الثلاثاء، 23 أبريل 2019

باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله

وقول الله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ [الإسراء:57].

وقوله: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ۝ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف:26- 27].

وقوله: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31].

وقوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165].

وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: مَن قال: لا إله إلا الله وكفر بما يُعْبَد من دون الله؛ حرم ماله ودمه، وحسابه على الله.


الشيخ: لما ذكر التوحيد وأدلته وفضله وتحقيقه، وذكر الشرك والخوف منه، وذكر أيضًا وجوب الدَّعوة إلى الله، وبيان حقّ الله على عباده؛ ذكر آيات أيضًا مع حديثٍ في تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله؛ تكملةً لما تقدم، وتأكيدًا لما تقدم، وإلا تقدم تفسيره وإيضاحه، ولكن هذا من باب التأكيد والإيضاح؛ لعظم المسألة، وشدة الحاجة إلى المزيد من البيان؛ ولهذا قال رحمه الله: "باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله" هذا من عطف الدال على المدلول: التوحيد ومدلول شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة لا إله إلا الله مدلولها توحيد الله والإخلاص له، فالمعنى: باب تفسير التوحيد الذي هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، فإن معنى "لا إله إلا الله" لا معبود حقّ إلا الله، فهي كلمة التوحيد، والكلمة الفارقة بين الشرك والإيمان، وهي أول كلمةٍ دعت إليها الرسل: لا إله إلا الله، قال ﷺ: أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها، وحقّها الإيمان بأنه رسول الله، ثم الإيمان بما أوجب الله، وبما حرَّم الله، والعمل، يقول الله جلَّ وعلا: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [الإسراء:57]، ذكر الآية الدالة على الشرك لأنَّ ضد الشرك هو التوحيد في الباب في تفسير الشيء بضدِّه؛ فإن الشرك هو ضد التوحيد، قال تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا [الإسراء:56]، ثم قال بعده: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يعني: أولئك الذين يدعوهم أهل الشرك، ويستغيثون بهم من الأنداد والأصنام والأشجار والأحجار وغيرهم، هم عبيد لله، والآية فيمَن يعبد الصالحين، الآية الكريمة هذه فيمَن يعبد الصالحين: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ.

فالآية نزلت فيمَن يعبد المسيح وأمه، ويعبد الصالحين والأنبياء، يقول الله جل وعلا: هؤلاء الذين تدعوهم هم عبيد أمثالكم يدعوني، ويرجون رحمتي، ويخافون عذابي، فكيف تدعونهم من دون الله؟ كيف تتعلقون بهم؟ ولهذا قال قبلها: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ على سبيل التهديد والتقريع والتوبيخ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا، إن هؤلاء المدعون من دون الله من أنبياء أو أولياء أو جنّ أو غير ذلك كلهم لا يملكون كشف الضر ولا تحويله، لا يملكون كشف الضر بالكلية، ولا تحويله من حالٍ إلى حالٍ: من شدة إلى ضعفٍ، أو من عضو إلى عضوٍ، لا يملكون ذلك، كله بيد الله .

ثم بيَّن حالهم فقال: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يعني: أولئك الذين يدعوهم أهل الشرك يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ مثل عيسى وأمه، ومثل الملائكة والأنبياء، هم يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا يعني: كيف تدعونهم من دون الله وهم عبيد مثلكم يبتغون الوسيلة إليَّ؟! والوسيلة: القربة إليه بالطاعة إلى ربهم، الوسيلة يعني: القربة إليه بالطاعة، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ.

قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ۝ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف:26- 27]، هذا هو التوحيد؛ البراءة من الشرك، والإخلاص لله جلَّ وعلا، براءة من الشرك، وترك له؛ حذرًا منه، وتخصيص الله بالعبادة جلَّ وعلا، هذا هو توحيد الله الذي جاءت به الرسل: نوح وهود وصالح ومَن بعدهم، وإبراهيم ومَن بعده.

قال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ [التوبة:31] يعني: اتَّخذ المشركون من اليهود والنَّصارى أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ الأحبار: العلماء، والرهبان: العباد، اتَّخذوهم أربابًا: يدعونهم ويستغيثون بهم وينذرون لهم، يعني: أتوا الشرك الأكبر: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

فالمشركون اتَّخذوا أحبارهم ورُهبانهم أربابًا من دون الله، والمسيح ابن مريم كذلك عبده النَّصارى فضلوا بهذا وكفروا، والواجب ترك ذلك، والحذر من ذلك، وإخلاص العبادة لله وحده.

قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة:165] يعني: بعض الناس يتَّخذ أندادًا من دون الله: من ملائكةٍ أو أنبياء أو جنٍّ أو غير ذلك، يُحبونهم كحبِّ الله، والأنداد: الأشباه والنُّظراء، يعني: يتَّخذون أندادًا يُشبهونهم بالله، يدعونهم مع الله، يستغيثون بهم، وينذرون لهم، وهذا هو الشرك الأكبر؛ ولهذا قال بعدها في الآخرة: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167].

فالواجب تخصيص الله بالعبادة، والحذر من عبادة ما سواه: من ملكٍ أو نبيٍّ أو شجرٍ أو صنمٍ أو جنٍّ أو غير ذلك، العبادة حقّ الله وحده: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، وقال سبحانه: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ۝ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:2- 3]، وقال : وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وقال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وقال سبحانه: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج:62]، وقال النبي ﷺ: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يُشركوا به شيئًا، وقال عليه الصلاة والسلام: مَن مات وهو يدعو لله ندًّا دخل النار، وقال عليه الصلاة والسلام: مَن لقي الله لا يُشرك به شيئًا دخل الجنة، ومَن لقيه يُشرك به شيئًا دخل النار.

فالواجب على جميع المكلَّفين من الجنِّ والإنس الحذر من ..... الشرك، وأن تكون عبادتهم لله وحده: من دعاءٍ وخوفٍ ورجاءٍ وصلاةٍ وصومٍ وحجٍّ وغير هذا، كله لله وحده، لكن يُستعان بالمخلوق الحاضر لا بأس، الحي الحاضر القادر يُستعان به فيما يقدر عليه، هذا ليس من الشرك، كما قال الله عن موسى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ [القصص:15]، أو تقول لأخيك: ساعدني على إصلاح السيارة، ساعدني على عمارة بيتي، على إصلاح المزرعة، لا بأس بهذا، أو بالمكاتبة، أو بالتليفون تقول له: افعل كذا، وافعل كذا، لا بأس، لكن تدعو الميت أو الغائب بغير وسيلةٍ –الغائب- تعتقد أنه يعلم الغيب، أو يسمع كلامك؛ هذا هو الشرك الأكبر، كما فعل المشركون مع الجنِّ، ومع الملائكة، ومع الغائبين ممن يعتقدون فيهم الصلاح.

وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبد من دون الله؛ حرم ماله ودمه، وفي اللفظ الآخر: مَن وحَّد الله وكفر بما يُعبد من دونه حرم ماله ودمه، وحسابه على الله  رواه مسلم من حديث طارق بن أشيم.

يُبين ﷺ أنَّ مَن وحَّد الله وخصَّه بالعبادة وكفر بما يُعبد من دونه فقد عصم ماله ودمه، يعني: أتى بالتوحيد، أصل التوحيد هذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إذا أخلص لله العبادة ووحَّده، وكفر بما يُعبد من دونه؛ أنكر الشرك وتبرأ منه وكفر به، وخصَّ الله بالعبادة، مع إيمانه بالرسول ﷺ، والشهادة بأنه رسول الله؛ فقد حرَّم نفسه ودمه على النار، حرم ماله ودمه، حرم ماله ودمه في الدنيا، وحرم على النار في الآخرة، يعني: صار مسلمًا معصومًا، يحرم ماله ودمه، فصارت له الجنة يوم القيامة؛ ولهذا قال: وحسابه على الله يعني: فيما يأتي بعد هذا التوحيد الله الذي يُحاسبه بما يأتي بعد ذلك، إذا أخلص لله العبادة، وكفر بما يُعبد من دون الله، وآمن بالله ورسوله، وصدَّق الله ورسوله؛ فإنه بهذا يكون مسلمًا، وعليه أن يُؤدي الواجبات، عليه أن ينتهي عن المحرمات، وعليه أن يقف عند حدودها، وحسابه على الله ، وبهذا يحرم ماله ودمه، ويكون معصوم المال والدم حتى يقع منه ما يحلّ ذلك، يقع منه ما يحلّ دمه وماله من الردة عن الإسلام، نسأل الله العافية، ما دام مُوحِّدًا لله، مُخلصًا لله، مُؤمنًا برسوله، مُلتزمًا بشرعه؛ فإنه حرام الدم والمال، والله الذي يُحاسبه على ما بينه وبينه .

وفَّق الله الجميع.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق