يقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ العبد ليعمَل فيما يرى النّاس عمل أهل الجنّة وإنّه لمَن أهل النّار، ويعمل فيما يرى النّاس عمل أهل النّار وهو من أهل الجنّة، وإنّما الأعمال بخواتيمها”. إنّ في تغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة، وتدبيرًا لطيفًا؛ لأنّه لو علم أنّه ناج تكاسل وتقاعس، وإن علم أنّه هالك ازداد عُتوًا وطغيانًا، فحجب الله عنه ذلك ليكون بين الخوف والرّجاء، ومن هنا كان خوف الصّالحين من سوء الخاتمة شديدًا.
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: ما أحد أمِن على إيمانه ألاّ يُسلَبَهُ عند الموت إلاّ سُلِبه، ولمّا حضرت الوفاة سفيان الثوري رحمه الله جعل يبكي، فقال له رجل: يا أبا عبد الله أمِن كثرة الذّنوب؟ قال: لا، ولكن أخاف أن أُسلب الإيمان قبل الموت، يقول ابن القيم رحمه الله: من أعظم الفقه أن يخاف الرجل أن تخدعه ذنوبه عند الموت، فتحُول بينه وبين الخاتمة الحسنى.
ولسوء الخاتمة أعاذنا الله منها أسباب، وطرق وأبواب، أعظمها الانكباب على الدّنيا وطلبها والحرص عليها، والإعراض عن الآخرة والإقدام والجرأة على المعاصي، وربّما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة ونوع من المعصية، وجانب من الإعراض، ونصيب من الجرأة والإقدام، فملك قلبه وسبى عقله، فربّما جاءه الموت على ذلك، وسوء الخاتمة لا يكون لمَن استقام ظاهره وصلح باطنه، وإنّما يكون لمَن عنده فساد في العقيدة، أو إصرار على الكبيرة، وإقدام على العظائم، فربّما غلب ذلك عليه حتّى نزل به الموت قبل التّوبة.
وقد يظهر من المحتضر ما يدلّ على سوء الخاتمة، كالنّكول عن النّطق بالشّهادتين، والتحدّث بالسيّئات والمحرّمات، وإظهار التعلّق بها، ونحو ذلك من أقوال وأفعال تدلّ على الإعراض عن دين الله والتبرّم لنزول قضائه. يقول ابن القيم: وإذا نظرتَ إلى حال كثير من المحتضرين وجدتهم يُحال بينهم وبين حسن الخاتمة عقوبةً لهم على أعمالهم السيّئة، ويقول ابن رجب الحنبلي: وإنّ خاتمة السُّوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها النّاس، إمّا من جهة عمل سيئ ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفيّة توجب سوء الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرّجل عمل أهل النّار وفي باطنه خصلة خفيّة من خصال الخير، فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره، فتوجب له حسن الخاتمة.
ومن الأسباب التّسويف بالتّوبة، والعكوف على المعاصي، والتّهاون في فعل الواجبات، ويضمر بعضهم أنّه سيتوب ولكن متَى؟ فالأعزب يقول: حين أتزوّج، والطالب: حين أتخرّج، والفقير: حين أتوظّف، ويقول الصغير: حين أكبر، وهكذا يُحدّد كلّ واحد موعدًا لتوبته، فكأنّه قد ضمن بلوغ هذه الآمال، ولا يخشى أن تخترمه المنايا قبل وصوله إلى مأموله، ثمّ لنفترض أنّه وصل فمَن يضمن له أن يوفَّق للتّوبة وقد قضى الأعمار في الغواية والضّلال والشّهوات الّتي غالبًا ما تكون سببًا لانقلاب القلوب وانتكاسها: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ}، ثمّ بيّن ربّنا سبب هذا الانقلاب فقال: {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي: بسبب ردّ الحقّ أوّل ما جاءهم، ثمّ قال: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}. وقد ذمّ الله قومًا طالت آمالهم حتّى ألهتهم عن العمل للدّار الآخرة، ففاجأهم الأجل وهم غافلون: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، ذَرْهُمْ يَاكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}. يقول عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: إنّما أخشى عليكم اثنتين: طول الأمل واتّباع الهوى، فأمّا طول الأمل فإنّه يُنسي الآخرة، وأمّا اتباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحقِّ.
ومن الأسباب كذلك حبّ المعصية، فإنّ الإنسان إذا داوم على المعاصي ولم يُسارع إلى التّوبة ألفها قلبه فاستولت على تفكيره في اللّحظات الأخيرة من عمره، فيموت عليها ويبعث عليها. يروي الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “يبعث كلّ عبد على ما مات عليه”. ذُكر أنّ رُجلاً عند الموت لُقّن لا إله إلاّ الله، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقولون، ومات على ذلك، فلمّا سُئل عنه فإذا هو مدمن خمر. وقيل لآخر عند موته: قل لا إله إلاّ الله، فقال: آه آه، لا أستطيع أن أقولها، حتّى قبضت روحه، والقصص في هذا كثيرة.
يقول ابن قدامة رحمه الله: وإذا عرفت معنى سوء الخاتمة فاحذَر أسبابها، وأعدّ ما يصلح لها، وإيّاك والتّسويف بالاستعداد فإنّ العمر قصير، وكلّ نفس من أنفاسك بمنزلة خاتمتك؛ لأنّه يمكن أن تخطف فيه روحك، والإنسان يموت على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه. ومن هنا فعلى العبد أن يلزم نفسه بالطّاعة والتّقوى، وأن ينأى بنفسه عمّا حرم الله، وأن يبادر بالتّوبة من المعاصي، وأن يلحّ في دعاء الله أن يَختم له بالخاتمة الحُسنى، وأن يحسن الظنّ بربّه عزّ وجلّ
منقول
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: ما أحد أمِن على إيمانه ألاّ يُسلَبَهُ عند الموت إلاّ سُلِبه، ولمّا حضرت الوفاة سفيان الثوري رحمه الله جعل يبكي، فقال له رجل: يا أبا عبد الله أمِن كثرة الذّنوب؟ قال: لا، ولكن أخاف أن أُسلب الإيمان قبل الموت، يقول ابن القيم رحمه الله: من أعظم الفقه أن يخاف الرجل أن تخدعه ذنوبه عند الموت، فتحُول بينه وبين الخاتمة الحسنى.
ولسوء الخاتمة أعاذنا الله منها أسباب، وطرق وأبواب، أعظمها الانكباب على الدّنيا وطلبها والحرص عليها، والإعراض عن الآخرة والإقدام والجرأة على المعاصي، وربّما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة ونوع من المعصية، وجانب من الإعراض، ونصيب من الجرأة والإقدام، فملك قلبه وسبى عقله، فربّما جاءه الموت على ذلك، وسوء الخاتمة لا يكون لمَن استقام ظاهره وصلح باطنه، وإنّما يكون لمَن عنده فساد في العقيدة، أو إصرار على الكبيرة، وإقدام على العظائم، فربّما غلب ذلك عليه حتّى نزل به الموت قبل التّوبة.
وقد يظهر من المحتضر ما يدلّ على سوء الخاتمة، كالنّكول عن النّطق بالشّهادتين، والتحدّث بالسيّئات والمحرّمات، وإظهار التعلّق بها، ونحو ذلك من أقوال وأفعال تدلّ على الإعراض عن دين الله والتبرّم لنزول قضائه. يقول ابن القيم: وإذا نظرتَ إلى حال كثير من المحتضرين وجدتهم يُحال بينهم وبين حسن الخاتمة عقوبةً لهم على أعمالهم السيّئة، ويقول ابن رجب الحنبلي: وإنّ خاتمة السُّوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها النّاس، إمّا من جهة عمل سيئ ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفيّة توجب سوء الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرّجل عمل أهل النّار وفي باطنه خصلة خفيّة من خصال الخير، فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره، فتوجب له حسن الخاتمة.
ومن الأسباب التّسويف بالتّوبة، والعكوف على المعاصي، والتّهاون في فعل الواجبات، ويضمر بعضهم أنّه سيتوب ولكن متَى؟ فالأعزب يقول: حين أتزوّج، والطالب: حين أتخرّج، والفقير: حين أتوظّف، ويقول الصغير: حين أكبر، وهكذا يُحدّد كلّ واحد موعدًا لتوبته، فكأنّه قد ضمن بلوغ هذه الآمال، ولا يخشى أن تخترمه المنايا قبل وصوله إلى مأموله، ثمّ لنفترض أنّه وصل فمَن يضمن له أن يوفَّق للتّوبة وقد قضى الأعمار في الغواية والضّلال والشّهوات الّتي غالبًا ما تكون سببًا لانقلاب القلوب وانتكاسها: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ}، ثمّ بيّن ربّنا سبب هذا الانقلاب فقال: {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي: بسبب ردّ الحقّ أوّل ما جاءهم، ثمّ قال: {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}. وقد ذمّ الله قومًا طالت آمالهم حتّى ألهتهم عن العمل للدّار الآخرة، ففاجأهم الأجل وهم غافلون: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، ذَرْهُمْ يَاكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}. يقول عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: إنّما أخشى عليكم اثنتين: طول الأمل واتّباع الهوى، فأمّا طول الأمل فإنّه يُنسي الآخرة، وأمّا اتباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحقِّ.
ومن الأسباب كذلك حبّ المعصية، فإنّ الإنسان إذا داوم على المعاصي ولم يُسارع إلى التّوبة ألفها قلبه فاستولت على تفكيره في اللّحظات الأخيرة من عمره، فيموت عليها ويبعث عليها. يروي الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “يبعث كلّ عبد على ما مات عليه”. ذُكر أنّ رُجلاً عند الموت لُقّن لا إله إلاّ الله، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقولون، ومات على ذلك، فلمّا سُئل عنه فإذا هو مدمن خمر. وقيل لآخر عند موته: قل لا إله إلاّ الله، فقال: آه آه، لا أستطيع أن أقولها، حتّى قبضت روحه، والقصص في هذا كثيرة.
يقول ابن قدامة رحمه الله: وإذا عرفت معنى سوء الخاتمة فاحذَر أسبابها، وأعدّ ما يصلح لها، وإيّاك والتّسويف بالاستعداد فإنّ العمر قصير، وكلّ نفس من أنفاسك بمنزلة خاتمتك؛ لأنّه يمكن أن تخطف فيه روحك، والإنسان يموت على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه. ومن هنا فعلى العبد أن يلزم نفسه بالطّاعة والتّقوى، وأن ينأى بنفسه عمّا حرم الله، وأن يبادر بالتّوبة من المعاصي، وأن يلحّ في دعاء الله أن يَختم له بالخاتمة الحُسنى، وأن يحسن الظنّ بربّه عزّ وجلّ
منقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق