الاثنين، 24 يوليو 2017

مقتطفات من كتاب شرائع النّفس و العقل و الرّوح

مقتطفات من كتاب شرائع النّفس و العقل و الرّوح

ان النصوص الدينية والفلسفية والفكرية وحقيقة الروح
والعقل والنفس، ودور كل واحدة من هذه القوى التي يملكها الإنسان في القرارات التي يتخذها، والسلوك
الذي يسلكه، سواء كان يشعر بذلك أو لا يشعر به. وسوف
يتبيّن لنا من خلال البحث أن البشر هم كما وصفهم الله،
ينقسمون إلى أربع فئات تبعاً للمصدر الذي يستمدون منه
سلوكهم، ويبنون عليه تصرفاتهم وشرائعهم وهم:


1 ـ الإنسان الخليفة. وهم الرسل والأنبياء بسلوكهم وشرائعهم
2 ـ الإنسان العاقل. وهو الذي يستمد شريعته وسلوكه من عقله الذي يهديه، للإيمان.
3 ـ الإنسان الحيوان. وهو الذي يستمد شريعته وسلوكه من غرائزه، وخاصة غريزة المعدة، وغريزة الجنس. ولكنه لا يقتل ولا يؤذي إلا عندما لا يجد وسيلة مشروعة لتلبية غرائزهفهو مثلاً
كالحيوان الذي لا يقتل إلا إذا جاع ولم يجد ما يأكله.
4 ـ الإنسان الذي هو دون الحيوان. وهو الذي يستمد شريعته وسلوكه من غرائزه، كما هو الإنسان الثالث، ولكنه يبيح لنفسه كل شيء لإرضاء غرائزه، ويفعل ما لا تفعله الحيوانات. فهو لا يتورع عن القتل لزيادة ثروته وإن كان يملك الملايين، ولا يوجد أي رادع لديه يمنعه من سلوك أي مسلك لتحقيق رغباته الجنسية.
إنه الإنسان الذي وضع عورته ومعدته فوق رأسه فقلب صورته الإنسانية التي خلقه الله عليها. فقد جعل الله العالي في الأعلى بترتيب يكشف عن مكانة كل عضو في الإنسان، ومكانة الإنسان بالقياس للعضو الذي يستمد منه قراراته بترتيب حكيم خبير. فجعل الله الرأس في الأعلى،
وهو مصدر أحكام العقلاء والمعلمين. ثم الأذن وهي للمتعلمين، ثم البصر للناظرين، ثم الشم الموضوع فوق الفم مباشرة ليقوم بدور المخبر للتأكد من سلامة الطعام والشراب الذي نتناوله، ثم حاسة الذوق للتأكد من طعم ما نذوقه وبرودته أو حرارته، ثمَّ الإحساس الذي يقوم الجلد بكامله من خلاله
بإنذار العقل عن كل ما يصيب الجسد. وإذا نزلنا إلى ما هو أدنى فسوف نجد المعدة التي تقوم باستقبال الأرزاق وتوزيعها على الجسم، وبعد ذلك العورة التي جعلها الله في نهاية الجسم بسبب دورها المتواضع في حياة الإنسان. ولكن ماذا فعل الإنسان الحيوان لتنطبق عليه هذه التسمية؟ لقد قلب النظام الذي خلقه الله عليه، ووضع عورته في الأعلى بدلاً من رأسه حين جعل تلبية رغباته الجنسية هدف حياته، أو إذا جعل الطعام غايته الرئيسية. والإنسان

الحيوان غالباً ما يجمع بين الرغبتين ويجعل من عقله خادماً لمعدته وعورته. وإذا أخذنا هذا المقياس للحكم على الأنظمة والدول والحضارات، فسوف يتبيّن لنا، أن دولاً ومجتمعات ثرية تسلك سلوك الإنسان الحيوان، فهي تقتل وتدمّر وتوظف كل علوم العقل للنهب والسلب والاعتداء على البشر الضعفاء،
ليس لأنها محتاجة أو جائعة كما تفعل الوحوش في الغابة إذا جاعت، ولكن لكي تزيد من ثرائها وتمارس شهواتها، وتؤازرها في ذلك شعوبها بالتصفيق لمن سيزيد لها كميات الطعام، ولمن سيفتح لها أبواب حريّة الانحراف والشذوذ على مصاريعها، لكي يمارس كل شخص هواجسه الجنسية
دون حياء أو خوف. إنها حضارات كما يقال ولكن ما هو الاسم اللائق بمثل هذه الحضارات إن كانوا أفراداً أو شعوباً أو دولاً. هل يليق بهم اسم الإنسان الذي هو دون الحيوان في
السلوك لأنه أضلّ من الحيوان في الغايات والأهداف؟.
لقد حدّد الله صفات الإنسان الحيوان، ومن هو دون ذلك بقوله
:
أرأيتَ من اتخذَ إلههُ هواهً أفأنتَ تكونُ عليه وكيلاً. أم تَحسبُ أنَّ أكثرهُم
يسمعونَ أو يعقلونَ إن همْ إلا كالأنعام بلْ هم أضلُّ سبيلا

(الفرقان 43/44)
. فهذا هو الفرقان بين الإنسان وغير الإنسان، وبين حضارة وحضارة. الخضوع لحكم الروح
أو العقل، أو ما تهواه النفوس والغرائز.
وقال الرسول عليه افضل الصلاة والسلام
[من عرف نفسه عرف ربه]. فلا شيء أعظم من
معرفة دور النفس ولمن يجب أن تخضع لكي تهتدي
بنور العقل
أولاً ثمَّ بنور الروح ثانياً،
لكي تقوم الخلافة في الأرض، ولا شيء أخطر من النفس لجر الإنسان إلى
مواقع الإنسان الحيوان، أو من هم أضلَّ سبيلاً.
إنها محاولة لكي يعرف كل إنسان نفسه، ويحدد موقعه في الحياة تبعاً لاختياره. وهي محاولة أيضاً لكي يعرف غيره
ولا ينخدع بما يراه من بهارج الحضارات القديمة والمعاصرة. فهذا هو الإنسان في الماضي والحاضر
والمستقبل... إما روح، وإما عقل، وإما نفس، وإما غريزة. وباختصار إما إنسان أو حيوان ودون ذلك، إذ ليست العبرة في الصورة ولكن بمضمون الصورة.
وإنه الاختيار الذي يصنع به البشر أفرداً أو شعوباً ودولاً
ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم دائماً.

فاعرف من أنت، واعرف نفسك، واعرف غيرك، لكي تختار بين الذين يعقلون، والذي يأكلون. ولكي تسير إذا شئت
بخطى ثابتة من عالم الجسد والنفس إلى عالم العقل الذي تستطيع أن تشهد به ظاهر
العالم المادي... أما إذا كنت تطمح لشهود باطن العالم، فلن تشهده إلا بشوق النفس للخروج من الجسد، وعشق العقل للمعرفة...
وعندها سيصبح للروح أجنحة تخرج بها من ضيق الجسد إلى سعة العالم، وتطير بها من ظاهر المادة
إلى نور الوجود، ومن الكون والتكوين إلى المكوّن، وبفهم كتابه
هذا هو كنز الإنسان الكامل ومملكته

لان معسكر المادية قام بشن الحرب على كافة الجبهات
يؤازره في ذلك ما حققته الرأسمالية المنتصرة من نجاحات في
نشر الفساد والانحلال الخلقي، وهشاشة المعسكر المثالي، الذي تأكد أنه في غالبيته مثالي من فوق ومادي من تحت، بقبوله الشراكة مع الظلم والعدوان، بما ينافي القيم الخلقية التي تأمر بها المثالية. وإن هزيمة المعسكر المثالي وفشله في مجابهة المعسكر المادي أدّت إلى إدخال البشرية في نفق مظلم، وساهمت في إباحة الدم البشري، وإبادة شعوب على الهوية، لأنها لا تملك نفس الانتماء، كما ساهمت في رفع الرحمة من القلوب بين أبناء الجنس الواحد، والتلاعب بعواطفهم وإرسالهم إلى الموت من أجل مصالح اقتصادية، وتحت رايات أخلاقية لا يؤمن بها الذين رفعوها ودعوا إليها، وكتبوا عنها. بل إن البعض أصبح لا يخاف
من التصريح علناً بأنه على استعداد لتدمير شعب كامل بالأسلحة النووية أو البيولوجية إذا ما اقتضت مصالحه التوسعية خارج أرضه القيام بمثل هذا التدمير. وهكذا أصبح كل شيء مباحاً بعد أن أخذ الإنسان مصيره على عاتقه، وانغمست أفكاره في متاهات الصدفة التي اعتقد أنه ابنها، وأنها كما خلقته،
فإنها ستذهب به، وعليه لذلك أن يغتنم فرصة الحياة التي لن تتكرر ليمارس فيها جميع ما تدعوه الغرائز لممارسته. أليس لأن الإنسان قد تعلّم أن عقله هو الحكم الوحيد لتقدير ما ينفعه ويضرّه. وأن كل إنسان ما دام يملك عقلاً فإن من حقه أن يتصرف على هواه؟. لقد عادت المشكلة كما
بدأت إلى العقل ومعه. فهل كل ما يراه العقل صحيحاً؟.‏وهل لدينا أداة للمعرفة غير العقل والحواس نستطيع أن نستخدمها للاطلاع على ما لم يدركه العقل إلا نظرياً؟ هذا يضعنا بالأحرى أمام مشكلة
المعرفة، والقدرات التي يملكها الإنسان لكي يعرف ويعمّق معرفته


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق