الاثنين، 26 مارس 2018

حَقُّ غَيْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ.


حَقُّ غَيْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ

الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ

أَمَّا بَعْدُ:

فإنَّ الإسلامَ دينٌ عظيم، دينٌ ختم الله به جميع الأديان، وجعله نورًا وهدى على مرورِ الأزمان، دينٌ جعله الله رحمةً للنَّاسِ أجمعين، وجعل فِي أحكامِه الخيْرَ للمؤمنينَ به ولغيرِ المؤمنين، يقول سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: 107]. و يدركُ هذه الخيريةَ كلُّ ذي عينٍ بصيرة، ولا يجحدها إلَّا من كان من المتكبِّرين الحاقدين.

أما كونُه خيراً لأهلِه فلأنَّ الله وعَدَ المؤمنين به بالفَلاحِ في الدُّنيا والآخرَة، قال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}[الإسراء: 9].

وقال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل: 97].

وأما كونُه خيرا لغير المسلمين فلا أدلَّ عليه مِمَّا حفِظَه الإسلام لهم من الحقوق، وما عاملهم به المسلمون من تسامح لا يكاد يُصدَّق، في زمن الحروب وفي غيرها، و هو ما شهد به المنصفون منهم.

ومع ذلك تَتَعالى الصَّيْحَاتُ وتتوالى الدَّعوات في هذه الأزمان التِّي يزعُم أصحابُها أنَّ الإسلامَ دينُ ظلمٍ وغدرٍ ولاَ يحفظ للإنسانِ حقوقَه ولا كرامتَه، وسببُ هذه الصَّيحات أمران:

الأول: هو الْحِقْدُ الدَّفِين والحسدُ الكَبِير الذِي يُكِنُّه الكفرةُ والمنافقُون لدينِ الإسلامِ ممَّا يجعلُهم يجحدُون فضلَه ويسعَونَ لتشويه صورتِه.

والثاني: هو صدورُ بعضِ الأخطاءِ المقصودةِ وغيرِ المقصودةِ من بعضِ جهلةِ الْمُسلمين مِمَّن لم يعرفُوا حقيقةَ دعوة الإسلام ولا حقيقةَ ما يُمثِّلُون.

وممَّا ينبغي على الْمُسلمين في هذا الزَّمان معرفتُه، والاعتناءُ به هو ضبطُ الْمَنْهجِ الْحَقِّ في تعاملِهم مع غيرِ الْمُسلمين، وإنما تعيَّن ذلك لأمور:

1. تبرئةُ الإسلامِ مما نُسِبَ إليه وإزالةُ كلِّ ما يشينُه، سواء مما ذكرهُ الحاقدُون الجاحدُون، أو ممَّا فعلَه بعضُ من إليه ينتسبُون.

2. ترغيبُ النَّاس في الإسلامِ وعدمُ تنفيرِهم منه، وذلك بإيقافِهم علَى الوجهِ الحقيقي للإسلامِ وللمسلِمين.

3. عبادةُ المسلمين لربِّهم على بيِّنة، خاصَّة في هذه الأزمان التِّي اختلَط فيها الْمُسلمُون بالكفَّار اختلاطاً كبيراً، فيحتاجُ المسلمُ إلى معرفةِ ضوابطِ تعاملِه معهم.

وسيكون توضيحنا لهذه المسألة-بإذن الله- عبر وقفات، وهذا أوان الشُّروع في المقصود فنقول-مستعينين بالله العظيم-:

إنَّ الإسلامَ دينُ العدلِ والحقّ، فقد أعطى لكلِّ ذِي حقٍّ حقَّه، ولم يبخسْهُ إيَّاه، ولو كان هذا الشَّخص من كان، قال سبحانه: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة: 8].

قال ابنُ كثير-رحمه الله-: (أَيْ: لَا يَحْمِلْنَكُمْ بُغْض قَوْمٍ عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِيهِمْ، بَلِ اسْتَعْمِلُوا الْعَدْلَ فِي كُلِّ أَحَدٍ، صَدِيقًا كَانَ أَوْ عَدُوًّا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أَيْ: عَدْلُكم أَقْرَبُ إِلَى التَّقْوَى مِنْ تَرْكِهِ)[تفسير ابن كثير(3/62)].

وقبل الشُّروع في بسطِ حقوقِ غيرِ الْمُسلم على الْمُسلمِ يحسُن ذكرُ أصنافِ غيرِ المسلمين فإنَّهم ليسوا جميعا في صنف واحد، وإن كانوا جميعا في حيِّز الكفر-والعياذ بالله-.

الوقفة الأولى: أصناف غيرِ المسلمين[1]:

أولاً/ الذّمِي: وهو الذي بيننا وبينه ذمَّة؛ أي: عهد على أن يقيم في بلادنا معصوما مع بذل الجزية، يقول سبحانه: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: 29].

ثانياً/ المعاهَد[2]: وهو الذي بيننا وبينه عهد أن لا يحاربنا ولا نحاربه، سواء كان في بلادنا أو في بلاده، كما جرى بين النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقريش في الحديبية.

ثالثاً/ المستأمَن: وهو الذي ليس بيننا وبينه ذمَّة ولا عهد، لكنَّنا أمَّناه في وقت محدّد؛ كرجل حربي دخل إلينا بأمان للتِّجارة، أو يؤدي رسالةً، أو ليفهم الإسلام، أو نحو هذا. قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}[التوبة: 6].

رابعاً/ الحربي: فهو الذي ليس فيه شيء من هذه الأمور لا هو بذمِّي و لا هو معاهَد و لا مستأمَن.

خامسا/الْمُرتدّ: وهو من كان مسلما ولو في الظَّاهر ثم صدر منه ما يوجب خروجه من الإسلام.

تنبيه:

قد تستعمل بعض هذه المصطلحات مكان بعض، فقد يطلق لفظ المعاهَد على أهل الذِّمة:

قال ابنُ الأثير-رحمه الله-: (والمُعَاهَد: مَن كَانَ بَيْنك وبَيْنَه عَهْد، وأكثرُ مَا يُطْلَق فِي الْحَدِيثِ عَلَى أهْل الذِّمة، وَقَدْ يُطلق عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الكُفَّار إِذَا صُولحوا عَلَى تَرْك الحَرْب مُدّةً مَا)[النهاية(3/325)].

وقد يطلق أيضاً على المستأمَن:

قال الشَّوكاني-رحمه الله-: (الْمُعَاهَدُ هُوَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ يَدْخُلُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ)[نيل الأوطار(7/18)].

الوقفة الثانية: أحكامُ وحقوقُ الْمُرتدّ:

الأصل في المرتد أن يقتل؛ فعنْ عبد الله بنِ عبَّاس-رضي الله عنه- قال: قال النَّبِيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ))[البخاري(3017)].

واختلف أهل العلم في حقٍّ واحدٍ هل يثبت له أو لا؟ و هو الاستتابةُ، فهل يستتاب المرتدُّ قبل أن يُقتلَ أو يقتلَ مباشرةً.

قال الشَّيخُ ابنُ عثيمين-رحمه الله-: (في ذلك خلافٌ بين العلماء: منهم من قال: لا يستتاب، بل بمجرّد أن يثبت كفرُه فإنَّه يقتل لقول النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلوهُ))، ولم يذكر استتابة، ومنهم من قال: يستتاب ثلاثة أيام إن كان ممن تقبل توبتهم، لأن المرتدِّين بعضهم تُقبل توبتُهم، وبعضُهم لا تُقبل، فإذا كان ممَّن تقبل توبتُه فإنَّنا نستَتِيبُه ثلاثةَ أيَّام، أي: نحبسه، ونقول: لك مهلةُ ثلاثةِ أيَّام، فإنْ أسلمَ رفعْنَا عنه القتل، وإن لم يُسلِم قتلناه.

والصَّحيح في الاستتابة: أنها ترجِع إلى اجتهاد الحاكم، فإن رأى من المصلحة استتابتَه استَتَابَه، وإلَّا فلا، لعموم قوله: ((مَنْ بَدَّلَ دِيْنَهُ فَاقتُلُوهُ)), ولأن الاستِتَابة وردت عن الصَّحابة -رضي الله عنهم-، وهذا يختلف فقد يكون هذا الرَّجلُ الكافرُ أعلنَ كفرَه واستهترَ فلا ينبغي أن نستَتِيبَه، وقد يكونُ أخفى كفرَه وتابَ إلى اللهِ ورأيْنَا منه محبَّةَ التَّوبة، فلكل مقام مقال...

فالصَّواب: أنَّ كلَّ كافر أصلي أو مرتدّ إذا تاب من أيِّ نوع من الكفر فإنَّ توبتَه مقبولةٌ.

ولكن مثل هؤلاء يحتاجون إلى مراقبة أحوالهم: هل هم صادقون، أو هم يستهزؤُون بنا؟ يقولون: إنّهم رجعوا إلى الإسلام وهم لم يرجعوا.

وإذا تاب يرتفع عنه القتل، لأنّ إباحة قتله إنما كانت لكفره، فإذا قبلنا توبتَه ارتفعَ الكفرُ عنه فارتفع قتلُه إلا من سبَّ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- فإن توبتَه تقبلُ لكن يجب أن يُقتلَ، ويقتلُ مسلماً بحيث نغسِّلُه ونكفِّنُه ونصلِّي عليه وندفنُه مع الْمُسلمين، لكنَّنا لا نُبقِيه حيًّا)[3] [شرح الأربعين النووية(196-198)، وانظر الصارم المسلول على شاتم الرسول(300-320)].

الوقفة الثالثة: أحكامُ وحقوقُ الْحَرْبِي:

الأصل في الحرْبِي وهو الذي لم يرض أن يُصالح المسلمين-كما مرَّ- أن يُقاتَل، وهو في ذلك بين حالين: إما أن يُقتل، وإما أن يؤسر.

ففي حالة القتل: جاء الشرعُ ليحفظ له حقَّان:

الأول: أن لا يُقتَل من لا يُقاتِل منهم كـ: الصَّبي والشَّيخ الهرِم والرَّاهب والمرأة ونحوهم إلا إن قاتلوا، وهذا على الصحيح[4].

فعن رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ-رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فِي غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ فَبَعَثَ رَجُلًا، فَقَالَ: ((انْظُرْ عَلَامَ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ؟)) فَجَاءَ فَقَالَ: عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ. فَقَالَ: ((مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ)) قَالَ: وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَعَثَ رَجُلًا. فَقَالَ: ((قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا))[أحمد(15992)، وأبو داود(2669)، وهو في الصحيحة(701)].

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية-رحمه الله-: (وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمُمَانَعَةِ وَالْمُقَاتِلَةِ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالرَّاهِبِ وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا يُقْتَلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ؛ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ بِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ[5]، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَرَى إبَاحَةَ قَتْلِ الْجَمِيعِ لِمُجَرَّدِ الْكُفْرِ؛ إلَّا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ؛ لِكَوْنِهِمْ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ. وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ هُوَ لِمَنْ يُقَاتِلُنَا إذَا أَرَدْنَا إظْهَارَ دِينِ اللَّهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}...)[مجموع الفتاوى(28/354)].

والثاني: أن يُحسِن المؤمنون قتلَه:

عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ-رضي الله عنه- قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قَالَ: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))[مسلم(1955)].

قال شيخُ الإسلام ابنُ تيمية-رحمه الله-: (وَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ ضَرْبًا فِي عُنُقِهِ لأنَّ ذلك هو الواجب في قتل المقدور عليه من الآدميين والبهائم كالأسير وقاطع الطَّريق والمرتدِّ، فأما الْمَعْجُوزُ عنْهُ منهُما فيُقْتَلُ كيفَ أمكَنَ، لأَنَّ هذِه القِتْلةَ أهوْنُ علَى الْمَقتُولِ، وأَوْحَى لزُهُوقِ النَّفس)[شرح عمدة الفقه(2/70)].

وفي حالة الأسر: جاء الشرعُ كذلك ليحفظ له عدَّةَ حقوقٍ يجمعها:

الإحسان إليه و عدم إذلاله أو تجويعه ونحو هذا.

قال سبحانه وتعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}[الإنسان: 8].

فلم يكتف دين الإسلام بالنَّهي عن الإساءة إلى من كان محاربا للإسلامِ وأهلِه بل أمرَ بالإحسانِ إليه وساواه في ذلك بالمسكين واليتيم، والأعجب أنَّه أمر بالإحسان إليه حتَّى في أوقات الحاجة والفقر، لذلك قال سبحانه: {عَلَى حُبِّهِ}.

قال محمَّد الأمين الشّنقيطي-رحمه الله-: (لَمْ يَكُنْ لَدَى الْمُسْلِمِينَ أَسْرَى إِلَّا مِنَ الْكُفَّارِ، وَإِنْ كَانَتِ السُّورَةُ مَكِّيَّةً إِلَّا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.

وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا فِي الْفُرْسِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَسَاقَ قِصَّةَ أُسَارَى بَدْرٍ.

وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْأَسْرَى هُمُ الْخَدَمُ، وَالَّذِي يَظْهَرُ -وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- أَنَّ الْأُسَارَى هُنَا عَلَى مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ; لِأَنَّ الْخَدَمَ لَا يَخْرُجُونَ عَنِ الْقِسْمَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ: الْيَتِيمِ، وَالْمِسْكِينِ، وَهَؤُلَاءِ الْأُسَارَى بَعْدَ وُقُوعِهِمْ فِي الْأَسْرِ، لَمْ يَبْقَ لَهُمْ حَوْلٌ وَلَا طَوْلٌ؛ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ، وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَسُمُوِّ تَعَالِيمِهِ.

وَإِنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ الْيَوْمَ لَفِي حَاجَةٍ إِلَى مَعْرِفَةِ هَذِهِ التَّعَالِيمِ السَّمَاوِيَّةِ السَّامِيَةِ حَتَّى مَعَ أَعْدَائِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}، وَهَؤُلَاءِ بَعْدَ الْأَسْرِ لَيْسُوا مُقَاتِلِينَ)[أضواء البيان(8/394-395)].

لذلك كان كثير من الأَسرى يدخلون في الإسلام مباشرةً لَمَّا عاينوا أحكام الإسلامِ وأخلاقَ أهلِه، ومن هؤلاء الأَسرى: ثُمامَةُ بنُ أُثَال.

فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فَقَالَ: ((مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟)) فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: ((مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟)) قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- حَتَّى كَانَ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: ((مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟)) فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ))، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ، مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللهِ، مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ...))[البخاري(4372)، ومسلم(1764)].

وأَسْرُ الْمُسْلِمينَ لِهَؤُلاءِ الكُفَّار وعدمُ قتلِهِم مباشرةً من رحمة الله تعالى بهم، ومن إنعامه عليهم، لأنَّ في ذلك سببًا قويًّا لدخولهم في الإسلام والنَّجاة من النَّار.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قَالَ: ((عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ فِي السَّلاَسِلِ))[البخاري(3010)].

قال النَّووي-رحمه الله-: (معناها يُؤْسَرُونَ وَيُقَيَّدُونَ ثُمَّ يُسْلِمُونَ فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ)[رياض الصالحين(509)].

وقال مُلَّا علي القَاري-رحمه الله-: (الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ أُسَارَى قَهْرًا وَكَرْهًا فِي السَّلَاسِلِ وَالْقُيُودِ، فَيَدْخُلُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ يَرْزُقُهُمُ اللَّهُ الْإِيمَانَ فَيَدْخُلُونَ بِهِ الْجَنَّةَ، فَأَحَلَّ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ مَحَلَّ دُخُولِ الْجَنَّةِ لِإِفْضَائِهِ إِلَيْهِ)[مرقاة المفاتيح(6/2546)].

الوقفةُ الرَّابعةُ: أحكامُ وحقوقُ الذِّمي والْمُعَاهَدِ والْمُستَأْمَنِ[6]:

هؤلاء لهم في ديننا عدَّة حقُوقٍ نذكر منها:

أولا/ حريَّة الدِّيانة:

فلا يصحُّ أن يُكرَه واحدٌ من هؤلاء على دين الإسلام، بل له أن يبقى على دينِه ما دام أنَّه قد أذعن لشروط المسلمين.
يقول سبحانه:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}[البقرة: 256].

ويقول سبحانه: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: 29].

وممَّا يدخل تحت هذا العنوان:

حقُّهم في التزامِ شرعِهِم والتَّحاكمِ إليه:

لذلك لم يلزموا بدفع الزَّكاة ولا بالجهاد مع أنَّهم من سكَّان تلك البلاد، وهذا الحكم مشروط بما يلي:

1. ألَّا يرتكبوا ما يُعتبر ناقضا للعهد والاتِّفاق، كقتلِ المسلمِ أو الزِّنا بالمسلمةِ أو قذفِها أو التَّجسُّسِ والْخِيَانةِ ونحوِ هذا.

2. ألَّا يتحاكموا طواعيةً بأنفسهم إلى شريعة الإسلام، فإن فعلوا ذلك قُضِيَ فيهم بالْحَقّ.

يقول سبحانه وتعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[المائدة: 42].

قال الشيخُ ابنُ عثيمين-رحمه الله-: (فهؤلاء الذِّميون إذا فعلوا ما يوجب الحدَّ إن كانوا يعتقدون التَّحريم أقمنا عليهم الحدّ، وإن كانوا لا يعتقدونه فإنَّنا لا نقيم عليهم الحدّ، فالزِّنا مثلاً يقام عليهم الحدّ فيه؛ لأنَّهم يعتقدون تحريمه، فإذا ترافعوا إلينا في قضيَّة زنا فإنَّه يجب علينا أن نحكم عليهم بمقتضى الإسلام، فإذا كانوا مُحْصَنِينَ فالرَّجم، وإن كانوا غيرَ مُحْصَنِينَ فالجلد والتَّغريب، وإذا قدَّرْنَا أنَّهم يعتقدُونَ التَّحريم، لكن لا يعتقِدُون إقامةَ الْحَدّ فهؤلاء نقول: إن ترافعُوا إلينا ألزمْنَاهُم بحكم الإسلام، وإن لم يترافَعُوا إلينا تركْنَاهُم وشأْنَهُم...)[الشرح الممتع(8/66)].

ثانيا/ تعريفُهم بالإسلام ودعوتُهم إليه:

لأنَّ تعريف الكافر بالإسلام هو أعظمُ خيرٍ يمكن أن يقدِّمَه له الْمُسلم، لأنَّ في ذلك صلاح دنياه وأخراه ونجاته من النَّار الأبدية، وقد قال النَّبي-صلَّى الله عليه وسلَّم- لعلي –رضي الله عنه- وهو يعطيه الرَّاية: ((انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ))[البخاري(3701)، ومسلم(2406)].

وعليه أن يصبر في دعوتِهم ولا ييأس، فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: ((أَسْلِمْ))، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وَهُوَ يَقُولُ: ((الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ))[البخاري(1356)].

فدعوته إلى الله وتبليغه الإسلام ونصيحتُه في ذلك من أهمِّ الْمُهمَّات ومن أفضلِ القُربات.

وممَّا يدلُّنا على حرص الإسلام على هدايتِهم وإسلامِهم هو إعطاؤُهم من زكاةِ المسلمين تأليفًا لقلوبِهم، يقول الحقُّ-عزَّ وجل-: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة: 60].

قال السّعدي-رحمه الله-: (الْمُؤَلَّفُ قلبُه: هو السَّيِّد الْمُطاعُ في قومِه، مِمَّن يرجى إسلامُه، أو يُخشى شرُّه أو يُرجى بعطيَّتِه قُوَّةُ إيمانِه، أو إسلامُ نظيرِه، أو جبايتُها ممَّن لا يعطِيها، فيُعطى ما يَحْصُل به التَّأليفُ والْمَصلحةُ)[تيسير الكريم الرحمن(341)].

وممَّا يدخل تحتَ دعوتِهم:

1. مجادلتُهُم بالتِّي هي أحسن،وإقناعُهُم بالأدلَّةِ النَّقليَّةِ والعقليَّةِ الوَاضِحَةِ والتَّلطُّفُ فِي ذلك :

قال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النحل: 125].

وقال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[العنكبوت: 46].

وقال سبحانه لكليمه موسى-عليه السلام- وهو يرسلُه إلى أطغى أهل الأرض: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه: 42-43-44].

ويأخذ المسلم أجر الدَّعوة إلى الله سواء دعا الكافر بنفسه أو أهداه رسائلَ وكتبًا ترغِّب في الإسلام وتدلُّ عليه، فعن أبي مسعود البدري عن النَّبِيّ-صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: ((مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ))[مسلم(1893)].

2. اجتنابُ كلِّ ما من شأنِه تنفيرُهم عن دينِ الإسلام:

قال سبحانه:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }[الأنعام: 108].

وهذا الأمر من بين الحِكَم التِّي جعلت النَّبي-صلَّى الله عليه وسلَّم- لا يقتل المنافقين، وقال-صلَّى الله عليه وسلَّم- مبيِّنا ذلك: ((لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ))[البخاري(4905)، ومسلم(2584)].

قال ابنُ القيِّم-رحمه الله-: (النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَكُفُّ عَنْ قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ - مَعَ كَوْنِهِ مَصْلَحَةً - لِئَلَّا يَكُونَ ذَرِيعَةً إلَى تَنْفِيرِ النَّاسِ عَنْهُ، وَقَوْلِهُمْ: "إنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ"، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُوجِبُ النُّفُورَ عَنْ الْإِسْلَامِ مِمَّنْ دَخَلَ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ، وَمَفْسَدَةُ التَّنْفِيرِ أَكْبَرُ مِنْ مَفْسَدَةِ تَرْكِ قَتْلِهِمْ، وَمَصْلَحَةُ التَّأْلِيفِ أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْقَتْلِ)[أعلام الموقعين(3/111)].

وقال الحافظُ ابنُ حجر-رحمه الله-: (وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَصْبِرُ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ، وَيَعْفُو، وَيَصْفَحُ، ثُمَّ أُمِرَ بِقِتَال الْمُشْركين، فاستمر صفحه وعفوه عَمَّن يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَلَوْ كَانَ بَاطِنُهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ الِاسْتِئْلَافِ، وَعَدَمِ التَّنْفِيرِ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: "لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ")[فتح الباري(8/336)].

ثالثا/ وجوبُ التزامِ العدْلِ معَهُم:

فلا يجوز أن يظلِمَهُم في نفسٍ أو في مالٍ أو في عرضٍ، فلا يغشُّهم ولا يسرقُهم ولا يتسلَّطُ عليهم بضربٍ أو قتلٍ، فإنَّ كلَّ هذا محرَّم أشدَّ التَّحريم.

قال سبحانه: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة: 8].

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قَالَ: ((مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا))[البخاري(3166)].

وعن صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- عَنْ آبَائِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قَالَ: ((أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))[أبو داود(3052)، وهو في الصحيحة(445)].

يقول القَرافي المالكي-رحمه الله-: (عَقْدُ الذِّمَّةِ يُوجِبُ حُقُوقًا عَلَيْنَا لَهُمْ لِأَنَّهُمْ فِي جِوَارِنَا وَفِي خَفَارَتِنَا[7] وَذِمَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةِ رَسُولِهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وَدِينِ الْإِسْلَامِ، فَمِنْ اعْتَدَى عَلَيْهِمْ وَلَوْ بِكَلِمَةِ سُوءٍ أَوْ غِيبَةٍ فِي عِرْضِ أَحَدِهِمْ أَوْ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَذِيَّةِ أَوْ أَعَانَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ ضَيَّعَ ذِمَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَذِمَّةَ رَسُولِهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وَذِمَّةَ دِينِ الْإِسْلَامِ)[الفروق(3/15)].

بل إنَّ من عدل الإسلام فيهم حمايتهم حتَّى من الظُّلم الخارجي، فيجب لهم ما يجب للمسلمين، وعلى الإمام أو وليِّ أمر المسلمين، بما له من سُلطة شرعيَّة، وما لديه من قوَّة عسكريَّة، أن يوفِّر لهم هذه الحماية.

قال ابنُ قدامة-رحمه الله-: (وعلى الإمامِ حفظُ أهلِ الذِّمة، ومنعُ من يقصِدُهُم بأذى من الْمُسلمينَ والكفَّار، واستنقاذُ من أُسِرَ منهُم، بعد استنقاذِ أُسَارَى الْمُسلمينَ، واسترجاعُ ما أخِذَ منهُم؛ لأنَّهم بذلُوا الجزية لحفظِهِم، وحفظِ أموالِهِم...، وحكمُ أموالِهِم في الضَّمانِ حكمُ أموالِ الْمُسلمينَ)[الكافي(4/181)].

وقد بيَّن ذلك شيخُ الإسلام ابنُ تيمية-رحمه الله- وضرب في ذلك أروعَ الأمثلة، فقال –رحمه الله-: (وَقَدْ عَرَفَ النَّصَارَى كُلُّهُمْ أَنِّي لَمَّا خَاطَبْتُ التَّتَارَ فِي إطْلَاقِ الْأَسْرَى وَأَطْلَقَهُمْ غازان و قطلوشاه وَخَاطَبْت مَوْلَايَ فِيهِمْ فَسَمَحَ بِإِطْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ لِي: لَكِنَّ مَعَنَا نَصَارَى أَخَذْنَاهُمْ مِنْ الْقُدْسِ فَهَؤُلَاءِ لَا يُطْلَقُونَ. فَقُلْت لَهُ: بَلْ جَمِيعُ مَنْ مَعَك مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ ذِمَّتِنَا؛ فَإِنَّا نُفْتِكَهُمْ وَلَا نَدَعُ أَسِيرًا لَا مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَأَطْلَقْنَا مِنْ النَّصَارَى مَنْ شَاءَ اللَّهُ. فَهَذَا عَمَلُنَا وَإِحْسَانُنَا وَالْجَزَاءُ عَلَى اللَّهِ.. وَكَذَلِكَ السَّبْيُ الَّذِي بِأَيْدِينَا مِنْ النَّصَارَى يَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ إحْسَانَنَا وَرَحْمَتَنَا وَرَأْفَتَنَا بِهِمْ؛ كَمَا أَوْصَانَا خَاتَمُ الْمُرْسَلِينَ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ: {الصَّلَاةُ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا})[مجموع الفتاوى(28/617-618)].

رابعا/ التَّعاملُ معهم بالْحُسنَى:

قال سبحانه: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة: 8].

قال ابنُ كثير-رحمه الله-: (أَيْ لَا يَنْهَاكُمْ عَنِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْكَفَرَةِ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ فِي الدِّينِ، كَالنِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ مِنْهُمْ {أَنْ تَبَرُّوهُمْ} أَيْ: تُحْسِنُوا إِلَيْهِمْ {وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} أَيْ: تَعْدِلُوا)[تفسير ابن كثير(8/90)].

وقال السَّعدي-رحمه الله-: (أي: لا ينهاكم الله عن البرِّ والصِّلة، والمكافأة بالْمَعروف، والقسط للمشرِكين، من أقاربكم وغيرِهم، حيث كانوا بحال لم ينتصِبُوا لقتالكم في الدِّين والإخراجِ من ديارِكُم، فليس عليكم جناح أن تصِلُوهُم، فإنَّ صِلَتَهُم في هذه الْحَالةِ، لا محذورَ فيها ولا مفسدةَ كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولَدُهُمَا مسلما: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا})[تيسير الكريم الرحمن(856)].

ويدخل في هذا الباب صورٌ لا تُحصى من البرِّ والإحسانِ وحسنِ الْخُلُقِ، ومن ذلك:

1. إعانةُ محتاجِهم وسدُّ خلَّاتِهم.

عَن أبي بكرَة قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِبَابِ قَوْمٍ وَعَلَيْهِ سَائِلٌ يَسْأَلُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَضَرَبَ عَضُدَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَقَالَ: مِنْ أَيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْتَ؟ فَقَالَ: يَهُودِيٌّ. قَالَ: فَمَا أَلْجَأَكَ إِلَى مَا أَرَى؟ قَالَ: أَسْأَلُ الْجِزْيَةَ وَالْحَاجَةَ وَالسِّنَّ. قَالَ: فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَرَضَخَ لَهُ بِشَيْء مِنَ الْمَنْزِلِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَازِنِ بَيْتِ الْمَالِ فَقَالَ: (انْظُرْ هَذَا وَضُرَبَاءَهُ؛ فَوَ اللَّهِ مَا أَنْصَفْنَاهُ أَن أكلنَا شبيبته ثُمَّ نَخُذُلُهُ عِنْدَ الْهَرَمِ)[الخراج لأبي يوسف(139)].

وممَّا جاء في عقد الذِّمة الذي كتبه خالد بن الوليد -رضي الله عنه- لأهلِ الحِيرَةِ بالعراق -وكانوا نصارى-: (...وَجَعَلْتُ لَهُمْ أَيُّمَا شَيْخٍ ضَعُفَ عَنِ الْعَمَلِ أَوْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ مِنَ الآفَاتِ أَوْ كَانَ غَنِيافَافْتَقَرَ وَصَارَ أَهْلُ دِينِهِ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهِ طَرَحْتُ جِزْيَتَهُ وَعِيلَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ [هُوَ] وَعِيَالُهُ مَا أَقَامَ بِدَارِ الْهِجْرَةِ وَدَارِ الإِسْلامِ؛ فَإِنْ خَرَجُوا إِلَى غَيْرِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَدَارِ الإِسْلامِ؛ فَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ النَّفَقَةُ عَلَى عِيَالِهِمْ...)[الخراج لأبي يوسف(158)].

قال ابنُ القيّم-رحمه الله-: (وَلَا جِزْيَةَ عَلَى شَيْخٍ فَانٍ وَلَا زَمِنٍ وَلَا أَعْمَى وَلَا مَرِيضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ بَلْ قَدْ أُيِسَ مِنْ صِحَّتِهِ وَإِنْ كَانُوا مُوسِرِينَ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَقْتُلُونَ وَلَا يُقَاتِلُونَ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةُ كَالنِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ)[أحكام أهل الذمة(1/161)].

2. عيادةُ مريضِهم، وتفقُّد أحوالِهِم:

عيادة الكافر المريض تجوز إذا كانت لأجل دعوتِه وكان ممَّن يُرجَى إسلامُه، وقد مرَّ معنا حديث اليهودي الذي عاده النَّبي-صلَّى الله عليه وسلَّم- وعرض عليه الإسلام فأسلم.

وعنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ المُغِيرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لِأَبِي طَالِبٍ: ((يَا عَمِّ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ))، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ المَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ)) فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ}[التوبة: 113] الآيَةَ.[البخاري(1360)، ومسلم(24)].

وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ زِيَادٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَعُودُ أَحَدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: (إِنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ إِذَا عَادَهُ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ يَقْبَلُ مِنْهُ فَلْيَعُدْهُ، كَمَا عَادَ النَّبِيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- الْغُلَامَ الْيَهُودِيَّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ).

وَقَالَ مُهَنَّأُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ يَعُودُ الْكَافِرَ، فَقَالَ: (إِذَا كَانَ يَرْتَجِيهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَيَعْرِضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ)، قُلْتُ لَهُ: وَتَرَى إِذَا عَادَهُ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: (نَعَمْ).

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يُسْأَلُ عَنْ عِيَادَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، فَقَالَ: (إِذَا كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَعَمْ).[ذكر هذه الآثار ابن القيم في كتاب أحكام أهل الذمة(1/427-428)].

3. مبادلتُهم التَّحية:

لا يجوز أن يَبدَأَ الْمُسلمُ الكافرَ بالتَّحيةِ مطلقًا، ولو كان من ذوِي الهيئَاتِ، لورود النَّهي في ذلك:

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قَالَ: ((لَا تَبْدَؤُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ، فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ[8]))[مسلم(2167)].

ولكن إذا بدؤُونا بالسَّلام نردُّ عليهم، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنه قال: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((وَعَلَيْكَ)) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ)) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَقْتُلُهُ؟ قَالَ: ((لاَ، إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الكِتَابِ، فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ))[البخاري(6926)، ومسلم(2163)].

فوائد مهمة:

الفائدةُ الأولى:

قال ابنُ القيّم-رحمه الله-: (هَذَا كُلُّهُ إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ قَالَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، أَوْ شَكَّ فِيمَا قَالَ، فَلَوْ تَحَقَّقَ السَّامِعُ أَنَّ الذِّمِّيَّ قَالَ لَهُ: "سَلَامٌ عَلَيْكُمْ" لَا شَكَّ فِيهِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ: " وَعَلَيْكَ؟ " فَالَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْلِ وَاللَّهُ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}[النساء: 86]، فَنَدَبَ إِلَى الْفَضْلِ، وَأَوْجَبَ الْعَدْلَ وَلَا يُنَافِي هَذَا شَيْئًا مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِوَجْهٍ مَا، فَإِنَّهُ -صلَّى الله عليه وسلَّم- إِنَّمَا أَمَرَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى قَوْلِ الرَّادِّ "وَعَلَيْكُمْ" بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ الْمَذْكُورِ الَّذِي كَانُوا يَعْتَمِدُونَهُ فِي تَحِيَّتِهِمْ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فَقَالَ: ((أَلَا تَرَيْنَنِي قُلْتُ: وَعَلَيْكُمْ، لَمَّا قَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ؟))، ثُمَّ قَالَ: ((إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ))، وَالِاعْتِبَارُ وَإِنْ كَانَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ عُمُومُهُ فِي نَظِيرِ الْمَذْكُورِ لَا فِيمَا يُخَالِفُهُ.

قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ}[المجادلة: 8]، فَإِذَا زَالَ هَذَا السَّبَبُ وَقَالَ الْكِتَابِيُّ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَالْعَدْلُ فِي التَّحِيَّةِ يَقْتَضِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ نَظِيرَ سَلَامِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ).

وجنح إلى هذا القول الشيخُ ابنُ عثيمينَ-رحمه الله-. [مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(3/37)].

الفائدةُ الثَّانية:

جوَّز بعض أهل العلم منهم شيخُ الإسلام ابنُ تيمية-رحمه الله- ابتداءَ الكافرِ عند التَّحية لكن بغير لفظ السَّلام كقول: كيف أنت؟ أو كيف أصبحت؟ أو أهلا ونحوها[9]، ومع ذلك فالأولى ترك ذلك إلَّا عند الحاجة الملحَّة والمصلحة الشَّرعيَّة الرَّاجحة.

يقول الشَّيخُ ابنُ عثيمين-رحمه الله-: (وهل يجوز أن نبدأهم بكيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟ وما أشبه ذلك؟
الجواب: المذهبُ لا يجوز؛ لأنَّ النَّهي عن بداءتهم بالسَّلام؛ لئلَّا نكرِمَهُم بدليل قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه))، فإذا قلنا: كيف أصبحت؟ كيف أمسيت؟ كيف أنت؟ كيف حالك؟ فهذا نوع من الإكرام.

وقال شيخُ الإسلام: يجوز أن نقول له: كيف حالك؟ وكيف أصبحت؟ وكيف أنت؟؛ لأنَّ الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- إنما نهى عن بداءتهم بالسَّلام، والسَّلام يتضمن الإكرام والدعاء؛ لأنَّك إذا قلت: السَّلام عليك فأنت تدعو له، أمَّا هذا فهو مجرَّد ترحيب وتحيَّة.

وينبغي أن يقال: إذا كانوا يفعلون بنا مثل ذلك فلنفعله بهم، أو كان هذا لمصلحةٍ كالتَّأليفِ لقلوبِهم فلْنَفْعَلْه بهم، أو كان ذلك خوفاً من شرِّهم فلْنَفْعَلْه بهم، فإذا قُدِّر مثلاً أنَّك في شركةٍ مديرُها كافرٌ، فإنَّك لو دخلت عليه لتراجِعَهُ في شأنِ هذه الشَّرِكَةِ ولم تُسَلِّمْ عليْهِ، لكان في قلبِه عليْكَ شيْءٌ وربَّما يضرُّك، فإذا قلت: كيف أصبحت؟ كيف حالك؟ فهذا يزيل ما في قلبِه من الضَّغِينَة وتَسلمُ من شرِّه، ولا يدخل هذا في نهي الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن بداءَتِهم بالسَّلام)[الشرح الممتع(8/74)].

وقال الشيخُ -رحمه الله- في موضع آخر: (ولا يجوز كذلك أن يُبْدَؤُوا بالتَّحيَّة كـ(أهلًا وسهلًا) وما أشبَهَهَا؛ لأنَّ في ذلك إكراماً لهم، وتعظيماً لهم، ولكن إذا قالوا لنا مثل هذا، فإنَّنَا نقول لهم مثل ما يقولون؛ لأنَّ الإسلامَ جاء بالعدلِ وإعطاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، ومن المعلوم أنَّ الْمُسلمِينَ أعلى مكانةً ومرتبةً عند الله -عزَّ وجلَّ- فلا ينبغي أن يُذِلُّوا أنفُسَهُم لغيرِ الْمُسلِمِينَ فيبدَؤُوهُم بالسَّلام)[مجموع فتاوى الشَّيخ ابنُ عثيمين(3/35)].

الفائدةُ الثَّالثة:

قال النَّووي-رحمه الله-: (لو مرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ كُفَّارٌ وَمُسْلِمُونَ أَوْ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ استحبَّ أن يسلِّم عليهم ويقصدَ المسلِمينَ أَوْ الْمُسْلِمَ لِحَدِيثِ أُسَامَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: (أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ[10] وَمُسْلِمٌ[11])[المجموع(4/607)].

4. إجابةُ دعوتِهم والأكلُ معهم:

وهذا مشروط بأمرين مهمَّين:

- أن يكون وسيلةً لدعوتِهِم، وليس وسيلةً للتَّودُّدِ إليهِم.

- ألاَّ يكون في ذلك محظُور شرعيّ، كأن يكون في الطعام مُحرَّم[12]، أو كان في مكان الدَّعوة محرم.

وقد سئِلَ الشيخُ ابنُ باز-رحمه الله–: هل إذا أكل المسلم مع نصراني أو غيره من الكفرة أو شرب معه يعتبر ذلك حراما؟ وإذا كان ذلك حراما فما نقول في قول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} ؟

فأجاب-رحمه الله-: (ليس الأكلُ مع الكافر حرامًا إذا دعَتِ الْحَاجَةُ إلى ذلك أو الْمَصلحة الشَّرعيَّة، لكن لا تتَّخِذهُم أصحاباً فتأكل معهُم من غير سببٍ شرعيّ أو مصلحة شرعيَّة ولا تؤانِسهُم، وتضحك معهم، ولكن إذا دعت إلى ذلك حاجةٌ كالأكل مع الضَّيْف، أو ليدعُوَهم إلى الله ويرشدَهُم إلى الحقِّ، أو لأسبابٍ أخرى شرعيَّة فلا بأس.

وإباحة طعام أهل الكتاب لنا لا تقتضي اتخاذُهم أصحاباً وجلساءَ ولا تقتضِي مشاركتَهم في الأكل والشُّرب من دون حاجةٍ ولا مصلحة شرعيَّة. والله وليّ التوفيق)[مجموع فتاوى ابن باز(9/329)].

وقد سئلت اللَّجنةُ الدَّائمة برئاسةِ الشَّيخِ ابنِ باز-رحمه الله-:الدَّعوة إلى الإسلام تستلزم إقامة علاقات شخصية مع الكفار؛ أولا لإزالة الغربة والتَّمهيد للدَّعوة، فهل إذا دعاني أحدهم إلى طعام أو شراب ليس من المحرمات مثل: الجبن والسَّمك والشَّاي يجوز لي تناوله؟ إذا كان هناك احتمال استخدام الأوعية قبل ذلك في تناول الخنزير والخمر رغم غسلها بالماء والصابون؟

فأجابت: (العلاقات بين النَّاس أنواع، فإذا كانت علاقةَ ودٍّ ومحبَّة وإخاءٍ من مسلمٍ لكافر فهي محرمَّة، وقد تكون كفرا، قال الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وما في معناها من الآيات والأحاديث، وإن كانت علاقةَ بيعٍ وشراءٍ أو إجابةِ دعوةٍ إلى طعامٍ حلالٍ أو قبولِ هديةٍ مباحةٍ مثلا، دون أن يكون في ذلك تأثيرٌ على المسلم؛ فهي مباحة.
وتناول ما قُدِّم من الكافر إلى المسلم من الأطعمةِ والأشربةِ الحلالِ جائزٌ، ولو قدِّمت في إناءٍ سبق أن استعمل في شرابِ خمرٍ أو تناولِ لحمِ خنزيرٍ أو نحوِ ذلك؛ إذا كان قد غسل بعد استعماله في محرَّمات أو نجاسات حتى زال ذلك منه تماما، وإذا كان في ذلك إعانة على إبلاغ الدَّعوة إلى الإسلام كان ذلك أدعى إلى الإجابة والاتصال، وأرجى للأجر والثَّواب)[فتاوى اللَّجنة الدائمة(12/253-254)].

5. إهداؤُهم وقبولُ هدايَاهُم:

وقد بوَّب البخاري في صحيحه: بَابُ الهَدِيَّةِ لِلْمُشْرِكِينَ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

ثم روى بإسناده(2619) عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: رَأَى عُمَرُ حُلَّةً عَلَى رَجُلٍ تُبَاعُ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ابْتَعْ هَذِهِ الحُلَّةَ تَلْبَسْهَا يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَإِذَا جَاءَكَ الوَفْدُ. فَقَالَ: ((إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذَا مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ))، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مِنْهَا، بِحُلَلٍ، فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ مِنْهَا بِحُلَّةٍ، فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ أَلْبَسُهَا وَقَدْ قُلْتَ فِيهَا مَا قُلْتَ؟ قَالَ: ((إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا؛ تَبِيعُهَا، أَوْ تَكْسُوهَا))، فَأَرْسَلَ بِهَا عُمَرُ إِلَى أَخٍ لَهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ).

وروى كذلك(2620) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قُلْتُ: وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: ((نَعَمْ صِلِي أُمَّكِ)).

وَقد قبل النَّبي-صلَّى الله عليه وسلَّم- هدايا بعض الكفَّار فمن ذلك:

قبوله الشَّاة التي أهداها له اليهود وكانت مسمومة.[البخاري(2617و3169)، ومسلم(2190)].

وقبوله هديَّة المقوقس -ملك مصر- وقد أهدى له: ماريةَ أُمَّ وَلَدِهِ، وسيرينَ الَّتِي وَهَبَهَا لحسانَ وَبَغْلَةً شَهْبَاءَ، وَحِمَارًا.[زاد المعاد(5/71)].

هذا وقبولُ هدايا الكفَّار مقيَّد بعدة ضوابط أهمُّها:

- أن يكون في قبول هداياهم مصلحة شرعيَّة راجحةٌ كتأليفِ قلوبِهم للدُّخولِ في الإسلامِ، وإلَّا فإنَّ الأصلَ ردُّها، وقد جاء عن نبيِّنا-صلَّى الله عليه وسلَّم- ما يدلُّ على هذا:

فَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ-رضي الله عنه- قَالَ: أَهْدَيْتُ لِلنَّبِيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- نَاقَةً، فَقَالَ: ((أَسْلَمْتَ؟))، فَقُلْتُ: لَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((إِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ)) يَعْنِي: هَدَايَاهُمْ. [أحمد(17482)، وأبو داود(3057)، والترمذي(1577)، وهو في صحيح الجامع(2502)][13].

- ألاّ يترتب على قبولِ الهديَّة أو إهدائِها مودَّة أو محبَّة.

- ألاّ تكون الهديَّة ممّا يستعان به على الباطلِ من شركٍ أو كفرٍ أو بدَعٍ أو معاصٍ كإهداءِ الصُّلبان أو الشُّموع للنَّصارى، أو إهداءِ آلاتِ الطَّرب والغناء ونحوِها.

- ألا تتزامن الهدية مع أعيادهم الباطلة[14]، حتَّى لا تكون تشجيعاً وإقراراً لهم على باطلهم، فإن كان الإهداء لهم في يوم عيدهم تعظيماً لليوم فهو أشد وأعظم.

- ألَّا يترتَّب على الإهداءِ إلى الكافرِ أو قبولِ الهديَّة منه مفسدةٌ ظاهرة كاستكبارِ الكافر واستعلائِه.

وقد سئلت اللَّجنةُ الدَّائمةُ برئاسةِ الشَّيخِ ابنِ باز-رحمه الله-: نحن نعمل في مستشفى ولا يخفى عليكم أنَّه يوجد في المستشفى متعاقدون غيرُ مسلمين من أهل الكتاب وغيرِهم، ويأتي لبعضهم مولودٌ ويقوم هؤلاء بتوزيع الحلوى وأنواعٍ أخرى بهذه الْمُناسبة. السؤال فضيلة الشيخ:

أولا: ما حكم أكل هذه الحلوى وغيرِها التِّي يقومون بتوزيعِها على المسلمينَ وغيرِهم؟

ثانيا: ما حكمُ من يفعل ذلك من المسلمين الذين يأتي لهم أولادٌ ويقومون أيضا بتوزيع الحلوى على المكاتب، والتِّي يوجد بها مسلمون وغيرُهم؟

فأجابت: (أولاً: يَجُوزُ أكلُ هذه الحلوى ممَّا يقدِّمه غيرُ الْمُسلمين للمسلمين في المناسبات العاديَّة لا الدينيَّة كولادة طفلٍ ونحوِ ذلك؛ لأنَّ هذا من باب قبولِ هديَّةِ الكافرِ، وقد ثبت عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قبل هدايا المشركين.

ثانيا: توزيع الحلوى بمناسبة ولادةِ مولودٍ هو من العاداتِ، والأصلُ فيها الإباحة، فإذا فعلها الإنسان من باب العادةِ لا على أنَّها سنَّةٌ وعبادةٌ فلا بأسَ بذلك)[فتاوى اللجنة الدائمة(10/964)].

وفي جوابٍ آخرَ لها: (ما يقدِّمُه عبَدَةُ الأوثان وغيرُهم من الكفَّار للمسلمين من هدايا في أعيادِهم ومناسباتِهم الدِّينيَّة لا يجوز قبولُه والانتفاعُ به؛ لما في قبولِها من إقرَارِهم على باطِلهم والرِّضا بما هم عليه، فعلى المسلم أن يحذر من ذلك وأن يحتاط لدينه)[فتاوى اللجنة الدائمة(1/459)].

6. تعزيتُهم عند الْمَصائب:

وهذا من أخلاقِ الإسلامِ وأهلِه، إلَّا أنَّ هذا مقيَّدٌ بضوابطَ:

- أن يكون ذلك ترغيبًا له في الإسلام، وكان ممَّن يُرجى منه ذلك.

- ألَّا يكون في التَّعزية محظور:

كأن تكون بألفاظ لا تجوز مثل الدُّعاء لِمَيِّتِهم بالْمَغفرة والرَّحمة، لقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة: 113]. وإنما يدعو لهم بما يناسب حالهم بحثهم على الصَّبر، ومواساتِهم، وتذكيرِهم بأنَّ هذه سنّةُ الله في خلقِه.

أو كأن يشيِّعَ جنازةَ الكافر ويحضُرَ دفنَها.

أو أن يُفهَم من التَّعزِية إعزازُهم وإكرامُهم.

وقد سئلت اللَّجنةُ الدَّائمة برئاسةِ الشَّيخِ ابنِ باز-رحمه الله-: هل يجوز للمسلم أن يعزِّيَ الكافرَ إذا كان أباه أو أمَّه، أو من أقاربِه، إذا كان يخاف إذا مات ولم يذهب إليهم أن يؤذوه، أو يكون سببا لإبعادهم عن الإسلام أم لا؟

فأجابت: (إذا كان قصده من التَّعزية أن يرغِّبَهم في الإسلام فإنَّه يجوز ذلك، وهذا من مقاصد الشَّريعة، وهكذا إذا كان في ذلك دفعُ أذَاهُم عنه، أو عن الْمُسلِمِين؛ لأنَّ المصالح العامَّة الإسلاميَّة تُغْتَفَرُ فيها الْمَضارُّ الجزئيَّة)[فتاوى اللّجنة الدائمة(9/132)].

وجاء في سؤال آخر لها: أنا أعيش في منطقة ريفيَّة وقريتُنا جزءٌ منها مسلمون والجزء الآخر نصارى، فإذا مات أحدُ المسلمين حضر النَّصارى تشييعَ جنازتِه ودفنَه، ثم التَّعزيةَ لأهلِ الْمَيِّت، فقال عمدة القرية: لماذا لا نفعل مثل فعل النَّصارى، أي: إذا مات أحد النَّصارى نشيِّعُ جنازتَه ونمشي فيها ونعزِّي النَّصارى. ما حكم هذا الفعل؟ أفتونا مأجورين.

فأجابت: (لا يجوز للمسلم أن يشيِّعَ جنازة الكافر ويحضرَ دفنها؛ لأنَّ الله سبحانه نهانا عن موالاة الكفَّار، وأما تعزية الكافر بميِّته فلا بأس بها، ولكن لا يدعى لِمَيِّتِهِم بالمغفرة)[فتاوى اللجنة الدائمة(7/411)].

وقال الشَّيخ ابنُ باز-رحمه الله-: (وليس للمسلم مشاركتُهم في احتفالاتِهِم أو أعيادِهم، لكن لا بأس أن يعزيِّهم في ميِّتهم إذا رأى المصلحة الشرعيَّة في ذلك بأن يقول: جبَرَ اللهُ مصيبَتَكَ، أو أَحْسَنَ لك الخَلَفَ بخير، وما أشبهه من الكلام الطَّيِّب، ولا يقول: غفرَ اللهُ لهُ، ولا يقول: رحمَهُ الله إذا كان كافرا، أي: لا يدعو للميِّت، وإنما يدعو للحيِّ بالهداية، وبالعِوَضِ الصَّالح، ونحوِ ذلك)[مجموع فتاوى ابن باز(4/267)].

وسئل الشيخُ ابنُ عثيمين-رحمه الله- عن هذا فأجاب: (تعزية الكافر إذا مات له من يعزَّى به من قريبٍ أو صديقٍ؛ وفي هذا خلافٌ بين العلماء، فمن العلماء من قال: إنَّ تعزيتَهم حرام، ومنهم من قال: إنَّها جائزة، ومنهم من فصَّل في ذلك فقال: إن كان في ذلك مصلحة كرجاءِ إسلامِهِم، وكفِّ شرِّهم الذي لا يمكن إلا بتعزيتهم، فهو جائز وإلا كان حرامًا.

والرَّاجح أنَّه إن كان يُفهم من تعزيتهم إعزازُهم وإكرامُهم كانت حرامًا وإلا فينظرُ في الْمَصلحة)[مجموع فتاوى ابن عثيمين(2/304)].

وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ هَيْئَتُهُ هَيْئَةُ مُسْلِمٍ، فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: إِنَّهُ نَصْرَانِيٌّ! فَقَامَ عُقْبَةُ فَتَبِعَهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ. فَقَالَ: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ وَبَرَكَاتِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنْ أَطَالَ اللَّهُ حَيَاتَكَ، وَأَكْثَرَ مالَكَ، وَوَلَدَكَ)[صحيح الأدب المفرد(851)، والسنن الكبرى للبيهقي(18724)].

قال الشيخُ الألباني-رحمه الله- معلِّقا على هذا الأثر: (في هذا الأثر إشارةٌ من هذا الصَّحابي الجليل إلى جواز الدُّعاء بطول العمر، ولو للكافر، فللمسلم أولى، ولكن لا بدَّ أن يُلاحظ الدَّاعي أن لا يكون الكافرُ عدواً للمسلِمِين، ويترشَّحُ منه جوازُ تعزيةِ مثلِه بما في هذا الأثر، فخُذْها منَّا فائدةً تذكر)[صحيح الأدب المفرد(430)].

7. تبادلُ التَّهاني معهُم:

والمقصود هنا تَهْنِئَتُهُمْ بِزَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ قُدُومِ غَائِبٍ أَوْ عَافِيَةٍ أَوْ سَلَامَةٍ مِنْ مَكْرُوهٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ[15]، فإنَّ هذا جائز بشروط:

- أن يكون ترغيبًا في الإسلام لِمَنْ يُرجَى منه ذلك.

- ألَّا تَكونَ التَّهنِئَةُ بألفاظٍ محظورةٍ تدلُّ على الرضا بدينِه.

- أن تكون هذه التَّهنِئَةُ خاصةً بالأمور المشتركة -كما ذكر- أمَّا التَّهنِئَةُ بشعائرِ الكفر الْمُختصَّةِ بهم فحرام بالاتفاقِ، مثل أنْ يُهنِّئَهُم بأعيادِهم.

قال ابنُ القيّم-رحمه الله-: (الْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي التَّعْزِيَةِ وَالْعِيَادَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنْ لِيَحْذَرِ الْوُقُوعَ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ الْجُهَّالُ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِدِينِهِ، كَمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ: مَتَّعَكَ اللَّهُ بِدِينِكَ أَوْ نَيَّحَكَ فِيهِ، أَوْ يَقُولُ لَهُ: أَعَزَّكَ اللَّهُ أَوْ أَكْرَمَكَ إِلَّا أَنْ يَقُولَ: أَكْرَمَكَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَأَعَزَّكَ بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَهَذَا فِي التَّهْنِئَةِ بِالْأُمُورِ الْمُشْتَرَكَةِ.

وَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ مِثْلَ أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ وَصَوْمِهِمْ، فَيَقُولَ: عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ، أَوْ تَهْنَأُ بِهَذَا الْعِيدِ، وَنَحْوَهُ، فَهَذَا إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ فَهُوَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بِسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ، بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَشَدُّ مَقْتًا مِنَ التَّهْنِئَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَارْتِكَابِ الْفَرْجِ الْحَرَامِ وَنَحْوِهِ)[أحكام أهل الذمة(1/441)].

8- مشاركتُهم في العمل والتِّجارة:

مشاركة المسلم للكافر في التِّجارةِ أو العملِ جائزةٌ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: ((أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم خَيْبَرَ اليَهُودَ، أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا)).

أخرجه البخاري في عدَّة مواضع من صحيحه منها:

برقم (2331)، وبوَّب عليه: [بَابُ المُزَارَعَةِ مَعَ اليَهُودِ].

و برقم (2499)، وبوَّب عليه: [بَابُ مُشَارَكَةِ الذِّمِّيِّ وَالمُشْرِكِينَ فِي المُزَارَعَةِ].

وأخرجه مسلم برقم (1551)، وبوب عليه النَّووي: [بَابُ الْمُسَاقَاةِ، وَالْمُعَامَلَةِ بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ].

ومشاركة المسلم للكافر في التجارة مقيد كذلك بشروط:

- أن يقصدَ من مشاركتِه دعوتَه وترغيبَه في الإسلام بحسن معاملتِه.

- ألا يؤدِّي ذلك إلى الْمَحبَّة والْمُوالاة القلبيَّة له.

- أن يتولى المسلم العمل بنفسه أو يكون مطَّلِعًا على دقائق الأمور وتفاصيل المعاملات.

وقد سئل الشيخُ ابنُ باز-رحمه الله-: هل يجوز للمسلم أن يكون شريكا للنَّصراني في تربية الأغنام أو تجارتِها أو أي تجارةٍ أخرى. أفيدونا أفادكم الله؟

فأجاب: (إنَّ اشتراكَ مسلمٍ مع نصرانِي أو غيرِه من الكفرةِ في المواشي أو في الزِّراعة أو في أيِّ شيء آخر، الأصل في ذلك جوازه إذا لم يكن هناك موالاة، وإنما تعاونٌ في شيءٍ من المال كالزِّراعةِ أو الماشية أو نحوِ ذلك، وقال جماعة من أهل العلم بشرط أن يتولَّى ذلك المسلم، أيْ أنْ يتولَّى العملَ في الزراعة، أو في الماشيةِ المسلمُ ولا يتولَّى ذلك الكافرُ لأنَّه لا يُؤمن.

وهذا فيه تفصيلٌ فإن كانت هذه الشركة تجر إلى موالاة، أو لفعل ما حرم الله، أو ترك ما أوجب الله حَرُمَتْ هذه الشَّركة لما تفضي إليه من الفساد، أما إن كانت لا تفضي لشيء من ذلك، والمسلم هو الذي يباشرها وهو الذي يعتني بها حتَّى لا يُخدَع فلا حرج في ذلك.

ولكن بكل حال فالأولى به السَّلامة من هذه الشَّركة، وأن يشترك مع إخوانه المسلمين دون غيرهم، حتى يأمن على دينه ويأمن على ماله، فالاشتراك مع عدوٍ له في الدِّين فيه خطر على خُلُقِهِ ودِينِهِ ومَالِهِ، فالأولى بالمؤمن في كل حال أن يبتعد عن هذا الأمر، حفظا لدينِه، وحفظا لعرضِه، وحفظا لمالِه، وحذرًا من خيانةِ عدوِّه في الدِّين، إلا عند الضَّرورة والحاجة التِّي قد تدعو إلى ذلك، فإنَّه لا حرج عليه بشرط مراعاة ما تقدم.

أي: بشرط أن لا يكون في ذلك مضرَّةٌ على دينِه أو عرضِه أو مالِه، وبشرط أن يتولَّى ذلك بنفسِه فإنَّه أحوط له، فلا يتولَّاه الكافر بل يتولَّى الشَّركة والأعمال فيها المسلم، أو مسلمٌ ينوب عنهما جميعا)[فتاوى نور على الدرب(378)].

وقال-رحمه الله- في موضع آخر: (لا مانع في معاملته في البيع والشراء والتَّأجير ونحو ذلك، فقد صحَّ عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه اشترى من الكفَّارِ عبَّادِ الأوثان، واشترى مناليهود، وهذه معاملة، وقد توفِّيَ -عليه الصَّلاة والسَّلام- ودرعه مرهونة عند يهودي في طعام لأهله)[مجموع فتاوى ابن باز(4/266)].

وقال الشَّيخُ صالحُ الفوزان-حفظه الله-: (تجوزُ مشاركةُ المسلمِ للكافرِ بشرطِ أنْ لا ينفردَ الكافرُ بالتَّصرُّفِ، بل يكون بإشرافِ المسلم؛ لئلَّا يتعاملَ الكافرُ بالرِّبا أو الْمُحرَّماتِ إذا انفردَ عن إشرافِ المسلم)[الملخص الفقهي(2/124)].







هَذَا مَا يَسَّرَ اللهُ جَمْعَهُ وإِعْدَادَهُ
وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَى وَأَعْلَمُ
وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ
وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ

...منقول...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق