية طويلة يكتشف من خلالها أماكن وأسرار جديدة، ولكن خلال عودته تورمت قدمه تماماً بسبب المشي في المسالك الوعرة، وعندما عاد الملك إلى القصر فكر كثيرا في هذه القضية، وفي الأخير اصدر قرارا يقضى بمرسوم ملكي بتغطية جميع شوارع وطرق المدينة بالجلد، حتى لا تتأذي أقدامه مجددا أو أي شخص، ولكن أحد وزرائه اقترح عليه فكرة أفضل بكثير، وهي أن يقوم بصنع قطعة جلد صغيرة فقط ويتم وضعها تحت عرش الملك.. فكانت هذه بداية نعل الأحذية... قبل أن تبادر بتغيير نمط حياة من حولك، فكر أولاً في تغير نفسك.
16. يحكى أنه كان عند الملك وزيراً دائم المرافقة له، وكان هذا الوزير يتمتّع بحكمة كبيرة، ويثق أنّ كل ما يقدّره الله للإنسان هو خير، وكلّما تمكّن الملك من إصابة شيء قال له الوزير لعلّه خير، وأثناء مسيرهما وقع الملك في إحدى الحفر العميقة قال له الوزير لعلّه خير، ثمّ نزف من يد الملك ذم كثير، فذهبا إلى الطبيب وأمر بقطع الإصبع حتّى لا يتضرر باقي الجسم بسببه، فقال له الوزير لعلّه خير، فسأل الملك الوزير وما الخير في ذلك؟! أتتمنى أن ينقطع أصبعي؟! فغضب بشدّة وأمر حرّاسه بحبسه، فقال الوزير لعلّه خير، وقضى الوزير فترة طويلة داخل الحبس. في يوم من الأيام خرج الملك للصيد مصطحباً معه حرّاسه، فوقع في يد جماعة من الأشخاص الذين يعبدون الأصنام، وقد أخذوه بهدف تقديمه قرباناً للأصنام التي يعبدونها، وعندما عرضوا الملك على قائدهم وجد إصبعه مقطوعاً فأمر بتركه لأنّ القربان يجب أن يكون كامل الخلقة، ثمّ عاد الملك إلى القصر مبتهجاً لنجاته من الموت بأعجوبة، وطلب من الحرّاس أن يحضروا الوزير إليه، ثمّ أحضروه وروى الملك إليه ما حصل معه، واعتذر منه عمّا بدر منه، ثمّ سأله عن سبب قوله لعلّه خير عندما أمر الحرّاس بأن يسجنوه، فأخبره الوزير الحكيم أنّه لو لم يحبسه لكان سيصطحبه معه في الصيد كما كان يفعل عادة، وسيكون قرباناً للأصنام بدلاً منه ...عندما يأخذ الله منك شيئاً فإنّما لحكمة أنت تجهلها.
17. يحكى أنه في يوم من الأيام كان هناك ملكاً أراد أن يكافئ أحد مواطنيه، فأرسل إليه مرسول وقال له: أخبره أن الملك سوف يمنحك كل الأراضي التي تستطيع أن تقطعها سيراً علي قدميك مجانا، وستكون هذه الأراضي ملكك إلي الأبد .. فرح الرجل كثراً بما سمعه من المرسول وبدأ يجري باتجاه غرب المملكة في حالة جنون قطع مسافة طويلة فتعب لكنه واصل السير حتى يمتلك المزيد والمزيد من الأراضي، وبعد أن قطع مسافات أطول جدا، أحس بالتعب الشديد، فكّر في العودة ليكافئه الملك بالمساحات التي قطعها سيرا على الأقدام، ولكنه علي الفور غير رأيه وقرر مواصلة السير حتى يحصل على الكثير من الأراضي، سار الرجل مسافات أطول وأطول أحس بالتعب من جديد أخد قسطا من الراحة ،فكر مجدد في العودة ليكافئه الملك بما وصل إليه، ولكنه تردد هذه المرة أيضا وتابع السير . مازال الرجل يسير ويجري لمدة خمس أيام ولم يعد أبداً، لقد ضل طريقه وضاع في الخلاء، ويقال أنه في النهاية وقع صريعاً من شدة التعب والإنهاك الشديد، ولم يمتلك شيء ولم يحس بالسعادة يوماً بل شعر بالحزن فقط، لأنه لم يكن يعرف حد القناعة...القناعة كنز لا يفنى.
18. خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ذات ليلة مع خادمه أسلم ليتفقد أحوال المسلمين، وفى أحد الطرق استراح من التجوال بجانب جدار، فإذا به يسمع امرأة تقول: قومي إلى ذلك اللبن فاخلطيه بالماء، فقالت الابنة: يا أُمَّتَاه، وما علمتِ ما كان من أمر أمير المؤمنين اليوم؟ !فقالت الأم: وما كان من أمره؟ قالت: إنه أمر مناديًا فنادي: لا يُخلط اللبن بالماء. فقالت الأم: يا بنتاه، قومي إلى اللبن فاخلطيه بالماء فإنك في موضع لا يراك عمر، ولا منادى عمر، فقالت الصبيّة: واللَّه ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء، إن كان عمر لا يرانا، فرب أمير المؤمنين يرانا. فلما أصبح عمر قال لابنه عاصم: اذهب إلى مكان كذا وكذا فإن هناك صبية فإن لم تكن مشغولة فتزوج بها لعل يرزقك الله منها نسمه مباركة، وبالفعل تزوج بها وكان من ذريتها الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز... تعلم مراقبة الله لا مراقبة الناس.
19. روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا في المسجد عند رسول الله فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة، قال: فدخل رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده، فسلم على النبي وجلس، قال: ولما كان اليوم الثاني قال: يدخل من هذا الباب عليكم رجل من أهل الجنة، قال: فدخل ذلك الرجل الذي دخل بالأمس، تنطف لحيته من وضوئه، مُعلقاً نعليه في يده فجلس، ثم في اليوم الثالث، قال عبد الله بن عمرو بن العاص: فقلت في نفسي: والله لأختبرن عمل ذلك الإنسان، فعسى أن أوفّق لعمل مثل عمله، فأنال هذا الفضل العظيم، فأتى إليه عبد الله بن عمرو فقال: يا عم، إني خاصمت أبي فأردت أن أبيت ثلاث ليال عندك، آليت- أقسمت- على نفسي أن لا أبيت عنده، فإن أذنت لي أن أبيت عندك تلك الليالي فافعل، قال: لا بأس، قال عبد الله: فبت عنده ثلاث ليال، والله ما رأيت كثير صلاةٍ ولا قراءة، ولكنه إذا انقلب على فراشه من جنب إلى جنب ذكر الله، فإذا أذن الصبح قام فصلى، فلما مضت الأيام الثلاثة قلت: يا عم، والله ما بيني وبين أبي من خصومة، ولكن رسول الله ذكرك في أيامٍ ثلاثة أنك من أهل الجنة، فما رأيت مزيد عمل!! قال: هو يا ابن أخي ما رأيت، قال: فلما انصرفت دعاني فقال: غير أني أبيت ليس في قلبي غش على مسلم ولا أحسد أحداً من المسلمين على خير ساقه الله إليه، قال له عبد الله بن عمرو: تلك التي بلغت بك ما بلغت، وتلك التي نعجز عنها.
20. كان هناك رجل صاحب شركة كبيرة، أراد أن يتنحى عن إدارتها لكبر سنه وأن يجعل من يدير الشركة من بعده. وهكذا قام الرجل باستدعاء جميع المسئولين التنفيذيين في الشركة وطرح عليهم قراره قائلا: أنه سوف يتنحى عن إدارة الشركة وسيعين من بعده أحدهم كرئيس للشركة من بعدة. ولكن هناك شرطا واحدا: سوف أعطيكم جميعا بذرة واحده وأريد منكم أن تعتنوا بها لمدة عام كامل، والعام القادم في مثل هذا اليوم سنتقابل جميعا هنا ومن سيأتيني بنبتة صحيحة سوف يكون هو المدير للشركة. وبالفعل تم توزيع البذور على جميع المسئولين التنفيذيين وفى المساء ذهب الجميع إلى منزله وبدأ بالاهتمام ببذرته والعمل على نموها. كان أحمد شديد الحزن لأن بذرته لم تنمو وكان زملائه يوميا يتحدثون عن جمال نبتتهم. وبعد مرور عام كامل توجه الجميع إلى غرفة الاجتماعات في انتظار المدير وكان احمد شديد الخجل فقد ذهب بوعائه فارغ وبذرته لم تنمو على الإطلاق. وجاء المدير وكان أحمد واقف بعيدا يحاول أن يختبئ من نظرات زملائه الساخرة فبينما جاء الجميع بنبتات جميلة الشكل كان هو يقف بوعائه الفارغ في حزن وخجل. نظر المدير إلى أحمد مبتسما وقال ماذا حدث لبذرتك؟ ألم تهتم بها؟! قال أحمد في حزن: والله لقد اهتممت بها كثيرا ولكن دون فائدة فهي لم تنمو أبدا. ابتسم المدير وطلب من الجميع الجلوس فيما عدا أحمد ثم أشار بيده إلى أحمد في فخر: أقدم لكم المدير التنفيذي الجديد للشركة! اندهش الجميع فكيف يكون أحمد الذي فشل في الاعتناء ببذرته هو المدير التنفيذي ؟! جاوب المدير على تساؤلاتهم قائلا: لقد قمت بتوزيع بذور فاسدة عليكم جميعا، جميعكم حاول الغش وقام بتبديل البذرة بنبات جميل إلا أحمد فهو الوحيد الصادق الذي لم يحاول خداعي ونجح في الاختبار فهنيئا له جزاء صدقة ... الصدق خير طريق لبلوغ هدفك.
ختاما ولتحقيق الغاية من القصص في الدعوة إلى الله، لا بد من توفر بعض الميزات في هذه القصص، فمن ذلك : أن يتحرّى الواعظ الإخلاص والصدق فيما ينقله من قصص؛ لتزيد ثقة الناس فيه، بل حتى لو تأكد من صدق قصته، لكنه رأى أن فيها من الغرائب ما لا يصدقه عامة الناس، فالأولى ألا يحدث بها، حتى لا تنعدم ثقة الناس فيه، ولقد كان سلف الأمة يفرون من غرائب الأخبار. كما ينبغي للداعية والمربي أن يراوح بين القصص وغير ذلك من أساليب الدعوة، حتى لا يتعود الناس على ذلك، فالواجب تأصيل الأمر الدعوي من خلال أدلته الثابتة بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم تذكر القصة للعبرة، وشد انتباه السامع إلى معايشة المعنى واقعياً، فلا تكون القصة بذاتها مصدراً للاستدلال والتشريع . ومن المهم التركيز على المواطن المؤثرة في القصة مع جودة البدء وإحكام النهاية، بأن يكون في البداية تشويقاً وجذباً، وفي النهاية عنصر المفاجأة والاتعاظ. بل لا ينبغي أن يقف المربي عند الموعظة والعبرة، فالواجب تناول القصة بالتحليل للمواقف والشخصيات، وربط الأسباب بمسبباتها. ومن الخطأ أن تتسم قصصنا بطابع الحزن والترهيب، فالقصص المحزنة إذا زادت قد تصيب الإنسان بالقنوط، ولذا فعلينا أن نختار لكل موضع ما يناسبه من القصص ترغيبًا وترهيبًا. وأن نراوح بين قصص السابقين والمعاصرين، فإنه لا يشك أحدنا أن حكايات السلف رحمهم الله في زهدهم وتعاملهم مع الله تعالى وخلْقِه ما تطرب له القلوب، ولكن لما كان في المجتمع فئة تستبعد الوصول إلى حالهم، كان على الواعظ أن يذكر من أحوال المخلصين في هذا الزمان، حتى يقْرُبَ المثال، ويُتصور التطبيق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق