الجمعة، 13 يوليو 2018

التشريح المورفولوجي للنص من خلال الكلمة

السلام عليكم





التشريح المورفولوجي للنص من خلال الكلمة

هدهد سليمان

نملة سليمان

ملكة سبأ

بين عفريت الجن والذي عنده

علم من الكتاب

بقرة بني إسرائيل

البعث من العظام

موسى وسيدنا الخضر

عليهما السلام





هذه المفاهيم تتمحور وتتركز حول الكلمة وبنيتها

الداخلية والخارجية نتيجة لأهميتها

، حيث أن أصل الكون كله عبارة عن

كلمة وهي كلمة كن كما ظهر ذلك في قوله

إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون

يس/82



وفي آية أخرى

ثم إستوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض

إئتيا طوعا أو كرها قالتا آتينا طائعين

فصلت/11

ثلاثة كلمات من لدن المولى عز وجل تسببت في خلق

السماوات والأرض بحكمة منه وبرهانا على قدرته في

الخلق



والكلمة أصلا وبصفة عامة تشكل إعجازا كاملا في القرآن

الكريم وتعتبر الخلية الأساسية في شرح مفاهيمه وخاصة

الحرف

مع العلم بأن القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي

جاء بلغة الحرف كدلالة على عظمة هذا الحرف في

التفسير والأمور الروحانية



ولقد ذكرنا في المحاضرات السابقة بأن كل من الكلمة

والحرف هما بمثابة الحارس الأمين لمحتوى الآية أو

محتوى السورة كاملة ولذلك يقول سبحانه وتعالى

إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون

الحجر/9



هذه الأسرار العظيمة الخفية التي تنطوي عليها الكلمة

جعلتنا نركز بدقة في شرحها حيث تطرقنا إلى بنيتها

الداخلية والخارجية وعلاقتها بالحروف التي تكونها

ثم علاقتها بالحركات التي تخلق الأصوات الصادرة من

الجهاز الصوتي ، ثم علاقتها بالنقط



وتطرقنا بعد ذلك إلى نزول الكلمة في القرآن في خمسة

وضعيات ملموسة دفعت بنا إلى إستنتاج العلاقة 2*5

التي ما زلنا لم نتوغل فيها بعد وفيها من الأسرار ما

يتجاوز حد التصور البشري وذلك بسبب إعجاز القرآن

الموجود في باطنه لا في ظاهره



وقد طلبنا من القراء أن يقرأوا ببطء لكي لا يسقطوا في

أحابيل الغلط ومع ذلك لا زال بعضهم يطالب بالإختصار

وأنا بدوري لا أعتبره طلبا للإختصار بل أعتبره طلبا

للخسارة لأنه لا فائدة أبدا في تلك القراءة السريعة ولذلك

يقول سبحانه وتعالى

ورتل القرآن ترتيلا

المزمل/4



ذلك لأن ترتيل القرآن يفرض على الإنسان أن يقرأ

ببطء مما يؤدي به إلى النطق السليم لمخارج الحروف

ومنه إلى الإستدعاء اللاشعوري للبصيرة التي تمكنه من

الفهم الجيد والدقيق لما يقرأه

كما يكتسب الإنتباه إلى الكلمات المفتاحية للنص

وعند ذلك يصطدم القارئ بالمفارقة الموجودة بين ما

يقوله القرآن الكريم وبين ما يقوله بعضهم في شكل من

المجازفة التي لا تغتفر



وقد ضربنا في ذلك أمثلة كبيرة تسنيا للفهم ومنها ما

جاء في قصة ملكة سبأ مع سيدنا سليمان عليه السلام

حيث يقول بعضهم بأن الذي جاء بعرش ملكة سبأ هو

وزير الملك سليمان وأصله من الجن

لكن برجوعنا إلى الآية

قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد

إليك طرفك

النمل/40



نجد أن كلمة عنده تغيّر مجرى هذا التفسير عن أصله

كما وضحنا ذلك سابقا ، وهو ما يعطي معنى الإعجاز

في القرآن الكريم ، حيث أن كلمة عنده تعرب مفعول

فيه ظرف مكان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة

على آخره



والرجوع لإعراب الكلمات هو الجزء الأكبر من إعجاز

القرآن من حيث أن هذا القرآن جاء بإعجاز بلاغي عظيم

يقوم بطرح علمي دقيق جدا ، وليس من السهل التفسير

الأدبي إذا لم يكن المفسر متمكنا علميا



فمن حيث الإعراب يتراءى لنا أن الذي قام بالفعل هو

كائن يشغل حيزا من المكان في حين أن الجن لا يشغل

هذا الحيّز مما يدل على أن الذي قام بالفعل هو إنسان

وليس من الجن إطلاقا



ولذلك يقول بعض المفسرين الأصحاء بأن الذي قام

بالفعل يكون إما سليمان بن داود نفسه أو سيدنا الخضر

عليهم السلام لأنهما الوحيدان الذين عندهما علم الكتاب

في ذلك الوقت

غير أنه برجوعنا إلى قصة سيدنا موسى مع العبد الصالح

سيدنا الخضر عليهما السلام نعود فورا للتسليم بأن الخظر

هو رائد القصة بدليل فشل موسى أمامه

وبدليل قوله تعالى

فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة وعلمناه من لدنا علما

الكهف/ 65



وفي قصة سيدنا سليمان مع الهدهد يقول بعضهم بأن الهدهد

المزعوم ليس من الطير بل هو إنسان يستخدمه الملك سليمان

في مخابراته العسكرية ، بينما تقوم الكلمات التالية بتصحيح

خطأ هذا التفسير وهي

كلمة لأذبحنه ، وكلمة أحطت ، وكلمة الخبأ



فلو كان المقصود بالهدهد إنسانا لقال الملك سليمان لأقتلنه

بدلا من لأذبحنه ، والإحاطة تدل على دوران الطير في السماء

والخبأ يدل على ما هو تحت الثرى الذي يستهوي الطير وليس

الإنسان



وفي نفس القصة تكلمت نملة مع الملك سليمان وذكرت في

كلماتها كلمة يحطمنكم فحطمت بدورها مقولة بشرية النملة

بدلا من إعتبارها حشرة حيث أثبت العلم تدخل مادة الزجاج

في تركيب جسم النمل ، والزجاج هو الذي يخضع لعملية

التحطيم



وقد ظهر في نفسير قصة السامري مع النبي موسى ع

بأن السامري رأى سيدنا جبرائيل ع السلام يمتطي فرسا

يوم حادثة شق البحر بمعجزة موسى الكامنة في عصاه

وكان هذا الفرس يترك أثارا خظراء على الأرض ، فأخذ

منها السامري قبضة وأخرج بها العجل الذي فتن به قوم

موسى



غير أن كلمة بصرت تظهر كأشعة روتجن الكاشفة لما

وراء الحجاب من حيث الفرق الكبير جدا الموجود بين

كلمة بصرت وكلمة أبصرت

إذا قال السامري أبصرت فإن ذلك يدل على أن التفسير

المزعوم صحيح لأن الإبصار يتم بالعينين وينتج عن ذلك

بأن السامري رأى بعينيه فعلا سيدنا جبرائيل يمتطي فرسا

وأخذ من أثره من أجل إخراج العجل فتنة للمسلمين

أما إذا قال بصرت فيصبح المعنى آخر يختلف كاختلاف

السماء عن الأرض وهو ما شرحناه سابقا

فكلمة واحدة صححت مجرى معتقد دام أربعة عشر قرنا



أمثله كثيرة دعت بنا الضرورة العلمية لطرحها ليستنتج

القارئ دور الكلمة في التأثير على الإنسان من حيث بنيته

الداخلية أي المعنى والمعتقد ومن حيث بنيته الخارجية أي

الطبيعة وما حوله ليتمكن من إستخدام هذه الكلمة مستقبلا

في مجالها الروحاني حيث أنها الخلية الأساسية والجهاز

الوحيد في التطبيق



أما في ما يتعلق ببقرة بني إسرائيل والفوائد التي جاءت

بها فيظهر ذلك جليا عند التشريح المورفولوجي للقصة

وظهر في قول بعضهم أن الله أمر بذبح بقرة من أجل

الكشف عن جريمة قتل غامضة

وعند ذلك قام سيدنا موسى عليه السلام بأخذ لحم تلك

البقرة وضربه ببعضه و حدثت معجزة الكشف

وهذا قول الإنسان أما قول الله فهو شيء آخر يظهر في

الكلمات المفتاحية للآيات



فقد قال سبحانه

إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة

البقرة/67

ولكي نفهم الموضوع من أساسه يجب أن نتساءل عن

سبب أمر الله بالذبح كوسيلة للكشف ؟

ويعود ذلك لثلاثة أسباب

أولأ إظهار قدرته على البعث

ثانيا ليلفت إنتباهنا إلى السر الخفي المتواجد وراء

عظام البقر

ثالثا لأن الذبح يقدم كإطعام للمساكين وهو الوسيلة

الوحيدة التي هي كفارة للذنوب والمعاصي إلى جانب

وسيلة الصوم ووسيلة كثرة الإستغفار



فلكي يقبل الله طلبهم في الكشف عن جريمة القتل الغامضة

طلب منهم المولى تباركه وتعالى عن طريق كليمه موسى

ع تكفير ذنوبهم عن طريق الذبح وإطعام المساكين

و من ذلك نستنتج بأن الذبح للميت أو للمريض أمر شرعي

بنص الآية السابقة

كما نستنتج أن اللحم يستعمل للأكل وليس لضرب الميت

بل أن ضرب الميت يتم بواسطة العظام من أجل الإحياء

والبعث بأدلة كبيرة جاءت في القرآن الكريم ومنها



لما أحيا الله النبي عزير ع وأخبره الملك بأنه كان ميتا ، أنكر

ذلك في قلبه ، فنادى الملك عظام حماره وليس لحمه حيث

تكوّن الهيكل العظمي ليكسوه بعد ذلك بالعروق واللحم والدم

والجلد والشعر ، لأن جينات هذه الأشياء موجودة في العظام

وليست في اللحم

وقد جاء ذلك في قوله عز وجل.

وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ

كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْما

البقرة/ 259



يقول العلماء بأن إحياء الموتى يوم القيامة يتم بوجود العظام

التي تبقى من البشر و هي العظمة في نهاية العمود الفقري

للإنسان والتي تبقى في التراب دون تحلل إلى يوم القيامة

ليقوم الله سبحانه وتعالى بإحياء الإنسان منها

ولذلك يقول ص

ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب

الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة

الحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحهما

ويكفي لذلك دليل على أنعملية الإستنساخ تتم من عظام

الموتى وليس من لحمها



كما أشار سبحانه وتعالى في قوله مطابقة للحديث السابق

يابني إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في

السماوات أو في الارض يات بها الله إن الله لطيف خبير

لقمان / 16

وبهذا أصبح من الواضح أن عملية الإحياء تنطلق من العظام

وليس من اللحم كما يزعمون في شأن البقرة وإحياء ميت بني

إسرائيل



كما أن الخطاب الإلهي لبني إسرائيل عن طريق كليمه

موسى ع كان بلغة الجمع وليس بلغة المفرد بمعنى أن الله

كان يخاطب جماعة من قوم موسى وليس موسى نفسه

كما في الآيتين التاليتين

وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة

البقرة/ 67

كلمة تذبحوا هي بلغة الجمع وموجهة لقوم موسى وليست

بلغة المفرد لنفسرها بأنها موجهة لموسى ، بمعنى أنه ليس

موسى هو الذي يذبح بل قومه هم الذين يذبحون



وفي الأية الثانية

فقلنا اضربوه ببعضها

البقرة/ 73

الامر هنا بلغة الجمع فهو موجه إلى الجماعة بمعنى أن قوم

موسى هم الذين يضربون وليس موسى كمفرد هو الذي

يضرب ولو كان كذلك لاستعمل عصاه بدلا من اللحم والعظام

ثم ماذا يضربون ؟

هل يضربون اللحم ببعضه أم يضربون الميت ؟

كلمة اضربوه هي فعل أمر مبني على السكون والفاعل

ضمير مستتر تقديره أنتم في محل رفع

أنتم تدل على جماعة موسى وليست موسى نفسه لأن

موسى تقيره أنت وليس أنتم

أما الهاء فهي ضمير متصل مبني على الضم في محل

نصب مفعول به وتدل على الميت نفسه .



والمعنى الإجمالي هو أن جماعة قوم موسى يمسكون

العظام و يضربون بها الميت وليس موسى هو الذي يضرب

ولو كان كذلك لقال الله سبحانه وتعالى مخاطبا موسى ع

إضربه ببعضها بدلا من اضربوه ببعضها كما في معجزة

شق الصخور من أجل الماء إذ يقول له سبحانه وتعالى

فقلنا إضرب بعصاك الحجر

البقرة / 60

ولم يقل إضربوا بعصاك الحجر ، فمن الواضح أن الخطاب

موجه لسيدنا موسى بلغة المفرد لا بلغة الجمع كما في قصة

البقرة



ثم أن كل معجزات سيدنا موسى ع قامت بفعل عصاه الشريفة

سواء أمام سحرة فرعون أو في شق البحرأو شق الصخور

وما إلى ذلك من المعجزات العظيمة ، إلا في حالة البقرة

فيتخلى عن عصاه ويستعمل اللحم بدلها بعيدا عن معنى

الآيات تماما كبعد السماء عن الأرض



إننا نوجه طلبتنا الأعزاء إلى تحليل الكلمات تحليلا دقيقا

جدا مع دقة الإنتباه إلى إعرابها وتصريفها ودلالتها اللغوية

لكي لا تعبث بهم الأهواء فيكونوا ضحية لمفاهيم خاطئة من

أصلها



فعندما يبعث الله الموتى يوم القيامة يبعثها إنطلاقا منمما

يشبه حبة الخردل في نهاية العمود الفقري التي تبقى دون

تحلل طبقا لقوله ص المطابق لقوله عز وجل كما ذكرنا

ولذلك فعظام البقرهي المقصودة في العمليات التي ذكرناها

سابقا وليس لحمها



ويقوم بعضهم بتكفير رجال الله وأولياءه الصالحين ويتهمونهم

بالشرك والشعوذة ، وهو دليل قاطع على عدم إطلاعهم على

القرآن وتدبره بالشكل الذي أمرالله به في قوله

كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا

الألباب

ص/29

............



فلو رجعوا إلى قصة سيدنا موسى ع مع العبد الصالح

سيدنا الخضر ع في سورة الكهف لاهتدوا إلى الحقيقة

طبقا لقوله

إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم

الإسراء/9

..............



ألم يكن سيدنا الخضر ع هو رئيس الصالحين ؟

ولقد إتبعه سيدنا موسى ع بدلا من أن يقول له بأنه

مشعوذ كما نفعل في أيامنا هذه والعياذ بالله بدليل قوله

عز وجل

قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا

الكهف / 66

ثم أن موسى إستقال من الدراسة نتيجة لتعقيد منهجية

التدريس عند سيدنا الخضر ع ولم يستطع متابعته



الأمثلة كثيرة وطويلة وإنا لنوجه الطلبة إلى القراءة

البطيئة والتدبر الجيد وعدم التسرع في الحكم ولكم
مني أفضل التحيات الأخوية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق