الخميس، 30 أبريل 2020

شرح الأصول الستة : الأصل الأول

المقدمة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليمًا كثيرًا‏.‏

فهذا شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله لرسالة الأصول الستة للشيخ محمد إبن عبد الوهاب رحمه الله ، نسأل الله أن ينفع بها الجميع .



الأصل الأول

إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له، وبيان ضده الذي هو الشرك بالله، وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى بكلام يفهمه أبلد العامة، ثم لما صار على أكثر الأمة ما صار أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين والتقصير في حقوقهم، وأظهر لهم الشرك بالله في صورة محبة الصالحين وأتباعهم‏.‏


الشرح

قوله‏:‏ ‏"‏إخلاص الدين لله تعالى وحده لا شريك له‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏‏"‏

الإخلاص لله معناه ‏:‏ ‏"‏أن يقصد المرء بعبادته التقرب إلى الله تعالى والتوصل إلى دار كرامته‏"‏ ‏.‏ بأن يكون العبد مخلصًا لله تعالى في قصده مخلصًا لله تعالى في محبته، مخلصًا لله تعالى في تعظيمه، مخلصًا لله تعالى في ظاهره وباطنه لا يبتغي بعبادته إلا وجه الله تعالى والوصول إلى دار كرامته كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏.‏ ‏[‏سورة الأنعام، الآيتان‏:‏ 162، 163‏]‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ‏}‏، ‏[‏سورة الزمر، الآية ‏:‏ 54‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ‏}‏، ‏[‏سورة البقرة، الآية‏:‏ 163‏]‏ وقوله ‏:‏ ‏{‏فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا‏}‏ ‏[‏سورة الحج، الآية‏:‏ 34‏]‏ وقد أرسل الله تعالى جميع الرسل بذلك كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏25‏]‏ ‏.‏ وكما وضح الله ذلك في كتابه كما قال المؤلف‏:‏ ‏"‏من وجوه شتى بكلام يفهمه أبلد العامة، فقد وضحه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد جاء عليه الصلاة والسلام بتحقيق التوحيد وإخلاصه وتخليصه من كل شائبة، وسد كل طريق يمكن أن يوصل إلى ثلم هذا التوحيد أو إضعافه، حتى إن رجلًا قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏ما شاء الله وشئت‏)‏ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏أجعلتني لله ندًا بل ما شاء الله وحده‏)‏ ‏فأنكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هذا الرجل أن يقرن مشيئته بمشيئة الله تعالى بحرف يقتضي التسوية بينهما، وجعل ذلك من اتخاذ الند لله عز وجل، ومن ذلك أيضًا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حرم الحلف بغير الله وجعل ذلك من الشرك بالله فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك‏)‏ ‏وذلك لأن الحلف بغير الله تعظيم للمحلوف به بما لا يستحقه إلا الله عز وجل، وحينما قدم عليه وفد فقالوا‏:‏ ‏(‏يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا‏)‏ قال ‏:‏ ‏(‏يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل‏)‏ ‏[‏أخرجه الإمام أحمد جـ3 ص 241 ، وعبد الرازق في ‏"‏المصنف‏"‏ جـ11 ص 272 ، والبخاري في ‏"‏الأدب المفرد رقم ‏(‏875‏)‏‏.‏ ‏]‏ وقد عقد المصنف رحمه الله لذلك بابًا في كتاب التوحيد‏.‏

فقال ‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في حماية المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ حمى التوحيد وسده طرق المشرك‏)‏ ‏.‏

وكما بين الله تعالى الإخلاص وأظهره بين ضده وهو الشرك فقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 116‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 36‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ‏}‏، ‏[‏سورة النحل، الآية‏:‏ 36‏]‏ والآيات في ذلك كثيرة‏.‏ ويقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏‏(‏من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار‏)‏ ‏[‏أخرجه البخاري / كتاب العلم/ باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا ، ومسلم / كتاب الإيمان/ باب من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة ومن مات مشرك دخل النار‏]‏‏.‏ رواه مسلم من حديث جابر‏.‏

والشرك على نوعين‏:‏

النوع الأول‏:‏ شرك أكبر مخرج عن الملة وهو‏:‏ ‏(‏كل شرك أطلقه الشارع وهو مناف للتوحيد منافاة مطلقة‏)‏ مثل أن يصرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله بأن يصلي لغير الله أو يذبح لغير الله، أو ينذر لغير الله، أو أن يدعو غير الله تعالى مثل أن يدعو صاحب قبر، أو يدعو غائبًا لإنقاذه من أمر لا يقدر عليه إلا الحاضر، وأنواع الشرك معلومة فيما كتبه أهل العلم‏.‏

النوع الثاني‏:‏ الشرك الأصغر وهو ‏"‏كل عمل قولي أو فعلي أطلق عليه الشارع وصف الشرك لكنه لا ينافي التوحيد منافاة مطلقة‏"‏ مثل الحلف بغير الله فالحالف بغير الله الذي لا يعتقد أن لغير الله تعالى من العظمة ما يماثل عظمة الله مشرك شركًا أصغر، ومثل الرياء وهو خطير قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه‏؟‏ فقال الرياء‏)‏ وقد يصل الرياء إلى الشرك الأكبر، وقد مثل ابن القيم رحمه الله للشرك الأصغر بيسير الرياء وهذا يدل على أن كثير الرياء قد يصل إلى الشرك الأكبر، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ‏}‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 116‏]‏‏.‏ يشمل كل شرك ولو كان أصغر، فالواجب الحذر من الشرك مطلقًا فإن عاقبته وخيمة قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ‏}‏، ‏[‏سورة المائدة، الآية‏:‏ 72‏]‏ فإذا حرمت الجنة على المشرك لزم أن يكون خالدًا في النار أبدًا، فالمشرك بالله تعالى قد خسر الآخرة لا ريب لأنه في النار خالدًا، وخسر الدنيا لأنه قامت عليه الحجة وجاءه النذير ولكنه خسر لم يستفد من الدنيا شيئًا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ‏}‏ ‏[‏سورة الزمر، الآية‏:‏ 15‏]‏‏.‏ فخسر نفسه لأنه لم يستفد منها شيئًا وأوردها النار وبئس الورد المورود، وخسر أهله لأنهم إن كانوا مؤمنين فهم في الجنة فلا يتمتع بهم، وإن كانوا في النار فكذلك لأنه كلما دخلت أمة لعنت أختها‏.‏

واعلم أن الشرك خفي جدًا وقد خافه خليل الرحمن وأمام الحنفاء كما حكي الله عنه‏:‏ ‏{‏وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ‏}‏ ‏[‏سورة إبراهيم، الآية‏:‏ 35‏]‏‏.‏ وتأمل قوله‏:‏ ‏{‏وَاجْنُبْنِي‏}‏ولم يقل‏:‏ ‏"‏وامنعني‏"‏ لأن معنى اجنبني أي اجعلني في جانب عبادة والأصنام في جانب أي إجعلني في جانب عبادة والأصنام في جانب، وهذا أبلغ من أمنعني لأنه إذا كان في جانب وهي في جانب، كان أعد، وقال ابن أبي مليكة ‏:‏ ‏(‏أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم يخاف النفاق على نفسه‏)‏ وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحذيفة ابن اليمان‏:‏ ‏(‏أنشدك الله هل سماني لك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع من سمى من المنافقين‏)‏

مع أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ

بشره بالجنة ولكنه خاف أن يكون ذلك لما ظهر لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أفعاله في حياته، فلا يأمن النفاق إلا منافق، ولا يخاف النفاق إلا مؤمن، فعلى العبد أن يحرص على الإخلاص وأن يجاهد نفسه عليه قال بعض السلف ‏"‏ما جاهدت على الإخلاص‏"‏ فالشرك أمره صعب جدًا ليس بالهين ولكن الله ييسر الإخلاص على العبد وذلك بأن يجعل الله نصب عينيه فيقصد بعمله وجه الله‏.‏


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق