الاثنين، 22 أكتوبر 2018

السبيل إلى الوحدة والإجتماع وعقبات الفتانين الجزء الأول

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نتشرف بتقديم سلسلة (السبيل إلى الوحدة والإجتماع وعقبات الفتانين) و ستكون مقسمة إلى أجزاء لأني أردت أن أتكلم فيها بالتفصيل وخاصة وأنها تتعلق بأمر كبير يحدث في الأمة ومع إنتشار الكذب والجهل وسوء الظن والأهواء والأراء الخائبة وتزييف الحقائق وتعدد الأوجه وقلب الحق إلى باطل والباطل إلى حق وتلميع أهل الباطل والدعس على أهل الحق ، مع إنتشار هذه الأمور في الأمة أصبحنا في أمر مريج وبقي المسلم حائرا وتائها بسبب ماذكرنا ، فقررنا أن نقدم هذه السلسلة لعلها تزيل الغبش والضباب عن ذهن القارئ ونسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصا له وحده وأن يتقبل منا وأن ينفعنا وينفع بنا إنه سميع عليم وهو الجواد الكريم .

موضوع هذه السلسلة يعالج أمرين هما :

أولا : عن أسباب الفرقة ومن هم المتسببون فيها وكيف السبيل لتفاديها وللإجتماع وتوحيد الصف .

ثانيا : العقبات التي يثيرها الفتانين في سبيل هذه الوحدة ومحاولة تبصير القارئ بها

وسنتطرق في هذا الجزء إلى 3 فصول :

الفصل الأول : كيف حدثت الفرقة في الأمة ؟

الفصل الثاني : ما هو سبيل الإجتماع ؟

الفصل الثالث : إقتراح الفتانين للإجتماع ومناقشة أنواع الفرقة

وقبل أن نبدأ في بحثنا أريد أن أوضح للقارئ من هم طائفة الفتانين الذين أتكلم عنهم ؟

معلوم أن الأمة إنقسمت إلى طوائف وسنناقش سبب هذا في الموضوع وكيف السبيل إلى إجتماع الأمة ولكن الفتانين هم طائفة مستقلة عن كل هاته الطوائف ، فهؤلاء يزعمون أنهم يريدون وحدة الأمة ويريدون جمع كل الطوائف بإختلاف عقائدهم ومشاربهم ومناهجهم ، يعني يريدون إجتماع الأبدان لا إجتماع القلوب وفي سبيل هذا تصدوا لأهل الحق الذين ينكرون المنكر ويدعون إلى الله على بصيرة وزادوا الطينة بلا وزادوا الأمة تمزيقا بنبزهم بألقاب يتخيل منها السامع أن هؤلاء الدعاة إلى الحق هم طائفة في حد ذاتها ، فاصطنعوا طوائف وهمية لا وجود لها في الواقع وجعلها في ذهن المستمع حتى صار يرى أن الأمة منقسمة تقسيما لا يمكن جمعه ، وفي الحقيقة أن الفتانين وأهل الفرقة أمرهم واضح وضوح الشمس في كبد النهار وهذا ما سنسعى إلى بيانه بإذن له ، فقد كان هذا فقط تعريف بطائفة الفتانين .

الفصل الأول : كيف حدثت الفرقة في الأمة ؟

الجواب : ليعلم القارئ أن الفرقة لم تكن حكرا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : افترَقتِ اليَهودُ على إِحدى وسَبعين فِرقةً ، فواحِدةٌ في الجنَّةِ ، وسَبعونَ في النَّارِ ، وافتَرقَت النَّصارَى على اثنَتين وسَبعين فِرقةً ، فإحدَى وسَبعونَ في النَّارِ وواحِدةً في الجنَّةِ ، والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيدِه ، لتَفترقَنَّ أُمَّتِي على ثلاثٍ وسَبعين فرقةً ؛ فواحِدةٌ في الجنَّةِ ، واثنَتان وسَبعونَ في النَّارِ

الراوي:عوف بن مالك الأشجعي المحدث:الألباني المصدر:صحيح الجامع الجزء أو الصفحة:1082 حكم المحدث:صحيح

وليعلم القارئ أن سبب التفرق هو مخالفة سبيل المؤمنين ومخالفة ما جاء به أن النبي الأمين
) قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 102-103].

فالإعتصام بحبل الله هو سبيل الإجتماع ومن يبتغ الإجتماع في سبل أخرى فهو واهم ، وحبل الله دينه كتاب الله وسنة نبيه بعيدا عن الأهواء والآراء الفاسدة والتصورات المستمدة من غير الكتاب والسنة

وقال الله تعالى : ï´؟ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ï´¾.

فاتباع سبيل المؤمنين فلاح وعصمة من الضلال وقد بين هذا النبي صلى الله عليه وسلم أحسن بيان

فقال : . ..وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً ، قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ) ، رواه الترمذي ( 2641 ) وحسَّنه ابن العربي في " أحكام القرآن " ( 3 / 432 ) ، والعراقي في " تخريج الإحياء " ( 3 / 284 ) ، والألباني في " صحيح الترمذي " .

فقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم السبيل وهو إتباع ما كان عليه سلف الأمة من الصحابة رضوان الله عليهم ، فيكون سبب الإختلاف والفرق هو مخالفة ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فكل مخالفة لسبيل السلف ينتج عنها فرقة مجانبة للحق متبعة للهوى

وعن إبن مسعود رضي الله عنه قال : خطَّ لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خطًّا ثم قال : هذا سبيلُ اللهِ ثم خطَّ خطوطًا عن يمينِهِ وعن شمالِهِ ثم قال : هذه سُبُلٌ قال يزيدٌ : متفرِّقَةٌ على كلِّ سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليهِ ثم قرأ { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوْا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }
الراوي:عبدالله بن مسعود المحدث:أحمد شاكر المصدر:مسند أحمد الجزء أو الصفحة:6/89 حكم المحدث:إسناده صحيح

فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن سبيل الله واحد وسبل الشيطان كثيرة فكل من إنحرف عن سبيل الله فيكن قد سلك سبيل الشيطان وهذا هو سبب الفرقة عدم لزوم سبيل الله الذي يتمثل في العقيدة والمنهج اللتان كان عليهما الأصحاب رضوان الله عليهم وإتباع عقيدة ومنهج مخالف لما كان عليه الأصحاب رضوان الله عليهم هو سلوك لسبل من سبل الشيطان وعدم الإعتصام بحبل الله وهو سبب التفرق .

الفصل الثاني : ما هو سبيل الإجتماع ؟

الجواب : قد بينا في الفصل السابق أحسن بيان على سبب الفرقة المتمثل في مخالفة عقيدة ومنهج الأصحاب رضوان الله عليهم وإستبدال هذا بمناهج دخيلة كمناهج الفلاسفة والمتكلمين والوثنيين مما جعل المسلمين ينحرفون على العقيدة الصافية النقية التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، فيكون سبيل الإجتماع هو ترك هذه العقائد والتعصب لها والعودة إلى الكتاب والسنة بفهم الأصحاب رضوان الله عليهم ، ولا سبيل غير هذا السبيل الذي وضحه القرآن الكريم أحسن بيان وبينه لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فالتوحيد والإتباع هو سبيل الوحدة والإجتماع ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يجتمع الحق بالباطل ولا سبيل الله مع سبل الشيطان ولا يقول بهذا إلا فتان أو مختل عقليا نسأل الله السلامة والعافية

ولأننا في مقام بيان فلن نترك العبارات مجملة وسنتكلم بإختصار عن الأصول التابثة في الكتاب والسنة والتي أجمع عليها الصحابة رضوان الله عليهم :

أولا : إخلاص العبادة لله وافراده بها فلا يعبد إلا الله ولا يدعى إلا الله ولا يذبح ولا يطلب الخير ودفع الشر إلا من الله
ثانيا : إثبات ما أثبثه الله لنفسه من الصفات الواردة في الكتاب والسنة من غير تحريف وتأويل أو تعطيل أو تشبيه أو تجهيل ، فقد اجمعوا على الإيمان بها كما جاءت مع نفي المماثلة للمخلوقين

ثالثا : الترضي على جميع الصحابة وأن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليه رضي الله عنهم جميعا

رابعا : الإيمان بأن القرآن كلام الله غير مخلوق وأن الله سبحانه يرى في الآخرة

خامسا : الإيمان بعذاب القبر والبعث والحشر والميزان والصراط والحوض وأن الجنة والنار مخلوقتان ولا تفنيان

سادسا : الإيمان بالسنة والعمل بها وأنها مفسرة للقرآن

سابعا : الإيمان بالقدر و الذي يتضمن علم الله الأزلي وكتابته في اللوح المحفوظ وأن مشيئة نافذة وأن العبد له مشيئة تحت مشيئة الله وهو ليس مجبر على أفعاله بل إن الله سبحانه أعطاه إرادة وبين له الحق والباطل وأمره ونهاه

ثامنا : الإيمان قول و إعتقاد وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ،ولا يكفر المسلم إذا إرتكب الكبائر

تاسعا : لزوم إمام المسلمين ولو كان فاجرا و لا يجوز الخروج عليه إلا أن نرى كفرا بواحا عندنا فيه من الله برهان مع توفر الشروط مثل القدرة و تجنب المفسدة ........ إلخ كما لا يجوز الخروج عليه بالكلام ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمناصحة السلطان سرا

عاشرا : عدم إباحة تكوين الجماعات على إختلاف مناهجها ، فمنهج الدعوة توقفي والدعوة يجب أن تكون على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأول ما بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم التوحيد والتحذير من الشرك ،ولم يبدأ بالإصلاح السياسي أو الإقتصادي أو إصلاح الأخلاق كما هو عليه بعض الجماعات و الاحزاب اليوم فكله هذه الجماعات والتكتلات مخالفة لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم

فهذه هي الأصول التي من خالفها يكون مبتدعا مخالفا لسبيل المؤمنين ومن أهل الفرقة ، وهذه الأصول تواترت الأدلة عليها و أجمع السلف عليها ولا يوجد واحد منهم خرج عنها ،فيكون أهل الفرقة المخالفين لهاته الأصول لا دليل لهم إلا الهوى والتعصب ، فلكي يحصل الإجتماع فعليهم بترك أهوائهم والإنقياد إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وإلتزم به أصحابه رضوان الله عليهم، فهذا هو السبيل الذي يجمع المسلمين ويوحد كلمتهم وما إفترقوا إلا بمخالفتهم لهاته الأصول وإتباع الأهواء والأراء الضالة .

الفصل الثالث : إقتراح الفتانين للإجتماع ومناقشة أنواع الفرقة !!

لقد تباكى هؤلاء الفتانين على حال الأمة وزعموا أنهم يريدون لم الشمل ، فكان مثلهم كمن يريد أن يستجير بالرمضاء من النار ، فماذا اقترحوا ؟؟؟

اقترحوا أن يترك المسلمين الإنكار على غيرهم وأن يقبلوا بعضهم على الرغم من إختلافهم في العقيدة والمنهج !!!!!!!

فهل يقول بهذا عاقل !! ما فائدة هذا الإجتماع ؟؟؟؟؟؟؟ هل نحن بحاجة لإجتماع القلوب أم لإجتماع الأبدان ؟!!

وهل الإختلاف إختلاف القلوب أم الأبدان !!!!!!!! ولا يعلم هؤلاء أن هذه سنة اليهود وقد نزلت فيهم آيات في كتاب الله تنكر عليهم هذا الفعل القبيح

فمن الظلم العظيم والجناية على الدين أن يقال للمسلمين توحدوا على اختلاف مناهجكم بل عقائدكم . وهذا أعظم ما يزيل الدين ويمحو أثره ويصادم الأدلة الشرعية . فإن موسى عليه السلام لم يعذر هارون عليه السلام في عدم إتباعه لما رأى أن بني إسرائيل ضلوا . وقد قال هارون : ( إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي)(طـه: من الآية94)، فالفرقة المحمودة إذا كان القصد منها الدفاع عن الكتاب والسنة على بصيرة ومنهج السلف الصالح .

وقد قال الله تعالى عن أهل الكتاب :لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ

فبين لنا الله سبحانه أنهم مجتمعين بأبدانهم تحسبهم جميعا ولكن قلوبهم شتى ولهذا قال بأسهم بينهم شديد ، فالإجتماع ليس إجتماع الأبدان كما يزعم الفتانين بل إجتماع القلوب ، فليس المهم تكثير سواد المسلمين بل الذي يهمنا هو جمع القلوب حتى تكون القوة والعزة وقد أوضحنا سبيل هذا الإجتماع في الفصل الثاني .

وكما قلنا سابقا أن الإجتماع بين أهل السنة وأهل البدع لا يمكن أن يكون فإنكار المنكر من أكبر واجبات الدين فكيف يسكت شخص عن من خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويداهنه ويقول له أجتمع معك !!
ولهذا السبب بالذات نزلت اللعنة على بني إسرائيل
قال الله تعالى : لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ; كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ; تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ


فالنهي عن المنكر واجب والبدعة في الدين من أكبر المنكرات لقوله صلى الله عليه وسلم : كل بدعة ضلالة

فالفرقة التي تفرق بين الحق والباطل واجبة ، في صحيح البخاري من رواية جابر إبن عبد الله : وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَ النَّاسِ ( أي يفرق بين المؤمن والكافر، والحق والباطل ) .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق