[B]بسم الله الرحمن الرحيم[/B]
هذا هو الجزء الثَّاني مِن مقال: «القول المبين في العِشرة بين الزَّوجين»، وكنتُ ذكرتُ في الجزء الأوَّل منه: «حقوق الزَّوجة»، وهذا خصَّصتُه للحديث عن:
* حُــــــــقُــــــــــــــوق الـــــــــــــــــزَّوج:
حَقُّ الزَّوج على زوجته عظيم، بل هو مِن أعظم الحقوق، «وليس على المرأة بعد حقِّ الله ورسوله أوجب مِن حقِّ الزَّوج»(1)، وقد أخبر الله تعالى أنَّ حقَّه عليها أعظم مِن حقِّها عليه، فقال سبحانه: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾[البقرة:228]، قال الجصَّاص: «أخبر الله تعالى في هذه الآية أنَّ لكلِّ واحد مِن الزَّوجين على صاحبـه حقًّا، وأنَّ الزَّوج مختصٌّ بحقٍّ له عليها، ليس لها عليه مثله»(2).
ورَفَعَ الله تعالى درجةَ الرَّجل على المرأة في المنزلة والفضيلة والخُلُق وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح، وفُضِّل عليها في الميراث، والغنيمة، والجماعة، والجُمُعة، والخِلافة، والإِمارة، والجهاد، وجُعل الطَّلاق بيده(3).
وجعل الله تعالى القِوامة للرَّجل على المرأة، فقال سبحانه: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ الله بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾[النساء:34] أي: الرَّجل قَيِّم على المرأة، فهو رئيسها، وكبيرها، والحاكم عليها، وحُكْمُه نافذٌ في حقِّها، وهو مؤدِّبها إذا اعوجَّت، وهو خيرٌ منها، ولهذا كانت النُّبوَّة مختصَّة بالرِّجال، وكذلك المُلْك الأعظم، ومنصب القضاء وغير ذلك.
والمراد: أنَّه يقوم بالذَّبِّ عنها، ويسعى لمصلحتها، ويمنعها عن مواقع الآفات، كما تقوم الحكَّام والأمراء بالذَّبِّ عن الرَّعيَّة، و جاء اللَّفظ بصيغة المبالغة ـ في قوله: ﴿قَوَّامُونَ﴾ ـ: ليدلَّ على أصالتهم في هذا الأمر، ثمَّ قال سبحانه وتعالى: ﴿وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾[النساء:34] أي: وبما سَاقُوا لهنَّ مِن المهور، وصرفوا عليهنَّ مِن الأمـوال الَّتي أوجبهـا الله عليهم لهنَّ، فهم يقومون بما يَحْتَجْنَ إليه مِن النَّفقة في المطْعَم والمشْرَب والملْبَس والمسْكَن وغير ذلك، ولهـذا كان قيام المرأة بخدمة الرَّجل واجبًا مؤكَّدًا، رعايةً لهذه الحقوق المذكورة، فناسب ـ حينئذ ـ أنْ يكون الرِّجال قَوَّامين على النِّساء، قائميـن علـى تأديبهنَّ في الحقِّ، والأخذ بأيديهنَّ(4).
وقد أمر الله تعالى الزَّوجين بإقامة حدوده، وحَكَم على من تعدَّاها بأنَّه من الظَّالمين المعتدين، فقال سبحانه: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ الله فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾[البقرة:229]، «وإقامة حدود الله: فسَّرها مالك رحمه الله بأنَّها حقـوق الزَّوج وطاعته والبرِّ به، فإذا أضاعـتِ المرأةُ ذلك: فقد خالفتْ حدود الله»(5).
وإنْ كانَتْ «كلُّ نفسٍ مِن بني آدم سيِّد، فالرَّجل سيِّد أهله...»(6)، أي: أنَّ الزَّوجَ سيِّدُ الزَّوجةِ، كما قال الله تعالى ـ في قصَّة يوسف عليه السلام ـ: ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾[يوسف:25]، أي: زوجَها(7)، وسمَّى الله ـ سبحانـه ـ الزَّوج «بَعْلاً» في مواضع عدَّة مِن كتابه العزيـز، منها: قوله تعالى ـ حكاية عن امرأة إبراهيم عليه السلام ـ: ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾[هود:72]، قال ابن منظور: «وإنَّما سُمِّي زوج المرأة «بَعْلاً»؛ لأنَّه سيِّدها ومالكها»(8).
ومِن المعلوم أنَّ السُّجودَ لا يَصْلُحُ أنْ يكون لمخلوقٍ، ولو صَلَحَ أنْ يسجدَ بشرٌ لبشرٍ؛ لأُمِرَتِ المرأةُ بالسُّجود لزوجها «لكثرة حقوقه عليها، وعَجْزِها عن القيام بشكرها؛ وفي هذا غاية المبالغة لوجوب إطاعة المرأة في حقِّ زوجها»(9) فعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنْ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «مَا هَذَا يَا مُعَاذُ؟!»، قَالَ: أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لأَسَاقِفَتِهِمْ(10) وَبَطَارِقَتِهِمْ(11) فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَلاَ تَفْعَلُوا، فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤَدِّي المَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّـى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ(12) لَمْ تَمْنَعْهُ»(13) «وهو حثٌّ لهنَّ على مُطاوعة الأزواج ولو في هذه الحال، فكيف في غيرها؟!»(14).
وطاعةُ الزَّوجِ واجبةٌ، ولِعِظَم حقِّه على زوجته، قَرَنَ النَّبيُّ ﷺ بين طاعته وطاعة الله تعالى وأداء الفرائض الدِّينيَّة؛ فعَنْ عَبْـدِ الرَّحْمَنِ ابنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا صَلَّتِ المَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: اُدْخُلِي الجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الجَنَّةِ شِئْتِ»(15).
وعَنِ الحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ رضي الله عنه أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ فِي حَاجَةٍ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: «أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ قَالَتْ : مَا آلُوهُ(16) إِلاَّ مَا عَجَزْتُ عَنْهُ، قَـالَ: فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُـوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ»(17).
وطاعة الزَّوج مُقَدَّمَة على طاعة الوالدين، وطاعة الأبوين تنتقل إلى الزَّوج؛ قال شيخ الإسلام رحمه الله: «قوله: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله﴾[النساء:34]، يقتضي وُجوب طاعتها لزوجها مطلقًا، مِن خدمةٍ، وسفرٍ معـه، وتمكين له، وغير ذلك، كما دلَّت عليه سنَّة رسول الله ﷺ...، كما تجب طاعة الأبوين؛ فإنَّ كلَّ طاعة كانت للوالدين انتقلت إلى الزَّوج، ولم يَبْقَ للأبوين عليها طاعة، تلك وجبت بالأرحام، وهذه وجبت بالعهود»(18).
وسئل رحمه الله عن امرأة تزوَّجت وخرجت عن حُكم والديها، فأيُّهما أفضل: برُّها لوالديها؟ أو مُطاوعة زوجها؟
فأجاب: «الحمد لله ربِّ العالمين، المرأة إذا تزوَّجت كان زوجها أملك بها مِن أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب... فالمرأة عند زوجها تُشبه الرَّقيق والأسير، فليس لها أنْ تخرج مِن منزله إلاَّ بإذنه، سواء أمرها أبوها أو أمُّها أو غيرُ أبويها باتِّفاق الأئمَّة»(19).
فإنْ عَصَتِ المرأةُ زوجَها رَاحَتْ تَغْدُو في سَخَط الله، وكان مَصِيرُها إلى النَّار وبِئْسَ القرار، إلاَّ أنْ تتوب إلى الله تعالى، وتندم على ما صدر منها، وإنْ أطاعته في المعروف دخلت الجنَّة؛ لأنَّ طاعتَه مِن مُوجبات ذلك.
ولكن هذه الطَّاعة مَشْرُوطةٌ بما ليس فيه معصية لله عز وجل، فلو دعا الرَّجلُ زوجتَه إلى معصيةٍ فلا يجوز لها «أنْ تُطِيعَه فيمـا لا يحلُّ، مِثل أنْ يطلب منها الوَطْء في زمان الحيض، أو في المحلِّ المكروه، أو في نهار رمضان، أو غير ذلك مِن المعاصي»(20).
وهذا لحديث عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه ـ الَّذي في «الصَّحيحين» ـ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(21).
وقد حذَّر رسول الله ﷺ مِن معصيةِ المرأةِ زوجَها، وحرَّم عليها إغضابَه لِسُوء خُلق، أو ترك أدب، أو نُشوز، وجعل عِصيانها له مانعًا مِنْ قبول صلاتها، ومِن رَفْعها إلى السَّماء ـ كما يُرفع العمل الصَّالح ـ فقال ﷺ: «ثَلاَثَةٌ لاَ تُجَاوِزُ صَلاَتُهُمْ آذَانَهُمْ: العَبْدُ الآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ(22) وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ»(23).
وَلْتَعْلَمِ المرأةُ أنَّها إذا آذَتْ زوجَها وأغضبته، دَعَتْ عليها زوجتُه مِن الحور العين باللَّعنة والهلكة، قال رسـول الله ﷺ: «لاَ تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلاَّ قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ الحُورِ العِينِ: لاَ تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ(24) يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا»(25)، ففي هذا الحديث ـ كما يظهر ـ إنذارٌ للزَّوجات وترهيب لهنَّ مِن إيذاء أزواجهنَّ.
* فمِن حقِّ الزَّوج على زوجته أنْ تقرَّ في بيته، ولا تخرج منه إلاَّ للحاجة، وله أن يمنعها مِن الخروج، قال تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى﴾[الأحزاب:33]، أي: اِلْزَمْنَ بيوتكنَّ فلا تخرجْنَ لغير حاجة، ومِن الحوائج الشَّرعيَّة الصَّلاة في المسجد بشرطه(26)، ومِن ذلك: الخروج لحقٍّ أقوى مِن حقِّ الزَّوج، كحقِّ الشَّرع: مِثل حجَّة الفريضة، فللمرأة أنْ تخرج للحجِّ وإنْ لم يأذن لها زوجها؛ لأنَّ حقوق الزَّوج لا تجب في الفروض، وهذا بشرط أنْ تجد مَحْرَمًا يرافقها(27).
وإذا شُرِع للمرأة أنْ تخرجَ لحاجة، فليس لها أنْ تفعل إلاَّ بعد استئذان زوجِها؛ قال رسول الله ﷺ: «إِذَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَـى الْمَسْجِـدِ فَلاَ يَمْنَعْهَا»(28)، فيُفهم مِن الحديث: أنَّها إذا أرادت الخروج فلابدَّ أنْ تستأذِن، كما يُفهم منه أنَّ للزَّوج منعَها مِن ذلك إلاَّ فيما استثناه الشَّرع، ممَّا لها فيه حاجة ضروريَّة شرعيَّة.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: «إنَّ المرأة لا تخرج إلى المسجد بدون إذْن زوجها، فإنَّه لو لم يكن له إذْن ـ في ذلك ـ لأمرها أنْ تخرج إنْ أذِن أو لم يأذن»(29).
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: «لا يحلُّ للزَّوجة أنْ تخرج مِن بيتها إلاَّ بإذنه، ولا يحلُّ لأحد أنْ يأخذها إليه ويحبسها عن زوجها، سواء كان ذلك لكونها مُرْضِعًا، أو لكونها قابلة، أو غير ذلك مِن الصِّناعات، وإذا خرجتْ مِن بيت زوجها بغير إذنه كانـت ناشزةً، عاصيةً لله ورسوله، ومُستحقَّةً للعقوبة»(30).
* ومِن حقِّه عليها أن يستمتع بجسدها، سواء بجماع أو بمباشرة، طلبًا للولد، وقضاءً للوطر، وعليها أنْ تجيبه متى دعاهـا، وتُسلِّم نفسَها له، وتمكّنه مِن ذلك، بل وعليها أنْ تتزيَّن له وتتجمَّل بما أباح الله تعالى مِن الملبس والطِّيب، وأنْ تحسن هيئتها ممَّا يرغِّبه فيها، ويدعوه إليها، وذلك لأنَّ الزَّوج يستحقُّ ـ بالعقد ـ تسليم العِوَض عمَّا أصدقها، وهو الاستمتاع بها.
وليس لها أنْ ترفض إنْ أرادها لفراشه، بل يجب عليها أن تلبِّي طلبه ـ وإنْ لم يكن لها حاجة ورغبة ـ فإنْ قابلتْ طلبَه بالرَّفض كانتْ آثمة وعاصية لربِّها، ولعنتها الملائكة حتَّى يتنفَّس الصُّبح، ويَسْخَط الله عليها حتَّى يرضـى عنها زوجها؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَـهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»(31).
قال ابن أبي جمرة رحمه الله: «الظَّاهر أنَّ الفراش كنايةٌ عن الجماع... وظاهر الحديث اختصاص اللَّعن بما إذا وقع منها ذلك ليلاً، لقوله: «حَتَّى تُصْبِحَ»، وكأنَّ السِّرَّ تأكُّد ذلك الشَّأن في اللَّيل، وقوَّة الباعث عليه، ولا يلزم مِن ذلك أنَّه يجوز لها الامتناع في النَّهار، وإنَّما خصَّ اللَّيل بالذِّكر؛ لأنَّه المظنَّة لذلك»(32)، والإطلاق الوارد في الحديث الآتي وغيره يتناول اللَّيل والنَّهار(33).
وقال النَّووي رحمه الله: «هذا دليلٌ على تحريم امتناعها مِن فراشه لغير عـذرٍ شرعيٍّ، وليس الحيض بعذر في الامتناع؛ لأنَّ له حقًّا في الاستمتاع بها فوق الإزار، ومعنى الحديث أنَّ اللَّعنة تستمرُّ عليها حتَّى تزول المعصية بطلوع الفجر والاستغناء عنها، أو بتوبتها ورجوعها إلى الفراش»(34).
وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَـا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلاَّ كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا»(35)، قال المُهَلَّب رحمه الله: «هذا الحديث يُوجب أنَّ مَنْع الحقوق ـ في الأبدان كانت أو في الأموال ـ ممَّا يُوجب سَخَط الله، إلاَّ أنْ يتغمَّدها بعفوه»(36).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: «فإذا كان النَّبيُّ ﷺ قد حرَّم على المرأة أنْ تصوم تطوُّعًا، إذا كان زوجُها شاهـدًا إلاَّ بإذنه، فَتَمْنَع بالصَّوم بعض ما يجب له عليها، فكيف يكون حالها إذا طلبها فامتنعت؟!»(37).
ولكن إنْ وُجد عُذر شرعيٌّ يمنع ذلك، أو كانت الزَّوجة تشكو مِن مرض، أو مشقَّة شديدة، لا تستطيع تحمُّل ما يريده الزَّوج منها، فهي معذورة في الامتناع، على أنْ تُعْلِم زوجَها بسبب ذلك وتعتذر منه، فيتفهَّم الوضعَ ويَقْبَله.
* ومِن حقِّه عليها ألاَّ تُدْخِلَ إلى بيتِه ـ في غَيْبَتِه ـ أحدًا إلاَّ بإذنه، فإنْ كان مِن غير المحارم؛ حرُم عليه الدُّخول، لقولـه ﷺ: «إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟(38) قَالَ: «الحَمْوُ المَوْتُ»»(39).
وإذا كان مَنْ يُريد الدُّخول مِِن المحارم؛ لم تأذنْ له إنْ كان زوجُها يَكْرَهُ ذلك؛ أمَّا إذا علمتْ رِضاه فلا حرج عليها في الإذن لـه بالدُّخول؛ فعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلاَ تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ(40)»(41).
قال العيني رحمه الله: «أي: لا تأذنُ المرأةُ في بيتِ زوجِها؛ لا لرجلٍ، ولاَ لامرأةٍ يكرهها زوجُها؛ لأنَّ ذلك يُوجب سوءَ الظَّنِّ ويبعثُ على الغَيْرَة، الَّتي هي سببُ القطيعةِ»(42).
وقال النَّووي رحمه الله: «فيه إشارة إلى أنَّه لا يُفْتَات على الزَّوج وغيره مِن مَالِكِي البيوت وغيرها بالإذن في أملاكهم إلاَّ بإذنهم، وهذا محمول على ما لا يُعلم رِضا الزَّوج ونحوه به، فإنْ علمتِ المرأةُ ونحوها رضاه به، جاز»(43).
كما لا يجوز لها أن تسمح لأحد بالجلوس على تَكْرِمَته(44) إلاَّ بإذنه، لما ورد في خُطبة حجَّة الوداع، قوله ﷺ: «...أَلاَ إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ؛ فَلاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُـونَ(45) وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ(46)»(47)، وفي حديث جابر: «وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ»(48).
قال النَّووي رحمه الله: «والمختار أنَّ معناه أنْ لا يَأْذَنَّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم، والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون لـه رجلاً أجنبيًّا، أو امراةً، أو أحدًا مِن محارم الزَّوجة، فالنَّهي يتناول جميع ذلك، وهذا حُكم المسألة عند الفقهاء: أنَّها لا يحلُّ لها أنْ تأذن لرجل، أو امرأة، ولا محرم ولا غيره، في دخول منزل الزَّوج إلاَّ مَن علمت أو ظنَّت أنَّ الزَّوج لا يكرهه؛ لأنَّ الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتَّى يُوجد الإذن في ذلك منه أو ممَّن أذن له في الإذن في ذلك، أوْ عُرِف رضاه باطِّراد العُرْف بذلك ونحوه، ومتى حصل الشَّكُّ في الرِّضا ولم يترجَّح شيء، ولا وُجدت قرينة، لا يحلُّ الدُّخول ولا الإذن، والله أعلم»(49).
* ومِن حقِّه عليها أنْ لا تعمل عملاً يُضيِّع عليه كمال الاستمتاع بها، حتَّى ولو كان ذلك تطوُّعًا بعبادة، بل عليها أنْ تستأذنه قبل الشُّروع في بعض أعمال الخير والبرِّ، فلا تصومُ تطوُّعًا ـ وهو حاضر ـ إلاَّ بإذنه.
وعلَّة ذلك: أنَّها إنْ فعلتْ ستمنعه حقَّه في الاستمتاع؛ قال رسول الله ﷺ: «لاَ تَصُومُ المَرْأَةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلاَّ بِإِذْنِهِ»(50).
فهذا الصَّوم، وهو عبادةٌ لله، ومِن أعظم القُربات عند الله، ومَع ذلك يمنع الشَّرعُ المرأةَ أنْ تصومَ ـ نفلاً ـ إلاَّ بإذن زوجها، وهو ما يدلُّ على عِظم حقِّ الزَّوج على زوجته، ولكن إنْ لم يكن له رغبة فيها، أو كان غائبًا، فليس له أنْ يمنعها، بل الأولى أنْ يسمح لها؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[المائدة:2] (51).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفي الحديث أنَّ حقَّ الزَّوج آكد على المرأة مِن التَّطوُّع بالخير؛ لأنَّ حقَّه واجب، والقيام بالواجـب مُقدَّم على القيام بالتَّطوُّع»(52).
وقال عليٌّ القاري رحمه الله: «لا يحلُّ للمرأة أنْ تصوم نفلاً؛ لئلاَّ يفوت على الزَّوج الاستمتاع بها، وزوجها حاضر معها في بلدها إلاَّ بإذنه ـ تصريحًا أو تلويحًا ـ، وظاهر الحديث إطلاقُ منع صوم النَّفل، فهو حجَّة على الشَّافعية في استثناء نحو عرفة وعاشوراء»(53).
هذا في النَّفل، أمَّا إذا تعلَّق الأمر بالفريضة، كصوم رمضان، وكذا في غير رمضان مِن الواجب إذا تضيَّق الوقت، أو النَّذر المعيَّن فلا يحلُّ للزَّوج منعُها، بل ويحرم عليها طاعتُه في ذلك، إذْ «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(54).
قال النَّووي رحمه الله: «هذا محمول على صوم التَّطوُّع والمندوب، الَّذي ليس له زمن معيَّن، وهذا النَّهي للتَّحريم، صرَّح به أصحابنا.
وسببه: أنَّ الزَّوج له حقُّ الاستمتاع بها في كلِّ الأيَّام، وحقُّه فيه واجب على الفَور، فلا يفوته بتطوُّع، ولا بواجب على التَّراخي.
فإنْ قيل: فينبغي أنْ يجوز لها الصَّوم بغير إذنه، فإنْ أراد الاستمتاع بها كان له ذلك، ويُفسد صومها؟
فالجواب: أنَّ صومها يمنعه مِن الاستمتاع في العادة؛ لأنَّه يهاب انتهاك الصَّوم بالإفساد، وقوله ﷺ: «وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ» أي: مُقيم في البلد، أمَّا إذا كان مُسافرًا فلها الصَّوم؛ لأنَّه لا يتأتَّى منه الاستمتاع إذا لم تكن معه»(55).
وقال الباجي رحمه الله: «وهل يكون للزَّوج جَبْرُ المرأة على تأخير القضاء إلى شعبان أو لا؟
قال القاضي أبو الوليد: الظَّاهر عندي أنَّه ليس له ذلك إلاَّ باختيارها؛ لأنَّ لها حقًّا في إبراء ذمَّتها مِن الفرض الَّذي لزمها، وأمَّا التَّنفُّل فإنَّ له منعَها، لحاجته إليها»(56).
* ومِن حقِّه عليها أنْ تحافظ على ماله، فلا تنفق شيئًا مِنه إلاَّ بعلمه، ولا تتصرَّف فيه إلاَّ برضاه؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله ﷺ ـ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ ـ يَقُولُ: «لاَ تُنْفِقُ امْرَأَةٌ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَلاَ الطَّعَامُ؟ قَالَ: «ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا»(57)، فإذا لم تجز الصَّدقة بما هو أقلّ قدرًا مِن الطَّعام بغير إذن الزَّوج، فكيف تجوز بالطَّعام الَّذي هو أفضل؟!(58).
أمَّا إذا أَذِن الزَّوج لزوجته في الصَّدقة ـ وسواء كان الإذن عامًّا أم خاصًّا ـ(59) فهما في الأجر سواء؛ فعَنْ عَائِشَـةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِذَا أَنْفَقَتِ المَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُ مَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا أَجْرُ مَا اكْتَسَبَ وَلِخَازِنِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، لاَ يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ»(60).
قال العيني رحمه الله: «إنَّ ربَّ البيتِ قد يأذن لأهله وعِياله وللخادم في الإنفاق بما يكون في البيت مِن طعام أو إدام، ويُطلق أمرهم فيه إذا حضر السَّائل، ونزل الضَّيف، وحضَّهم رسول الله ﷺ على لُزوم هذه العادة، ووعدهم الثَّواب عليه، وليس ذلك بأنْ تَفْتات المرأة أو الخادم على ربِّ البيت فيما لم يأذن لهما فيه، وقيل: هذا في اليسير الَّذي لا يؤثِّر نقصانُه ولا يظهر، وقيـل: هذا إذا علم منه أنَّه لا يكره العطاء، فيعطي ما لم يُجحف، وهذا معنى قوله: «غَيْرَ مُفْسِدَةٍ»(61).
وقال العظيم آبادي رحمه الله: «فإنْ قلتَ: أحاديث هذا الباب جاءت مختلفة، فمنها: ما يدلُّ على منع المرأة أنْ تنفق مِن بيت زوجها إلاَّ بإذنه ـ وهو حديث أبي أُمامة المذكور ـ ومنها: ما يدلُّ على الإباحة بحصول الأجر لها في ذلك ـ وهو حديث عائشة المذكور ـ، ومنها: ما قُيِّدَّ فيه التَّرغيب في الإنفاق بكونه بطِيب نَفْسٍ منه، وبكونها غير مُفسدة ـ وهو حديث عائشة أيضًَا ـ ومنها: ما هو مُقَيَّد بكونها غير مُفسدة وإنْ كان مِن غير أَمْرِه ـ وهو حديث أبي هريرة ـ ومنها: ما قُيِّد الحكم فيه بكونه رَطْبًا ـ وهو حديث سعد بن أبي وقَّاص ـ.
قلتُ: كيفيَّة الجمع بينهما: أنَّ ذلك يختلف باختلاف عادات البلاد، وباختلاف حـال الزَّوج، مِن مُسامحته ورضاه بذلك، أو كراهَتِه لذلك، وباختلاف الحال في الشَّيء المنفَق، بين أنْ يكون شيئًا يسيرًا يُتسامَح به، وبين أنْ يكون له خَطَر في نفس الزَّوج يَبْخَل بمثله، وبين أنْ يكون ذلك رَطْبًا يُخْشى فَسادُه إنْ تأخَّر، وبين أنْ يكون يُدَّخَر، ولا يُخشى عليه الفسادُ»(62).
* ومِن حقِّه عليها أنْ تقوم بخِدْمته وخِدْمَة أولاده، وتصبر على ما قد تُعانيه مِنْ تَعَب ومَشقّة؛ فعَنِ الحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ فِي حَاجَةٍ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: «أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟»، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟» قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلاَّ مَا عَجَزْتُ عَنْهُ، قَالَ: «فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ»(63).
وهذا الَّذي كانت عليه نِساء السَّلف ـ رضي الله عنهنَّ ـ، أمثال فاطمة بنت رسول الله ﷺ وأسماء بنت أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنهما؛ فعن ابنِ أَبي لَيْلَى: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ رضي الله عنه: «أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِي يَدِهَا، وَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، وَلَقِيَتْ عَائِشَـةَ فَأَخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُُّ ﷺ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَـةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيْنَا وَقَـدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ النَّبِيُُّ ﷺ: «عَلَى مَكَانِكُمَا»، فَقَعَـدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: «أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَنْ تُكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، وَتُسَبِّحَـاهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، و تَحْمَدَاهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ»(64).
وعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: «أَنَّ أَسْمَاءَ قَالَتْ: كُنْتُ أَخْدُمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ البَيْتِ، وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ وَكُنْتُ أَسُوسُهُ، فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الخِدْمَةِ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ سِيَاسَةِ الفَرَسِ، كُنْتُ أَحْتَشُّ لَهُ، وَأَقُومُ عَلَيْهِ وَأَسُوسُهُ...» الحديث(65).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: «وتنازع العلماء: هل عليها أنْ تخدِمه في مِثل فِراش المنزل، ومناولة الطَّعام والشَّراب والخبز والطَّحن والطَّعام لمماليكه وبهائمه، مثل عَلَف دابَّته، ونحو ذلك، فمنهم مَن قال: لا تجب الخِدْمَة، وهذا القول ضعيف كضعف قول مَن قال: لا تجب عليه العِشرة والوَطْء، فإنَّ هذا ليس معاشرة له بالمعروف، بل الصَّاحب في السَّفر الَّذي هو نظير الإنسان وصاحبه في المسكن، إنْ لم يعاونه على مصلحة لم يكن قد عاشره بالمعروف، وقيل ـ وهو الصَّواب ـ: وجوب الخِدْمَة، فإنَّ الزَّوج سيِّدُها في كتاب الله(66) وهي عَانِيَة عنده بسنَّة رسول الله ﷺ(67) وعلى العاني والعبد الخدمة، ولأنَّ ذلك هو المعروف، ثمَّ مِن هؤلاء مَن قال: تجب الخِدْمَة اليسيرة، ومنهم مَن قال: تجب الخِدْمَة بالمعروف، وهذا هو الصَّواب، فعليها أنْ تخدمـه الخدمة المعروفة مِن مثلها لمثله، ويتنوَّع ذلك بتنوُّع الأحوال، فخِدْمَة البدويَّة ليست كخدمة القرويَّة، وخدمة القرويَّة ليست كخدمة الضَّعيفة»(68).
وقال ابن القيِّم رحمه الله: «فإنَّ العقود المطلقة إنَّما تُنزَّل على العُرف، والعُرف خِدْمَة المرأة، وقيامها بمصالح البيت الدَّاخلة، وقولهم: إنَّ خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرُّعًا وإحسانًا، يردُّه: أنَّ فاطمة كانت تشتكي ما تلقـى مِن الخِدْمَة، فلم يقـل ﷺ لعليٍّ: لا خِدْمَة عليها وإنَّما هي عليك، وهو ﷺ لا يحابي في الحُكْم أحدًا، ولمَّا رأى أسماء والعَلَف على رأسها والزُّبير معه، لم يقل له: لا خِدْمَة عليها، وأنَّ هذا ظلم لها، بل أقرَّه على استخدامها، وأقرَّ سائر أصحابه على استخدام أزواجهم، مع علمه بأنَّ منهنَّ الكارهة والرَّاضية، هذا أمر لا ريب فيه، ولا يصحُّ التَّفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنيَّة، فهذه أشرف نساء العالميـن كانت تَخْدِم زوجَها، وجاءته ﷺ تشكو إليه الخِدْمَة، فلم يَشْكُهَا...»(69).
ولكن لا يعني هذا أنَّ الزَّوج يُرهق زوجتَه، ويكلِّفها مِن العمل ما لا تطيق، بل يُستحبُّ له مشاركتُها في ذلك، ومساعدتها في بعض ما تقوم به، وهذا مِن حُسن المعاشرة بين الزَّوجين، وله في رسول الله ﷺ الأسوة الحسنة؛ فعَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: «سَأَلْـتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُـونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ ـ تَعْنِي: خِدْمَةَ أَهْلِهِ ـ(70) فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ»(71).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفيه التَّرغيب في التَّواضع، وترك التَّكبُّر، وخِدمة الرَّجل أهله، وترجم عليه المؤلِّف ـ في الأدب ـ: «كيف يكون الرَّجل في أهله»»(72).
وَعَنْ عُرْوَةَ رضي الله عنه قَالَ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: يَخْصِفُ(73) نَعْلَهُ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ»، وفي رواية: قالت: «مَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ؛ يَخْصِفُ النَّعْلَ، وَيُرَقِّعُ الثَّوْبَ، وَيَخِيطُ»(74).
وعَنْ عَمْرَة: «قِيلَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: مَاذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ بَشَرًا مِنَ البَشَرِ؛ يَفْلي ثَوْبَهُ وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ»(75).
قال المُهَلَّب رحمه الله: «هذا مِن فعله عليه السلام على سبيل التَّواضع، وليسنَّ لأمَّته ذلك، فمِن السُّنَّة أنْ يمتهن الإنسان نفسه في بيته فيما يحتاج إليه مِن أمر دنياه، وما يعينه على دينه، وليس التَّرفُّه في هذا بمحمود، ولا مِن سبيل الصَّالحين، وإنَّما ذلـك مِن سِيَر الأعاجم»(76).
* ومِن حقِّه عليها أنْ تحفَظَه في عِرضه، وولده، وماله، وترعى أسراره، ولا تخونُه في غَيْبَته، ولا تشهِّر به، ولا تُعيِّرْه، ولا تنتقصه، ولا تُسقط حُرمته عند النَّاس؛ قال الله تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله﴾[النساء:34]، «فالمرأة الصَّالحة: هي الَّتي تكون قانتة، أي: مُداومة على طاعة زوجها»(77)، والحافظة للغيب: الَّتي تحفظ غَيْبة زوجها في عِرْضِه وماله، بما حفظه الله لها، أي: عليها أنْ تحفظ حقوق زوجها في مقابلة ما حفظ الله حقَّها على زوجها(78).
قال ابن جرير الطَّبري رحمه الله: «وأمَّا قوله: ﴿حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله﴾ فإنَّه يعني: حافظات لأنفسهنَّ عند غَيْبَة أزواجهـنَّ عنهنَّ، في فروجهنَّ وأموالهم، وللواجب عليهنَّ مِن حقِّ الله في ذلك وغيره»(79).
ومِن ذلك أنْ يحفَظْنَ كلَّ ما هو خاصٌّ بالحياة الزَّوجيَّة، فلا يُطْلِعْنَ عليه أحدًا، ويدخل في هذا وُجوب كِتمان كلّ ما يكـون بينهنَّ وبين أزواجهنَّ في الخَلْوة، ولا سيما حديث الرَّفَث؛ فَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها: «أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قُعُودٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: «لَعَلَّ رَجُلاً يَقُولُ مَا يَفْعَلُ بِأَهْلِهِ، وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ بِمَا فَعَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا»، فَأَرَمَّ(80) الْقَـوْمُ، فَقُلْتُ: إِي وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُنَّ لَيَقُلْنَ، وَإِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ، قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلُوا، فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ الشَّيْطَانِ لَقِيَ شَيْطَانَـةً فِي طَرِيقٍ فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ»(81).
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِىَّ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي(82) إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا»، وفي رواية: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ(83) عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي...» الحديث(84).
ففي هذين الحديثين تحريم إفشاء الزَّوجين ما يجري بينهما مِن أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري مِن المرأة فيه مِن قول أو فعل ونحوه(85)، وهذا الفعل مِن أعظم خيانة الأمانة ـ كما أخبر النَّبيُّ ﷺ ـ.
وعليها أنْ تمتنع مِن الإقدام على أيِّ عمل يَضيق به صدرُه، وتشمئز منه نفسُه، فلا تَعْبِس في وجهـه، ولا تَظْهر في صُـورة يكرهها؛ قال رسول الله ﷺ: «خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَـا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَـا حَفِظَتْكَ في نَفْسِهَا وَمَالِكَ»(86).
* وعلى المرأة أنْ تشكرَ إحسانَ زوجِِها لها، ولا تجحد عِشْرته ونِعْمته؛ لأنَّه «لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ»(87)، «وشُكْر نِعمة الزَّوج هو مِن باب شُكر نِعمة الله؛ لأنَّ كلَّ نِعمة فَضَّل بها العشيرُ أهلَه، فهي مِن نِعمة الله أجراها على يديه»(88).
وإنْ جحدتْ فَضْلَه، وقابلتْ إحسانَه بالكُفْران، كان ذلك مَدْعاةً لِسَخَطِ الله عليها، قال رسول الله ﷺ: «لاَ يَنْظُرُ اللهُ إِلَى امْرَأَةٍ لاَ تَشْكُرُ لِزَوْجِهَا، وَهِيَ لاَ تَسْتَغْنِي عَنْهُ»(89).
فدلَّ هذا الحديث على وُجوب شُكرِ المرأةِ لزوجها المحسنِ إليها، لاسيما إذا كان قيامُه على شؤونها قد بلغ إلى درجةٍ، لا يمكنها الاستغناءُ عنه.
وليس الشُّكرُ محصورًا على ما ينطق به لِسان المرأة مِن الثَّناء الجميل على زوجها، بل المقصود معه إظهار السُّرور بالحياة معه وفي كنفه، وبَذْل الجهد في خِدْمته، والقيام على شؤونه وشؤون أولاده، والوقوف بجنبه في محنته، وغضِّ الطَّرف عـن عثراته، وإجابة طلباته، وحفظ أسراره، وعدم الإكثار من الشِّكاية منه؛ وهذا لأنَّ الشُّكر كما يكون باللِّسان، يكون بالقلب والجوارح أيضًا.
وتَرْك المرأةِ شُكْرَ زوجِها يُعدُّ كُفْرَانًا للعشير(90) وعَاقِبَتُه دُخول النَّار، لذا نهى عنه نبيُّنا ﷺ، وحذَّر النِّساء منه؛ فعَنْ عبد الله ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ ـ في آخر حديث الخسوف ـ: «...وَأُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَاليَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ»، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: «بِكُفْرِهِنَّ»، قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟! قَالَ: «يَكْفُرْنَ العَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا؛ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ»(91).
فهذا من رسول الله ﷺ «وَعْظٌ وزَجْر عن كُفر الإحسان، وجَحْدِه عند بعض التَّغيير ومُواقعةِ شيء مِن الإساءة، فإنَّه لا يَسْلَم أحدٌ ـ مع طول المؤالفة ـ إساءَةً أو مخالفةً، في قولٍ أو فعلٍ، فلا يُجْحدُ لذلك كثيرُ إحسانِه، ومُتَقَدِّم أفْضَالِه»(92).
وعَنْ أَسْمَاءَ بنت يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّةِ: «مَرَّ بِي النَّبيُّ ﷺ وَأَنَا فِي جِوَارِ أَتْرَابٍ لِي، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، وَقَالَ: «إِيَّاكُنَّ وَكُفْرُ المُنَعَّمِينَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا كُفْرُ المُنَعَّمِينَ؟! قال: «لَعَلَّ إِحْدَاكُنَّ تَطُولُ أَيْمَتُهَا(93) مِنْ أَبَوَيْهَا، ثُمَّ يَرْزُقَهَا اللَّهُ زَوْجًا، وَيَرْزُقَهَا مِنْهُ مالاً وَوَلَدًا، فَتَغْضَبَ الغَضْبَةَ فَتَكْفُرُ(94)؛ فَتَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ»(95).
[color="red"]* وعلى المرأة أنْ تحرص على الحياة مع زوجها[/color]، فلا يجوز لها ـ مهما بلغ غضبُها ـ أنْ تتسرَّع في طلب الطَّلاق مِنه لأتفه الأسباب أو لسبب لا يقتضي ذلك، فإنْ أقدمتْ عليه لمجرَّد سوء تفاهم بينها وبين زوجها، تكون قد سعت لفكِّ الرَّابطة الزَّوجيَّة، ونَقْض العهد المؤكَّد الَّذي يربطها بزوجها؛ قال تعالى: ﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾[النساء:21]، وهـو عقد النِّكاح الَّذي استُحِلَّ به الفرْج؛ على ما ذكره مجاهد وابن زيد(96)، بل عليها أنْ تصبر إذا رأت ما تكره، وتسعى في مُعالجة ذلك بالطُّرق السَّليمة، فإنْ عصتْ وسألتْ زوجَها التَّسريح لأدنى أمر، حَرَمَت نفسَها مِن الجِنَان، لقول رسول الله ﷺ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلاَقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الجنَّةِ»(97).
وطلب المرأة الطَّلاق ـ مِن غير سبب شرعيٍّ ـ مَعدود مِن صفات النِّفاق، قال رسول الله ﷺ: «المُخْتَلِعَاتُ هُنَّ المُنَافِقَاتُ»(98).
وفي رواية: «إِنَّ المُخْتَلِعَاتِ وَالمُنْتَزِعَاتِ(99) هُنَّ المُنَافِقَاتُ»(100).
ولكن إذا كانتِ المرأةُ في حالة شدَّة، دَعَتْها وألجأتها إلى المفارقة، كأنْ تخاف أنْ لا تُقيم حدود الله فيما يجب عليهـا مِن حُسن الصُّحبة، وجميل العِشرة، لكراهتها لزوجها ـ مثلا ـ أو بأنْ ضارَّها، أو ترجَّح ظُهُور مَفْسدة شرعيَّة باستمرارها معه في الحياة الزَّوجيَّة، فتختلع منه ـ حينئذ ـ لتضرُّرها ببقائها تحت عِصْمَته؛ فعن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما: «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَـتِ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ مَا أَعْتُبُ(101) عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلاَ دِينٍ، وَلَكِنِّي أَكْـرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلاَمِ(102)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟»(103)، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اقْبَلِ الحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً»(104).
* ومن حقِّه عليها ـ إذا مات ـ أنْ تُحِدَّ عليه أربعة أشهر وعشرة أيَّام، وليس لها أن تُحِدَّ على غيره بمثل هذه المدَّة؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾[البقرة:234]، هذا أمرٌ مِن الله للنِّساء اللاَّتي يُتَوفَّى عنهنَّ أزواجهنَّ أنْ يعتددن أربعة أشهر وعشر ليال، وهذا الحكم يشمل الزَّوجات المدخول بهنَّ، وغير المدخول بهنَّ بالإجماع(105).
وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبي سَلَمَةَ قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا ـ أَبُو سُفْيَانَ ـ فَدَعَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ ـ خَلُوقٌ(106) أَوْ غَيْرُهُ ـ فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا(107) ثُمَّ قَالَـتْ: وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ(108) عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»(109).
قال النَّوويُّ رحمه الله: «فيه دليل على وجوب الإحداد على المعتدَّة مِن وفاة زوجها، وهو مجمَع عليه في الجملة، وإن اختلفوا في تفصيله، فيجب على كلِّ معتدَّة عن وفاة، سواء المدخول بها وغيرها، والصَّغيرة والكبيرة، والبكر والثَّيِّب، والحرَّة والأمة...»(110).
واللهُ من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السَّبيل.
كتبه نجيب جلواح
المصدر
كتبه نجيب جلواح
المصدر
_______________________________________
(1) «مجموع فتاوى ابن تيميَّة» (32 /275).
(2) «أحكام القرآن» (2 /436).
(3) انظر: «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (1 /610)، و«فتح القدير» للشَّوكاني (2 /135)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (2 /74).
(4) انظر: «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (2 /292)، و«تفسير اللُّباب» لابن عادل (3 /104)، و«فتح القدير» للشَّوكاني (1 /69).
(5) «التَّحرير والتَّنوير» لابن عاشور (2 /335).
(6) جزء مِن حديث أخرجه ابن السُّنِّيِّ في «عمل اليوم واللَّيلة» (382)، وابن عديٍّ (4 /204)، والدَّيلمي (3 /262) رقـم: (4781)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» للألباني (2041).
(7) وهو قول أكثر المفسِّرين، منهم: الطَّبري (16 /51) وابن كثير (4 /383) والقرطبي (9 /171) وغيرهم.
(8) «لسان العرب» (11 /57).
(9) «تحفة الأحوذي» للمباركفوري (3 /238).
(10) الأَسَاقِفَة: جمع أُسْقُف، رئيسٌ من عُلماء النَّصارى، وهو اسمٌ سريانىٌّ، انظر: «النِّهاية في غريب الحديث والأثر» (2 /959).
(11) البَطَارِقَة: جمع بِطْرِيق، وهو الحاذِق بالحرْب وأمُورها ـ بِلُغة الرُّوم ـ وهو ذُو مَنْصِب وتَقَدُّم عندهم، انظر: «النِّهاية في غريب الحديث والأثر» لابن الأثير (1 /350).
(12) القَتَب: رَحْلٌ صغير على قَدْر السَّنَام، يُوضع على ظهر البعير كالإكاف، انظر: «الصِّحاح في اللُّغة» للجوهري (2 /61).
(13) رواه ابن ماجه (1853)، وهو في «صحيح سنن ابن ماجه» (1503).
(14) «آداب الزّفاف في السُّنَّة المطهَّرة» للألباني (ص211).
(15) رواه أحمد (1663)، وهو في «صحيح التَّرغيب والتَّرهيب» (1932).
(16) أي: لاَ أُقَصِّر في طاعته وخدمته، ولا أترك مِن حقِّه إلاَّ ما لا أقدر عليه، انظر: «آداب الزّفاف» للألباني (ص213).
(17) أخرجه أحمد في «المسند» (19025)، وهو في «صحيح الجامع» (1509).
(18) «مجموع الفتاوى» (32 /260 ـ 261).
(19) «مجموع الفتاوى» (32 /261 ـ 263).
(20) «أحكام النِّساء» لابن الجوزي (ص81).
(21) رواه البخاري (7257) ومسلم (4871).
(22) هذا إذا كان السَّخط لِسُوء خُلقها، أمَّا إنْ كان سَخَط زوجِها مِن غير جُرم فلا إثم عليها، انظر: «مرقاة المفاتيح» لعليٍّ القاري (4 /226).
(23) رواه التِّرمذي (360)، وهو في «صحيح الجامع» (3057).
(24) أي: ضيفٌ ونزيل، يعني هو كالضَّيف عليكِ، وأنتِ لستِ بأهلٍ له حقيقةً، وإنَّما نحن أهله، فيفارقـك، ويلحق بنا، قاله في «تحفـة الأحوذي» (4 /284).
(25) رواه التِّرمذي (1174) وابن ماجه (2014) وأحمد (22154)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» ( 173 ).
(26) «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (6 /409).
(27) «الموسوعة الفقهيَّة الكويتية» (2 /791).
(28) أخرجه البخاري (4940)، ومسلم (442).
(29) «فتح الباري» (6 /140).
(30) «مجموع الفتاوى» (32 /281).
(31) رواه البخاري (3237) ومسلم (3614).
(32) «فتح الباري» لابن حجر (9 /294).
(33) أفاده الحافظ في «الفتح» (9 /294).
(34) «شرح مسلم» (10 /7 ـ 8).
(35) رواه مسلم (1436).
(36) «فتح الباري» (9 /294).
(37) «الفتاوى الكبرى» (3 /144).
(38) هو أخو الزَّوج، وما أشبهه مِنْ أقارب الزَّوج.
(39) رواه البخاري (4934) ومسلم (2172).
(40) أي: في دخوله أو في الأكل منه، والمراد ببيته: مَسْكَنه بملك أم بغيره، قاله المُناوي في «فيض القدير» (6 /384).
(41) رواه البخاري (5195) ومسلم (2417).
(42) «عمدة القاري» (20 /185).
(43) «شرح مسلم» (7 /115).
(44) التَّكْرِمة: الموضِع الخاصُّ لِجُلوس الرَّجُل، من فِراش أو سَرير ممَّا يُعَدُّ لإكْرامِهِ، وهي تَفْعلة من الكَرامة، انظر: «النِّهاية في غريب الحديث والأثر» لابن الأثير (4 /300).
(45) أي: تكرهون دخوله، سواء كرهتموه في نفسه أم لا، قاله السِّندي في «حاشيته على ابن ماجه» (4 /108).
(46) هذا كالتَّفسير لما قبله، وهو عامٌّ، أفاده المباركفوري في «تحفة الأحوذي» (8 /384).
(47) أخرجه التِّرمذي (1163)، وابن ماجه (1924)، و هو في «صحيح سنن ابن ماجه» (1501).
(48) رواه مسلم (1218).
(49) «شرح مسلم» (8 /184).
(50) رواه التِّرمذي (787) وابن ماجة (1761)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» (395)، وأخرجه البخاري (5195) ومسلم (2417)، وليس عندهما ذِكر «رمضان»، ولفظه: «لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلاَ تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ»، و قد مضى قريبًا.
(51) انظر: «شرح بلوغ المرام» لعطيَّة سالم (2 /469).
(52) «فتح الباري» (9 /296).
(53) «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (6 /350) ـ مع حذفٍ يسير.
(54) سبق تخريجه.
(55) «شرح مسلم» (3 /474).
(56) «المنتقى شرح الموطَّأ» (2 /206).
(57) رواه التِّرمذي (670)، وأبو داود (3565)، وابن ماجة (2295)، وهو في «صحيح التَّرغيب والتَّرهيب» (943).
(58) قاله عليٌّ القاري في «مرقاة المفاتيح» (6 /239).
(59) الإذن العامُّ: أنْ يقول الزَّوج لزوجته ـ مثلا ـ: تصدَّقي بما شئتِ ومتى شئتِ ولمن شئتِ، فلها حينئذ حرِّيَّة التَّصرُّف، والإذن الخاصُّ: أنْ يأذن لها في التَّصدُّق على معيَّن، وبقيمة محدَّدة، وليس لها أن تفعل مرَّةً أخرى إلاَّ بإذنٍ جديد.
(60) أخرجه البخاري (1425)، ومسلم (2411)، وأبو داود (1687)، واللَّفظ له.
(61) «شرح سنن أبي داود» (6 /438).
(62) «عون المعبود» (5 /72).
(63) سبق تخريجه.
(64) أخرجه البخاري (2945) ومسلم (2727).
(65) رواه مسلم (2182).
(66) يُشير إلى قوله تعالى ـ في قصَّة يوسف عليه السلام ـ: ﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾، أي: زوجَها.
(67) العانية: هي الأسيرة والمحبوسة، وقد ورد هذا في قوله ﷺ ـ في خطبة حجَّة الوداع ـ: «فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ» رواه التِّرمذي (1163) وابن ماجه (1924)، وهو في «صحيح سنن ابن ماجه» (1501).
(68) «مجموع الفتاوى» (34 /90 ـ 91).
(69) «زاد المعاد» (5 /170).
(70) أي: يُساعِدُهنّ فيما هنَّ عليه مِن عَمل.
(71) أخرجه البخاري (676).
(72) «فتح الباري» (2 /163).
(73) الخَصْف: إصلاح النَّعل، وخياطته بالمِخْرَز.
(74) رواه البخاري في «الأدب المفرد» (539)، وهو في «صحيح الأدب المفرد» (419).
(75) رواه أحمد (26237) والبخاري في «الأدب المفرد» (541)، وهو في «صحيح الأدب المفرد» (420).
(76) «شرح البخاري» لابن بطَّال (14 /42).
(77) انظر: «الفتاوى الكبرى» لابن تيمية (3 /144).
(78) انظر: «تفسير النَّيْسَابُوري» (2 /491).
(79) «جامع البيان في تأويل القرآن» (8 /295).
(80) أي: سكتوا فلم يتكلَّموا، انظر: «غريب الحديث» لابن قتيبة (2 /322).
(81) رواه أحمد (27624)، وهو حسن، انظر: «صحيح الجامع» (7455).
(82) بالمباشرة والجماع، انظر: «فيض القدير» (2 /538).
(83) أي: مِن أعظم خيانة الأمانة، انظر: «عون المعبود» للعظيم آبادي (13 /149).
(84) رواه مسلم (1437).
(85) انظر: «شرح مسلم» للنَّووي (10 /8).
(86) رواه ابن جرير عن أبي هريرة افي «التَّفسير» (5 /60) وأخرجه الطيالسي (2444)، انظر: «السِّلسلة الصَّحيحة» (1838).
(87) حديث رواه أبو داود (4813)، والتِّرمذي (2081)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» (416).
(88) «شرح البخاري» لابن بطَّال (1 /71).
(89) رواه النَّسائي في «السُّنن الكبرى» (9135)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» (289).
(90) أي: للزَّوج، وسمِّيَ عشيرًا؛ لأنَّه يُعاشرها وتعاشره؛ وهو قول أكثر أهل اللُّغة والتَّفسير، انظر: «المنتقى شرح الموطَّأ» (1 /454).
(91) أخرجه البخاري (1052) ومسلم (2147).
(92) قاله أبو الوليد الباجي في «المنتقى شرح الموطَّأ» (1 /454).
(93) أَي: طول تعزُّبها وبقاؤها بلا زوج، أو لتسريحه إيَّاها.
(94) أي: تجحد خيرَ زوجِها ومَعْرُوفه.
(95) أخرجه أحمد (27602)، والبخاري في «الأدب المفرد» (1048)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» (823).
(96) انظر: «النُّكت والعيون» للمَاوَرْدِي (1 /286)، و«زاد المسير» لابن الجوزي (2 /8).
(97) رواه أحمد (22433)، وأبو داود (2226)، والتِّرمذي (1187)، وابن ماجه (2055)، وهو في «صحيح التَّرغيب والتَّّرهيب» (2018).
(98) رواه التِّرمذي (1186)، وهو في «صحيح الجامع» (6681)، والمُخْتَلِعَاتُ: هنَّ اللاَّتي يَطْلُبْن الخُلع والطَّلاق مِن أزواجهنَّ مِن غير بأس، والمُنَافِقَاتُ: العاصيات باطنًا، والمطيعات ظاهرًا، قال الطّيبي: «مبالغةً في الزَّجر»، انظر: «تحفة الأحوذي» للمباركفوري (4 /307).
(99) أي: الجاذبات أنفسهنَّ مِن أزواجهنَّ، بأنْ يُرِدْن قَطْع الوَصْلة بالفِراق، انظر: «فيض القدير» للمُناوي (2 /387).
(100) رواه الطَّبراني في «المعجم الكبير» (14347)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» (632).
(101) أي: لا أَعِيبُ.
(102) أي: أكره إنْ أقمتُ عنده أنْ أقع فيما يقتضي الكفر، ويحتمل أنْ تريد بالكفر كفران العشير، إذْ هو تقصير المرأة في حقِّ الزَّوج، أفـاده الحافظ في «الفتح» (9 /400).
(103) أي: بُستانه، ووقع في حديث عمر رضي الله عنه: أنَّه كان أصدقها الحديقة المذكورة، ولفظه: «وكان تزوَّجها على حديقة نخل» [«الفتح» (9 /400)].
(104) رواه البخاري (5273).
(105) انظر: «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (1 /635).
(106) الخَلُوق: طيب مركَّب مِن الزَّعفران وغيره مِن أنواع الطِّيب، تغلب عليه الحُمرة والصُّفرة.
(107) العَارِضان: جانبا الوجه، وصفحتا الخدَّيْن.
(108) الإحْداد: ترك الزِّينة مِن اللِّباس والطِّيب والحُلِيِّ والكُحْل، انظر: «المنتقى شرح الموطَّأ» لأبي الوليد الباجي (3 /338).
(109) أخرجه البخاري (5334) ومسلم (3798).
(110) «شرح مسلم» (10 /112).
* منقول من مجلة الإصلاح «العدد 12»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق