الخميس، 30 يناير 2014

من آداب الصبر ومقوماته


من آداب الصبر ومقوماته



من آداب الصـبر:



1 - الاسترجاع عند المصيبة، يقول الله تعالى: } وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ { ([1] ) .



عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجعك. فيقول: ابنو لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد»([2] ).



وعن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها»([3] ).



2 ـ سكون الجوارح ، واللسان عند إحلال المصيبة ، وعدم التلفظ بكلمات فيها السخط من أمر الله والضجر منه، بخلاف البكاء فإنه جائز عند نزول المصائب والبلاءات.



عن ابن عمر قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن مسعود، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله، فقال «قد قضى؟» قالوا: لا يا رسول الله. فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاءه بكوا، فقال: «ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا ـ وأشار إلى لسانه ـ أو يرحم» ([4] ).



3 ـ عدم عمل ما يخالف الصبر كضرب الخدود وشق الجيوب، والصراخ والعويل، واستئجار الباكين، أو قطع العلاقات مع الآخرين لتلك المصيبة مدة طويلة من الزمن، وعمل ما لا يرضي الله تعالى من الإسراف والتبذير ونحو ذلك.



ومما ينافي الصبر:



الجزع عند الابتلاء:



أما إذا قابل العبد المبتلى مصيبته بالجزع والسخط لحكم الله فإنه يعرض نفسه لغضب الله تعالى، والخسران والخيبة يوم القيامة، يقول جل ذكره: } وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ { ([5] ) .



ويقول جل شأنه: } إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا { ([6] ) .



وللجزع صور كثيرة نذكر بعضًا منها:



1 ـ الشكوى لغير الله والإكثار من التأفف من الحال والبلاء، والسب والشتم للمصيبة، فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال: «ما لكِ يا أم السائب، أو يا أم المسيب تزفزفين؟ قالت: الحمّى لا بارك الله فيها، فقال: لا تسبي الحمّى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يُذهب الكير خبث الحديد»([7] ).



وقال علي رضي الله عنه: من إجلال الله ومعرفة حقه أن لا تشكو وجعك، ولا تذكر مصيبتك([8] ).



وهناك فرق بين الشكوى من المرض والإخبار عن المرض، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في وجعه: «وارأساه»([9] )، وقول سعد: يا رسول الله قد اشتد بي الوجع وأنا ذو مال، وقول عائشة: وارأساه.



وأعظم الشكوى وأبغضها في حال النعمة والخير والبركة، كما يفعله بعض الناس عندما ينظر إلى النعمة التي أنعم الله بها عليه في مقابل غيره فيجدها أكثر منه فيشتكي وهذا من التشكي الخفي الذي يتسلل منه الشيطان ليفسد على الصالحين صلاحهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون.



2 ـ اليأس من رحمة الله تعالى، والركون إلى وساوس الشيطان وما يمليه عليه من همزاته ونزغاته، قوله تعالى: } وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ { ([10] ) .



عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط»([11] ).



وقال عبدالله بن المبارك: من صبر فما أقلَّ ما يصبر، ومن جزع فما أقل ما يتمتع. بمعنى أن مدة الصبر قليلة ثم تكون النتيجة الحسنة، أما الجزع فهو مستمر مع صاحبه لا ينقطع.



واليأس مرض خطير وباب عظيم من أبواب الشيطان يلج منه إليه فيفسد عليه دينه ودنياه وآخرته حتى يصل به إلى الكفر والعياذ بالله كما سبق في الآية . فليفتح المبتلى لنفسه آفاق الرحمة ، فيرحم ، وآفاق الشفاء ، فيشفى ، وآفاق الغنى فيغنى، وآفاق السعادة فيسعد، وليتذكر قوله تعالى في الحديث القدسي: «أنا عند حسن ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني..» فأحسن الظن بالله يكن لك ما ظننت.



3 – النياحة وشق الجيوب ولطم الوجه وحلق الشعر، وأما أشبهها من أفعال الساخطين، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعى بدعوى الجاهلية»([12] ).



وأما البكاء فجائز لأنه رحمة وليس سخطًا أو جزعًا، عن أبي هريرة قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة يبكي عليها وأنا معه ومعه عمر بن الخطاب، فانتهر عمر اللاتي يبكين عليها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعهن يا ابن الخطاب فإن النفس مصابة وإن العين دامعة والعهد قريب»([13] ).



وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله([14] ).



وللبكاء المشروع تأثير على نفس المصاب ومن حوله فهو يخفف الحزن والألم، ويزيح عن الصدر الكآبة، وهو تعبير غير ناطق بحروف، كيف وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم تستطع البكاء المشروع فتباكى ولو على حالة دعاء، أو ذكر لله تعالى، أو سجود، فلا تكتم الأحزان في صدرك فتؤثر عليه، ومن هنا نعلم أن الاعتراض على الباكين البكاء الشرعي اعتراض غير صحيح، إلا إذا تجاوز البكاء حده الشرعي من الصياح بصوت عال أو ضرب نفسه وشق ثيابه، فهذا يوجه لما فيه خير له.



بعض العوامل المساعدة لكل من الصبر والشكر:



1 ـ التوكل على الله تعالى واستشعار عظمته، فإنه من يتوكل على الله فهو حسبه، قال تعالى: } وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ { .



2 ـ المحافظة على الفرائض وأداؤها على أكمل وجه وبالشكل الذي كان يؤديها الرسول عليه الصلاة والسلام. من الصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها.



3 ـ الإكثار من قراءة القرآن الكريم وذكر الله تعالى في الحل والترحال، فإنها تساعد الإنسان على تخطي الصعاب والانتصار على الوسواس الخناس.



4 ـ قراءة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسير السلف الصالح، لما فيها من الأحداث والعبر والدروس، مما تشجع النفس المؤمنة على التمسك بحبل الله والرضى بحكم وقدره في السراء والضراء اقتداء بتلك الأجيال السالفة والصالحة.



5 – مصاحبة الأخيار، من الناس الذين يعينون على فعل الخيرات، وترك المعاصي والمنكرات، لأنهم يذكّرون بعضهم البعض بحمد الله والثناء عليه في حالتي النعمة والبلاء.



وأخيرًا: إن المسلم وهو يتعامل بهذه العوامل سيستقيم منهاج حياته إلى أن يلقى ربه عز وجل شاكرًا صابرًا فتكون له الخيرية في الدنيا والآخرة: «إن أمره له كل خير».



إن استشعار المسلم لهذه القضية المنهجية يكسبه السير السليم في هذه الحياة، منميًا قدراته وملكاته، مطمئنًا مرتاحًا، ناجحًا في سلوكه، محققًا أهدافه، سليمًا معافى، قلبه خال من الأمراض القلبية، كالحسد والبغض والكره والحق والغيرة، وغيرها، ينام مرتاحًا، يستيقظ كذلك، حامدًا فضل ربه، شاكرًا نعمائه، صابرًا محتسبًا بلاءه، حقّق الله تعالى لنا ولك ذلك، فجاهد نفسك أيها المسلم، الداعية، المريض، الفقير، الغني، الشاب، الصحيح... لترى النتائج العجيبة، والآثار الحميدة.









* * *














([1] ) سورة البقرة، الآيات 155-157.



([2] ) جامع الترمذي، رقم 1021، ص246-247. ورواه أيضًا أحمد في مسنده.



([3] ) صحيح مسلم، رقم 2126، ص369.



([4] ) متفق عليه، واللفظ للبخاري، رقم(1304)، ص(209).



([5] ) سورة الحج، الآية 11.



([6] ) سورة المعارج، الآيات 19-21.



([7] ) صحيح مسلم، رقم 6570، ص1128.



([8] ) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة، ص349.



([9] ) صحيح البخاري، رقم 7217، ص1243.



([10] ) سورة يوسف، الآية 87.



([11] ) جامع الترمذي، رقم 2396، ص546.



([12] ) الصحيحان، واللفظ من صحيح البخاري، رقم 1297، ص207.



([13] ) سنن النسائي، رقم 1860، ص263. ورواه أيضًا أحمد وان ماجه.



([14] ) صحيح مسلم، رقم2259، ص392.




المصدر





حَـديـث عَجبًا لأمْر المُؤمن





دراسة حَديثية دعويّة نفسيّة.





إعداد أ. د. فالح بن محمد بن فالح الصغيّر





الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق