نَصِيحةٌ لِمَنْ يَكْتُبُ حَرْفاً فِي مَوَاقِعْ التَوَاصُلْ الإِجْتِمَاعِي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعدُ : فإن اللغةَ العربية لها مكانتها في ديننا وعقيدتنا ، لأنها لُغَة القرآن الذي أُنزِل من رب العالمين ، ونطق بها النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم - ولا يتم فهم ما ورد عن الله تعالى وما ثبت في السنة من كلامه عليه الصلاة والسلام إلا بفهم المعاني اللغوية والتَّفقُّه في اللسانِ العربي وفهم أصوله وقواعده من نحوٍ وصرفٍ وإعرابٍ ، ولشيخِ الإسلامِ ابن تيمية - رحمه الله تعالى - كلامٌ رائعٌ أودعهُ في كتابهِ العُجاب (( إقتضاء الصراط المستقيم )) ، قال : «إنَّ نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب، فإنَّ فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن زيد قال: كتب عمر إلى أبي موسى - رضي الله عنه -: «أمَّا بعد: فتفقَّهوا في السُّنة، وتفقَّهوا في العربية وأعرِبوا القرآن فإنَّه عربي» وفي حديث آخر عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: «تعلَّموا العربية فإنَّها من دينِكم، وتعلَّموا الفرائض فإنَّها من دينِكم»، وهذا الذي أمر به عمر - رضي الله عنه - من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو فقه أعماله» اهـ (1 /470، 471) .
وعليه فينبغي لطالب العلم النجيب والباحثِ الأريب أن يأخذ من هذا العلم الشريف ما يُقيم به لسانَهُ وما يفهمُ من خلاله المعاني القرآنية والأحاديث النبوية وكلام العلماء الفحول وما قرره الأئمةُ العدول ، لأن الجهلَ بهذا العلمِ الجليلِ والبعد عن تعلم هذا الفقه النبيلِ يُؤدي إلى عدم فهم كلام الله تعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم ، وَمَنْ كان بعيد الفهم في هذا الباب قلِيلَ الدرايةِ في هذا المجال فلا يُتعب نفسه ويُتعب غيرهُ بفهمهِ السقيمِ الذِي يَحرمهُ من الوصولِ إلى فقهِ السنةِ والكتابِ القويمِ .
والمُطَّلِعُ على مَواقِع التواصل الإجتماعِي المختلفة يَجِد أنها كانت سبباً في ظهور كثيرٍ من الكتاباتِ والتعليقاتِ حول مسائلَ كثيرة لا تُعدُّ ولا تُحصَى ، وَكُلٌّ يُدْلِي بدلوهِ والكثِيرُ يُعجَبُ برأْيِهِ ، وقد أظهرت تلك الكِتاباتُ عن أمرٍ عظيمٍ وخطرٍ جسيمٍ رُبما لا يعلمهُ كثِيرٌ من النَّاسِ وهو كثرةُ اللَّحنِ فِي الكلام العربي والأخطاء اللغويةِ الجسيمةِ والبُعدِ عن منهجِ السلف الصالح فِي تقريرِ الكلامِ وتأصيلِ لغةِ الحوارِ ، حتى أصبحَنا نرى نُسخةً مشوهةً من الكلام العربي الهزيل الذي لا يقومُ على سَلِيقةٍ مرضيةٍ ولا على قواعد متينةٍ ، وأما العَرُوض والبيان ، فلا تجدُ لهما أثراً ، ولا ترى مِنْ أُصُولِهِما خَبَراً ، ناهيكَ عن الأخطاءِ الإملائيةِ في مواطنَ عديدة فِي أصولِ الكتابةِ وقواعِد الخط .
وقال شيخ الإسلام - رحمه الله - في (( مجموع الفتاوى )) ( 32/252) : ( ومعلوم أن تعلم العربية وتعليم العربية فرض على الكفاية ، وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن . فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي ، ونصلح الألسنة المائلة عنه ، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة الاقتداء بالعرب في خطابها . فلو ترك الناس على لحنهم كان نقصا وعيبا ،فكيف إذا جاء قوم إلى الألسنة العربية المستقيمة ،والأوزان القويمة فأفسدوها بمثل هذه المفردات ،والأوزان المفسدة للسان ،الناقلة عن العربية العرباء ،إلى أنواع الهذيان الذي لا يهذى به إلا قوم من الأعاجم الطماطم الصميان) انتهى كلام شيخ الإسلام .
وأخرج ابن أبي شيبة في ( المُصنف ) عن يحي بن يَعْمُر عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال : (( تعلموا العربية كما تعلمون حِفْظَ القرآن )) ( 01) .
وأخرج أيضا ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) بإسنادٍ صحيح عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يضرب ولده على اللحن . (02)
لَستُ أتكلم في هذا الباب عن الذين لم يُوفقوا لطلبِ العلمِ ، وإِنَّما كلامِي مُوجَّه لِلَّذِين اختاروا سلوك طريق تحصيل العلمِ في أبواب الفقهِ وأصوله وعلمِ الحديث وعلوم التفسير وغيرها فإن هذه العلوم الشرعيةِ لا بد لها من تأصيلٍ لُغوي متين ، وضبطٍ لقواعد العربية من علوم الصرف والنحو والإعراب ، ليستقيم فهمُ معاني الأدلةِ الشرعية وفهم كلام العلماء ، والبعدِ عن سوء الفهم وعدم إدراك أسرار الكلام ، وحتى غير طلبة العلم يجب عليهم أن يتعلموا من العربية ما يستقيم لهم لسانهم بصفتهم عرباً ، حتى لا يقعوا في العُجْمِ كما هو مُلاحظ عبر مختلف مواقع التواصل الإجتماعي كما ذكرتُ سابقاً .
وَمِن العجيب أن السلف الأول كانوا يتهمون الرجل ويقدحون في عدالته إذا كان سيئاً في عربيتهِ وكلامِهِ ، قال الإمام أبو طاهر بن أبي هاشم في (( أخبار في النحوِ )) : ( حدثنا وكيع بن خلف ، قال : حدثني محمد بن خلاَّد ، قال : سمعتُ رجلاً قال لأبي زيد : أتتهمني في دين الله ؟ قال : أتهمكَ فِي لُغةِ رسول اللَّهِ ) . (03) (04)
وكان السلف الصالح وأئمةُ الدين والشريعة يستغفرون الله تعالى إذا أخطؤوا في اللَّحْنِ ، قال أبو طاهر أيضاً ، ( حدثنا موسى بن عبيد الله ، قال حدثنا ابن أبي سعد ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة المروزي ، قال : حدثنا النضر بن شُميلٍ ، قال : حدثنا الخليل بن أحمد ، قال : لَحَنَ أيوب السختياني في حرفٍ ، فقال : أستغفر الله .) (05)
وكان الأولون من سلف هذه الأمة يخافون من اللحن ويعدونه نقصاً في الرجل ، قيل لعبد الملك بن مروان : أسرع إليك الشيبُ !! قال : شيبتنِي كثرَةُ ارتقاء المنبر ومخافةَ اللحْنِ. (06)
فنصيحتي لجميع إخواني الإجتهاد في تحصيل علوم اللغِةِ العربية وأصولها وقواعدها وبذلُ النفسِ في ذلك ، حتى وإن كان هذا صعب المنال لمن لم يُحصِّل هذا في مراحل الدراسةِ النظامية فإن الأمر يحتاج إلى صبر وجلَد ، ومن طرق ذلك : الإستعانة ببعض شروح العلماء على بعض المتونِ اليسيرة كالآجرومية وغيرها والإجتهاد في حل معانيها ومعرفة تطبيقاتها ، ثم الترقي في دراسة بعضِ الكتب الموسعة كألفيةِ ابن مالك وغيرها .
وأنشد عنبسةُ بن النضر لعلي بن حمزة الكِسائِي الأسَدِي :
إنما النحوُ قياس يُتبع // وبه في كل أمرٍ ينتفع
فإذا ما أبصر النحوَ الفتى // مر في المنطق مَرّاً فاتسع
فاتقاه كل من جالسه // من جليس ناطق أو مستمع
وإذا لم يبصر النحو الفتى // هاب أن ينطق جبنا فانقطع
فتراه ينصب الرفع وما // كان من خفض ومن نصب رفع
يقرأ القرآن لا يعرف ما // صرف الإعراب فيه وصنع
والذي يعرفه يقرَؤوه // فإذا ما شك في حرف رجع
ناظرا فيه وفي إعرابه // فإذا ما عرف اللحن صدع
فَهُمَا فيه سواء عندكم // ليست السنة فينا كالبدع
كم وضيع رفع النحوُ وكم // من شريفٍ قد رأيناه وضع (07)
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .
عبد اللطيف غاليب .
08 شوال 1436
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(01) ذكر الشيخ محمد سعيد رسلان المصري - حفظه الله - في كتابه النافع (( فضل العربية )) ( ص92 ) أن يحي بن يعمر لم يلق أبيّاً رضي الله عنه ، إلا أن هذا الأثر أخرجه أبو بكر الأنباري في (( إيضاح الوقف )) ( 32 ) عن يحي بن يعمر عن أبي ذَر الغفاري ، ورواه أبو جعفر النحاس في صدر كتابه (( إعراب القرآن )) ( 115/1) بسنده إلى واصل مولى أبي عيينة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وبنفسِ السند - أي عن عمر - ذكره صاحب (( كنز العمال )) ( 332/2) وهو الذي ذكره شيخ الإسلام في (( الإقتضاء )) وأخرجه أبو طاهر بن أبي هاشم في (( أخبار في النحو )) والذي يظهر من رجال السند صحته وسلامته إلا أن يحي بن يعمر هذا لم يلق كُلاً من أبي بن كعب وأبي ذَر وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - ، والله أعلم .
(02) وأخرجه أيضا أبو طاهر في (( الأخبار )) عن عمرو بن دينار : أن ابن عمر وابن عباس كانا يضربان أولادهما على اللحن .
(03) وهذا سند جيد ، وكيع بن خلف ثقة جليل ، ومحمد بن خلاّد ثقة ، وأبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري الثقة حجة العرب ، والله أعلم .
(04) لقد ذكر لنا أحد أساتذة اللغة العربية وهذا في السنة الأولى من كلية العلوم الإسلامية بخروبة بتاريخ 1997 أن كلمة (( اللغة )) لا أصل لها في كلام العرب وإنما (( اللسان العربي )) هو المصطلح الصحيح وقد اعتقدنا لبرهة من الزمن صدق هذا الكلام إلا أنه توجيه خاطئ لثبوت كلمة (( اللغة )) في مواطن كثيرة من كلام السلف وأهل العلم ، والله أعلم .
(05) ذكره الحافظ المزي في (( تهذيب الكمال )) في ترجمة الخليل ، والذهبي في (( السير )) في ترجمة أيوب السختياني .
(06) أخرجه أبو طاهر في (( أخبار النحو )) برقم 21 بسندٍ ظاهره الصحة والله أعلم .
(07) رواها أبو طاهر في (( أخبار في النحو )) في آخر الكتاب عن أبي الطيب الربيع قال : أنشدنا عنبسةُ .
http://ift.tt/1GNO6L7الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعدُ : فإن اللغةَ العربية لها مكانتها في ديننا وعقيدتنا ، لأنها لُغَة القرآن الذي أُنزِل من رب العالمين ، ونطق بها النبي الأمين - صلى الله عليه وسلم - ولا يتم فهم ما ورد عن الله تعالى وما ثبت في السنة من كلامه عليه الصلاة والسلام إلا بفهم المعاني اللغوية والتَّفقُّه في اللسانِ العربي وفهم أصوله وقواعده من نحوٍ وصرفٍ وإعرابٍ ، ولشيخِ الإسلامِ ابن تيمية - رحمه الله تعالى - كلامٌ رائعٌ أودعهُ في كتابهِ العُجاب (( إقتضاء الصراط المستقيم )) ، قال : «إنَّ نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب، فإنَّ فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن زيد قال: كتب عمر إلى أبي موسى - رضي الله عنه -: «أمَّا بعد: فتفقَّهوا في السُّنة، وتفقَّهوا في العربية وأعرِبوا القرآن فإنَّه عربي» وفي حديث آخر عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: «تعلَّموا العربية فإنَّها من دينِكم، وتعلَّموا الفرائض فإنَّها من دينِكم»، وهذا الذي أمر به عمر - رضي الله عنه - من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه؛ لأن الدين فيه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله، وفقه السنة هو فقه أعماله» اهـ (1 /470، 471) .
وعليه فينبغي لطالب العلم النجيب والباحثِ الأريب أن يأخذ من هذا العلم الشريف ما يُقيم به لسانَهُ وما يفهمُ من خلاله المعاني القرآنية والأحاديث النبوية وكلام العلماء الفحول وما قرره الأئمةُ العدول ، لأن الجهلَ بهذا العلمِ الجليلِ والبعد عن تعلم هذا الفقه النبيلِ يُؤدي إلى عدم فهم كلام الله تعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم ، وَمَنْ كان بعيد الفهم في هذا الباب قلِيلَ الدرايةِ في هذا المجال فلا يُتعب نفسه ويُتعب غيرهُ بفهمهِ السقيمِ الذِي يَحرمهُ من الوصولِ إلى فقهِ السنةِ والكتابِ القويمِ .
والمُطَّلِعُ على مَواقِع التواصل الإجتماعِي المختلفة يَجِد أنها كانت سبباً في ظهور كثيرٍ من الكتاباتِ والتعليقاتِ حول مسائلَ كثيرة لا تُعدُّ ولا تُحصَى ، وَكُلٌّ يُدْلِي بدلوهِ والكثِيرُ يُعجَبُ برأْيِهِ ، وقد أظهرت تلك الكِتاباتُ عن أمرٍ عظيمٍ وخطرٍ جسيمٍ رُبما لا يعلمهُ كثِيرٌ من النَّاسِ وهو كثرةُ اللَّحنِ فِي الكلام العربي والأخطاء اللغويةِ الجسيمةِ والبُعدِ عن منهجِ السلف الصالح فِي تقريرِ الكلامِ وتأصيلِ لغةِ الحوارِ ، حتى أصبحَنا نرى نُسخةً مشوهةً من الكلام العربي الهزيل الذي لا يقومُ على سَلِيقةٍ مرضيةٍ ولا على قواعد متينةٍ ، وأما العَرُوض والبيان ، فلا تجدُ لهما أثراً ، ولا ترى مِنْ أُصُولِهِما خَبَراً ، ناهيكَ عن الأخطاءِ الإملائيةِ في مواطنَ عديدة فِي أصولِ الكتابةِ وقواعِد الخط .
وقال شيخ الإسلام - رحمه الله - في (( مجموع الفتاوى )) ( 32/252) : ( ومعلوم أن تعلم العربية وتعليم العربية فرض على الكفاية ، وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن . فنحن مأمورون أمر إيجاب أو أمر استحباب أن نحفظ القانون العربي ، ونصلح الألسنة المائلة عنه ، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة الاقتداء بالعرب في خطابها . فلو ترك الناس على لحنهم كان نقصا وعيبا ،فكيف إذا جاء قوم إلى الألسنة العربية المستقيمة ،والأوزان القويمة فأفسدوها بمثل هذه المفردات ،والأوزان المفسدة للسان ،الناقلة عن العربية العرباء ،إلى أنواع الهذيان الذي لا يهذى به إلا قوم من الأعاجم الطماطم الصميان) انتهى كلام شيخ الإسلام .
وأخرج ابن أبي شيبة في ( المُصنف ) عن يحي بن يَعْمُر عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال : (( تعلموا العربية كما تعلمون حِفْظَ القرآن )) ( 01) .
وأخرج أيضا ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) بإسنادٍ صحيح عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يضرب ولده على اللحن . (02)
لَستُ أتكلم في هذا الباب عن الذين لم يُوفقوا لطلبِ العلمِ ، وإِنَّما كلامِي مُوجَّه لِلَّذِين اختاروا سلوك طريق تحصيل العلمِ في أبواب الفقهِ وأصوله وعلمِ الحديث وعلوم التفسير وغيرها فإن هذه العلوم الشرعيةِ لا بد لها من تأصيلٍ لُغوي متين ، وضبطٍ لقواعد العربية من علوم الصرف والنحو والإعراب ، ليستقيم فهمُ معاني الأدلةِ الشرعية وفهم كلام العلماء ، والبعدِ عن سوء الفهم وعدم إدراك أسرار الكلام ، وحتى غير طلبة العلم يجب عليهم أن يتعلموا من العربية ما يستقيم لهم لسانهم بصفتهم عرباً ، حتى لا يقعوا في العُجْمِ كما هو مُلاحظ عبر مختلف مواقع التواصل الإجتماعي كما ذكرتُ سابقاً .
وَمِن العجيب أن السلف الأول كانوا يتهمون الرجل ويقدحون في عدالته إذا كان سيئاً في عربيتهِ وكلامِهِ ، قال الإمام أبو طاهر بن أبي هاشم في (( أخبار في النحوِ )) : ( حدثنا وكيع بن خلف ، قال : حدثني محمد بن خلاَّد ، قال : سمعتُ رجلاً قال لأبي زيد : أتتهمني في دين الله ؟ قال : أتهمكَ فِي لُغةِ رسول اللَّهِ ) . (03) (04)
وكان السلف الصالح وأئمةُ الدين والشريعة يستغفرون الله تعالى إذا أخطؤوا في اللَّحْنِ ، قال أبو طاهر أيضاً ، ( حدثنا موسى بن عبيد الله ، قال حدثنا ابن أبي سعد ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة المروزي ، قال : حدثنا النضر بن شُميلٍ ، قال : حدثنا الخليل بن أحمد ، قال : لَحَنَ أيوب السختياني في حرفٍ ، فقال : أستغفر الله .) (05)
وكان الأولون من سلف هذه الأمة يخافون من اللحن ويعدونه نقصاً في الرجل ، قيل لعبد الملك بن مروان : أسرع إليك الشيبُ !! قال : شيبتنِي كثرَةُ ارتقاء المنبر ومخافةَ اللحْنِ. (06)
فنصيحتي لجميع إخواني الإجتهاد في تحصيل علوم اللغِةِ العربية وأصولها وقواعدها وبذلُ النفسِ في ذلك ، حتى وإن كان هذا صعب المنال لمن لم يُحصِّل هذا في مراحل الدراسةِ النظامية فإن الأمر يحتاج إلى صبر وجلَد ، ومن طرق ذلك : الإستعانة ببعض شروح العلماء على بعض المتونِ اليسيرة كالآجرومية وغيرها والإجتهاد في حل معانيها ومعرفة تطبيقاتها ، ثم الترقي في دراسة بعضِ الكتب الموسعة كألفيةِ ابن مالك وغيرها .
وأنشد عنبسةُ بن النضر لعلي بن حمزة الكِسائِي الأسَدِي :
إنما النحوُ قياس يُتبع // وبه في كل أمرٍ ينتفع
فإذا ما أبصر النحوَ الفتى // مر في المنطق مَرّاً فاتسع
فاتقاه كل من جالسه // من جليس ناطق أو مستمع
وإذا لم يبصر النحو الفتى // هاب أن ينطق جبنا فانقطع
فتراه ينصب الرفع وما // كان من خفض ومن نصب رفع
يقرأ القرآن لا يعرف ما // صرف الإعراب فيه وصنع
والذي يعرفه يقرَؤوه // فإذا ما شك في حرف رجع
ناظرا فيه وفي إعرابه // فإذا ما عرف اللحن صدع
فَهُمَا فيه سواء عندكم // ليست السنة فينا كالبدع
كم وضيع رفع النحوُ وكم // من شريفٍ قد رأيناه وضع (07)
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .
عبد اللطيف غاليب .
08 شوال 1436
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(01) ذكر الشيخ محمد سعيد رسلان المصري - حفظه الله - في كتابه النافع (( فضل العربية )) ( ص92 ) أن يحي بن يعمر لم يلق أبيّاً رضي الله عنه ، إلا أن هذا الأثر أخرجه أبو بكر الأنباري في (( إيضاح الوقف )) ( 32 ) عن يحي بن يعمر عن أبي ذَر الغفاري ، ورواه أبو جعفر النحاس في صدر كتابه (( إعراب القرآن )) ( 115/1) بسنده إلى واصل مولى أبي عيينة عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وبنفسِ السند - أي عن عمر - ذكره صاحب (( كنز العمال )) ( 332/2) وهو الذي ذكره شيخ الإسلام في (( الإقتضاء )) وأخرجه أبو طاهر بن أبي هاشم في (( أخبار في النحو )) والذي يظهر من رجال السند صحته وسلامته إلا أن يحي بن يعمر هذا لم يلق كُلاً من أبي بن كعب وأبي ذَر وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - ، والله أعلم .
(02) وأخرجه أيضا أبو طاهر في (( الأخبار )) عن عمرو بن دينار : أن ابن عمر وابن عباس كانا يضربان أولادهما على اللحن .
(03) وهذا سند جيد ، وكيع بن خلف ثقة جليل ، ومحمد بن خلاّد ثقة ، وأبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري الثقة حجة العرب ، والله أعلم .
(04) لقد ذكر لنا أحد أساتذة اللغة العربية وهذا في السنة الأولى من كلية العلوم الإسلامية بخروبة بتاريخ 1997 أن كلمة (( اللغة )) لا أصل لها في كلام العرب وإنما (( اللسان العربي )) هو المصطلح الصحيح وقد اعتقدنا لبرهة من الزمن صدق هذا الكلام إلا أنه توجيه خاطئ لثبوت كلمة (( اللغة )) في مواطن كثيرة من كلام السلف وأهل العلم ، والله أعلم .
(05) ذكره الحافظ المزي في (( تهذيب الكمال )) في ترجمة الخليل ، والذهبي في (( السير )) في ترجمة أيوب السختياني .
(06) أخرجه أبو طاهر في (( أخبار النحو )) برقم 21 بسندٍ ظاهره الصحة والله أعلم .
(07) رواها أبو طاهر في (( أخبار في النحو )) في آخر الكتاب عن أبي الطيب الربيع قال : أنشدنا عنبسةُ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق