ظاهرة إطلاق الرصاص في الأعراس
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، أحمده جل شأنه وأشكره على نعمة الهدى والدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صادق الوعد الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجة إلى يوم الدين.
عباد الله:
اتقوا الله فتقوى الله وصية الله لكم ولمن كان قبلكم: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].
عباد الله:
إن الزواج نعمة أنعم الله بها على عباده، فقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]. والسنة في النكاح أن يعلن عنه بما شرع الله ورسوله - عليه الصلاة والسلام - إظهاراً للفرح والسرور.
وإعلان الفرح يجب ألا يتعدى الحدود الشرعية إلى الإسراف في الولائم، والتباهي والتفاخر بمظاهر العرس، أو استعمال المحرمات والمنهيات في مراسم الزواج، كما يحرَّم أذية الناس والجيران، أو استعمال ما يسبب لهم الأذى والضرر.
عباد الله:
إن من الظواهر المنكرة والعادات القبيحة التي فشت في أعراسنا استخدام الأسلحة النارية وإطلاق الرصاص الحي، يزعم أصحابها أنهم بزواجهم يفرحون، وبأعراسهم يعلنون، غير مبالين بالضرر الذي يلحق بالآخرين، وأقله إرعابُ الآمنين في بيوتهم وتخويفهم، ويا سبحان الله!! أي رابط هذا بين الفرح والسرور وإطلاق الرصاص الذي قد يأتي بالضرر والشرور.
عباد الله:
متى كان السلاح مظهراً من مظاهر الفرح؟ السلاح إنما يستخدم في القتال وإرهاب العدو ولهذا صنع، وليس له أي تعلق بالأفراح والمسرات، قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25].
عباد الله:
لقد كانت ظاهرة إطلاق الرصاص في الأعراس منتشرة في البوادي والأرياف البعيدة عن المدن، ولكن هذه الظاهرة فشت وانتشرت في المدن بأشد مما هي عليه في الأرياف، وأصبح أصحابها يتفاخرون بالسلاح وأنواعه، وكثرةِ ما يطلقون من الرصاص وأي أسلحة تستخدم، حتى رأينا من يستخدم الأسلحة المتوسطة كالمعدلات بعد عقد القران أو في منتصف الليل في زفة العرسان.
عباد الله:
إن إطلاق الرصاص في الأعراس داعيه الفخرُ لا الفرح، كلٌ يريد أن يكون أفضل من الثاني بكثرة ما يطلق من الرصاص في زواجه، ولسان حاله: "فلانٌ ليس أفضل مني"، فأين هؤلاء من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" إنَّ الله أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أحَدٌ عَلَى أحَدٍ، وَلاَ يَبْغِي أحَدٌ عَلَى أحَدٍ". [رواه مسلم] وقوله: " حَتَّى لَا يَفْخَرَ" من الفخر وهو ادعاء العظمة والكبرياء والشرف أي : كي لا يتعاظم. وقوله: "وَلاَ يَبْغِي أي: ولا يظلم. "وفي الجمع بينهما إشعار بأن الفخر والبغي نتيجتا الكِبْر؛ لأن المتكبر هو الذي يرفع نفسه فوق كل أحد ولا ينقاد لأحد". انتهى من [مرقاة المفاتيح].
عباد الله:
إن الناس في العالم المتحضر تتفاخر بالعلم والصناعة والنظام واحترام القانون، ونحن نتفاخر بالرصاص من يطلق أكثر وأي نوع من الأسلحة تستخدم!!. وإذا كانت هذه الظاهرة منتشرة في الأرياف لغلبة الجهل، فماذا نقول على انتشار هذه العادة القبيحة في المدن في مجتمع يُفترض أن يكون متمدناً حضارياً يعاف هذه الظواهر ويمجها ولا يقبل بها؛ لأنها لا تتناسب بتاتاً مع حياة المدينة!!.
عباد الله:
لقد أصبح السلاح في أيدي شباب صغار يتفاخرون به غير مبالين بما يسببه من أضرار ومآسٍ، ولذا جاء حكم العلماء على إطلاق الرصاص في الأعراس بالحرمة؛ لأنها مظنة القتل وترويع الآمنين، ولمخالفة ولي الأمر والأنظمة والقوانين، وكم حدثت بسببها من جرائم قتل، فذاك يطلق الرصاص في الهواء فرحاً بزعمه؛ فيعود الراجع على آمن في بيته أو موقعه فتقتلُه، والقصص في ذلك كثيرة والحوادث في تزايد، وأحياناً قد يتحول العُرس إلى مأتمٍ، ويُقتل خطأً بعضُ الأقرباء أو المدعُّوين وقد حدث هذا كثيراً، وقلَّ من يعتبر!.
أيها المؤمنون:
في إطلاق الرصاص مِن تخويف المسلمين الشيء الكثير، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا" [رواه أبو داود]. وتعظم الحرمة بل تكون من الكبائر العظيمة إذا اقترن إطلاقُ الرصاص بأذية الجار، فأيُّ شرع وأي عقل هذا الذي يجعلك تؤذي جارك في نصف الليل وربما قبيل الفجر بقليل؟ يأتي أحدهم من عرسه في منتصف الليل وإذا معركةٌ حربية عند البيت تروعُ الجيران، وتوقظ النائمين من نومهم!!.
هناك نساء وأطفال، وأناسٌ إذا قام أحدهم من نومه لا يستطيع العودة لنومه من جديد، هناك كبار السن الذين قد يستيقظون مذعورين من صوت الرصاص، وربما دعا أحدهم بدعوة في هذا الوقت من جوف الليل، فُتِّحت لها أبواب السماء في وقت إجابة، فيخسر أهل العرس التوفيق والسعادة، أو يصيب من أطلق الرصاص منها بلاء عظيم.
فهل يجوز ذلك - يا عباد الله - بدعوى الفرح بالزواج؟ وهل هذا أمرٌ يرضاه الله ورسوله؟ بل هل هذا من الأدب العام الذي ينبغي أن يتأدب به الناس في المجتمع؟. لقد نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أذية الجار فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره". [متفق عليه].
ألا فاعلموا - عباد الله - أن من أتى في نصف الليل أو آخره، وأزعج الناس في بيوتهم، وأيقظهم من نومهم بأي نوعٍ من الإزعاج؛ سواءً كان ذلك بإطلاق الرصاص أو المفرقعات أو أبواق السيارات المزعجة فقد آذى جاره وهو آثم، وينبغي للناس أن يبتعدوا عن هذه العادة القبيحة ألا وهي زفة العرسان في منتصف الليل، فإنها من أقبح عادات الزواج عندنا، وليس فيها شيءٌ من الخير، بل هي أذيةٌ وضرر، وإزعاجٌ وسهر، وضياعٌ لصلاة الفجر.
عباد الله:
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإشارة بالسلاح إلى المسلم خشية أن تزل يده بنَزْغٍ من الشيطان الرجيم، فكيف بمن يستعمل السلاح فعلاً ويتسبب بأذى المسلمين؟! فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ" [رواه مسلم]. ومعنى "يَنْزِعُ" أي أن الشيطان يقلع ﻣﻦ ﻳﺪﻩ، ﻓﻴﺼﻴﺐ ﺑﻪ ﺍلآﺧﺮ، ﺃﻭ ﻳﺸﺪ ﻳﺪﻩ ﻓﻴﺼﻴﺒﻪ، وهذا كثيراً ما يحدث، حيث يمازح أحدهم صاحبه بسلاحه فإذا الرصاصة تنطلق فتصيب الآخر، مع أن صاحب السلاح متأكدٌ أنه لم يضغط على الزناد، أو أنه متأكدٌ أن السلاح مؤمَّن، وقد يطلق الرصاص في الهواء ويوجه السلاح للأعلى فيتفاجئ بأن السلاح قد توجه إلى الناس.
كل ذلك من الشيطان ولذا حذر النبي من المزاح بالسلاح، بل جعله من الكبائر، حيث لعن من يفعل ذلك؛ لأنه قد يتسبب في سفك دمٍ حرام، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ" [رواه مسلم].
عباد الله:
ومن أدلة تحريم هذه الظاهرة العبثية القبيحة أنه إتلاف للمال بلا فائدة، وهذا تبذير وإسراف نهى الله تعالى عنه بقوله: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 27]، ومن ذلك أن هذا العتاد الذي يُستهلك إنما صُنع للقتال وللدفاع عن الدين والوطن والنفس، فلا يجوز استعماله بهذه الطريقة العبثية البعيدة عما صنع من أجله، واستعمال النعمة في غير ما خلقت له هو من كفران النعمة.
لهذا كله فإن الواجب يقتضي على العاقل الابتعاد عن هذه الظاهرة وعن تقليد الناس، فهي عادة منافية للشرع مجانبة للعقل، وليكن التعبير عن الفرح بما أحله الله تعالى؛ لتبدأ الحياة الزوجية بالطاعة، فيبارك الله فيها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 51، 52].
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم...
كتبه:ياسر عبد الله بن دحيم
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، أحمده جل شأنه وأشكره على نعمة الهدى والدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صادق الوعد الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجة إلى يوم الدين.
عباد الله:
اتقوا الله فتقوى الله وصية الله لكم ولمن كان قبلكم: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].
عباد الله:
إن الزواج نعمة أنعم الله بها على عباده، فقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]. والسنة في النكاح أن يعلن عنه بما شرع الله ورسوله - عليه الصلاة والسلام - إظهاراً للفرح والسرور.
وإعلان الفرح يجب ألا يتعدى الحدود الشرعية إلى الإسراف في الولائم، والتباهي والتفاخر بمظاهر العرس، أو استعمال المحرمات والمنهيات في مراسم الزواج، كما يحرَّم أذية الناس والجيران، أو استعمال ما يسبب لهم الأذى والضرر.
عباد الله:
إن من الظواهر المنكرة والعادات القبيحة التي فشت في أعراسنا استخدام الأسلحة النارية وإطلاق الرصاص الحي، يزعم أصحابها أنهم بزواجهم يفرحون، وبأعراسهم يعلنون، غير مبالين بالضرر الذي يلحق بالآخرين، وأقله إرعابُ الآمنين في بيوتهم وتخويفهم، ويا سبحان الله!! أي رابط هذا بين الفرح والسرور وإطلاق الرصاص الذي قد يأتي بالضرر والشرور.
عباد الله:
متى كان السلاح مظهراً من مظاهر الفرح؟ السلاح إنما يستخدم في القتال وإرهاب العدو ولهذا صنع، وليس له أي تعلق بالأفراح والمسرات، قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحديد: 25].
عباد الله:
لقد كانت ظاهرة إطلاق الرصاص في الأعراس منتشرة في البوادي والأرياف البعيدة عن المدن، ولكن هذه الظاهرة فشت وانتشرت في المدن بأشد مما هي عليه في الأرياف، وأصبح أصحابها يتفاخرون بالسلاح وأنواعه، وكثرةِ ما يطلقون من الرصاص وأي أسلحة تستخدم، حتى رأينا من يستخدم الأسلحة المتوسطة كالمعدلات بعد عقد القران أو في منتصف الليل في زفة العرسان.
عباد الله:
إن إطلاق الرصاص في الأعراس داعيه الفخرُ لا الفرح، كلٌ يريد أن يكون أفضل من الثاني بكثرة ما يطلق من الرصاص في زواجه، ولسان حاله: "فلانٌ ليس أفضل مني"، فأين هؤلاء من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" إنَّ الله أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أحَدٌ عَلَى أحَدٍ، وَلاَ يَبْغِي أحَدٌ عَلَى أحَدٍ". [رواه مسلم] وقوله: " حَتَّى لَا يَفْخَرَ" من الفخر وهو ادعاء العظمة والكبرياء والشرف أي : كي لا يتعاظم. وقوله: "وَلاَ يَبْغِي أي: ولا يظلم. "وفي الجمع بينهما إشعار بأن الفخر والبغي نتيجتا الكِبْر؛ لأن المتكبر هو الذي يرفع نفسه فوق كل أحد ولا ينقاد لأحد". انتهى من [مرقاة المفاتيح].
عباد الله:
إن الناس في العالم المتحضر تتفاخر بالعلم والصناعة والنظام واحترام القانون، ونحن نتفاخر بالرصاص من يطلق أكثر وأي نوع من الأسلحة تستخدم!!. وإذا كانت هذه الظاهرة منتشرة في الأرياف لغلبة الجهل، فماذا نقول على انتشار هذه العادة القبيحة في المدن في مجتمع يُفترض أن يكون متمدناً حضارياً يعاف هذه الظواهر ويمجها ولا يقبل بها؛ لأنها لا تتناسب بتاتاً مع حياة المدينة!!.
عباد الله:
لقد أصبح السلاح في أيدي شباب صغار يتفاخرون به غير مبالين بما يسببه من أضرار ومآسٍ، ولذا جاء حكم العلماء على إطلاق الرصاص في الأعراس بالحرمة؛ لأنها مظنة القتل وترويع الآمنين، ولمخالفة ولي الأمر والأنظمة والقوانين، وكم حدثت بسببها من جرائم قتل، فذاك يطلق الرصاص في الهواء فرحاً بزعمه؛ فيعود الراجع على آمن في بيته أو موقعه فتقتلُه، والقصص في ذلك كثيرة والحوادث في تزايد، وأحياناً قد يتحول العُرس إلى مأتمٍ، ويُقتل خطأً بعضُ الأقرباء أو المدعُّوين وقد حدث هذا كثيراً، وقلَّ من يعتبر!.
أيها المؤمنون:
في إطلاق الرصاص مِن تخويف المسلمين الشيء الكثير، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا" [رواه أبو داود]. وتعظم الحرمة بل تكون من الكبائر العظيمة إذا اقترن إطلاقُ الرصاص بأذية الجار، فأيُّ شرع وأي عقل هذا الذي يجعلك تؤذي جارك في نصف الليل وربما قبيل الفجر بقليل؟ يأتي أحدهم من عرسه في منتصف الليل وإذا معركةٌ حربية عند البيت تروعُ الجيران، وتوقظ النائمين من نومهم!!.
هناك نساء وأطفال، وأناسٌ إذا قام أحدهم من نومه لا يستطيع العودة لنومه من جديد، هناك كبار السن الذين قد يستيقظون مذعورين من صوت الرصاص، وربما دعا أحدهم بدعوة في هذا الوقت من جوف الليل، فُتِّحت لها أبواب السماء في وقت إجابة، فيخسر أهل العرس التوفيق والسعادة، أو يصيب من أطلق الرصاص منها بلاء عظيم.
فهل يجوز ذلك - يا عباد الله - بدعوى الفرح بالزواج؟ وهل هذا أمرٌ يرضاه الله ورسوله؟ بل هل هذا من الأدب العام الذي ينبغي أن يتأدب به الناس في المجتمع؟. لقد نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أذية الجار فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره". [متفق عليه].
ألا فاعلموا - عباد الله - أن من أتى في نصف الليل أو آخره، وأزعج الناس في بيوتهم، وأيقظهم من نومهم بأي نوعٍ من الإزعاج؛ سواءً كان ذلك بإطلاق الرصاص أو المفرقعات أو أبواق السيارات المزعجة فقد آذى جاره وهو آثم، وينبغي للناس أن يبتعدوا عن هذه العادة القبيحة ألا وهي زفة العرسان في منتصف الليل، فإنها من أقبح عادات الزواج عندنا، وليس فيها شيءٌ من الخير، بل هي أذيةٌ وضرر، وإزعاجٌ وسهر، وضياعٌ لصلاة الفجر.
عباد الله:
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإشارة بالسلاح إلى المسلم خشية أن تزل يده بنَزْغٍ من الشيطان الرجيم، فكيف بمن يستعمل السلاح فعلاً ويتسبب بأذى المسلمين؟! فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ" [رواه مسلم]. ومعنى "يَنْزِعُ" أي أن الشيطان يقلع ﻣﻦ ﻳﺪﻩ، ﻓﻴﺼﻴﺐ ﺑﻪ ﺍلآﺧﺮ، ﺃﻭ ﻳﺸﺪ ﻳﺪﻩ ﻓﻴﺼﻴﺒﻪ، وهذا كثيراً ما يحدث، حيث يمازح أحدهم صاحبه بسلاحه فإذا الرصاصة تنطلق فتصيب الآخر، مع أن صاحب السلاح متأكدٌ أنه لم يضغط على الزناد، أو أنه متأكدٌ أن السلاح مؤمَّن، وقد يطلق الرصاص في الهواء ويوجه السلاح للأعلى فيتفاجئ بأن السلاح قد توجه إلى الناس.
كل ذلك من الشيطان ولذا حذر النبي من المزاح بالسلاح، بل جعله من الكبائر، حيث لعن من يفعل ذلك؛ لأنه قد يتسبب في سفك دمٍ حرام، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ" [رواه مسلم].
عباد الله:
ومن أدلة تحريم هذه الظاهرة العبثية القبيحة أنه إتلاف للمال بلا فائدة، وهذا تبذير وإسراف نهى الله تعالى عنه بقوله: ﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 27]، ومن ذلك أن هذا العتاد الذي يُستهلك إنما صُنع للقتال وللدفاع عن الدين والوطن والنفس، فلا يجوز استعماله بهذه الطريقة العبثية البعيدة عما صنع من أجله، واستعمال النعمة في غير ما خلقت له هو من كفران النعمة.
لهذا كله فإن الواجب يقتضي على العاقل الابتعاد عن هذه الظاهرة وعن تقليد الناس، فهي عادة منافية للشرع مجانبة للعقل، وليكن التعبير عن الفرح بما أحله الله تعالى؛ لتبدأ الحياة الزوجية بالطاعة، فيبارك الله فيها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 51، 52].
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم...
كتبه:ياسر عبد الله بن دحيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق