الأربعاء، 20 مارس 2019

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



من آداب الدعاء وأسباب إجابته: أن يحسن العبد الظن بالله وأن الله سيجيب دعاءه

ولن يخيّب رجاءه

لما روى الترمذي (3479) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي .


قال في تحفة الأحوذي (9/ 316):

" قوله: (وأنتم موقنون بالإجابة) أي والحال أنكم موقنون بها

أي كونوا عند الدعاء على حالة تستحقون بها الإجابة

من إتيان المعروف واجتناب المنكر، ورعاية شروط الدعاء

كحضور القلب وترصد الأزمنة الشريفة والأمكنة المنيفة ، واغتنام الأحوال اللطيفة ، كالسجود ، إلى غير ذلك، حتى تكون الإجابة على قلوبكم أغلب من الرد.

أو أراد: وأنتم معتقدون أن الله لا يُخَيِّبكم؛ لسعة كرمه وكمال قدرته وإحاطة علمه، لتحقق صدق الرجاء ، وخلوص الدعاء؛ لأن الداعي ما لم يكن رجاؤه واثقا لم يكن دعاؤه صادقا" انتهى.

والمؤمن لا يشك في قدرة الله تعالى، لأن الشك في القدرة كفر، لكن قد يظن أن الله لن يجيب دعاءه لكونه لا يستحق الإجابة مثلا، أو لم يستجمع شروط قبول الدعاء .

فينبغي أن يدع هذا الظن، وأن يقبل بقلبه على ربه، وأن يَعظم رجاؤه وتفاؤله؛ لأن الله عند ظن عبده به كما جاء في الحديث، مع الاجتهاد في تحقيق شرائط الإجابة.


"قال القرطبي في "المفهم":


"قيل معنى ظن عبد بي: ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار

وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، تمسكا بصادق وعده. قال: ويؤيده قوله في الحديث الآخر: (ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة).

قال: ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه، موقنا بأن الله يقبله ويغفر له

لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد

فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها، وأنها لا تنفعه، فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن، كما في بعض طرق الحديث المذكور: (فليظن بي عبدي ما شاء).

قال: وأما ظن المغفرة مع الإصرار، فذلك محض الجهل والغِرَّة [أي : الغفلة] ، وهو يجر إلى مذهب المرجئة"

انتهى نقلا من تحفة الأحوذي (7/ 54).


ثانيا:


وليعلم أن عدم تعجيل الإجابة ، وعدم تحقق ما دعا به العبد ربه : هو من البلاء الذي يبتلي به الله عباده ، ويختبره صبرهم وإيمانهم به .


وقد وجدنا للعلامة ابن الجوزي رحمه الله خواطر دقيقة محكمة

يشرح فيها هذا المعنى الذي نريد تقريره ، كي لا يخطئ أحد في فهم حقيقة إجابة الدعاء

فيتسخط إن لم يلق من الله الإجابة المباشرة لسؤاله ، أو يظن أن الكون رهن إشارة دعائه ، وأن الله عز وجل سيرفعه أعلى من منزلة الأنبياء الذين ابتلوا وعذبوا وتأخرت عنهم الإجابة .


يقول رحمه الله :

"رأيت من البلاء العجاب ، أن المؤمن يدعو فلا يجاب ، فيكرر الدعاء وتطول المدة ، ولا يرى أثراً للإجابة

فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي احتاج إلى الصبر . وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب . ولقد عرض لي من هذا الجنس

فإنه نزلت بي نازلة ، فدعوت وبالغت ، فلم أر الإجابة ، فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده ، فتارة يقول : الكرم واسع والبخل معدوم

فما فائدة تأخير الجواب ؟

فقلت : اخسأ يا لعين ، فما أحتاج إلى تقاضي ، ولا أرضاك وكيلاً . ثم عدت إلى نفسي فقلت : إياك ومساكنة وسوسته

فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك المقدِّر في محاربة العدو لكفى في الحكمة . قالت : فسلني عن تأخير الإجابة في مثل هذه النازلة ؟

فقلت : قد ثبت بالبرهان أن الله عز وجل مالك ، وللمالك التصرف بالمنع والعطاء ، فلا وجه للاعتراض عليه .

والثاني: أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة ، فربما رأيت الشيء مصلحة والحق أن الحكمة لا تقتضيه ، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب ، من أشياء تؤذي في الظاهر يقصد بها المصلحة ، فلعل هذا من ذاك .

والثالث : أنه قد يكون التأخير مصلحة ، والاستعجال مضرة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزال العبد في خير ما لم يستعجل ، يقول دعوت فلم يستجب لي) .

والرابع : أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك ، فربما يكون في مأكولك شبهة ، أو قلبك وقت الدعاء في غفلة

أو تزاد عقوبتك في منع حاجتك لذنب ما صدقت في التوبة منه . فابحثي عن بعض هذه الأسباب لعلك توقنين بالمقصود .

والخامس : أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب ، فربما كان في حصوله زيادة إثم

أو تأخير عن مرتبة خير ، فكان المنع أصلح . وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو ، فهتف به هاتف : إنك إن غزوت أسرت ، وإن أسرت تنصرت .

والسادس : أنه ربما كان فَقْدُ ما تفقدينه سبباً للوقوف على الباب واللجأ ، وحصوله سبباً للاشتغال به عن المسؤول . وهذا الظاهر

بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجأ . فالحق عز وجل علم من الخلق اشتغالهم بالبر عنه

فلذعهم في خلال النعم بعوارض تدفعهم إلى بابه ، يستغيثون به ، فهذا من النعم في طي البلاء . وإنما البلاء المحض ما يشغلك عنه ، فأما ما يقيمك بين يديه ، ففيه جمالك ...

وإذا تدبرت هذه الأشياء تشاغلت بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك من رفع خلل ، أو اعتذار من زلل ، أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب " انتهى .

"صيد الخاطر" (ص/20-21) .


وقال أيضا :

"يبين إيمان المؤمن عند الابتلاء ، فهو يبالغ في الدعاء ولا يرى أثراً للإجابة ، ولا يتغير أمله ورجاؤه ولو قويت أسباب اليأس ، لعلمه أن الحق أعلم بالمصالح

أو لأن المراد منه الصبر أو الإيمان ، فإنه لم يحكم عليه بذلك إلا وهو يريد من القلب التسليم لينظر كيف صبره ، أو يريد كثرة اللجأ والدعاء

فأما من يريد تعجيل الإجابة ويتذمر إن لم تتعجل فذاك ضعيف الإيمان ، يرى أن له حقاً في الإجابة ، وكأنه يتقاضى أجرة عمله ، أما سمعت قصة يعقوب عليه السلام

بقي ثمانين سنة في البلاء ورجاؤه لا يتغير ، فلما ضم إلى فقد يوسف فقد بنيامين لم يتغير أمله ، وقال : (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتيني بهمْ جَميعاً)

وقد كشف هذا المعنى قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)

ومعلوم أن هذا لا يصدر من الرسول والمؤمنين إلا بعد طول البلاء وقرب اليأس من الفرج ، ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل ، قيل له : وما يستعجل ؟

قال : يقول : دعوت فلم يستجب لي) ، فإياك أن تستطيل زمان البلاء ، وتضجر من كثرة الدعاء ، فإنك مبتلى بالبلاء ، مُتَعَبَّد بالصبر والدعاء ، ولا تيأس من روح الله ، وإن طال البلاء" انتهى .

"صيد الخاطر" (ص/168) .


فحاصل ما نريد الوصول إليه :

هو أن المؤمن مطالب ببذل الأسباب

ومنها : الدعاء الصادق ، كما هو مطالب أيضا بالتسليم للأقدار ، والإيمان بأن حكمة الله عز وجل قد تقتضي تأخير إجابة دعائه في الدنيا أو عدم ذلك

فلن يكون أحدنا أفضل من أنبياء الله ورسله الذين تأخر عنهم تحقيق سؤلهم ودعائهم

ولكنهم عرفوا أن الدعاء عبادة

وأنهم بسؤالهم الرب عز وجل يرتقون عنده في درجات العابدين

مع القطع بأن الله تعالى سيجيبهم ، ولكن هذه الإجابة لا يلزم أن تكون بإعطائهم ما سألوا في الدنيا ، بل قد تكون الإجابة بصرف شيء من السوء عنهم ، أو بادخار ذلك لهم في الآخرة .

والله أعلم .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق