الاثنين، 3 فبراير 2020

مراتب التقوى

المرتبة الأولى: من كُمل تقواهم: وهم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وليسوا في درجة واحدة، قال صلى الله عليه وسلم: «إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له»؛ رواه البخاري برقم (5063)، ومسلم (1401)، عن أنس رضي عنه.
وقال العلامة الألوسي في "تفسيره" (17/ 470): ومراتب التقوى متفاوتة: ولرسول صلى الله عليه وسلم أعلاها؛ ا .هـ.

المرتبة الثانية: من وصفهم الله تعالى بقوله: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة:177]. وقوله: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف:156- 157].

المرتبة الثالثة: من كانوا ذوي عملٍ صالحٍ، إلا أن الاسترسال في المباحات يجرُّهم إلى المتشابه، وربما وقعوا في الحرام، ولكن سرعان ما يرجعون؛ كما قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران:133ـ 135].

وروى البخاري برقم (2215)، ومسلم (6949)، عن ابن عمر رضي الله عنه في قصة أصحاب الغار الذي قالت له المرأة: (اتَّقِ الله ولا تفُض الخاتم إلا بحقه)، وذلك بعد أن قعد منها مقعد الرجل من امرأته، وكذا الذي غاضب عامله، ثم بعد فترة من استخدامه للمال والانتفاع منه، أعطاه ماله، وغيرها من الأدلة.

المرتبة الرابعة: أدنى المرتب، وهي مرتبة أصحاب المعاصي والكبيرة، المسترسلين فيها، من غير توبةٍ ولا ندم، للجهل الطاغي عليهم، وهؤلاء أكثر الأصناف عددًا.

ويجمع هذه المراتب: قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة:93]، والله أعلم. راجع: "تفسير الطبري" (8/ 665)، و"تفسير الألوسي" (12/ 374 ـ 375)، و"البصائر" (5/ 258).

مراتب التقوى عند ابن جزي:
قال ابن جزي في "التسهيل لعلوم التنزيل" (1/ 69): درجات التقوى خمس:
الأولى: أن يتقي العبد الكفر، وذلك مقام الإسلام.
الثانية: أن يتقي المعاصي والحرمات وهو مقام التوبة.
الثالثة: أن يتقي الشبهات، وهو مقام الورع.
الرابعة: أن يتقي المباحات وهو مقام الزهد.
الخامسة: أن يتقي حضور غير الله على قلبه، وهو مقام المشاهدة؛ ا .هـ؛ بتصرف يسير.

مراتب التقوى عند ابن القيم:
قال العلامة ابن القيم في "الفوائد" (ص65): التقوى ثلاث مراتب:
أحدها: حمية القلب والجوارح عن الآثام والمحرمات.
والثانية: حميتها عن المكروهات.
والثالثة: الحمية عن الفضول وما لا يغني.
فالأولى: تعطي العبد صيانة.
والثانية: تفيده صحته وقوته.
والثالثة: تكسبه سروره، وفرحه، وبهجته؛ ا .هـ.

قلت: وليكن حال العبد مع ربه، كحال الرجل الذي جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ، إنْ قُتِلتُ في سَبيلِ اللهِ صابرًا مُحتسِبًا مُقبِلًا غيرَ مُدبِرٍ، كَفَّرَ اللهُ به خَطايايَ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنْ قُتِلتَ في سَبيلِ اللهِ صابرًا مُحتسِبًا مُقبِلًا غيرَ مُدبِرٍ، كَفَّرَ اللهُ به خَطاياكَ، ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ لَبِثَ ما شاء اللهُ، ثُمَّ قال: يا رسولَ اللهِ، إنْ قُتِلتُ في سَبيلِ اللهِ، كَفَّرَ اللهُ به خَطايايَ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنْ قُتِلتَ في سَبيلِ اللهِ صابرًا مُحتسِبًا، مُقبِلًا غيرَ مُدبِرٍ، كَفَّرَ اللهُ به خَطاياكَ إلَّا الدَّينَ؛ كذلك قال لي جِبريلُ.

وأخيرًا اعلم أيها القارئ الكريم أكرمك الله بطاعته أن من التُقى البحث عن أخي التقى والصدق، والأمانة، كي تَقَرَّ به عينك، ويعينك على تجنب الخطأ، والعيوب، والرجوع إلى علام الغيوب، ويكون لك ذخرا في الدنيا والآخرة.

وفي هذا الزمان - زمن غربة الإسلام في أهله فضلًا عن غيرهم - مِن سلِم الناس من شره لا يَسْلَمْ من شرهم، ولكن المتقي يعفو ويصفح؛ ابتغاء الأجر من الله، فيهون عليه البلاء، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾ [آل عمران:120].

وفي زماننا لعلَّ الوحدة أحياناً خير من جلساء السوء؛ فقد امتلأت بهم الأرض، ولكن لنا في سلفنا عبرة. ففي "ديوان الشافعي" المنسوب إليه (ص64):إن لم أجـد خـلًا تقيًّا فوحـدتي *** ألذ وأشهى من غوي أعـاشره

وإني لأنوِّه في نهاية هذه الفوائد: إلى ما قد يعصم الله به المسلمين، من بلايا العصر وفتنه، التي تُقطِّعُ وتمزِّقُ قلب كل مسلمٍ سني في هذا العصر، ألا وهو الالتحاق بدور الحديث، المؤسَّس بنيانها على الكتاب والسنة، فإن المسلم قد يجد بغيته لنفسه ولأهله وأولاده، ولو نقص عليه شيء من الدنيا؛ فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وإنَّا لنستودعه ديننا وأمانتنا، وأعراضنا وأهلينا وأموالنا، وما فيه مصالح ديننا ودنيانا، إنه ما استودع شيء إلَّا حفظه، اللهم اعف عنَّا يا رب العالمين.فواز السليماني

شبكة الألوكة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق