الاثنين، 1 أغسطس 2022

أين الخلل؟ - أ فتيحة محمد بوشعالة

السلام عليكم،


أين الخلل؟


عندنا الوحي، وعندنا القابلية لتلقيه، فلماذا لم يصلح حالنا بالقرآن والسنة ؟
الخلل في فقه التنزيل، وهو مسؤولية علماء الامة.
قال ابن باديس رحمه الله: "لن يصلح المسلمون حتى يصلح علماؤهم فإنّما العلماء من الأمّة بمثابة القلب إذا صلح صلح الجسد كلّه وإذا فسد فسد الجسد كلّه..."
اكتفينا بالعرض دون الغوص، اكتفينا بالقراءة والتحفيظ، والاستظهار، اكتفينا بحسن التجويد والترتيل، وغفلنا عن التدبر والاستنباط والتفقه والعمل.
لم نحسن تنزيل الوحي الى واقع الامة، فبقي مجرد تعاليم قيمة نتغنى بها، مثل الطبيب الذي يصف الدواء ويبرز قيمته، ويكثر الثناء عليه، ولكن لا يعطيك الطريقة التي تستفيد بها منه.
ولا يقدم للمريض التشخيص اللازم، لاي مرض يصلح هذا الدواء بعينه، ولا كيفية تناوله، ولا المقادير اللازمة، وهذه تحتاج للعلم الراسخ، العلم الشرعي والعلم بالواقع، والواقع معناه، إدراك واقع الناس، اجتماعيا، نفسيا، علميا، سياسيا، اقتصاديا، فكريا، قانونيا، حتى تتمكن من تشخيص الداء بدقة، واعطاء العلاج المناسب، إن على مستوى الأفراد او المجتمعات، وهذا ما نفتقده في من يتصدى للدعوة ولتعليم الناس امر دينهم، مثل الإمام ، الأستاذ والفقيه والمفتي والمفكر، والمرشد والواعظ، إذ هم في واد والمجتمع في واد اخر، فكيف ينفع الترياق الذي هو معه وهو لا يدري اين الداء ولا نوعه،ولا نوع الدواء الذي يحتاجه كل مريض بعينه...
مثال، مشاكل الشباب، غير مشاكل المراهقين، ومشاكل المراة غير مشاكل الرجل ، ومشاكل الماكثة بالبيت غير مشاكل العاملة،ومشاكل المتعلم غير مشاكل الامي، ومشاكل الفقراء غير مشاكل الاغنياء، ومداخل المؤمن بالمنهج الرباني،غير مداخل الغافل عنه، ناهيك عن المعادي له،
ومشاكل التعليم غير مشاكل الاقتصاد، غير مشاكل الادارة، غير مشاكل السياسة، فالعالم الرباني يتحتم عليه إدراك كل جوانب ذلك، حتى يتسنى له تقديم الترياق اللازم وبالمقادير اللازمة من صيدلية الوحي ، وإلا اساء حيث ظن انه احسن وهو لا يدري،
الحل يكون في تكوين علماء راسخين، ميزتهم، صدق النوايا مع الله، الشجاعة في التشخيص وفي العلاج، البعد عن مغريات الدنيا والترفع عنها ومجاهدة النفس في ذلك، حسن التنزيل، وهو النجاح في ربط واقع الامة بالوحي، لا مجرد حكاية الوحي.
فلو بقينا قرنا نقرأ على الناس القرآن، ونحفظهم اياه، وندرسهم السيرة ونحفظها لهم، دون إدخال القرآن بعلم في خصوصيات حياتهم لم يتغير شيء ولبقت الامة على حالها من الضعف والوهن والبعد عن كتاب ربها وصراطه المستقيم.
بيت القصيد في ربط الآية والحديث بالواقع اليومي للافراد والمجتمعات والامة، على جميع المستويات.....
فمن فقه الواقع على سبيل المثال،
أن لا تحدث الناس عن بدعٍ وهم غارقون في معاصي الشهوات من زنا وخمر وربا و و..... فهذا من انطماس البصيرة.
فهناك. فقه الاولويات...
ومن بصيرة الامام ابن تيمية، انه يرى امكانية الاستفادة من بعض المبتدعة، وأنّ فيهم بعض الخير، عكس العاصي الغارق في الشهوات البعيد كل البعد عن منهج الله، حيث قال في مجموعة الفتاوى 13/ 96: "وَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ مُبْتَدِعَةِ الْمُسْلِمِينَ: مِنْ الرَّافِضَةِ والجهمية وَغَيْرِهِمْ إلَى بِلَادِ الْكُفَّارِ فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَانْتَفَعُوا بِذَلِكَ وَصَارُوا مُسْلِمِينَ مُبْتَدِعِينَ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونُوا كُفَّارًا." فشر أهون من شر.
وهذا المقصود بالحكمة والبصيرة في الآية.
البصيرة تتأتى ب: العلم الشرعي مع نور يقذفه الله في قلب العالم نتيجة صدقه مع الله وصدقه في تبليغ دينه وانشغاله الدائم بذلك، الى جانب ادراكه لواقعه وما يجري فيه.
ومن نماذج ربط الوحي بالواقع، تفسيرك لقوله تعالى (وَمَا یُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُون) فلا تقف عند قول المفسرين ان الشرك هو ان تجعل لله ندا، وتعبد معه غيره،وتتخذ له شريكا، فهذا كلاك نظري، قد لا يستوعبه السامع، وقد يظن ان المقصود بذلك عبادة الاصنام وما شابهه، بل نبهه ان الاعتماد على الأسباب دون الله شرك، ان الخوف من ذي سلطة وسطوة والاعتقاد بقدرته على ضرك شرك، ان حب مالك وأهلك اكثر من حبك لله ولدينه، وتقديمهم على طاعة الله شرك، أن الخوف على الرزق وأنّ أحدهم يمكنه ان يمنعه عنك شرك، وفصّل لهم كل مظاهر الخلل العقدي الذي يعيشه المجتمع في هذا الجانب حتى يترسخ لديهم ان القرآن يخاطبهم هم بعينهم، ويعالج تلك المشاكل بعينها، فيكون إقبالهم على القرآن اقبال الطالب للدواء والعلاج، لا مجرد طالب تبرك ومستكثر حسنات.
وقس على ذلك معضلات الامة الراهنة، وابحث عن السنن الكونية المبثوثة في الوحي التي تصلح لها علاجا.
بهذا فقط، بفقه الوحي، وفقه الواقع، وحسن ربط الاول بالثاني، يؤتي التعليم والدعوة أكلهما في الامة.
فتيحة محمد بوشعالة
أستاذة محاضرة بقسم الكتاب والسنة
جامعة الامير عبد القادر للعلوم الإسلامية - بقسنطينة - الجزائر



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق