الثلاثاء، 30 أبريل 2019

شرح كتاب التوحيد : باب الخوف من الشرك

وقول الله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

وقال الخليل عليه السلام: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم:35].

وفي الحديث: أخوف ما أخاف عليكم: الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال: الرياء رواه أحمد والطبراني والبيهقي.

وعن ابن مسعودٍ : أن رسول الله ﷺ قال: مَن مات وهو يدعو من دون الله ندًّا دخل النار رواه البخاري.

ولمسلم: عن جابرٍ : أن رسول الله ﷺ قال: مَن لقي الله لا يُشرك به شيئًا دخل الجنة، ومَن لقيه يُشرك به شيئًا دخل النار.


الشيخ: هذا الباب له شأن عظيم فيما يتعلق بالشرك، عقده المؤلف للتَّحذير من الشرك الذي وقع فيه الأكثرون، قال المؤلفُ رحمه الله: "باب الخوف من الشرك" يعني: باب وجوب الخوف من الشرك، باب وجوب الخوف منه، والحذر منه ومن وسائله.

وقد وقع في الشرك الأكثرون، ولم ينجُ إلا القليل، كما قال جلَّ وعلا: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام:116]، وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103].

فيجب على المؤمن أن يحذر الشرك، وأن يفهمه حتى يبتعد عن وسائله وذرائعه، قال الله جلَّ وعلا مُحذِّرًا منه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، فبين سبحانه أن الشرك لا يُغفر، بل مَن مات عليه فله النار -نعوذ بالله- يوم القيامة، قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88]، وقال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72]، وقال : وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ يعني: إلى النبي ﷺ: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ۝ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الزمر:65- 66].

قال الخليلُ إبراهيم عليه الصلاة والسلام: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم:35]، إذا كان الخليل خاف على نفسه وعلى بنيه وهو إمام الحنفاء فكيف بغيره؟ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ يعني: جنبني، أبعدني عن عبادة الأصنام أنا وذُريتي، أما ما دون الشرك من المعاصي فهي تحت المشيئة، كما قال تعالى: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

فمَن مات على شيءٍ من المعاصي: كالزنا أو شرب المسكر أو العقوق أو الربا أو ما أشبه ذلك فهو تحت مشيئة الله: إن شاء الله غفر له، وإن شاء عذَّبه على قدر معاصيه بالنار، ثم بعد التَّطهير والتَّمحيص يُخرجه الله من النار إلى الجنة إذا كان مات على التوحيد والإيمان والإسلام.

فالواجب الحذر من الشرك أكبر الحذر، ثم الحذر من المعاصي أيضًا؛ حتى لا يكون مُعرَّضًا للنار.

وفي الحديث يقول ﷺ: أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، أخوف ما يخاف على الصحابة وعلى أمته الشرك الأصغر؛ لأنَّ النفوس قد تميل إليه، يُزين لها الشيطان ذلك، فسُئل عنه فقال: الرياء، يقول الله يوم القيامة للمُرائين: اذهبوا إلى مَن كنتم تُراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟! كونه يُصلي يُرائي، يتصدق يُرائي، يُجاهد يُرائي، يأمر بالمعروف يُرائي، أو ما أشبه ذلك، كفعل المنافقين، قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:142].

فالرياء من عمل المنافقين، والواجب الحذر منه، وهو يُخاف على الصالحين؛ فقد يقرأ يُرائي، قد يُصلي بعض الأحيان يُرائي، قد يدعو إلى الله ويأمر بالمعروف يُرائي؛ ليمدح، ليُقال أنه جيد، فهذا العمل الذي يقترن معه الرياء يكون باطلًا، صاحبه على خطرٍ، والشرك الأصغر لا يُخرج من الملة، فصاحبه لا يكون كافرًا، لكن يكون نقصًا في إيمانه، ونقصًا في توحيده، وصاحبه على خطرٍ، ويُخشى عليه من العذاب يوم القيامة، إلا أن يعفو الله عنه برجحان حسناته، أو بتوبةٍ.

وفي الحديث يقول ابنُ مسعودٍ : عن النبي ﷺ أنه قال: مَن مات وهو يدعو من دون الله ندًّا دخل النار، مَن مات وهو يتَّخذ لله النِّد؛ يعني: حجرًا أو صنمًا أو ملكًا أو وليًّا يدعوه مع الله، ويستغيث به؛ فقد أشرك، قال سبحانه: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، ويقول سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165].

فالواجب الحذر من ذلك، وعدم اتّخاذ الأنداد، يعني: اتّخاذ الشُّركاء، يعبدهم مع الله، سواء كان صنمًا أو وليًّا أو شجرًا أو حجرًا أو ملكًا أو جنيًّا أو غير ذلك يدعوه مع الله، ويستغيث به، وينذر له، ويذبح له، هذا الشرك الأكبر، كما يفعل عبَّاد القبور الآن؛ يدعون الأموات، ويستغيثون بهم: سيدي فلان اشفني، انصرني، أنا في جوارك، أنا في حسبك. هذا الشرك الأكبر، أو يذبح له، أو ينذر له، هذا الشرك الأكبر، نعوذ بالله، أو يدعو وليًّا من الأولياء الغائبين، أو ملكًا من الملائكة، أو نبيًّا من الأنبياء ولو بعيدًا عنه، ولو بعيدًا عن قبره، يستغيث به يقول: يا فلان، يُنادي، وهو ميت أو غائب، يظن أنه يعلم الغيب، ويستطيع النفع والضر، هذا الشرك الأكبر، أو يدعو الأصنام، أو النجوم، أو الشمس، أو القمر، أو الجن، هذا هو الشرك الأكبر، ينقض لا إله إلا الله؛ ولهذا قال ﷺ: مَن مات وهو يدعو من دون الله ندًّا يعني: يتَّخذ مع الله ندًّا، يعني شريكًا يدعوه ويستغيث به؛ فهو في النار.

فالواجب الحذر من الشرك كله: دقيقه وجليله.

ويقول ﷺ في حديث جابر: مَن لقي الله لا يُشرك به شيئًا دخل الجنة، ومَن لقيه يُشرك به شيئًا دخل النار، ففي هذا بيان عظم الشرك وخطره، ووجوب الخوف منه، وفضل التوحيد، وأن مَن مات عليه فهو إلى الجنة، مَن مات على التوحيد سالمًا من الشرك فهو من أهل الجنة، لكن إن لم تكن له ذنوب أصرَّ عليها دخل الجنة من أول وهلةٍ، فإن كانت له ذنوب فهو تحت المشيئة هذا الموحد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق