طول الأمل
فضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله تعالى-
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:5] ، وقال تعالى : {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20] .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ : ((كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)) . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ [1].
إن في هذا الحديث الشريف الحث على تقصير الأمل في الدنيا ، فإن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطناً ومسكناً فيطمئن فيها ، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر همّه جمع جهازه للرحيل .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً ؟ فَقَالَ : ((مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا)) [2].
من أبلغ الأمثلة للحياة الدنيا ما ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فقال : ((إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ)) ثُمَّ ذَكَرَ زَهْرَةَ الدُّنْيَا فَبَدَأَ بِإِحْدَاهُمَا وَثَنَّى بِالْأُخْرَى ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا يُوحَى إِلَيْهِ ، وَسَكَتَ النَّاسُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرَ ثُمَّ إِنَّهُ مَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ : ((أَيْنَ السَّائِلُ آنِفًا أَوَخَيْرٌ هُوَ ؟ - ثَلَاثًا - إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْخَيْرِ ، وَإِنَّهُ كُلَّمَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ كُلَّمَا أَكَلَتْ ، حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ الشَّمْسَ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ رَتَعَتْ . وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ لِمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ فَجَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ، وَمَنْ لَمْ يَأْخُذْهُ بِحَقِّهِ فَهُوَ كَالْآكِلِ الَّذِي لَا يَشْبَعُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) [5] .
إنَّ الدنيا لا تذم لذاتها وإنما يذم فعل العبد فيها ، فالدنيا قنطرة ومعبرة إلى الجنة أو إلى النار ، فهي مزرعة الآخرة ومنها زاد الجنة ، وخير عيش ناله أهل الجنة إنما كان بسبب ما زرعوه في الدنيا ، قال تعالى : {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] .
إنَّ الذم والوعيد إنما ورد في حق من آثر الدنيا على الآخرة فصارت الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه ، قال تعالى : {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (3 فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37-39] . فالمطلوب من العبد الإعتدال في العمل للدنيا والآخرة ؛ لا يشتعل بالدنيا ويترك الآخرة ، ولا يتخلى عن الدنيا ويتركها بالكلية فيضر بنفسه وبمن يعول ، أو يصبح عالة على غيره .
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا .
________________
[1] رواه البخاري (6416) .
[2] رواه الترمذي (2377) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (1963).
[5] رواه البخاري (2842) ، ومسلم (1052) .
المصدر: موقع فضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر
فضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله تعالى-
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:5] ، وقال تعالى : {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20] .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ : ((كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)) . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ [1].
إن في هذا الحديث الشريف الحث على تقصير الأمل في الدنيا ، فإن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطناً ومسكناً فيطمئن فيها ، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر همّه جمع جهازه للرحيل .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً ؟ فَقَالَ : ((مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا)) [2].
من أبلغ الأمثلة للحياة الدنيا ما ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المنبر فقال : ((إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ)) ثُمَّ ذَكَرَ زَهْرَةَ الدُّنْيَا فَبَدَأَ بِإِحْدَاهُمَا وَثَنَّى بِالْأُخْرَى ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَيَأْتِي الْخَيْرُ بِالشَّرِّ ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا يُوحَى إِلَيْهِ ، وَسَكَتَ النَّاسُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرَ ثُمَّ إِنَّهُ مَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ الرُّحَضَاءَ فَقَالَ : ((أَيْنَ السَّائِلُ آنِفًا أَوَخَيْرٌ هُوَ ؟ - ثَلَاثًا - إِنَّ الْخَيْرَ لَا يَأْتِي إِلَّا بِالْخَيْرِ ، وَإِنَّهُ كُلَّمَا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطًا أَوْ يُلِمُّ إِلَّا آكِلَةَ الْخَضِرِ كُلَّمَا أَكَلَتْ ، حَتَّى إِذَا امْتَلَأَتْ خَاصِرَتَاهَا اسْتَقْبَلَتْ الشَّمْسَ فَثَلَطَتْ وَبَالَتْ ثُمَّ رَتَعَتْ . وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَنِعْمَ صَاحِبُ الْمُسْلِمِ لِمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ فَجَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ، وَمَنْ لَمْ يَأْخُذْهُ بِحَقِّهِ فَهُوَ كَالْآكِلِ الَّذِي لَا يَشْبَعُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) [5] .
إنَّ الدنيا لا تذم لذاتها وإنما يذم فعل العبد فيها ، فالدنيا قنطرة ومعبرة إلى الجنة أو إلى النار ، فهي مزرعة الآخرة ومنها زاد الجنة ، وخير عيش ناله أهل الجنة إنما كان بسبب ما زرعوه في الدنيا ، قال تعالى : {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] .
إنَّ الذم والوعيد إنما ورد في حق من آثر الدنيا على الآخرة فصارت الدنيا أكبر همه ومبلغ علمه ، قال تعالى : {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (3 فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37-39] . فالمطلوب من العبد الإعتدال في العمل للدنيا والآخرة ؛ لا يشتعل بالدنيا ويترك الآخرة ، ولا يتخلى عن الدنيا ويتركها بالكلية فيضر بنفسه وبمن يعول ، أو يصبح عالة على غيره .
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا .
________________
[1] رواه البخاري (6416) .
[2] رواه الترمذي (2377) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (1963).
[5] رواه البخاري (2842) ، ومسلم (1052) .
المصدر: موقع فضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق