الجمعة، 20 أبريل 2018

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ

السؤال:
سمعت من بعض المشايخ أن القران سهل في حفظه ، وأنا أريد أن أعرف كيف ذلك وهو ليس نثرا ، وليس شعرا ، ويوجد فيه ألفاظ صعبة وغريبة لم أجدها في الكتب العربية ، ولم أعرف ما المقصد منها مثل ( ألم، كهيعص) ، وكذلك نفس القصة تكون في أكثر من سياق ، ويوجد آيات كثيرة متشابهة ، وتختلف في أشياء بسيطة جدا ، وأيضاً تركيب النصوص القرآنية مختلف عن تركيب النصوص في الكتب ، ويوجد كتب كثيرة سهلة ، وممتعة في قراءتها ، ولا يوجد فيها هذا التعقيد، أرجو الإجابة على سؤالي ، فأنا أريد أن أزداد علما، وأنا أريد أن أحفظ القرآن ؟
تم النشر بتاريخ: 2016-08-17



الجواب :
الحمد لله
يقول الله عز وجل في كتابه العزيز : ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) القمر/ 17 ، قال ابن كثير رحمه الله :
" أَيْ: سَهَّلْنَا لَفْظَهُ، وَيَسَّرْنَا مَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَهُ ، لِيَتَذَكَّرَ النَّاسُ " .
انتهى من " تفسير ابن كثير" (7/ 478) .
وقال السعدي رحمه الله :
" أي : ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم ، ألفاظه للحفظ والأداء ، ومعانيه للفهم والعلم ، لأنه أحسن الكلام لفظا، وأصدقه معنى ، وأبينه تفسيرا ، فكل من أقبل عليه ، يسر الله عليه مطلوبه غاية التيسير، وسهله عليه .
والذكر شامل لكل ما يتذكر به العاملون من الحلال والحرام ، وأحكام الأمر والنهي، وأحكام الجزاء والمواعظ والعبر، والعقائد النافعة والأخبار الصادقة .
ولهذا كان علم القرآن حفظا وتفسيرا، أسهل العلوم ، وأجلها على الإطلاق ، وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد أُعين علي ه، قال بعض السلف عند هذه الآية: هل من طالب علم فيعان عليه ؟ ولهذا يدعو الله عباده إلى الإقبال عليه والتذكر بقوله: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) " .
انتهى من " تفسير السعدي " (ص 825) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" المعنى: أن الله تعالى يسر القرآن، أي: يسر معانيه لمن تدبره ، ويسر ألفاظه لمن حفظه ، فإذا اتجهت اتجاهاً سليماً إلى القرآن للحفظ : يسره الله عليك، وإذا اتجهت اتجاهاً حقيقياً إلى التدبر وتفهم المعاني : يسره الله عليك " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (184/ 13) بترقيم الشاملة.

فالقرآن : حفظه وفهمه وتدبره ، يسير ، ولكن على من يسره الله عليه ، ممن أقبل على حفظه ، وأحب تلاوته ، ورغب في العلم.
أما من لم يُقبل على القرآن ، وأعرض عن تلاوته ، وانشغل عنه : فهذا لا ييسره الله عليه ، فيجد السهل صعبا ، وفي تكرار آياته مللا ، وفي غرائب بعض ألفاظه وحشة ، فأين هذا ممن يقبل على تلاوته ، ويسعد بصحبته ، ويتلذذ بدوام مدارسته وقراءته ، ويسأل عما أشكل عليه ؛ فهذا هو الذي ييسره الله عليه ، ويجعله من أهله ، الذين هم أهل الله وخاصته .

وقد خفي على السائل جلال القرآن وحسن نظمه ، وجزالة ألفاظه ، وخضوع العالمين له ، لانشغال قلبه بما ألقى الشيطان فيه من الوسواس ، وصعب عليه من السهل ، وضيق عليه سعة القرآن ورحابته !! حتى راح يزعم أن في القرآن من التركيب والتعقيد ما يخالف ظاهر قول الله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) ، أو أن فيه أشياء غريبة لم يجدها في كتب اللغة ، كالحروف المقطعة في أوائل السور .
وهذه الأحرف المقطعة : ذكر غير واحد من أهل العلم أنها ذكرت أوائل السور التي ذكرت فيها؛ بيانا لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها .
انظر : "فتاوى اللجنة الدائمة" (4/ 179).

فهذه الأحرف للإعجاز والتحدي ، وليست طلاسم وتراكيب غير مفهومة ، لإرادة التعقيد على الناس ، وإيهامهم بما لا علم لهم به .

وأما تكرار القصص القرآني : فهذا أيضا من الإعجاز البديع ، ومن محاسن الفصاحة، وهو صور متعددة في القرآن ، وليس فيه تكرار محض ، بل لا بد من فوائد في كل خطاب ، من أنواع الاعتبار والاستدلال ، وتقرير النعم ، وتأكيد التذكير بها ، والتوكيد والإفهام ، وغير ذلك .
انظر جواب السؤال رقم : (82856) ، (140060) لمعرفة أنواع التكرار في القرآن الكريم وفوائده والحكمة منه .

وكذلك الآيات المتشابهة في القرآن ، لم يحصل التشابه عبثا ، ولا لإرادة التعقيد على الناس ، والتعسير عليهم ، وإنما لحكم وفوائد عظيمة ، كما يظهر من الاطلاع على فوائد التكرار ، والحكمة منه ، في جواب السؤالين المشار إليهما آنفا .
ومن ذلك :
مزيد البيان والتفصيل ، وتأكيد التحدي الذي جاء به القرآن ، وتنوع اللفظ في صورة بيانية فصيحة معجزة تأخذ بالألباب وتحير العقول .
ومن أحب كتاب الله وأحب تلاوته ، وأقبل عليه : فتح الله له ما شاء من هذه العلوم ، ويسر عليه حفظه وتدبره .
وأما من لم يقبل على كتاب الله ، ورأى في التكرار مللا وتعقيدا ، انغلقت عليه أبواب الفتوح ، ولم ينعم بما ينعم الله به على أهل القرآن ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ ) رواه مسلم (2699) .
أما الألفاظ الغريبة والصعبة : فهذا يقوله من يقوله لعدم علمه بلغة العرب التي نزل بها القرآن ، ثم إن من جهل ذلك ، أو شيئا منه : أمكنه الاستعانة بكتب تفسير القرآن الكريم ، أو شرح ألفاظه ، وبيان معانيه : لمعرفة معنى الألفاظ التي لا يفهمها ولا يعرف معناها .
مع أن غالب ألفاظ القرآن سهلة معروفة ، يعلمها - ولو على سبيل الإجمال - أكثر الناس .

وأما اختلاف نصوص القرآن عن نصوص الكتب التي يدون فيها الشعر والنثر والأدب والقصة: فهذا لأن القرآن ليس من هذه الأصناف والأنواع المختلفة ، وإنما هو فريد في نوعه ، لا يشبهه شيء من ذلك ، ولا يشبه هو هذه الأشياء ، وهذا من تمام عظمته وجلاله وبيانه وفصاحته وإعجازه .

وأما الكتب التي تصفها بأنها ممتعة فذلك في الغالب لأنها توافق هوى من يطلبها .
ومع ذلك : فإن هذه المتعة ستزول ، ويحل محلها الملل إذا كررت قراءة هذه الكتب عدة مرات ، وهو ما لا يوجد في القرآن الكريم ، فكلما كررته ، وأكثرت من قراءته : زادت محبتك له ، وشوقك إليه ، وهذا أحد وجوه إعجاز القرآن الكريم .

ولو أنك أقبلت على القرآن ، وبدأت بحفظه : لتبين لك خطأ ما كنت تظنه ، وتبين لك أي حرمان كنت فيه ، وأي وهم عظيم كنت تعيشه ؟!!
فهناك عشرات الآلاف من الأطفال – أو أكثر – يحفظون القرآن الكريم عن ظهر قلب ، ومنهم من ليسوا عربا ، ولا يفهمون معناه ، إلا أن الله يسره عليهم ، وهو ما لا وجود له في أي كتاب في العالم .
فكيف يكون مثل ذلك صعبًا عسيرا ؟!

فأقبل يا عبد الله على كتاب ربك ، بقلب مفتوح ، وصدر منشرح ، وهمة عالية ، وإيمان صادق ، وشوق إلى كلام رب العالمين ، وتعظيم لمنزلته ، وادع الله جل في علاه : أن ييسر لك تدبره وحفظه ، واسع في ذلك سعيا رشيدا ، والزم أحد شيوخه ، وابدأ في حفظه على يديه ، واستعن بالله ولا تعجز ، ودع عنك هذه الوساوس فإنها تمحق البركة وتذهب بالنعمة .

والله تعالى أعلم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق