الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

كيف تقضي يومك ؟



بسم الله الرحمن الرحيم



إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد:





وقتك.. قيمتك



أخي.. كيف تقضي يومك؟ أين تصرف لحظاته الغالية؟ كيف تستثمر أوقاتك ؟ وبم تشغلها؟ ومع من تقضيها؟





فعمرك أيام.. وأيامك مستعارة.. ستسأل عنها فيم قضيتها؟ وكيف أحييتها؟ ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه »[رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح].





فهذا الحديث أصلٌ في وجوب الحفاظ على الأوقات، وصرفها فيما يعود على المسلم بالنفع، وأنه مسؤول عنها ليس له الحق في صرفها كيفما يريد.. وحسبما يريد.. بل هو متعبد باستعمالها في الخير بحسب ما أراد منه ربه وبيَّنه له في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .





والوقت من أنْفَس النعم وأثمنها.. وأجلها وأفضلها.. يدل على ذلك حديث نفيس جامع قال فيه صلى الله عليه وسلم : «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ »[رواه البخاري].





ولو توقف المؤمن عند هذه الوصايا النبوية متأملاً في معانيها.. لأدرك قيمة الوقت في حياته, ولعلم أنه نعمة عزيزة غالية ولوطَّن نفسه لشيئين:





الأول : أن ينظم وقته؛ حتى يتسنى له الاستفادة منه على أحسن وجه.





الثاني : أن يحرص كل الحرص على قضاء وقته فيما يعود عليه بالنفع، ولا يجلب له العذاب والهلاك في الدنيا والآخرة.





وهذان الأمران مستفادان من الأحاديث السابقة كما تدل عليها الفطرة السليمة والعقول المستقيمة، فإنك إذا نظرت في أحوال الموفقين في أحوال الدنيا وجدتهم أكثر حفاظا على أوقاتهم، وأعلم بتوظيفها على أحسن وجه... والمؤمن الموفق هو العالم بأحوال الأعمال وأوقاتها المناسبة لها، فتجده يأتي بكل عمل في وقته لا يُقَدِّم مستحبا على واجب، ولا يؤخر واجبا عن وقته، ولا يفرط في حق على حساب آخر، بل يسير على نور من ربه، وعلم بحقوقه، فلله عليه حق ولنفسه حق ولجسده حق، ولأهله حق، فهو يتناول هذه الحقوق جميعها في يومه بحسب ما أمر ربه، وبحسب ما دلت عليه السنة، لا بحسب ما يهواه هو ويريده.





أخي الكريم: لقد تقدم في الحديث أن القلة القليلة من الناس هم الذين لا يغبنون في الفراغ.. وهذا فيه إشارة قوية إلى أن القليل من الناس هم الذين ينظمون أوقاتهم ويقسمون أعمالهم بحسب ما لديهم من أوقات الفراغ.. وبحسب مسؤولياتهم وهممهم.





أخي الكريم: في كل يوم تعيشه تكون عليك مسؤوليات.. ولك فيه طموح وأمنيات.. ومحاب ورغبات.. فكيف تراك توفق بين ما لك وما عليك؟ هل تدوس على واجباتك لتنال رغباتك.. هل تقضي يومك خبط عشواء.. تبعثر الأوقات... وتستنزف الطاقات ؟ إنك لو توقفت مع هذه الأسئلة مليا لأدركت قيمة التصور الصحيح للبرنامج اليومي الذي يستحب للمسلم اتباعه.. فكيف ينبغي للمسلم أن يقضي يومه؟







الخطوط العريضة للبرنامج اليومي



أخي.. هناك خطوط عريضة ونقاط مهمة لابد أن تفقهها وتدرك معناها قبل أن تخط النقاط التفصيلية لبرنامج يومك.





1- تذكر أنك خُلقت لعبادة الله وحده، وأن كل يوم تحياه فلابد أن تحياه عابداً لله سبحانه.. }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {[الذاريات:56].




وأن مقتضى ذلك أن تجعل لك في كل يوم أوقاتا تتفرغ فيها للعبادة بعد أن تحدد ما أوجبه الله عليك من العبادة ووقتها.





واعلم أن هذه النقطة من أعظم ما يستعان به على الأعمال كما قال تعالى في الحديث القدسي : «وما تقرب إليَّ عبد بشيء أحب إلى مما افترضته عليه... ».





2- حدد مسؤولياتك الدينية : من صلاة, وبر للوالدين, ورعاية للأهل, وتربية للأبناء, وغيرها مما أوجبه الله عليك، فلا تُخل بها أبدا.





3- حدد مسؤولياتك الدنيوية: وقم بها بنية الاستعانة على أمور الآخرة، واعلم أن مباشرتها بإتقان واتزان من التوكل على الله سبحانه.




4- لقد فاضل الله بين الأوقات في اليوم الواحد.. وفاضل بين الأيام في الشهر الواحد، وفاضل الله بين الشهور في السنة الواحدة، فخذ في حسابك تفاضل الأوقات، واعمل على استثمار أفضلها في أفضل ما استُحِبت له حتى تنال خيرها على أحسن وجه، فصوم الاثنين والخميس مثلا أحب إلى الله من صوم الثلاثاء كما دلت عليه السنة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام الخميس والاثنين، وكذلك فإن العمل في الصباح الباكر أدعى لحصول البركة من غيره لقوله صلى الله عليه وسلم r : «بورك لأمتي في بكورها »، وفي رواية زاد : «يوم الخميس ».

فهذه النقاط مهمة في التخطيط اليومي الناجح.

وإليك نصائح توضيحية نموذجية لقضاء يومك!







كيف تقضي ليلك؟




أخي.. بعد صلاة العشاء إن لم يكن لحديثك ومجالسك فائدة تعود عليك بالنفع فتركها أفضل فإن رسول الله r كان يكرهُ النوم قبل العشاء والحديث بعدها، ولأن أفضل أوقات النوم ما كان باكراً عند شدة الحاجة إليه فهو بهذا الوصف أنفع للجسم وأدعى لراحته وتهيئته لاستقبال اليوم الجديد.





طبعا يستثنى من هذا, من له واجب أكيد كالواجبات الدراسية وغيرها، فيحمد وقتها السهر لأجل المصلحة الراجحة لكن باعتدال. يعطي للجسم مجالًا لأخذ قسط من الراحة أول الليل، ويساعد المسلم على القيام لصلاة الفجر.





وليس يحمد سهر يؤدي بالمسلم إلى التفريط في فريضة الفجر، مهما كانت الجدوى منها قال تعالى: }وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا {[الإسراء:78].

وقال تعالى: }إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا {[النساء:103] أي : مقدرة بوقت معلوم، والصلاة عمود الدين وهي العهد الذي إن أخلفه المسلم كفر كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر »[رواه مسلم].





أخي.. وإذا تأملت في حال كثير من الناس- لا سيما الشباب – وجدت منشأ الخلل فيهم من السهر، حيث يستأنسون الساعات الطويلة بالليل هادرين طاقاتهم في اللهو والعبث، أو اللغو الذي لا نفع منه، وربما في المحرمات والمخلفات، تضيع بها أوقاتهم، وتسحق طاقاتهم، وتفوتهم واجباتهم ومسؤولياتهم.





أخي : وفي الليل أوقات – لو تدري – مباركة طيبة.. غالية ثمينة.. يعرفها الحاذق... ويحرص عليها العاقل اللبيب.. تلك هي ساعات السحر.. ساعة أهل القيام.. الذين قال الله جل وعلا فيهم : }كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {[الذاريات: 17،18].

قطع الليل رجالٌ






ورجالٌ وصلوه




رقد فيه أناس






وأناسٌ شهدوه




لا يميلون إلى






النوم ولا يستعذبوه




فكأن النوم شيءٌ






لم يكونوا يعرفوه




أخي: فلا تجعل حظك من الليل نوما وسهرا.. وحرصا على أعمال الدنيا الفانية.. بل اجعل همتك في السماء... واقتطع دقائق من نومك لله.. تخلو به في ظلمة الليل.. يغفر ذنبك.. ويجيب سؤلك.. ويعطيك من خير الدنيا والآخرة.. فتصحب وقد بورك في سعيك.. تكسوه المهابة.. ويزينك الشرف.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أقرب ما يكون العبد من ربه في سجوده، وإذا قام يصلي في ثلث الليل الأخير، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن » [رواه الترمذي].





يا نائم الليل كم ترقدْ








قم يا صديقي قد دنا الموعدْ




من نام حتى ينقضي ليله








متى يبلغ المنزل أو يسعد








فهذه أخي معالم البرنامج الليلي :





1-بكور في النوم إلا إذا اقتضت مصلحة راجحة تأخيره كالعلم والواجبات الضرورية.

2- قيام الليل لمن رام شرف الدنيا، والمقام المحمود في الآخرة، فإنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم r : «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل » [رواه مسلم].







كيف تقضي الصباح؟



أخي.. وقت الصباح هو وقت نزول البركات وأفضل أعماله بعد الصلاة، الإقبال على الله جل وعلا بالذكر.. بدءاً من أذكار ما بعد الصلاة، وبعدها أذكار الصباح فإنها أعظم أسباب الكفاية وجلب الخير إذ فيها من جوامع الدعاء والاستعاذات والحمد والابتهال إلى الله ما يدفع سائر الشرور ويبارك للمسلم في يومه فيكون فتحا عليه ونورا، وكتب الأذكار المختصرة قد شملت على تلك الأذكار واقتناؤها والقراءة منها فيه غنية من شق عليه الحفظ، ويستحب للمؤمن أن يستغل صباحه في الحرص على الأذكار الفاضلة، أو قراءة القرآن حتى تطلع الشمس، ثم يصلي ركعتين إن شاء وينصرف حامدا شاكراً لله جل وعلا.





وله بعد الصلاة والذكر، أن يباشر واجباته الدنيوية أو العلمية فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «بورك لأمتي في بكورهم » ولا ينبغي النوم في الصباح إلا للضرورة.





كان الحسن يقول : «يا ابن آدم نهارك ضيفك فأحسن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك وإن أسأت إليه ارتحل بذمك وكذلك ليلتك».





وقال يحيى بن معاذ : «الليل طويل فلا تقصره بمنامك، والنهار نقي فلا تدنسه بآثامك».

وقال مجاهد رحمه الله : «ما من يوم إلا يقول : ابن آدم! قد دخلت عليك اليوم، ولن أرجع إليك بعد اليوم، فانظر ماذا تعمل فيَّ!».





وقال عبد الرحمن بن زبيد اليامي: «ليس من يوم إلا وهو ينادي :أنا يوم جديد وعلى عملكم شهيد».




كيف تقضي بقية يومك؟



اعزم عزماً أكيداً أن تجعل يومك يوم الطاعة وأن تكون فيه أحسن مما كنت قبله , أدِّ فيه فرضك، فلا تفوتنك فريضة في المسجد، واحرص أن تكون سباقا إلى الصلاة؛ ليكون الله معك في أعمالك, ويكون لله بكل خير أسرع.





احرص وقت الضحى على صلاة الضحى، فإنها باب من أبواب الخير، فقد قال تعالى في الحديث القدسي: «يا ابن آدم صل لي أربع ركعات أول النهار أكفك آخره » [رواه الترمذي].





أدِّ عملك وواجباتك بأمانة وإتقان، سواء في الدراسة أو غيرها فإنك تؤجر على كل عمل مباح تقصد الاستعانة به على أمور الآخرة.





قال يحيى بن معاذ: «كيف لا أحب الدنيا.. قدر لي فيها قوت أكتسب به حياة، أدرك به طاعة، أنال بها الجنة».





واحرص على النوافل بعد الصلاة وقبلها، فإنك تنال بها القرب من الله جل وعلا، وبيتا في الجنة، ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا يبني الله له بيتا في الجنة، أو إلا بني له بيت في الجنة » [رواه مسلم].





واعلم – أخي – أن أعظم العبادات وأشقها على النفس وأثقلها في الميزان يوم القيامة : حسن الخلق، لذلك فإنك حين الاختلاط بالناس ينبغي أن تعاملهم بما تحب أن تُعامل به، ففي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أحب أن يُزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الأخر، وليأت الناس مثل الذي يحب أن يُؤتى إليه » [رواه مسلم].





سلِّم على من عرفت ومن لم تعرف.. وابذل النصح للمسلمين.. وأطب كلامك.. واعف عمن ظلمك.. وابتسم في خطابك ونظرتك فإن تبسمك للمسلم صدقة..وغير ذلك من مفردات الخلق الحسن.





ولا تنس – أخي – أن تعمر فراغ وقتك بالأذكار فإنها من أعظم أبواب الخير.. }أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {..وتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم : «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم » [رواه البخاري].





فإنه ينص على عظم أجر هذا الذكر على خفة كلماته على اللسان وفي ذلك ما يشير إلى أن ذكر الله من أسهل الغنائم كسبا وأعظمها شأنا.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون.





يومك – أخي – لا تدعه يمضي إلا زاخرا بالتسبيح.. والاستغفار.. والتهلل.. سرا وعلانية.. في بيتك وفي المسجد.. وفي سيارتك.. فإنك بذلك تطرق أبواب الرحمة.. وتنال معية الله ونزول السكينة والخير.





وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أحب الكلام إلى الله تعالى أربع لا يضرك بأيهن بدأت : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله وأكبر » [رواه مسلم].





قال داود الطائي: إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها، فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاض من أمرك، فكأنما بالأمر قد بغتك.





نسير إلى الآجال في كل لحظة








وأيامنا تطوى وهن مراحل




ولم أر مثل الموت حقا كأنه








إذا ما تخطته الأماني باطل




وما أقبح التفريط في زمن الصبا

ج






فكيف به والشيب للرأس شاملُ




ترحل من الدنيا بزاد من التقى








فعمرك أيام وهن قلائل








قال ابن الجوزي يعظ ابنه : «واعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاساً، وكل نَفَسٍ خزانة، فاحذر أن يذهب نَفَسٌ بغير شيء فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم، وفي الحديث : «من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له بها نخله في الجنة »، فانظر إلى مضيع الساعات كم يفوته من النخيل؟ قد كان السلف يغتنمون اللحظات» [لفتة الكبد ص16].





قال الجنيد لرجل وهو يعظه : «جماع الخير كله في ثلاثة أشياء : إن لم تمض في نهارك بما هو لك، فلا تمضه بما هو عليك، وإن لم تصحب الأخيار، فلا تصحب الأشرار، وإن لم تنفق مالك فيما لله فيه رضا، فلا تنفقه فيما لله فيه سخط».





أخي : فهذه نصائح هادية تدلك على منهج سليم لاستثمار الأوقات وتبين لك الخطوط العريضة لرسم برنامج يلائم أعمالك ويحفظ عليك آخرتك ومآلك، فسر على طريق تنظيم وقتك واستغلاله، فإنما بديل التنظيم الفوضى.





حدد مسؤولياتك، ونسق واجباتك، وراع فيها الأولويات، واستعن بالله ولا تعجز.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق