الأربعاء، 29 يناير 2014

حد الردة بين أئمة المسلمين وشبهات المحدَثين


حد الردة بين أئمة المسلمين وشبهات المحدَثين


عبد الرحمن بن صالح السديس



بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وسلم، أما بعد

فترى بين الفينة والأخرى حديثا عن حكم قتل المرتد، وتشكيكا في هذا الحكم وإيرادا للشبهات عليه، وهذه إشارة لطيفة لبعض الأدلة في الموضوع ربما لم يطلع عليها البعض.



1- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة » رواه البخاري ومسلم وغيرهم.


2- وعثمان بن عفان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل دم المسلم، إلا بثلاث: إلا أن يزني وقد أحصن فيرجم، أو يقتل إنسانا فيقتل، أو يكفر بعد إسلامه فيقتل» رواه عبد الرزاق والنسائي بإسناد صحيح، وجاء أيضا معناه عن عائشة رضي الله عنها.

وهما نصان ظاهران في أن المرتد حلال الدم.

2- وعن عكرمة، أن عليا رضي الله عنه، حرَّق قوما، فبلغ ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تعذبوا بعذاب الله»، ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه». رواه البخاري وغيره.

وهذا نص صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المرتد مأمور بقتله، وفي هذه الرواية تطبيق أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لهذا الحكم بمحضر من الصحابة التابعين، وإقرار من ابن عباس لقتلهم لكن بغير التحريق.

3- في صحيح البخاري ومسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا موسى الأشعري رضي الله عنه واليا إلى اليمن، ثم اتبعه معاذ بن جبل رضي الله عنه، فلما قدم عليه ألقى أبو موسى وسادة لمعاذ، وقال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال معاذ: ما هذا؟ قال: كان يهوديا فأسلم ثم تهود، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله ـ ثلاث مرات ـ فأمر به فقتل».

وهذا نص أيضا أنه حكم الله ورسوله، وتطبيق له من أئمة علماء الصحابة.

4- عن أبي هريرة، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه، إلا بحقه وحسابه على الله»، فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر: «فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق» رواه البخاري ومسلم وغيرهم.

وهذا إجماع من الصحابة في استحقاق المرتدين عن بعض شرائع الإسلام كالزكاة للقتال، فكيف بمن رفض الدين كله.

5- عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبيه ، قال: أخذ ابن مسعود قوما ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق؛ فكتب فيهم إلى عمر فكتب إليه: «أن اعرض عليهم دين الحق, وشهادة أن لا إله إلا الله فإن قبلوها = فخل عنهم ، وإن لم يقبلوها = فاقتلهم ، فقبلها بعضهم = فتركه ، ولم يقبلها بعضهم = فقتله» هكذا رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح، وروي نحوه أنه كتب لعثمان.

وهذا نص أيضا من عمل أئمة علماء الصحابة وتطبيق للحكم بلا نكير.

6- وعن أبي عمرو الشيباني، قال: أتي علي بشيخ كان نصرانيا؛ فأسلم ، ثم ارتد عن الإسلام ، فقال له علي: «لعلك إنما ارتددت لأن تصيب ميراثا ، ثم ترجع إلى الإسلام؟» قال: لا ، قال: «فلعلك خطبت امرأة فأبوا أن يزوجوكها ، فأردت أن تزوجها ، ثم تعود إلى الإسلام؟» قال: لا ، قال: «فارجع إلى الإسلام» قال: لا ، أما حتى ألقى المسيح فلا ، قال: «فأمر به فضربت عنقه ..» رواه عبد الرزاق. بإسناد صحيح، وجاء معناه من عدة طرق.

وغيرها من النصوص والآثار عن الصحابة والتابعين تركتها اختصارا، في أن حكم المرتد، القتل بعد الاستتابة إن لم يرجع للإسلام.

فهذه نصوص صحيحة صريحة متواترة المعنى على هذا الحكم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتطبيقات له من خلفائه الراشدين وأئمة الصحابة وعلمائهم، وغيرها مما تركت نقله عن التابعين والأئمة، وفي أزهى عصور الإسلام وأكملها وأشدها قوة وانتشارا وعزة ورفعة.

وقد نقل إجماع العلماء على ذلك جمع من أكابر أهل العلم، قال ابن عبد البر: «من ارتد عن دينه حل دمه وضربت عنقه والأمة مجتمعة على ذلك»، وقال ابن قدامة: «أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد»، وغيرهم ممن نقل الإجماع.

إذا تقرر هذا من نصوص النبي صلى الله عليه وسلم، وعمل خلفائه، والصحابة والتابعين وأئمة المسلمين على مر الأعصار، ومختلف الأمصار = تبين لك أن هذا هو الحق بلا مرية.
وأنه لا يمكن أن يكون الحق غائبا عن الأمة والأئمة كل هذه الدهور، وكانت الأمة التي هي خير الأمم وأهداها في ضلال عن حكم الله، حتى جاء بعض المعاصرين فاكتشف أن هذا القول باطل، وأنهم لم يفهوا القرآن وأن هذا الحكم مخالف لنص قطعي الدلالة، وهو قوله تعالى: (لا إكراه في الدين)!

سبحان الله كيف تكون قطعية الدلالة، ويجمع العلماء على ترك العمل بها؟!

نعم هي قطعية الدلالة على أنه لا يُكره أحد على الدخول في الإسلام، فهذا محل إجماع بين العلماء.
لكن مسألتنا هنا غير هذه، فالكلام في عقوبة من دخل في الإسلام، ثم ارتد عنه، لا في أنه لا يجبر أحد في الدخول فيه، فهذا ليس في الآية دلالة عليه لا قطعية ولا ظنية.

والنصوص متكاثرة جدا في إثبات معاقبة المسلم الذي يترك الواجبات؛ كالصلاة والزكاة والصيام، أو يفعل المحرمات كالزنا وشرب الخمر، أفيعاقب على هذه المحرمات ولا يعاقب على الكفر الذي هو أشد منها وأعظم بالإجماع؟! أي تناقض هذا؟!

ثم ذهبوا يحشدون من الشبهات على هذا الحكم حشدا، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية إذ قال: «اعلم أنه ما من: حق ودليل إلا ويمكن أن يرد عليه شُبه سوفسطائية؛ فإن السفسطة: إما خيال فاسد، وإما مُعاندة للحق، وكلاهما = لا ضابط له؛ بل هو بحسب ما يخطر للنفوس من: الخيالات الفاسدة، والمعاندات الجاحدة».

وصدق وبر، فكل حكم ودليل يستطيع المجادل أن يشغب عليه بأنواع من الاعتراضات تغر بعض من يتأثر بالضجيج، ومن ليس عنده تأصيل علمي.

فإن قيل فما الحكمة من حد الردة؟
فالجواب:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه.."
فهذا المرتد كان قد عصم دمه بالتوحيد؛ فإذا فارقه رجع دمه كما كان، والردة أعظم الجرائم وأشنعها، ومجاهرته بهذه الجريمة، واستخفافه بهذه العقيدة، ونقضه للعهد الذي التزمه، وثباته على الردة وعدم رجعوه إذا استتي = يجعله مستحقا لأعظم عقوبة، فإن جنايته هذه أيضا تشككك ضعاف المسلمين في دينهم، وتجرأ الناس على الإنسلاخ منه، كما أن تجرأ منافقي الكفار بإعلان الإسلام ثم الارتداد عنه إن لم تكن هناك عقوبة، قال تعالى:{وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (72) سورة آل عمران.
ويكفي المسلم العاقل أن يقف دقيقة ويتأمل:

هل يمكن أن يغيب الحق عن الأمة المشهود لها بالخيرية على مر عصورها، حتى يكتشفه من ليس له قدم صدق في الأمة: علما ولا عملا، بل عامتهم ممن يضيق بالأحكام التي لا ترضي كفرة الغرب، فيتسلطون عليها بالتأويل الذي هو من جنس تأويل الرافضة والقرامطة وسائر أصناف أهل البدع لشرائع الإسلام؟!


هذه إشارة، والموضوع قد كتب فيه كثيرا.

والله أعلم






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق