بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله الطاهرين وصحبه المكرمين.أما بعد فهذه نصيحة أقدمها لعموم إخواني المسلمين، أسأل الله أن ينفع بها ويجعلها خالصة له، ومقبولة عند كل مسلم، إنه على كل شيء قدير.
اعلم أرشدك الله لطاعته أن الهدى ودين الحق الذي افترضه الله على الجن والإنس هو معرفة الحق والعمل به لكونه عز وجل لم يخلق العباد عبثًا سدى لا يؤمرون ولا ينهون، بل خلقهم ليعبدوه كما أوضح ذلك بقوله تعالى: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{.
والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ومنها النصح لكل مسلم كما جاء بحديث جرير لما بايعه عليه الصلاة والسلام على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، وقد أرشد الله إلى ذلك بقوله جل وعلا: }وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ{، }فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ{، }فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{، }فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى{، }أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ{، }فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ{ إلى غير ذلك مما جاء من عند ربنا على لسان رسولنا الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
}قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{، }وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ{، }وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{.
فبهذه الآيات الكريمات وغيرها يعلم المكلف أنها تجب طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام في جميع أوامر ونواهيه والذي يوضحه قوله تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ{ فمن خالف أوامره أو ارتكب نواهيه فقد عرض نفسه للوعيد الشديد، يوضح ذلك قوله تعالى: }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{، قال الإمام أحمد رحمه الله: أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ثم تلا قوله تعالى: }فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا{.
فمن أجل النصح الواجب لكل مسلم على أخيه رأيت أن أكتب البعض مما ورد عن المصطفى عليه الصلاة والسلام في حلق اللحية وتوفير الشارب والقزع الذي هو أخذ بعض الرأس وترك البعض، والسلام بالإشارة والتشبه بمن لا خلاق له في الملابس وغيرها }إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ{، }رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{، }رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ{، }رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ{.
اعلم وفقني الله وإياك أن المرجع لتعريف حدود اللحية هو اللغة العربية التي نزل بها القرآن، وبها عبر عن معانيه، وبها كلم من لا ينطق عن الهوى، فبين الحلال ووضح الحرام، وبها دل الأمة على الخير وحذرها من الشر، وبها يتكلم أهل الجنة في الجنة، وهي أشرف لغة من لدن آدم عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة.
فإذا تقرر عندك ما ذكر فاعلم أن اللحية هي اسم لجميع الشعر النابت على الوجه والذقن ما خلا الشارب فقط، يوضحه ما نص بتاج العروس بالجزء العاشر، قال "اللحية: بالكسر شعر الخدين والذقن وهما اللحيان وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان" ثم تكلم إلى أن قال: "اللحيان اللذان هما جانبا الفم"، وما نص بالمصباح (ص) 534 قال: اللحية الشعر النازل على الذقن، ثم تكلم إلى أن قال: واللحي عظم الحنك وهو الذي عليه الأسنان، وهو من الإنسان حيث ينبت الشعر وهو أعلى وأسفل، وما نص بالقاموس بالجزء لرابع (387) قال: اللحية بالكسر شعر الخدين والذقن".
فإذا فهمت ما جاء بكتب اللغة العربية عرفت حينئذ أن جميع شعر الوجه مما ينبت على الذقن وتحت اللحيين وما على الخدين والعارضين -يقال له لحية، ما عدا الشارب فقط كما تقدم بيانه.
وإليك البعض من الوارد عن المصطفى عليه الصلاة والسلام أمرًا ونهيًا مما يتعلق باللحية فاسمع واعقل وافقه واعمل تظفر بالنجاح والفلاح، واعلم أن الأصل في الأوامر الوجوب، وفي النواهي التحريم، وأن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده والنهي عن الشيء يستلزم الأمر بضده كما تقرر في الأصول، فلا تغفل عن هذين الأصلين فإن فيهما فائدة عظيمة، وخذ ما وعدت به.
قال عليه الصلاة والسلام: «خالفوا المشركين، وفِّروا اللحى وأَحفوا الشوارب»، وقال عليه الصلاة والسلام: «أنهكوا الشوارب واعفوا اللحى»، وإعفاء اللحية تركها كما نبتت لا تحلق ولا تقص ولا تقصر ولا تنتف لا كلها ولا البعض منها، بل تبقى وافرة موفرة، وأما الأخذ من أطرافها أو القص أو التقصير منها، أو نتفها، أو حلقها كليًّا فهذا خلاف لما أمر به صلى الله عليه وسلم وخلاف لما فعله عليه الصلاة والسلام، وارتكاب لما نهى عنه عليه الصلاة والسلام، وكل ذلك تشبه بالأعاجم وهو شعار الكفرة فنعوذ بالله من موارد المهالك.
قال عليه الصلاة والسلام: «إن أهل الشرك يوفِّرون شواربهم، ويحلقون لحاهم خالفوهم وابقوا اللحى وأحفوا الشوارب».
وقال صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المجوس لأنهم كانوا يطولون الشوارب ويقصرون لحاهم» وقال صلى الله عليه وسلم: «من فطرة الإسلام أخذ الشارب وإعفاء اللحية، فإن المجوس تقصر شواربها وتحفى لحاها فخالفوهم، خذوا شواربكم واعفوا لحاكم» وقال صلى الله عليه وسلم: «من مثَّل بالشعر ليس له عند الله خلاق» قال الزمخشري: المعنى نتفه أو حلقه من الخدود أو غيره بالسواد.
وقال صاحب النهاية في نهايته مثل قول الزمخشري، ويشهد لقول الزمخشري وصاحب النهاية حديث جابر عند مسلم قال: أُتى بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غيِّروا هذا واجتنبوا السواد».
وحديث ابن عباس المرفوع عند الحافظ في الفتح قال عليه الصلاة والسلام: «يكون قوم يخضبون بالسواد لا يجدون ريح الجنة»، وحديثه الآخر عند أبي داود والنسائي وابن حبان والحاكم، وقال صحيح الإسناد قال عليه الصلاة والسلام: «يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة».
وحديث أبي الدرداء عند الطبراني وابن أبي عاصم قال عليه الصلاة والسلام: «من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة» وفيه لين.
وقال صاحب المحلى في المحلى: «قص الشارب وإعفاء اللحية فرض واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: «خالفوا المشركين أحفوا الشوارب واعفوا اللحى» وقال عليه الصلاة والسلام: «ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود والنصارى»، وقال عليه الصلاة والسلام لرجل مجوسي جاء إليه وقد حلق لحيته وأطال شاربه: «ما هذا؟» فقال المجوسي: هذا ديننا، قال عليه الصلاة والسلام «لكن في ديننا نحفي الشارب ونُبقي اللحية».
وقال صلى الله عليه وسلم: لرجلين دخلا عليه قد حلقا لحاهما وأحفيا شواربهما من بعد ما كره أن ينظر إليهما: «ويلكما منْ أمركما بهذا؟» فقالا: أمرنا ربنا، قال لهما: «ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي»، وقال أنس رضي الله عنه: كانت لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ملأت من ههنا إلى ههنا، وأمرَّ يده على عارضيه، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: أمرنا بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحية، وقال أبو هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس».
وكل الأحاديث المذكورة وغيرها مما لم يذكر موجودة في باب سنن الفطرة في البخاري ومسلم والسنن والمسانيد وغيرها من كتب السنة المشهورة، ومن له همة في معرفة الحق والعمل به يطلبه من مظانه فيجده، لكن الهوى يعمي ويصم، وما أحسن قول أبي هريرة حيث قال: القلب ملك، والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبثت جنوده، والذي يصدقه قوله عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها الجسد كله وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب».
فإن قلت كيف يسوغ لمسلم يرتكب هذه المنهيات ويترك العمل بهذه المأمورات وهو يتلو أو يتلى عليه قوله تعالى: }وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا{ قلت قال عز وجل: }إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ{ أسأله جل جلاله أن يجعلنا من الذين يخشونه بالغيب والشهادة ولا يخشون أحدًا سواه، فإنه لا توفيق ولا هدى ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فإن قلت كيف تطمئن نفس مسلم بعد وقوفه على قوله عليه الصلاة والسلام: «أعفوا اللحى وجزوا الشوارب ولا تشبهوا باليهود والنصارى» وبعد وقوفه على قوله عليه الصلاة والسلام «لا تشبهوا بالأعاجم أعفوا اللحى وجزوا الشوارب»، وبعد وقوفه على قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود والنصارى»، ثم مما سلف يعلم علم اليقين أن لحية رسوله صلى الله عليه وسلم كثيفة عظيمة كثيرة الشعر قد ملأت عارضيه وذقنه ولم يقص، ولا قصر ولم ينتف، ولا حلق، ومع علمه بذلك يعمد إلى لحيته فيقص، أو يقصر، أو ينتف، أو يحلق و ينقصها من أطرافها من النابت على الخدين وتحت الذقن، أو مما ينبت على العارضين، ولا التفت لقوله جل شأنه: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ{ ولا لقوله }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ ولا لقوله: }مَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا{ فلم يتأس برسوله، ويترك لحيته وافرة كما كانت لحيته صلى الله عليه وسلم بل صال عليها فحلق أو نتف أو قص أو قصر أو أخذ من أطرافها فخالف الأوامر وارتكب النواهي، وزهد في التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم.
إن هذا لشيء عجيب ممن يفعله من أفراد المسلمين، مع صحة ما تقدم من الأحاديث القاضية بإعفاء اللحية وحلق الشارب أو نهكه على الصفة المذكورة بالأحاديث الصحيحة الصريحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أمرًا ونهيًا وفعلا، ولم نجد عن النبي صلوات الله عليه ما يدلنا على خلاف هذا الحكم، فكيف يحل لنا تحويل الشرع المقرر بالعادة المتبعة المألوفة، أو بقول بعض أهل العلم المخالف للسنة الغراء المطهرة لكون الحق فيما قضى به خاتم الرسل صلوات الله عليه ولو خالفه عموم من في الأرض، عالمهم وجاهلهم. قلت: إن تعجب فعجب ممن ينتسب للعلم والدين كيف يعادي لحيته بالحلق، أو القص، أو النتف، أو التقصير، أو أخذ ما على الخدين، أو ما على العارضين أو ما تحت الذقن مما نبت بها بلا مبالاة بما جاء عن النبي صلوات الله عليه بهذا الخصوص، ومع كل ذلك يمر بتلاوته لكلام الله بقوله عز وجل }سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ{.
فإذا تلبس مدعي المعرفة بهذه الأفعال مع أنه عالم بأن ما تلبس به مغاير لفعله صلى الله عليه وسلم، وأنه بذلك مخالف للأوامر مرتكب للمناهي، وقد عرف من كلام الله الوعيد الشديد لمن ارتكب المنهيات أو خالف المأمورات فالجاهل من باب أولى، أسأل الله تعالى أن يحفظنا من الهوى والجري مع العادة المخالفة للشرع الشريف المطهر، مع أن المتلبس بهذه الأفعال يعتقد أن الجزاء واقع لا محالة ولكن عدوه الشيطان غزاه بجيش فتان، فهجم عليه من باب الهوى وتقليد العادة ومطاوعة النفس الأمارة، فظفر به وقتله، فما هو عذره عند الله تعالى: }يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا{.
[font=arial]فالنصح من أخيك لك يا مسكين لزوم باب التقوى والرجوع إلى الحق، فإن الحق أحق بالاتباع وليس بعد الحق إلا الضلال. [/font
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق