الأربعاء، 29 يناير 2014

نكسات المسلمين:أسبابها وعلاجها


هناك ظاهرة تاريخية يجب أن نقف عندها طويلاً ونمتلك الإجابة الحقيقية حولها ، ذلك أنها تمثل لنا منهجاً نقتفي أثره ونسلك سبيله ، وهذه الظاهرة هى :

· لماذا لا يتكرر جيل الصحابة بعد عهده الأول ؟

· لماذا كانوا أفضل ممن بعدهم وأتقى وأعلم وأخشى وأكثر تضحية وجهاداً من الأجيال التي جاءت من بعدهم ؟

· هل القرآن الذي نزل عليهم في ثلاث وعشرين عاماً يختلف عن هذا القرآن الذي نحفظه ونتلوه ؟

إنه لم يتغير ولم يتبدل بل تكفل الله بحفظه إلى آخر الزمان ، لتطمئن القلوب ولتعلم أن الدين باق ومحفوظ بحفظ كتابه العزيز.



· هل كان وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم سبباً في تميز ذلك الجيل عن غيره ؟



إن هديه وسيرته وسنته بين أيدينا. نعم كان وجود النبي صلى الله عليه وسلم بينهم ورؤيتهم له وتنزل الوحي عليه مؤثر فيهم ، ولكنهم لم يكونوا يتبعون إلا أقواله وأفعاله وتقريراته وهي هي السنة التي بين أيدينا لم تتغير ولم تتبدل حفظت لنا كما حفظ القرآن .



إن هناك عوامل جعلت من ذلك الجمع الغفير من الصحابة جيلاً فريداً لا يجود الزمان بمثله ، ولعلي أتطرق إلى تلك العوامل بشيء من الاختصار .....



أولاً : كان النبع الأول الذي استقى منه ذلك الجيل هو نبع القرآن ، فما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه إلا أثراً من آثار ذلك النبع ، فعندما سئلت عائشة رضى الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت " كان خلقه القرآن " (1) .



وليس معنى أنهم يستقون من القرآن أنه لم يكن هناك علوم ولا حضارة ، بل كان ذلك موجود ، فهناك حضارة الروم والفرس في شمال الجزيرة وجنوبها ، وهناك مخلفات الحضارة الإغريقية ومنطقها وفلسفتها ، وهناك اليهود والنصارى وأحبارهم ورهبانهم في الجزيرة ، ولكن الصحابة لم يذعنوا ولم يتأثروا بهذه الثقافات والحضارات ، نعم استفادوا من بعضها وسخروه لخدمة الحياة والإسلام والجهاد ولكن هذه الثقافات لم تكن يوماً المصدر الأول في حياتهم ولم تكن يوما موجهة لأفكارهم وأخلاقهم ......



كان القرآن وحده هو المحرك وهو الموجه لكل تصرفاتهم ، وهو القائد والمنظم لأفكارهم ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب من أصحابه حين يرى أحدهم يأخذ من غير القرآن ، فعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمر أتاه فقال " إنا نسمع أحاديث من اليهود تعجبنا أفترى أن نكتب بعضها ؟ فقال : أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى ؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي " (2).



إذن كان هناك قصد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتصر على القرآن الذي يستقي منه ذلك الجيل في فترة التكوين الأولى ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يصنع جيل خالص القلب خالص العقل خالص التصور من أي مؤثر غير القرآن .



وهذا ما لا يوجد عند الأجيال الحاضرة ، إلا ما رحم ربك ، اليوم يستقي الناس فكرهم وتصوراتهم من منابع شتى ، يريد المرء أن يقرأ كل شيء ليفهمه ويستوعبه ، إلا القرآن يريد أن يقرأه لذات القراءة بلا فهم ولا علم .



كان ذلك الجيل إذا سمعوا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواقالوا أنصتوا ... كان القرآن المحرك للعبادة والمحرك للصدقة والمحرك للجهاد والشهادة ، فما باله اليوم لا يحرك إلا أعمدة المساجد !!



كان الصحابة في بيوتهم وبين أهليهم يجتمعون على تلاوة كتاب الله ويتدارسون بينهم ليفهموا ماذا يريد الله منهم فيعملوا به ، وبهذه الطريقة حيث يحبها الله يمكن لنا وللمسلمين أن يتقدموا خطوات في طريق العزة والتمكين .



ثانياً : كان الرجل حين يدخل في الإسلام يخلع على عتبته كل ماضيه وجاهليته ، كان يشعر في اللحظة التي يدخل فيها للإسلام أنه بدأ عهداً جديدا منفصلاً انفصالاً كاملاً عن حياته التي عاشها في الجاهلية ، كان يستنكر كل ماضيه ولا يحن إليه ولا يتمنى الرجوع له وهو إحساس وحسرة على الماضي بما فيه ، وبهذا الإحساس كان يتلقى هدي الإسلام الجديد ، وبهذا الشعور كان يفتح قلبه وسمعه وبصره لكل ما يأمر به الإسلام أو ينهى عنه .



وهذا الشعور ينبغي أن يتكرر في نفوسنا وفي نفوس من أقاموا على الضلال سنين طويلة ثم تابوا ، إن بعض من يتوبون إلى الله واستقاموا على الطريق ، ما زالوا يحنون إلى الماضي كلما تذكروا ، وهذا ضعف في التوبة وضعف في الصدق وسبب في تذبذب الإيمان والحرمان من تبديل السيئات إلى الحسنات .



كان بعض الصحابة إذا أقبل ليعلن إسلامه للنبي صلى الله عليه وسلم يشترط أن يغفر الله له كل ذنوبه لأنه يتبرأ منها ومن ماضيه ، ولهذا كانت إجابة النبي عليه الصلاة والسلام لمثل هؤلاء " فإن الإسلام يجب ما كان قبله " (3). قال تعالى ﴿ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا(الفرقان/70).



ثالثاً : ومن عوامل تميز ذلك الجيل ، سرعة استجابتهم لأمر الله ورسوله ، فحين نزل قول الله تبارك وتعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(المائدة/90) كانت استجابتهم فورية قال أنس بن مالك رضي الله عنه : " كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة ، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت ، قال : فقال لي أبو طلحة : اخرج فأهرقها فخرجت فهرقتها " (4) كانوا سريعي الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بلا تردد ولا تباطؤ ، بل كان من صفاتهم المبادرة طمعاً في إدراك الفضل ونيل السابقة .



حين نزل قول الله جل جلاله ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ(آل عمران/92) تصدق أبو طلحة رضى الله عنه ببستانه لله ورسوله (5). وفي يوم بدر " سمع عمير بن الحمام رضي الله عنه قول الله تعالى ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَفرمى التمرات التي كانت في يده فقاتل حتى قتل " (6) وكذا حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتصدق فعن عمر قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ، ووافق ذلك عندي مالاً ، فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً ، قال فجئت بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أبقيت لأهلك ؟ قلت مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده ، فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟ فقال أبقيت لهم الله ورسوله قلت والله لا أسبقه إلى شيء أبداً " (7)



إنها الاستجابة لأمر الله ورسوله ، والتي نحتاج العمل بها في حياتنا وفي أخلاقنا وسلوكنا في عبادتنا ومعاملتنا ، والله سبحانه وتعالى يقول ﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ(الأنعام/36) يسمعون بقلوبهم لا بآذانهم فحسب ، يعرفون مصدر الأمر فيبادرون بالاستجابة خوفاً وطمعاً ورغبة ورهبة .

إن الاستجابة لله ورسوله تدل على حياة القلب ، فكلما كان القلب حياً كانت استجابته لله أقوى .



رابعاً : ومن عوامل تميز ذلك الجيل ، سلامتهم من كثير من البدع والمفاهيم المغلوطة ، إن ذلك الجيل لم يعاني من الخرافات والبدع ، لم تكن هناك أزمات فكرية أو عقدية ، فسلموا من أزمة الثنائيات ، من ثنائية الآنا والأخر ونظرية تصادم العقل مع النقل والأصالة والمعاصرة ، فلم يعيشوا تناقضات حول الإسلام ، كانت جهة التلقي محسومة للكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فسلموا من الأهواء والآراء وتحكيم العقل ، فكانت عاقبة ذلك سلامة العقيدة من البدع والتجاوزات ، لم يعرف عن صحابي واحد أنه تبرك وتمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته ،ولا تبرك بصخرة وقف عليها أو شجرة استظل بها ، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام قال " لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ولا تجعلوا قبري عيداً ، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم " (8) فقطع دابر الشرك .



لكن بعض من يزعمون الصلاح والتدين اليوم أبوا إلا أن يجددوا البدع المنكرة بزيارة قبور الأولياء والصالحين والصلاة والدعاء عندها ، بل إن بعضهم يرى جواز السجود للقبور ودعائهم من دون الله .

إن جيل الصحابة سلم من الشركيات والبدع فأشرق الإيمان والتوحيد في قلوبهم وأشرقت لهم الدنيا فأقبل الناس على دين الله أفواجاً ....



إن جيل الصحابة رضوان الله عليهم لن يتكرر عبر التاريخ ، ولكن سيبقى هناك رجال مؤمنون يحبون دينهم ويضحون بأموالهم وأوقاتهم وأنفسهم من أجله، إنهم ثلة من الآخرين أحبوا القرآن فعاشوا به ومعه ، وأحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتدوا به في كل جوانب حياتهم ، وأحبوا صحابته الكرام رضي الله عنهم ويريدون أن يعملوا لدين الله مثل ما كانوا يعملون ، إنهم كما قال الله عنهم ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(الأحزاب/23)




نسأل الله تبارك وتعالى أن يجمعنا بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مغيرين ولا مبدلين.



أقول قولي هذا وأستغفر الله لى ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروا إنه هو الغفور الرحيم .




الكاتب سعد الغامدي






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق