الأحد، 26 يوليو 2015

والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلى اله و أتباعه وبعد:
إن شرعنا الحنيف أولى لحرمة الأعراض أهمية كبيرة, ولقد تطرق رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى هذه المسألة العظيمة في أكبر اجتماع للمسلمين وذاك يوم النحر في حجة الوداع.
عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان . أي شهر هذا ) . قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال ( أليس ذا الحجة ) . قلنا بلى قال ( فأي بلد هذا ) . قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال ( أليس البلدة ) . قلنا بلى قال ( فبأي يوم هذا ) . قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال ( أليس يوم النحر ) قلنا بلى قال ( فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد وأحسبه قال - وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا وستلقون ربكم فسيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ) . فكان محمد إذا ذكره يقول صدق محمد صلى الله عليه و سلم ثم قال ( ألا هل بلغت ) . متفق عليه

و عن أبى هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ها هنا ». ويشير إلى صدره ثلاث مرات « بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه » رواه مسلم

و الكلام في أعراض الناس نوع من الربا بل هو أعلاها وأشدها كما جاء في الحديث " الربا اثنان و سبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه و إن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه " الصحيحة 1871

وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبتعد عن الشبهات إستبراءا لأعراضنا و حماية لها " فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"

فدلت هذه الأحاديث و غيرها من الأدلة على أن لعرض المسلم مكانة عالية في شريعتنا السمحة التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه. ولقد تساهل الناس في زماننا هذا في هذه المسألة و أصبحت في نظرهم هينة والكلام في أعراض المسلمين أمرا سهلا.والأدهى و الأمر من ذلك أن تجد هذا المنكر العظيم متفشيا في بعض المستقيمين.
و العرض هو موضع المدح و الذم في الإنسان.

ومن الوقوع في الأعراض قذف المسلم المحصن بالزنا أو اللواط سواءا كان المقذوف رجلا أو امرأة و إشاعة ذلك بين الناس.فلقد شدد شرعنا المطهر في هذه المسألة وأوجب فيها ما لم يوجب فيما سواها.

قال تعالى " وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" فاشترط على من قذف محصنا أن يأتي بالبينة وهي أربعة شهود عدول .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه الشرح الممتع على زاد المستقنع:
" قوله: «أو قذف فإنه يصفه» كذلك لو شهد بقذف فلا بد من أن يصفه، والقذف هو الرمي بالزنا أو اللواط نسأل الله العافية، فيترتب عليه ثلاثة أشياء ذكرها الله في قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} هذا الأول، {وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} هذا الثاني، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] هذا الثالث، فإذا شهد بقذف فلا بد أن يصفه؛ لأنه قد يظن ما ليس بقذف قذفاً، كأن يشهد أنه قال لفلان: أنت زانٍ، أنت لوطي، وما أشبه ذلك، أما إذا قال: إنه قذفه فقط فلا يكفي؛ لاحتمال أن يكون قذفه بغير الزنا، فلا بد من أن يذكر نوع القذف الذي وقع منه.
قوله: «ويصف الزنا بذكر الزمان والمكان والمزني بها» فيشترط ذكر ثلاثة أشياء، ذكر الزمان بأن يقول: إنه في الليل، في أول الليل، في النهار، في آخر النهار، وما أشبه ذلك، والمكان يقول: في البيت الفلاني في الحجرة الفلانية، وإذا كان في البر يقول: في النقرة الفلانية، في الوادي الفلاني، وما أشبه ذلك، والمزني بها يذكرها، ولكن كيف يذكرها؟ فهل يذكرها باسمها أو بوصفها؟ إن كان لا يعلم اسمها، فيذكرها بوصفها، وإن كان يعلم اسمها فباسمها؛ لأنه قد يجامع امرأته، فيظن الرائي أنها أجنبية، فيشهد بأنه زنا.
وقال بعض أهل العلم: إن الزنا فاحشة يعاقب عليه بالحد الشرعي، ولا ضرورة إلى ذكر المزني بها، فمتى ثبت الزنا فقد ثبتت الفاحشة، وعلى هذا فلا يشترط ذكر المزني بها، ولأن العلم بالمزني بها قد يعسر أو يتعذر، بخلاف الزاني، فإن العلم بالرجال أكثر من العلم بالنساء، وهذا القول أرجح.

والقاذف إن لم يقم البينة فهو عند الله من الكاذبين قال تعالى"لَوْلا جَاؤُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ" [النور: 13]
وقذف المحصن ليس بالأمر الهين قال تعالى" وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ" [النور: 5] بل هو كبيرة من كبائر الذنوب و قد عده النبي صلى الله عليه و سلم من السبع الموبقات.

والواجب على المسلم أن يمسك لسانه ولا يخوض في أعراض الناس كما لايحب أن يخوض الناس في عرضه قال النبي صلى الله عليه وسلم" فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه" رواه مسلم.

وعن أبي أمامة قال إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا ، فأقبل القوم عليه فزجروه و قالوا : مه مه ! فقال : ادنه ، فدنا منه قريبا قال : فجلس ، قال : أتحبه لأمك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال: و لا الناس يحبونه لأمهاتهم ، قال : أفتحبه لابنتك ؟ قال : لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك ، قال : و لا الناس يحبونه لبناتهم ، قال : أفتحبه لأختك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : و لا الناس يحبونه لأخواتهم
قال :أفتحبه لعمتك . قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : و لا الناس يحبونه لعماتهم ، قال : أفتحبه لخالتك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم ، قال : فوضع يده عليه و قال : اللهم اغفر ذنبه و طهر
قلبه و حصن فرجه . فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء " .الصحيحة 370


فإذا كان الإنسان لا يرضى أن يطعن في عرضه ولا في عرض أقاربه في كيف يسمح لنفسه بالاستطالة في أعراض الناس ويشيع الأمر عنهم ويذيعه بين الناس. والواجب على من علم بمنكر كهذا أن يمسك لسانه ولا يخوض في هذا الأمر
قال تعالى "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ " [النور: 15-16]
والكلام في هذه الأمور ونشره بين الناس هو من إشاعة الفاحشة بين المسلمين قال تعالى" إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ"[النور: 19]

قال الشيخ السعدي رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية : "{ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ } أي: الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة { فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي: موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، [b]فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله؟
" وسواء كانت الفاحشة، صادرة أو غير صادرة.وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه. { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } فلذلك علمكم، وبين لكم ما تجهلونه".
وإشاعة الفاحشة بين المسلمين هذا من خصال المنافقين فرأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول كان ممن يشيع حادثة الإفك ففي الحديث المتفق عليه" المنافق عبد الله بن أبي وهو الذي كان يستوشيه ويجمعه وهو الذي تولى كبره منهم"
أي يستخرج الحديث بالبحث عنه ثم يفتشه ويشيعه ولا يدعه يخمد.
و الذي يجري وراء هذه الشائعات ويشيعها فهذا من استدراج الشيطان و تلبيساته, فلقد بين ابن القيم رحمه الله في كتابه التفسير القيم عند تفسيره لسورة الناس قال عن سعي ابليس في افساد بني ادم وحصر أجناس شره في ستة وأنه لا بد و أن يوقعه في واحدة منها أو أكثر, فبعد أن ذكر مرتبة الشرك و الكفر ومرتبة البدعة قال:" المرتبة الثالثة من الشر وهي الكبائر على اختلاف أنواعها فهو أشد حرصا على أن يوقعه فيها ولا سيما إن كان عالما متبوعا فهو حريص على ذلك لينفر الناس عنه ثم يشيع من ذنوبه ومعاصيه في الناس ويستنيب منهم من يشيعها ويذيعها تدينا وتقربا بزعمه إلى الله تعالى وهو نائب إبليس ولا يشعر فإن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم هذا إذا أحبوا إشاعتها وإذاعتها فكيف إذا تولوا هم إشاعتها وإذاعتها لا نصيحة منهم ولكن طاعة لإبليس ونيابة عنه كل ذلك لينفر الناس عنه وعن الإنتفاع به وذنوب هذا ولو بلغت عنان السماء أهون عند الله من ذنوب هؤلاء فإنها ظلم منه لنفسه إذا استغفر الله وتاب إليه قبل الله توبته وبدل سيئاته حسنات وأما ذنوب أولئك فظلم للمؤمنين وتتبع لعورتهم وقصد لفضيحتهم والله سبحانه بالمرصاد لا تخفى عليه كمائن الصدور ودسائس النفوس".
ونقل الشائعات وترويجها يعد من الكذب ومن القيل والقال الذى نهى النبي صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم.
وقذف الإنسان يعد من أذية المسلمين قال تعالى" وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا الأحزاب (58)
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره" أي: ينسبون إليهم ما هم بُرَآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه، { فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } وهذا هو البهت البين أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقص لهم".
وقال تعالى"إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "[النور: 25]
فعقوبة القاذف حسب ما جاء في سورة النور تتلخص في :
-الجلد ثمانون جلدة
-لا تقبل شهادته
-الوصف بالفسق
- يعد من الكاذبين
- العذاب الأليم في الدنيا و الآخرة
- اللعنة في الدنيا و الأخرة
- العذاب العظيم
فعلى المسلم أن يتقي الله و ليحذر كل الحذر من الوقوع في أعراض المسلمين كما أنصح نفسي و إخواني بقراءة السورة النور وقراءة ما تيسر من تفسيرها وقراءة حادثة الإفك و التأمل في الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال " أتدرون ما المفلس ". قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال " إن المفلس من أمتى يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتى قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار ".
[/b]
م/ن


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق