السلام عليكم،
وماذا بعد التحذير؟*
الأستاذ عزالدين كحيل - الجزائر
منذ مدّة غير قليلة ظلّت تراودني فكرة أن أكتب في بعض المواضيع التي حذَّر من الخوض فيها علماء من وزن الغزالي وأمثاله، وما حقيقة هذا التحذير؟ وهل العامّة يمكن أن تقع فيما يُخشى عليها؟ وإلى أيّ مدى يبقى هذا التحذير مستمرًّا؟ وما الواجب إذا كان البعض يطرق كلّ المواضيع من دون أن يلتفت لحال العوامّ؟ وما العمل إذا كانت الوسائط في مكنة الجميع؟
الواقع أنّ التحذيرات التي صدرت من بعض العلماء من التطرّق إلى بعض المسائل ذات الصلة بالعقيدة وعلم الكلام وما جرى بين الصحابة من اقتتال بالخصوص... قد يكون لها أثر سلبيّ بمرور الزمن. ولو تمّ تطارحها من أهل الكفاية في الأمّة لربما كان لذلك أثره الإيجابيّ على الأمّة في مسارها عبر القرون.
ما الذي استفدناه عندما اعتبرنا الحديث فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من الطابوهات؟ ألم يكن أحرى بصفوة الأمّة لو فصلوا في الموضوع، وصوّبوا من صوّبوا، وخطّأوا من خطّأوا، وقدّموا للأجيال مادّة تاريخيّة صحيحة تقطع ألسنة المغرضين، وتحفظ للصحابة مكانتهم، واستخلصوا العبر والدروس ممّا جرى حتى تتجنّب الأمّة تكرار ذات الأسباب فتقع في فتن مشابهة لما سبق؟
إنّ مقولة: "تلك دماء طهّر الله منها سيوفنا فلنطهّر منها ألسنتنا"، والتي ظلّت تُتداوَل على الألسنة، ليس لها من مدلول سوى ترحيل المشكلة إلى أجيال لاحقة، ولم تسهم في منع التقاتل بين الفرقاء، بل ظلّت نار الحروب داخل الأمّة مشتعلة حتى أتت على وحدتها وقوّتها فتفرّقت ووهنت وذهب ريحها وطمع فيها أعداؤها فتداعوا عليها كما تداعى الأكلة إلى قصعة الثريد فتناولوها قطعة قطعة، ولا تزال تدفع ثمن المديونية التي تراكمت عليها منذ القرون الأولى بفعل ترحيل المشكلات من جيل إلى جيل، والتنصّل من تحمّل المسؤولية ومواجهة المشكلة بالحسم في إبّانها...
فلا نعجب إذن من بعض الدعاة والكتّاب اليوم في الخوض فيما نُهي الخوض فيه تحت أيّ ذريعة. وما ذا نفعل إذا كان من الباحثين من غير المسلمين من يكتب في مثل هذه الموضوعات، ويقدّم للعالم مادّة علميّة فيها الصحيح والسقيم، وتجمع بين الغثّ والسمين، فضلاً عن الروح الأيديولوجيّة التي تتعاطى مع الأحداث، وتوجّهها الوجهة التي تخدم هذه الروح والأهداف المتوخّاة من مثل هذه القراءات التي يضطلع بها غيرنا ونحن سادرون في غفلتنا، متحرّجون من قراءة تاريخنا القراءة الصحيحة، ثمّ نلقي باللّائمة على من يكتب في تاريخنا وما جرى فيه؟
وما ذا بوسعنا فعله إذا كانت شعوب بكاملها محسوبة على الأمّة الإسلاميّة تتبنّى قراءة خاصّة لما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم، وتجعل من تلك القراءة مذهبًا توالي وتعادي عليه، وتمدّ هذا المذهب بأسباب البقاء، وتمكّنه من وسائل القوّة والانتشار، وتجعل منه منهج حياة لها تجسّد فيه أفراحها وأحزانها، وتطبع به عاداتها وتقاليدها وكلّ ما يتعلّق بيومياتها؟!!
ولنا عودة إلى علم الكلام في منشور لاحق إن شاء الله.../...
-------------------------------
توضيح *
عطفًا على منشور الأمس (أعلاه) الذي لمستُ -من خلال بعض التعليقات- سوء فهم خصوصًا للفقرة الأولى التي لم أحسن صياغتها حتى ذهب البعض إلى أنّني أريد أن أكتب في بعض القضايا كاختلاف الصحابة، وأبعث أحداثها جذعة. وكان المعنى الذي قصدته أنّ التنزّه والتحرّج في الحديث في الموضوع من قِبل السلف بشكل لا يسمح باستغلال الحدث لصالح من نعرفهم اليوم شيعة ومستشرقين وعلمانيّين وحداثيّين ولادينيّين... ليس له من نتيجة سوى ترحيل القضيّة لأجيال لاحقة، وتمكينهم من تناول الحدث وتفسيره بناء على الخلفيّة الثقافية والأيديولوجيّة التي يتبنّاها كلّ فريق حسب ما هو معلوم في فلسفة التاريخ. ولو كانت سرديات الإمام الطبري محرّرة لكان بين أيدينا متن نعضّ عليه بالنواجذ، ونحاكم إليه كلّ محاولة سرديّة أخرى وما يتبعها من تفسير وتوجيه. لكنّه -رحمة الله عليه- التزم منهجًا جعله يضمّن تاريخه كلّ ما يُروى في الحدث بصرف النظر عن صحّة بعض هذه المرويات أو ضعفها أو تناقض بعضها مع بعض... تاركًا مهمّة التمحيص لمن بعده؛ وهو ما قام به بعض المعاصرين مشكورين.
إنّنا اليوم في عصر انفجار معرفي مذهل، وانفتاح على المعلومة غير مسبوق في التاريخ. وإذا كان غيرنا يكتب عنّا، بل ويتخصّص في قضايا لم تخطر على البال منّا، ومن بني ملّتنا من يخطب ويكتب وفق أجندة خبيثة، وإذا كان العدوّ يلمّع كلّ مارق منّا، ويُسنده ويُسعده، ويتولّى نشر ما ينتج... وكلّ هذا متاح ومبذول مجّانًا لمن يريده... إذا كان كلّ هذا التكالب على أمّة الإسلام ودينها وثوابتها، أفلا ينهض في الأمّة من يعمل على تحصين أبنائها، وإنارة عقولهم بما يدفع عاديات الشبهات عنهم في تاريخ أمّتهم وعقيدتها ومنظومتها التشريعيّة والسلوكيّة...؟ إنّ أبناء الأمّة اليوم نُهبة لمحترفي التشكيك وبثّ الشبهات حتى سرى المكر إلى مواطن الإجماع وقطعيّات الدين. وهل يخفى على أولي الألباب المخطّط الهدّام الذي تنخرط فيه اليوم دول إسلاميّة بكاملها، ترمي إلى توحيد الأديان إرضاءً لجهات غربيّة وصhيونيّة تعمل على الإجهاز على الإسلام وكيان الأمّة الذي لا يقوم إلاّ به؟. اهـ.
* منقول من صفحة الأستاذ على الفيسبوك.
وماذا بعد التحذير؟*
الأستاذ عزالدين كحيل - الجزائر
منذ مدّة غير قليلة ظلّت تراودني فكرة أن أكتب في بعض المواضيع التي حذَّر من الخوض فيها علماء من وزن الغزالي وأمثاله، وما حقيقة هذا التحذير؟ وهل العامّة يمكن أن تقع فيما يُخشى عليها؟ وإلى أيّ مدى يبقى هذا التحذير مستمرًّا؟ وما الواجب إذا كان البعض يطرق كلّ المواضيع من دون أن يلتفت لحال العوامّ؟ وما العمل إذا كانت الوسائط في مكنة الجميع؟
الواقع أنّ التحذيرات التي صدرت من بعض العلماء من التطرّق إلى بعض المسائل ذات الصلة بالعقيدة وعلم الكلام وما جرى بين الصحابة من اقتتال بالخصوص... قد يكون لها أثر سلبيّ بمرور الزمن. ولو تمّ تطارحها من أهل الكفاية في الأمّة لربما كان لذلك أثره الإيجابيّ على الأمّة في مسارها عبر القرون.
ما الذي استفدناه عندما اعتبرنا الحديث فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من الطابوهات؟ ألم يكن أحرى بصفوة الأمّة لو فصلوا في الموضوع، وصوّبوا من صوّبوا، وخطّأوا من خطّأوا، وقدّموا للأجيال مادّة تاريخيّة صحيحة تقطع ألسنة المغرضين، وتحفظ للصحابة مكانتهم، واستخلصوا العبر والدروس ممّا جرى حتى تتجنّب الأمّة تكرار ذات الأسباب فتقع في فتن مشابهة لما سبق؟
إنّ مقولة: "تلك دماء طهّر الله منها سيوفنا فلنطهّر منها ألسنتنا"، والتي ظلّت تُتداوَل على الألسنة، ليس لها من مدلول سوى ترحيل المشكلة إلى أجيال لاحقة، ولم تسهم في منع التقاتل بين الفرقاء، بل ظلّت نار الحروب داخل الأمّة مشتعلة حتى أتت على وحدتها وقوّتها فتفرّقت ووهنت وذهب ريحها وطمع فيها أعداؤها فتداعوا عليها كما تداعى الأكلة إلى قصعة الثريد فتناولوها قطعة قطعة، ولا تزال تدفع ثمن المديونية التي تراكمت عليها منذ القرون الأولى بفعل ترحيل المشكلات من جيل إلى جيل، والتنصّل من تحمّل المسؤولية ومواجهة المشكلة بالحسم في إبّانها...
فلا نعجب إذن من بعض الدعاة والكتّاب اليوم في الخوض فيما نُهي الخوض فيه تحت أيّ ذريعة. وما ذا نفعل إذا كان من الباحثين من غير المسلمين من يكتب في مثل هذه الموضوعات، ويقدّم للعالم مادّة علميّة فيها الصحيح والسقيم، وتجمع بين الغثّ والسمين، فضلاً عن الروح الأيديولوجيّة التي تتعاطى مع الأحداث، وتوجّهها الوجهة التي تخدم هذه الروح والأهداف المتوخّاة من مثل هذه القراءات التي يضطلع بها غيرنا ونحن سادرون في غفلتنا، متحرّجون من قراءة تاريخنا القراءة الصحيحة، ثمّ نلقي باللّائمة على من يكتب في تاريخنا وما جرى فيه؟
وما ذا بوسعنا فعله إذا كانت شعوب بكاملها محسوبة على الأمّة الإسلاميّة تتبنّى قراءة خاصّة لما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم، وتجعل من تلك القراءة مذهبًا توالي وتعادي عليه، وتمدّ هذا المذهب بأسباب البقاء، وتمكّنه من وسائل القوّة والانتشار، وتجعل منه منهج حياة لها تجسّد فيه أفراحها وأحزانها، وتطبع به عاداتها وتقاليدها وكلّ ما يتعلّق بيومياتها؟!!
ولنا عودة إلى علم الكلام في منشور لاحق إن شاء الله.../...
-------------------------------
توضيح *
عطفًا على منشور الأمس (أعلاه) الذي لمستُ -من خلال بعض التعليقات- سوء فهم خصوصًا للفقرة الأولى التي لم أحسن صياغتها حتى ذهب البعض إلى أنّني أريد أن أكتب في بعض القضايا كاختلاف الصحابة، وأبعث أحداثها جذعة. وكان المعنى الذي قصدته أنّ التنزّه والتحرّج في الحديث في الموضوع من قِبل السلف بشكل لا يسمح باستغلال الحدث لصالح من نعرفهم اليوم شيعة ومستشرقين وعلمانيّين وحداثيّين ولادينيّين... ليس له من نتيجة سوى ترحيل القضيّة لأجيال لاحقة، وتمكينهم من تناول الحدث وتفسيره بناء على الخلفيّة الثقافية والأيديولوجيّة التي يتبنّاها كلّ فريق حسب ما هو معلوم في فلسفة التاريخ. ولو كانت سرديات الإمام الطبري محرّرة لكان بين أيدينا متن نعضّ عليه بالنواجذ، ونحاكم إليه كلّ محاولة سرديّة أخرى وما يتبعها من تفسير وتوجيه. لكنّه -رحمة الله عليه- التزم منهجًا جعله يضمّن تاريخه كلّ ما يُروى في الحدث بصرف النظر عن صحّة بعض هذه المرويات أو ضعفها أو تناقض بعضها مع بعض... تاركًا مهمّة التمحيص لمن بعده؛ وهو ما قام به بعض المعاصرين مشكورين.
إنّنا اليوم في عصر انفجار معرفي مذهل، وانفتاح على المعلومة غير مسبوق في التاريخ. وإذا كان غيرنا يكتب عنّا، بل ويتخصّص في قضايا لم تخطر على البال منّا، ومن بني ملّتنا من يخطب ويكتب وفق أجندة خبيثة، وإذا كان العدوّ يلمّع كلّ مارق منّا، ويُسنده ويُسعده، ويتولّى نشر ما ينتج... وكلّ هذا متاح ومبذول مجّانًا لمن يريده... إذا كان كلّ هذا التكالب على أمّة الإسلام ودينها وثوابتها، أفلا ينهض في الأمّة من يعمل على تحصين أبنائها، وإنارة عقولهم بما يدفع عاديات الشبهات عنهم في تاريخ أمّتهم وعقيدتها ومنظومتها التشريعيّة والسلوكيّة...؟ إنّ أبناء الأمّة اليوم نُهبة لمحترفي التشكيك وبثّ الشبهات حتى سرى المكر إلى مواطن الإجماع وقطعيّات الدين. وهل يخفى على أولي الألباب المخطّط الهدّام الذي تنخرط فيه اليوم دول إسلاميّة بكاملها، ترمي إلى توحيد الأديان إرضاءً لجهات غربيّة وصhيونيّة تعمل على الإجهاز على الإسلام وكيان الأمّة الذي لا يقوم إلاّ به؟. اهـ.
* منقول من صفحة الأستاذ على الفيسبوك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق