الأحد، 19 يوليو 2015

خير الناس من طال عمره وحسن عمله

خير الناس من طال عمره وحسن عمله

خير الناس من طال عمره وحسن عمله

(مطوية)

الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم الحمد لله الذي خلق الإنسان علمه البيان والصلاة والسلام على الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى أما بعد. فهذه فوائد من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم :
عن أبي صفوان عبد الله بن بشر الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ).
-رواه الترمذي وقال: حديث حسن وصححه الشيخ الألباني-رحمه الله
♦♦♦♦
شرح الكلمات:
حسن عمله: بان يأتي به مستوفيا للشروط والأركان إيمانا واحتسابا.
الشرح الإجمالي:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس من طال عمره وحسن عمله) لأن الإنسان كلما طال عمره في طاعة الله زاد قرباً إلى الله وزاد رفعة في الآخرة؛ لأن كل عمل يعمله فيما زاد فيه عمره فهو يقربه إلى ربه - عز وجل - فخير الناس من وفق لهذين الأمرين.

أما طول العمر فإنه من الله، وليس للإنسان فيه تصرف؛ لأن الأعمار بيد الله - عز وجل -، وأما حسن العمل؛ فإن بإمكان الإنسان أن يحسن عمله؛ لأن الله تعالى جعل له عقلاً، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، وبين المحجة، وأقام الحجة، فكل إنسان يستطيع أن يعمل عملاً صالحاً، على أن الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن بعض الأعمال الصالحة سبب لطول العمر، وذلك مثل صلة الرحم؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه)، وصلة الرحـم من أسباب طول العمر، فإذا كان خير الناس من طال عمره وحسن عمله؛ فإنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائماً أن يجعله ممن طال عمره. وحسن عمله من أجل أن يكون من خير الناس.

وفي هذا دليل على أن مجرد طول العمر ليس خيراً للإنسان إلا إذا أحسن عمله؛ لأنه أحياناً يكون طول العمر شراً للإنسان وضرراً عليه، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [آل عمران: 178]، فهؤلاء الكفار يملي الله لهم - أي يمدهم بالرزق والعافية وطول العمر والبنين والزوجات، لا لخير لهم ولكنه شر لهم - والعياذ بالله لأنهم سوف يزدادون بذلك إثماً.

ومن ثم كره بعض العلماء أن يدعي للإنسان بطول البقاء، قال: لا تقل: أطال الله بقاءك إلا مقيداً؛ قل أطال الله بقاءك على طاعته؛ لأن طول البقاء قد يكون شراً للإنسان. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن طال عمره وحسن عمله، وحسنت خاتمته وعافيته، إنه جواد كريم.

إن الأعوام والشهور تمضي والأيام والساعات تنقضي وهي رأس مال الإنسان في هذه الحياة الفانية، فالسعيد من اغتنمها في الطاعات وأشغلها في إرضاء رب البريات، والشقي من ضيَّعها في المنكرات وأهدرها في المعاصي والمحرمات. يقول ابن القيم - رحمه الله -: "السَنةُ شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجداد - أوان قطع ثمر النخل- يوم المعاد فعند الجداد يتبين حلو الثمار من مرها، والإخلاص والتوحيد شجرة في القلب فروعها الأعمال وثمرها طيب الحياة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك". الفوائد (ص164) إن من نعم الله جلَّ جلاله على عبده وتوفيقه أيها الأحبة له أن يُطيل عمره ويُحسن عمله، فيُكثر من التزود مما ينفعه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ومن خذلان العبد وخسارته أن يمدَّ الله في عمره، ويرزقه العافية في جسده ومع هذا يمضي حياته في المعصية.

والجري وراء اللذات الفانية، بلا مبالاة ولا اتعاظ بما يحصل حوله، نسأل الله العافية.

يا من أطال الله عمرك وأمدّ بقائك فجاوزت الشهور و السنين ولا تدري متى الرحيل، إن كنت ممن وُّفقت للخيرات فاشكر الله على الفضل الكبير و احمده على الخير الكثير وسله سبحانه الإخلاص والثبات حتى الممات، وإن كنت من أهل التقصير والتفريط، وضاع وقتك فيما لا ينفع! فبادر بالتوبة قبل فوات الأوان فأبوابها ولله الحمد مفتوحة للتائبين، واغتنم ما بقي من حياتك في طاعة ربك وإرضاء خالقك، وسل الله جلَّ وعلا حسن الختام فهو سبحانه لطيف كريم علَّام. فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجعلنا وإياكم ممن طال عمره وحسُن عمله، وحسُنَت عاقبته وخاتمته، فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.فالشباب من أجلّ نعم الله على العبد، وقليل من يقدّر هذه النعمة، ويحسن استثمارها، والمشيب نعمة ومنحة، ليحسن العبد العمل، ويستدرك قبل حلول الأجل.. فالحمد لله الذي منّ بنعمة الشباب، وأتمّ النعمة بحكمة المشيب، ومتّع بالعافية، ونسأله سبحانه حسن الختام والعاقبة..

أما من أضاعوا أعمارهم في غير طاعة، وأفنوا حياتهم بغير توحيد، ولا إيمان، فهؤلاء باؤوا بالخسران، انظروا إلى الكفار من أقوام الأنبياء، انظروا واعتبروا من فرعون وقارون وهامان وأُبيِّ بن خلف، اعتبروا من كفار الشرق والغرب كيف ضيعوا أعمارهم في الدنيا، وتركوا الإيمان بالله والعمل للآخرة؟ فتركوا الدنيا وخلفوها وراءهم، وأقبلوا على الآخرة لينالوا نتيجة ما فرَّطوا، قال سبحانه: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ * وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 31، 32].

وإليك بعض ما قاله العلماء والحكماء في شأنٍ حفظ الوقت:
قال الحسن البصري -رحمه الله-: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم".

وقال ابن الجوزي بعدما ذكر أصنافًا من الناس يضيعون أوقاتهم بما لا ينفع، قال: "فعلمت أن الله تعالى لم يطُلع على شرف العمر ومعرفة قدر أوقات العافية إلا من وفقه وألهمه اغتنام ذلك".

فتدبر -أيها المسلم- ما قاله بعضهم: "عمر الإنسان وهو مدة حياته في الدنيا هو رأس ماله، وربحه فيه بقدر ما يقضيه منه في العمل الصالح، وخسرانه فيه بقدر ما يضيعه منه؛ فإن أضاعه في اللهو واللعب خسر عمره، وفاتته الأرباح، وإن أضاعه في المعاصي خسر عمره، بل خسر نفسه".

فاغتنم -أيها العاقل- صحتك قبل مرضك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك؛ وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ).

الفوائد:
1- البقاء على عهد الله -عز وجل-، والثبات على الإيمان، والوفاء بالعقود التي تكون مع الله -جل جلاله- أمر لا يستطيعه كثير من الناس، أو لا يفعله كثير من الناس، وإنما يحتاج إلى صبر وثبات عظيم من أجل أن يبقى الإنسان على ذلك الأمر.

2- إن كان العمر طويلاً ازداد من الطاعة والقربة والإحسان. واستغله بطاعة الله - عز وجل-.

3- الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها.

4- أن يكون هذا العمر غنياً مفعماً بالعمل الصالح، مفعماً بالخير، مفعماً بالهدى، مفعماً بالعلم، مفعماً بما ينفع الناس.

5- الإمام الشافعي عاش قرابة خمسين عامًا، ولم يزد عليها، اسمه على كل لسان، ملأ علمه الأفاق، ترك أثراً لا يمحى، وكم من معمر عاش مائة وثلاثين عامًا ولا يعرف بين الناس له ذكر، وليس له عمل، إذاً قيمة الإنسان في الغنى، غنى العمل الصالح.

6- يطيل عمرك وأنت في الدنيا، بكثرة العمل الصالح، يطول عمرك، وأنت حي، بكثرة العمل الصالح، ويطول العمر وأنت ميت، هكذا قال عليه الصلاة والسلام، فيما رواه الإمام مسلم ‏عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (‏إذا مات ابن آدم انقطع إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له‏).

7- أي عمل طيـب وفق الشرع نفع المسلمين، لك أجره وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، كتاب الله عز وجل ينطق بالحق، قال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ﴾ [يس: 12].

8- قال بعض الصالحين: طوبى لمن مات، وماتت معه ذنوبه، والويل لمن يموت وذنوبه باقية بعده.

9- تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه مثقال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام.

10- أن يكثر من أن يدعو الله تعالى ببعض ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بما يناسب هذه المرحلة، مثل: «اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي» (متفق عليه)، فإنه لا يدري: أيهما خير له، الموت أم الحياة ؟.

11- أن يزيد من علمه الشرعي لمعرفة مراد الله تعالى، ويستدرك ما فاته، فإنه (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) متفق عليه.

12- يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر:
" من تفكر بعواقب الدنيا، أخذ الحذر، و من أيقن بطول الطريق تأهب للسفر. ما أعجب أمرك يا من يوقن بأمر ثم ينساه، ويتحقق ضرر حال ثم يغشاه! و تخشى الناس و الله أحق أن تخشاه.


والله اعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق