الاثنين، 24 سبتمبر 2018

تعليقة على كلمة المتخلف الزاوي

تعليقة على المتخلف الزاوي
وعيرني الواشون أني أحبها *** وتلك شكاة ظاهر عنك عارها
إنّ الإعراض عن ذوي الجهالات من الحِكمة والسكينة بمكان ، ومجاراتهم وجدالهم ومراؤهم مما يقسيِّ القلب ، ويبعثُ علىَ الهمِّ والحُزن والكآبة ، وقد استقرّ الحكم لدى العقلاء أنه لا تجاوز مناظرة من كان أدنىَ منك منزلةً فيِ العلمِ ، لأن مجادلة السّفهاء غبنٌ ومهلكة .
وقد تناهى إليَّ قول أحدِ المتهوِّكين الجَهلة من الذين يحسبون أنفسهم على شىء من العلم والذكاء والكياسة ، وهو عاريٍ عن كل ذلك ألبتّة .
قال هذا المتهوّك المتهتك " أنّ الإسلام هو سببُ تخلف الجزائريين " ، وجواب هذه الشبهةِ الساقطة السمجة التي أصبحت مبتذلة رخيصة ومع كثرة ما يرَّددها دعاةُ الفحشِ والرذيلةِ والسفور والشرك لا يزال يمجها الذوق وتنفر منها الأسماع ، ولولا أنه يلزم ذكر مقالته لما ذكرتها .
وهؤلاء المتهوكين المتهتكين من بني جلدتنا ، هم مُقلِّدةٌ لأسيادهم فيِ أوروبة وأمريكة ، أحمرةٌ وبراذين يمتطيها جون وبول وغابريال وكل علجٍ متفنج يسعى إلى إهانة الإسلام وأهله .
وهؤلاء من حقارة ما هم فيه ، وهوان ما هم عليه ، أنهم حتَّى في هذا الفكر الظلاميِّ الخرافي هم مقلِّدون أيّما تقليد لكبرائهم في بلاد الغربِ لا مجتهدين، يرتضعون المناهج السقيمة والأخلاق اللئيمة ثم يأتون إلى بلاد المسلمين لينفقوا سلعتهم فيها ، إذ لا تروج بضاعتهم الكاسدة وسلعهم الفاسدة إلا فيِ بلادِ المُسلمين فهذا مقصد أستاذيهم ومعلميهم ابتداءًا ، ومع ذلك فلا يعدمون من يصغي إليهم و من يطلبُ التحرَّرَ من كلٍ عقيدة سليمة وخلقٍ كريم إلى العقائد المُبطلة والأخلاقِ السيئة ، ولكنهم قلّة – ولله الحمد ، إذ النّاس لا تحتاج إلى هؤلاءِ لكيِ يقارفوا المعاصي والذنوب ، فإلإنسان خطّاء ولا بد أن يقارف المنهيات غلبةً لهواه ، لكن المسلم إذا أخطأ استغفر وتاب وأناب ، ولا يصرُّ على ذنبٍ تعمّداً ، فضلاً على أن يجاهر بمعصيته فيغري بفعله السفهاء ويجرّئهم على انتهاك الحُرُّم وانتقاض العاداتِ والأعراف الصحيحة ، كما يفعل هذا القِنُّ المتهتك الذي يتجارى به الهوى كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه فيِ قصصهِ الماجن يحذو حذو أسياده أوليِ الحيرةِ والتهوّك والضيّاع ، فماثل أهل الظلم والجهل ونبذ طريقة أهل العلم والعدل والإيمان .
ويعلم الله أنّي من أشدّ الناس لجماً لقلميِ عن الكتابة ابتداءً فيِ موضوع أو استدراكٍ وتعقبٍ لأحدٍ لما أرى في ذلك من عظيم الأمانة ، ولأن جرح اللسان كجرح اليد ، وأغلب ما يردي العقلاء والفضلاء هو الكلمة العجلة كما كان يقول صدِّيقُ هذه الأمّة لما دخل عليه فاروق هذه الأمة فوجده ممسكاً بلسانه فقال :" مه ، مه " قال :" إن لساني أوردني الموارد " والآثار كثيرة في باب الأدب والمناظرة والحجاج ولولا أن الموضع لا يناسب ، ومخافة من أن يطول الكلام ويتشعب لأسندنا كل مقالة لصاحبها ، وكل استدلال بدليله ، لكن حسبُ العاقل أن يتمعن في الكلام ويتدبر المعاني وعواقبها فسوف يبدو له إحقاق المحق وإبطال المُبطل .
فيقال لهذا المعترض الجهول ، أرناَ كيف تخلف الجزائريون على وجه التفصيل لا على الإجمال والتعمية ؟ فبإمكان معارضك أن يقول إنك وأمثالك :" سببٌ أصيل في تخلف الجزائر بل وسائر البلدان المسلمة ؟ فإن اعترضت ببطلان هذا الزَّعم -ولعمر الله إنه لحقٌ مبين - فليس إبطالك له بأحسن من إبطال غيرك لك ، فهذا من هذا .
وهذا المعترض ليس له في هذا الباب تفصيلٌ ولا بحثٌ عميق ولا استقراء تام لما يدَّعيه ، ولا طوق له بالقيام بذلك ، لأسباب كثيرة ولعل أميزها أنه من حزبِ القولِ المجردِّ ، الذي لا يستندُ إلى حجة وسلطان . وإبطال الحقائق لا يتمُّ بمجردِ الكلامِ ولا بالتصوّر الذهنيِ ، وإنما بالحجج الدامغة والبراهين الصادقة ، ولو أن كل أحدٍ صُدِّقَ في دعواه لاستحلّت دماءٌ محرمة و انتهكت أعراض مصونة .
ثمَّ إن ربطهُ بين تخلفِ الجزائرِ وبين الإسلام ، يدللُ على أن لازم الإسلام التخلف ، والتخلفُ ملزوم الإسلام ، ويلزم منه أن الكفر لازمه التمدن والعمران ، وهما ملزومان للكفر ، وهذا من أسمج الأقوال فلا يلزم من الكفرِ الحضارة ، ولا يلزم من الإسلام التخلف على الإصطلاح الحادث ، فالغرب لم يصب من الحضارة ما أصاب بكفره ومجونه وفحشه ، والمسلمون لم يتخلفوا بإيمانهم وتصديقهم للنبوات والرسالة تصديقا تاماً ، وإنما الفَرقُ هو الأخذ بالأسباب العلمية والعملية التي جعلها الله سبحانه وتعالى أسباب تمكين ونصرٍ وعلو في باب الصنائع ، وأما بابُ العقائد والأخلاق فلسنا بحاجة إلى تقدمِ الغرب فيها ألبتّة ، فلهم دينهم ولنا ديننا ، ويغلط أكبر الغلط من يحسبُ أن التطور الصناعي والتمدن الحضاري لا يتمُّ إلا بمشاكلة القوم في عقائدهم وأخلاقهم ونمط
عيشهم الناتج عن ذينك الأمرين ، وهذا قد أصبح يروَّج في بلاد الإسلام وغيرها من البلدان الأخرى كحلٍّ ناجع لبلوغ ما بلغه هذا الغرب في الصناعة ، ولا شك أن ثمَّ من يموِّل هذه الدِّعاية ويحشد لها من الدلائل والقرائن ما يعضِّدُ به كذبه وبهتانه .
فما شأنُ الصناعة بالعُرِّيِ والتخنثِ واللوطيّةِ ، وما شأنُ التمدنُ فيِ المُجونِ والملهياتِ واللعبِ ، وهذا يشبه ما يقوله الملاحدة من المنافاة بين الدين والعلم ، وهذه حجة داحضة ومع ذلك لا يزال دوكنز يغرِّي بها ويتموّل بسببها ، ثم يأتي من يلتقط هذه الشبهة السمجة ويعيد صياغتها بعبارات ملفقة ويلقي بها في أسماع أهل الإسلام في بلاد المسلمين .
يقال لهذا المعترض إن الجزائريين مسلمون وعُربيون ، ولا يحتاجون إلى حضارةِ التخلفِ التي تدعو إليها ، حضارةِ الحِرِّ والخمرِ والميسرِ والربا وانتهاك المحارمِ وقطع الأحرام والإساءة إلى الخلق ، وما أظن أنك تقدر لا أنت ولا أمثالك أن تغيّروا شيئا في هذا المجتمع المسلم ، قد تفسدون بعض المظاهر لكن لن تفسدوا البواطن والجواهر ، وأين سعيك من سعي فرنسة الصليبية المجرمة في حربها على بلاد الجزائر قرناً ونصف قرن تحاول طمس هوية هذه الأمة ، وكانت فرنسة عالمة وفطنة أين مكمن الدَّاء والضَرَّر الواقع عليها من هذه الأمّة ، فوجهت ضربتها إلى العقائد والأخلاق واللغة ، وقامت إلى ذلك بكل ما أوتيت من قوة بقضها وقضيضها وعدتها وعديدها ، ومع كل ذلك تكسرت جهودها وخسرت أموالها وأذهبت أولادها وهدرت كرامتها واهينت شرّ إهانة ، ومصابها كان بالقرآن كما صرح به قوادها وكبراؤها ، أم تحسبُ نفسك بكتبك الركيكة التأليف في اللفظ والمعنى تستطيع أن تغيّر شيئا في العالم ، اللهم أن يكون شيئا تطلبه النفوس بالضرورة كالشهوة وغير ذلك ، فإنه أمر يطلبه الناس إما بالحرام وإما بالحلال ، فمازدت إلا أن ربحت الإثم بمجاهرتك بالمعصية وحثك عليها ، وأنت كالذي بال في زمزم لينال بذلك شهرة وذكرا .

والحضارة الإسلامة قامت بالكتاب والسنة ونصرة للإسلام فعمّرت قروناً عديدة وامتدت من الشرق إلى الغرب متسعة الأرجاء ، دان لها العرب والعجم ، الفرس والروم ، وكل ذلك بالديّن لا بما يزعمه هذا المعترض الجهول ، وقد كان العرب في جاهليتهم في ذلة وهوان ، وكانوا من الحضارة بأبعدِ منزل ، وهمم أكابرهم وسفهائهم سواء في شهوة البطن والفرج ، حتى جاءهم الإسلام فأخرجهم من الظلمات إلى النور ، وعلمهم فتعلموا ، وأدبهم فاتدبوا ، وسار بهمهم من السفاسف إلى معالى الأمور وأشرافها ، وسادوا في الأرض وعمّروها أكثر مما عمرّها أسيادك الغربيين .
ونطالبه بإزالة التعارض بين كون المسلمين قد كانت لهم حضارةٌ عظيمة بشهادة المنصفين من بني الغرب الكافر ، وبين ما زعمه من أن الإسلام ينافي الحضارة ؟
وهذا المعترض المسكين يتكلم ولا يعلم ما يخرج من رأسه وما يلزمه من ذلك من لوازم باطلة وإن كنا لا نلزمه في كثير منها، فإن حذاق طريقته ومنهجه لا يصرّحون بهذا لكونهم أخبثُ منه وأدهى ، فهم لا يعادون الإسلام معاداة صريحة بل يأتون بمسوحِ المصلحين ، ولسنا بصدد ذكر اسمائهم هنا ، ويفسدون من داخل حصوننا ، في مجالات التربية والتعليم ، فيبدلون العقائد ويغيرونها وكذلك يفعلون في أخلاق الناشئة ، ويتولى ذلك الإعلام ومذاييع السوء .
والمراد أنه إنما حمل هذا الجاهل المتهوّك أن يقول ما قال هو ارضاءً لأربابه فيِ بلادِ الغرب الكافر ، وليرفع من خسيسته عندهم ، يبتغي بذلك العزة والرفعة والسّناء ، وهيهات فإنهم يحتقرون أمثاله أيِّما احتقار ، وهو عندهم من سِقطِ المتاع ...ولكن -من المؤسف -أنه أصبح من أسبابِ الشهرةِ الطعن في دين المسلمين وتسفّه أصولهم وتكذبّ بالضرورياتِ وتعارضها بالشُّبه وحجج الصبيان والنساء .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق